Trending Events

الهندسة الخارجية:

ملامح “الموجة الثالثة” من التنافس على القارة الأفريقية

- أبوظبي، 8 مارس 2018

نظم مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، حلقة نقاشية استضاف خالها كاً من: الدكتور حمدي عبدالرحمن، الأستاذ بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعي­ة في جامعة زايد بدولة الإمارات العربية المتحدة، والدكتورة أماني الطويل، مديرة وحدة العاقات الدولية والبرنامج الأفريقي بمركز الدراسات السياسية والاستراتي­جية بالأهرام، وذلك للحديث حول أبعاد تدافع القوى الدولية على أفريقيا، خاصة منطقة القرن الأفريقي.

اأولً: التكالب الدولي على اأفريقيا

في البداية، ذكر الدكتور حمدي عبدالرحمن أن القارة الأفريقية تشهد ما أسماه "الموجة الثالثة" من التكالب الدولي، موضحاً أن الموجة الأولى بدأت مع مؤتمر برلين الأول )1884 - 1885(، والذي قام بتقسيم القارة الأفريقية بين القوى الأوروبية الرئيسية آنذاك. أما الموجة الثانية، فقد بدأت مع الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، وقد كانت القارة الأفريقية إحدى ساحات التنافس الرئيسي بها.

وأضاف الدكتور عبدالرحمن أن أحد مامح الموجة الثالثة من التكالب الدولي على أفريقيا، هي زيارة وزير الخارجية الأمريكي آنذاك "ريكس تيلرسون" 5 دول أفريقية في مارس 2018. فالمتابع لهذه الزيارات يجد أنه سعى لزيارة القوى الرئيسية المهمة للمصالح الأمريكية، والتي تتمثل في: إثيوبيا التي تحتضن مقر الاتحاد الأفريقي، وكينيا وتشاد وهما من الدول الحليفة لواشنطن في مكافحة الإرهاب، وجيبوتي التي تتمتع بأهمية استراتيجية باعتبارها الممر الجديد للتجارة العالمية، وأخيراً نيجيريا التي تتمتع بأهمية نفطية كبيرة.

ثانياً: متغيرات اإقليمية ودولية

أشارت الدكتورة أماني الطويل، في مداخلتها، إلى 3 متغيرات أساسية أوجزتها في النقاط التالية: 1- احتدام الصراع الصيني - الأمريكي:

لتعزيز عاقاتها مع إريتريا في عام 2009، من خال إبرام عدد من الاتفاقيات التي حصلت بموجبها على تسهيات عسكرية.

وأدى ذلك بمرور الوقت إلى تصاعد الخطر الإيراني في شرق أفريقيا، وهو ما أكده الدعم الإيراني بأشكاله المختلفة إلى ميليشيا "الحوثيين" في اليمن، وسعي العديد من الدول الإقليمية والدولية لمواجهة النفوذ الإيراني عبر إقامة قواعد عسكرية في جيبوتي وجمهورية أرض الصومال، لمنع طهران من الهيمنة على واحدة من مناطق الممرات البحرية الحيوية في العالم، حيث يمر من مضيق باب المندب حوالي 11% من التجارة الدولية، وأكثر من 8,3 مليون برميل نفط يومياً.

ونظراً لهذا الخطر الإيراني، سعت بعض الدول العربية، ومنها السعودية والإمارات، إلى تعزيز عاقاتها الاقتصادية مع القارة الإفريقية، فعلى سبيل المثال، بلغ حجم الاستثمارا­ت السعودية والإماراتي­ة في إثيوبيا حوالي 13 و2 مليار دولار على التوالي، وركزت هذه الاستثمارا­ت على القطاع الزراعي، خاصة أنها ترتبط بمحاولة الدولتين سد فجوة الأمن الغذائي.

3- تصاعد الدور التركي: بدأت تركيا في تبني سياسة نشطة تجاه الدول الأفريقية، خاصة تلك المطلة على البحر الأحمر، فاستطاعت أن تقيم قاعدة عسكرية لها في الصومال، بالإضافة إلى التواجد التركي في جزيرة سواكن السودانية، والحديث عن إمكانية تحويلها لقاعدة عسكرية، فضاً عن افتتاح الخطوط الجوية التركية خطوطاً ماحية تُغطي أكثر من 29 دولة، بالإضافة إلى الزيارات الرسمية التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العديد من الدول الأفريقية.

ونتج عن التطورات الثاثة السابقة أنه لم يعد بالإمكان النظر إلى البحر الأحمر باعتباره بحيرة عربية، بل أصبحت الدول العربية والأفريقية، بل والإقليمية والدولية، فاعاً أساسياً في ترتيبات الأمن في هذه المنطقة، بما رتبه ذلك من تحديات.

ثالثاً: اأو�ساع داخلية ماأزومة

أكدت الدكتورة أماني أن هذا التكالب الإقليمي والدولي على القارة الأفريقية يرافقه تراجع في المؤشرات التنموية، فاتزال العديد من الدول الإفريقية تعاني الفقر، على نحو ما هو واضح في حالتي جيبوتي وإريتريا، كما أن بعض الدول الأخرى تشهد تراجعاً للأوضاع الأمنية بها؛ إذ تشهد الصومال تنامياً واضحاً لحركة "شباب المجاهدين"، والتي شهدت عملياتها المسلحة ازدياداً واضحاً.

ومن جانبه، أوضح الدكتور حمدي عبدالرحمن أن منطقة الساحل الأفريقي تشهد هي الأخرى تصاعداً للنشاط الإرهابي، خاصة مع انضواء المجموعات الإرهابية التابعة ل "القاعدة" تحت لواء جماعة "نصرة الإسام والمسلمين"، بالإضافة إلى تصاعد نشاط تنظيم "داعش" في هذه المنطقة، وذلك ارتباطاً بحالة السيولة في ليبيا والهشاشة الأمنية لدول الساحل والصحراء.

رابعاً: ملامح الموجة الثالثة

أكد الدكتور عبدالرحمن أن هناك سمتين أساسيتين للموجة الثالثة من التكالب الدولي على القارة الأفريقية، وهما:

1- الهندسة الخارجية: إذ إن القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في منطقة القرن الأفريقي باتت تفرض نفوذها على دول القارة، وتصيغ شكل العاقات بين الدول العربية والأفريقية، من دون إرادة من جانب الأفارقة أنفسهم. 2- الاتجاه إلى العسكرة: فقد باتت الدول الإقليمية والدولية المؤثرة تلجأ إلى توظيف التواجد العسكري لحماية مصالحها ونفوذها، ولعل أبرز مثال على ذلك "عسكرة النفوذ الصيني". ويعد أحد الأسباب التي دفعت إلى هذا التغير هو خسارة الصين لاستثمارات­ها في ليبيا عقب تدخل حلف الناتو عسكرياً هناك.

ومن جهة ثانية، فإن الولايات المتحدة تحتفظ بحوالي 4 آلاف جندي من قوات "المارينز" وقاعدة للطائرات بدون طيار في جيبوتي، بالإضافة إلى منصات درونز، لدعم جهودها في مكافحة الإرهاب، سواء في منطقة القرن الأفريقي، أو في اليمن.

ومن جهة ثالثة، بدأت فرنسا هي الأخرى في تعزيز وجودها العسكري في غرب أفريقيا، وإن طرأ على السياسة الفرنسية تغير واضح، وذلك من خال دعمها إنشاء قوة إقليمية مشتركة من دول الساحل الخمس )موريتانيا، ومالي، والنيجر، وبوركينافا­سو، وتشاد( لمكافحة المجموعات الجهادية في تلك المنطقة.

وفي الختام، اتفق المشاركون في حلقة النقاش على تراجع الدور العربي في إفريقيا، بسبب الخافات البينية بين الدول العربية، فضاً عن ميل بعض الدول الغربية، خاصة فرنسا، إلى الربط بين العرب والإسام من جانب، والإرهاب الإفريقي من جانب آخر، حيث نشطت هذه الأطروحات مع تنامي التنظيمات الإرهابية في منطقة القرن الأفريقي والساحل. وثمة ضرورات قصوى تتعلق بمتطلبات الأمن الوطني للدول العربية تستلزم أن تحظى أفريقيا بمزيدٍ من الاهتمام الاقتصادي من الدول العربية كافة لعدم تحويل أفريقيا إلى ساحة خلفية للنفوذ الإقليمي الذي يعمل ضد مصالح الدول العربية.

وعلى الرغم من أن الغرب يتهم الصين بالإمبريال­ية؛ فإن علينا ألا نغفل أن بكين قامت بمساعدة العديد من الدول الأفريقية في بناء بنيتها التحتية، وتطويرها، في حين أن الدول الغربية ارتبط دورها تاريخياً بالتدخل في الصراعات والحروب الأهلية التي شهدتها الدول الأفريقية.

ويتضح من ذلك أن المشروعات الغربية للتغيير في المنطقة تستهدف خلخلة العالم العربي، وإعادة هيكلة خريطة الإقليم، وإعادة رسم الحدود داخل الدول عبر تفتيت الدول العربية ودعم تشكل دويات متعددة، مع توظيف الأقليات في إثارة عدم الاستقرار في العالم العربي.

ثانياً: تفجير ال�سطرابات الإقليمية

أدى التاقي في مصالح الأطراف الإقليمية غير العربية والدولية في تفكيك منطقة الشرق الأوسط، إلى تصاعد حدة الاضطرابات السياسية والتهديدات الأمنية، وسعت "دول الهوامش" في المنطقة لاستغال عدم الاستقرار عبر اتباع عدة سياسات تتمثل فيما يلي: 1- تأجيج الصراعات الداخلية: كشفت مراجعة التطورات التي أعقبت "الثورات العربية" في بعض الدول العربية عن تورط قوى إقليمية في إثارة التوترات الداخلية، وإدارة حروب بالوكالة مع الدول المناوئة لمصالحها، على غرار الدور الإيراني في سوريا والعراق، والسياسات التركية تجاه سوريا وليبيا، حيث قامت هذه الدول بتسهيل إمداد الميليشيات المسلحة والتنظيمات المتطرفة بالمال والساح. -2 التحالف مع تيارات "الإسلام السياسي": قامت القوى الإقليمية بالتحالف مع التيارات الدينية في الدول العربية لتحقيق مصالحها، واستكمال الاختراق الداخلي للعالم العربي، وإدارة صراعات بالوكالة ضد القوى الداعمة لاستقرار، إذ قامت تركيا بدعم التيارات الدينية المتطرفة في عدد كبير من دول المنطقة، ووفرت لهم المأوى والاستضافة والدعم المالي والمنصات الإعامية التي تروج لأفكارهم. 3- إثارة الانقسامات الطائفية: تقوم "دول الهوامش" باستغال الانقسامات المجتمعية لإثارة عدم الاستقرار الداخلي، وزيادة حدة الاستقطاب السياسي. فعلى سبيل المثال، تستغل إيران الارتباط بالأقليات الشيعية في الدول العربية لاختراق المجتمعات والمؤسسات، وتأسيس عاقات للتبعية السياسية لتحقيق مصالحها.

4- التدخل العسكري المباشر: تصاعد اعتماد "دول الهوامش" الإقليمية على سياسات التدخل العسكري عقب "الثورات العربية" ضمن الاتجاهات شديدة العدوانية تجاه المنطقة العربية، حيث قامت تركيا وإيران بالتدخل العسكري في العراق وسوريا، ودعمت إيران ميليشيا "الحوثيين" عسكرياً ومالياً ضمن الحرب بالوكالة التي تخوضها ضد الدول العربية. ويُضاف إلى ذلك، قيام "دول الهوامش" بتأسيس قواعد عسكرية داخل المنطقة العربية وفي امتداداتها الجغرافية في شرق أفريقيا، وهو ما يمكن اعتباره تطبيقاً لسياسات "شد الأطراف" في مواجهة الدول العربية.

ثالثاً: دوافع «دول الهوام�ش»

تستهدف القوى الإقليمية غير العربية من سياساتها العدوانية التدخلية تجاه المنطقة تحقيق عدة مصالح جيوسياسية يتمثل أهمها فيما يلي: 1- إضعاف المشروع العربي: تعتبر "دول الهوامش" المشروع العربي البديل الأساسي لمشروعات الهيمنة التي تسعى لفرضها على المنطقة، على غرار المشروع الشرق أوسطي الذي يقوم على إدماج إسرائيل في الإقليم، وفرض صيغة غير عادلة وغير متوازنة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، وتهدف إيران وتركيا لانتزاع الصدارة الإقليمية وفرض مشروعاتها للهيمنة على الشرق الأوسط. 2- السيطرة على الممرات: تسعى تركيا وإيران وإسرائيل للسيطرة على الممرات الماحية الاستراتيج­ية في المنطقة العربية باعتبارها تتحكم في حركة البضائع والأفراد وموارد الطاقة، وهو ما يرتبط بالسعي التركي لتعزيز عاقتها السياسية والعسكرية مع السودان والتواجد في جزيرة "سواكن" ضمن سياساتها للتغلغل في المنطقة المُطلة على البحر الأحمر. 3- تأمين المصالح الاقتصادية: تُعد المنطقة العربية سوقاً مهمة لدول "الهوامش" الشرق أوسطية، لأن هذه الدول لا تملك امتدادات جغرافية يمكن أن تعتبرها أسواقاً دائمة لمنتجاتها، ومن ثم تركز إسرائيل وتركيا وإيران على المردود الاقتصادي لسياساتها الإقليمية عبر عقد اتفاقات اقتصادية وتجارية متعددة مع دول المنطقة، وتحويل التفاعات الإقليمية إلى "عاقات أعمال" مربحة. 4- الهيمنة على الموارد الاستراتيج­ية: تهدف القوى الإقليمية سالفة الذكر إلى السيطرة الكاملة على الموارد الاستراتيج­ية في المنطقة العربية، خاصة موارد الطاقة، حيث تسعى تركيا لانتزاع السيطرة على حقول الغاز المُكتشفة في شرق المتوسط، وهو ما دفعها للتهديد باستخدام القوة العسكرية في مواجهة عمليات التنقيب الكثيفة عن الغاز، وينطبق الأمر نفسه على إسرائيل التي تعارض عمليات استكشاف لبنان للغاز في منطقة "البلوك رقم 9."

رابعاً: م�ستقبل المنطقة العربية

تتمثل أهم مامح مستقبل المنطقة العربية، وفقاً لما طرحه أ. عماد الدين أديب، فيما يلي: 1- إدارة الاستحقاقا­ت السياسية: تعد الانتخابات التشريعية في بعض الدول العربية خال العام الحالي مثل العراق ولبنان، نقطة تحول مفصلية في ظل ما يُصاحبها من استقطاب سياسي ومحاولات لتدخل القوى الإقليمية والدولية لتحقيق مصالحها.

2- استعادة التوازن المجتمعي: يرتبط تجاوز التحديات السياسية والتهديدات الأمنية باستعادة التماسك المجتمعي، ومواجهة ثقافة التشكيك والتمرد والاستقطاب والانقسام التي يتم الترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي من جانب بعض القوى الخارجية لتفكيك المجتمعات وتدميرها من الداخل. 3- مرحلة ما بعد "داعش": على الرغم من الانحسار النسبي لتنظيم "داعش" في سوريا والعراق، فإنه تمكن من الانتقال إلى بعض بؤر التمركز البديلة في المنطقة العربية، مثل ليبيا. كما تنتشر الخايا والجماعات المحلية التابعة ل "داعش" على امتداد المنطقة العربية وفي المحيط الإقليمي في غرب أفريقيا والصومال، وهو ما يفرض مواجهة محاولات اختراق العناصر التابعة ل "داعش" للدول العربية. -4 تحولات الصراعات الداخلية: تغيرت توازنات القوى الداخلية ضمن الصراعات الداخلية الأكثر احتداماً في المنطقة العربية، إذ لم يعد رحيل "الأسد" مطلباً لأي من القوى الإقليمية والدولية، ولم تعد المعارضة السورية تتمسك به في إطار عمليات التسوية، وانتقل الصراع إلى مرحلة تقاسم نطاقات النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية المتدخلة، مثل روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا. 5- مواجهة تهديدات "أمن الحدود": تواجه الدول العربية تهديدات متعددة تنبع من التدفقات الحدودية، حيث تصاعدت عمليات تهريب الأسلحة وأنشطة عصابات التهريب، وانتقال التنظيمات الإرهابية عبر الحدود بين الدول العربية، وهو ما يزيد من أهمية تأمين الحدود، ومواجهة التهديدات، وسياسات الاستنزاف التي تتبعها القوى الإقليمية والدولية ضد الدول العربية عبر إثارة التهديدات العابرة للحدود. 6- استيعاب الضغوط الاقتصادية: تمثل مواجهة التحديات الاقتصادية محدداً مهماً لقدرة الدول العربية على تعزيز الاستقرار السياسي الداخلي. وتعد الحالة التونسية نموذجاً على ذلك، فالاستقرار السياسي يتوقف على قدرة الدولة على استعادة الأداء المتوازن لاقتصاد، وتخفيف حدة الضغوط التي تواجهها القطاعات المجتمعية الأقل دخاً، بالإضافة لتعزيز الموارد الوطنية لاستمرار في تقديم الخدمات العامة.

قامت القوى الإقليمية بالتحالف مع التيارات الدينية في الدول العربية لتحقيق مصالحها، واستكمال الاختراق الداخلي للعالم العربي، وإدارة صراعات بالوكالة ضد القوى الداعمة للاستقرار، إذ قامت تركيا بدعم التيارات الدينية المتطرفة في عدد كبير من دول المنطقة، ووفرت لهم المأوى والاستضافة والدعم المالي والمنصات الإعلامية التي تروج لأفكارهم.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates