Tech War
حرب صينية - أمريكية في مجال ”التكنولوجيا فائقة التقدم“
أثارت محاولات الصين الرامية للانتقال إلى مرحلة التصنيع في مجالاتالتكنولوجيا فائقة التقدم إلى زيادة المخاوف الأمريكية خصوصاً والغربية عموماً، على نحو ما عكستهاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، والتي أكدت أن تنامي القدرات التكنولوجيةالصينية من مهددات الأمن الأمريكياقتصادياً وعسكرياً) (، 1 وهو ما دفع إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى اتخاذ عدة إجراءات عقابية ضد الشركات الصينية.
يسعى هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على التغيرات التي حدثت في السنوات القليلة الماضية في استراتيجية الدول الصناعية الكبرى، خاصة الصين، وذلك للوقوف على أسباب تصاعد حالة التوتر الدولي بينها وبين كل من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، ولماذا تنظر هذه الدول إلى المساعي الصينية لتطوير تكنولوجيات فائقة التطور على أنه تهديد يمس أمنها القومي.
اأولاً: التوجه نحو الثورة ال�سناعية الرابعة
فرضت الثورة الصناعية الرابعة التي يشهدها العالم ضرورة مُلّحة على الدول المتقدمة لكي تعيد النظر في استراتيجيتها التصنيعية من خلال إعادة بلورة أهدافها بصورة تحافظ على ريادتها خلال السنوات القادمة، فالقوى المحركة للتنمية بمفهومها الشامل تتغير بسبب التطورات التكنولوجية المتسارعة، والتي تقودها التقنيات الذكية مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والروبوتكس والطابعات ثلاثية الأبعاد والحاسبات الكمومية والهندسة الحيوية.
ودفعت هذه التطورات الدول الصناعية الكبرى في العالم لتبني استراتيجيات جديدة تحافظ لهذه الدول على تقدمها في مجال التصنيع المتقدم، فأصدر الرئيسي الأمريكي باراك أوباما عام 2011 مبادرة "شراكة التصنيع المتقدم" Advanced Manufacturing( (Partnership2((، لتأمين الريادة الأمريكية في التصنيع المتقدم وتعزيز قدرتها التنافسية العالمية، خاصة في مجال التكنولوجيات الجديدة، وبعد ذلك، طرحت الإدارة الأمريكية شعار "إعادة تصنيع الولايات المتحدة وإرجاع وظائف التصنيع".
وتبنت ألمانيا "استراتيجية تكنولوجيا فائقة التقدم 2020" The new High-Tech( (Strategy3((، التي تركز على تحويل الأفكار المبتكرة في مجال التكنولوجيات الجديدة إلى تطبيقات واقعية، ووضعت بريطانيا "استراتيجية الصناعة والطاقة 2050" Energy and( (Industrial Strategy 2050 4((، وطرحت اليابان "استراتيجية إنترنت الأشياء"5(،) فضلاً عن تقدمها على منافسيها في مجال الروبوتكس، كما وضعت فرنسا عام 2015 استراتيجية " صناعة المستقبل" Industry of( the Future ) التي تعد بمنزلة خطة لإعادة
التصنيع في فرنسا تشمل التركيز على التقنيات الذكية، خاصة في مجال المدن الذكية والنقل والطب والبيانات العملاقة)6،) في حين تبنت كوريا الجنوبية عام 2016" خطة النمو" Growth Strategy( ،) والتي تهدف إلى تحقيق أهداف مماثلة.
وفي ضوء هذا الوضع، لم يكن من المستغرب أن تسعى بكين هي الأخرى لاستكشاف سبل الاتجاه نحو الابتكار والتصنيع المتقدم، ففي عام 2013، نظمت الأكاديمية الصينية للهندسة فريقاً ضم أكثر من مائة أكاديمي وعالم، لبحث اتجاه تطوير القطاع الصناعي الصيني، واستعراض إجراءات واستراتيجيات الدول الصناعية المتقدمة، وقضايا القطاع الصناعي الصيني، وآثار التقدم التقني الرئيسية، وبعد سنتين من الجهود، قدم الفريق بحثاً حول سبل تطوير هذا القطاع، استندت إليه الحكومة الصينية في صياغة استراتيجية "صنع في الصين 2025" التي أعلنت في مايو عام 7( 2015.)
وتهدف الاستراتيجية إلى الارتقاء بالقطاع الصناعي الصيني وتحويله إلى قطاع متقدم، يساهم في تعزيز القدرة التنافسية الصناعية الصينية، لتنضم الصين إلى صفوف دول العالم المتقدم في القطاع الصناعي، من حيث خفض استهلاك الموارد ورفع إنتاجية العمل وتعزيز القدرة على الابتكار التكنولوجي وتحسين الهيكل الصناعي، وزيادة عدد براءات الاختراق والاستثمار في البحث والتطوير والعنصر البشري ونسبة الربح من المبيعات، على نحو يمكن أن يساعد في تطوير القطاع الصناعي الصيني ويجعلها في مقدمة الدول المنتجة لتكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة.
ثانياً: م�ساعي بكين للهيمنة على التكنولوجيا المتقدمة
قرر الرئيس الصيني "شي جين بينج" منذ انتخابه في مارس 2013 تغيير العقيدة الصناعية للصين، لكي تتخلص من تبعيتها التكنولوجية للغرب، وأن يجعلها إحدى الدول الكبرى في مجال التكنولوجيا المتقدمة، ومن هنا جاءت "استراتيجية صنع في الصين 2025"، والتي يهدف من خلالها لتطوير القطاع الصناعي بالجهود الذاتية من عدة جوانب تركز في مجملها على الصناعات التكنولوجية فائقة التقدم، وليس الصناعات التقليدية كثيفة العمالة، وكثيفة الاستهلاك للطاقة.
وفي هذا الإطار، اهتمت الصين بصناعة الفضاء، وما يرتبط بها من أقمار صناعية وصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، وصناعة أشباه الموصلات، وتطبيقات الواقع المعزز، والروبوتات والمركبات الآلية والطاقة النووية، وزادت من اهتمامها في مجال التعديل الوارثي الجيني والخلايا الجذعية الجنينية والطب الحيوي، ودعمت الشركات التكنولوجية الصينية الكبرى مثل هواوي و"وي شات" WeChat(،) و"زد تي إيه" ZTE(،) و"تينسنت" Tencent(،) و"علي بابا" ،)Alibaba( و"بايدو" Baidu(،) لتنافس مثيلتها من الشركات الأمريكية الكبرى، خاصة "آبل" و"جوجل" و"فيس بوك" و"أمازون".
ويعتبر أحد أخطر المجالات التي تسعى الصين إلى زيادة قدراتها التكنولوجية فيها هي "الذكاء الاصطناعي"، الذي يصفه "ساندر بيتشاي" Sundar Pichai( ،) المدير التنفيذي لجوجل بأن تأثيره سيفوق تأثير اكتشاف الكهرباء، وذلك بسبب تطبيقاته غير المسبوقة، سواء في المجالات المدنية أو الأمنية أو العسكرية، ولعل الصين تمتلك ميزة نسبية تؤهلها لتنافس دول العالم المتقدم في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو سيطرتها على بيانات مواطنيها، والتي يمكن أن تستفيد منها في تطوير برامج الذكاء الاصطناعي.
ولعل أحد الأمثلة على توظيف بكين الذكاء الاصطناعي نجاح السلطات الأمنية في إلقاء القبض على رجل قام بسرقة كمية من البطاطا تبلغ قيمتها 17 ألف دولار، وذلك أثناء حضوره حفلة في مايو 2018 في مدينة "جياشينج"، حضره أكثر من 17 ألف مدعو، فقد تمكنت خوارزميات الذكاء الاصطناعي، على الرغم من كثرة عدد المدعوين، من تمييزه وكشفه بمطابقة صورته الموجودة في لقطات الكاميرات الأمنية بصورته الموجودة في قاعدة بيانات أهم المجرمين المطلوبين للعدالة، وانتهى هذا الأمر باعتقاله)8.)
وإدراكاً لأهمية الذكاء الاصطناعي أطلقت الصين استراتيجية شاملة في يوليو 2017 تتناول بالتحديد الأهداف المرجو تحقيقها في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي تشمل رقائق معالجة الشبكة العصبية الاصطناعية، والروبوتات الذكية، والمركبات الآلية، والتشخيص الطبي الذكي، والطائرات من دون طيار، والترجمة الآلية.
وفيما يتعلق بالسياسات التي انتهجتها بكين لتوطين التكنولوجيا فائقة التقدم، فيمكن إجمالها فيما يلي: 1- تشكيل تحالفات من شركات التكنولوجيا: عمدت الصين إلى الإسراع في تنفيذ خطتها الرامية إلى توطين الذكاء الصناعي، فأعلن "وان قانج"، وزير العلوم والتكنولوجية الصيني، في نوفمبر 2017 تشكيل ما سماه "فريق الأحلام"، والذي يضم كبريات الشركات التكنولوجية الصينية: بايدو وعلي بابا وتينسنت، وذلك لقيادة الدولة في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد بدأت هذه الشركات بالفعل في إنشاء منصات مفتوحة المصدر لجمع أكبر قدر من المعلومات التي يمكن توظيفها في تعلم الآلات)9(، حيث تخصص شركة علي بابا أكثر من 15 مليار دولار لعمليات البحث والتطوير، وذلك في الوقت الذي تتوسع فيه شركة "هواوي" في عمليات الاستثمار في الجيل الخامس من الإنترنت)10(، وتعد هذه الشبكات أساسية لدعم تقنيات "إنترنت الأشياء"، والتي تعد أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
2- توفير البيانات الضخمة: تحتاج نظم الذكاء الاصطناعي إلى كم هائل من البيانات العملاقة المتدفقة التي يتم تحليلها من أجل تدريب الآلات وتعليمها، ونظراً لأن عدد سكان الصين يفوق ملياراً و400 مليون نسمة، فضلاً عن غياب أي قوانين تحمي الخصوصية الشخصية للأفراد، فإن الشركات الصينية، المدعومة من الحكومة الصينية، تستطيع الاستفادة من هذه البيانات في تحقيق نتائج متقدمة في مجال تعلم الآلات
والذكاء الاصطناعي. ويدعم من ذلك نظم المراقبة الشاملة والتي تجعل جميع أنشطة الأفراد عبر الإنترنت مراقبة، سواء تعلقت بالاتصالات الهاتفية أو حركات البيع والشراء أو تبادل الملفات أو أي نشاط رقمي داخل الصين. وبغض النظر عن الجوانب الأخلاقية في هذه القضية، فإن ذلك يساعد الصين في تطوير نظم ذكاء اصطناعي تجعلها في مقدمة الدول الرائدة في هذا المجال، على عكس الدول الغربية التي تشاركها في السباق نفسه، غير أن نظمها القانونية المتعلقة بحماية الخصوصية الفردية تفرض قيوداً على عملية استخدام وتوظيف بيانات المستخدمين.
وبالإضافة إلى البيانات العملاقة التي تملكها الصين، فهناك عدد آخر من العوامل التي تضمن لها السبق في مجال الذكاء الاصطناعي، فهي تمتلك القوة الحاسوبية والمهندسين الأكْفاء، ناهيك عن الدعم الحكومي للشركات للاستثمار في التقنيات الذكية، مما أهل الصين لكي تنشئ نظم ذكاء اصطناعي تحكم بها قبضتها على جميع الأفراد. 3- إرسال البعثات التعليمية للغرب: اهتمت بكين بإرسال الطلاب لدراسة المواد العلمية المرتبطة بتقنيات التكنولوجية فائقة التقدم في الجامعات الأوروبية والأمريكية تحديداً، حيث تعتبر الصين أكبر مصدر للطلاب المبعوثين في الخارج بعدد يتجاوز 600 ألف طالب)11(، كما قامت بإنشاء أكثر من 4200 ورشة إنتاج ابتكارية وأكثر من 3 آلاف حاضنة تكنولوجية وأكثر من 150 منطقة تنمية صناعية فائقة التكنولوجيا بأنحاء البلاد، ووفرت بيئة الابتكار خدمات لنحو 400 ألف شركة صغيرة ومتوسطة في مجال العلوم والتكنولوجيا) 12 .) 4- زيادة الإنفاق الحكومي على التكنولوجيا: زاد الانفاق الصيني في مجال التكنولوجية المتقدمة من 9.9 مليار دولار عام 2015 إلى 15 مليار دولار في 2016 إلى 21 مليار عام 13( 2017(، وهو ما يعكس حرص الحكومة الصينية إلى سرعة الاستفادة من هذه التكنولوجيات في تنمية الاقتصاد. 5- الاستحواذ على الشركات التكنولوجية: قامت الصين بشراء الشركات التكنولوجية الكبرى في دول الاتحاد الأوروبي للاستفادة من أسرارها التكنولوجية، وقدرت شركة بلومبيرج أن حجم الاستثمارات الصينية في قطاع التكنولوجيا في أوروبا تقدر بحوالي 15.1 مليار دولار)14.)
ثالثاً: ال�سيا�سات الاأمريكية الم�سادة
نظراً للتخوف الأمريكي من تحقيق الصين هيمنة في التكنولوجيات الفائقة بصورة تهددها اقتصادياً وعسكرياً، فقد أقدمت واشنطن على تبني عدد من السياسات لتحجيم الصين، والتي يمكن إجمال أهمها في النقاط التالية: 1- منع الشركات الصينية من الاستحواذ على نظيرتها الأمريكية: أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراراً بمنع شركة "برودكوم ليميتد" السنغافورية من محاولتها الاستحواذ على شركة "كوالكوم" في صفقة تاريخية تقدر ب 142 مليار دولار أمريكي على خلفية اتهامات بإضعاف المنافسة الأمريكية لصالح الصين)15 .)
وفضلاً عن ذلك تسعى إدارة ترامب أيضاً لفرض قيود على الشركات التي بها نسبة مساهمة صينية تتجاوز 25% والتي تسعى للاستثمار أو حتى شراء تكنولوجيات أمريكية متقدمة في مجالات محددة معظمها يتعلق بالأمن القومي، مثل صناعة الشرائح الدقيقة والتشفير، فضلاً عن الذكاء الاصطناعي والروبوتكس)16(، ولذلك يشير بعض المحللين إلى أن تنامي القدرات الصينية التكنولوجية في هذه المجالات سيزيد التوتر بين البلدين، نظراً للطبيعة المزدوجة المدنية والعسكرية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ويلاحظ أن موقف الإدارة الأمريكية يتوافق مع قرار لجنة الكونجرس الصادر في أكتوبر 2012 حول ضرورة منع الشركتين من الدخول في أي عمليات اندماج أو استحواذ داخل الولايات المتحدة، نظراً لارتباط الشركتين بالجيش الصيني، فقد تأسست شركة هواوي على يد "رين زينغفي"، وهو عضو سابق في جيش التحرير الشعبي الصيني في عام 17( 1987(. وعلى الجانب الآخر، وافق البرلمان الأوروبي على اقتراح للمفوضية الأوروبية يقضي بإقامة "إطار قانوني" أوروبي يتيح فرض قيود في الاتحاد الأوروبي على الاستثمارات الأجنبية خصوصاً الصينية منها)18.) 2- إعاقة الشركات الصينية عن العمل في السوق الأمريكي: سعت شركة هواوي الصينية إلى دخول السوق الأمريكية من خلال الشراكة مع شركة الاتصالات الأمريكية "إيه تي آند تي" )AT&T(19((، غير أن "هيئة الاتصال الفيدرالية" أوقفت ا هذه الصفقة، كما حذرت وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي المواطنين الأمريكيين من استخدام هواتف "هواوى" الصينية أو "زد تي إيه" لأنها تهدد أمن الأمريكيين وتتجسس على بياناتهم الشخصية لحساب الحكومة الصينية)20 .) 3- فرض العقوبات الاقتصادية: أصدرت وزارة التجارة الأمريكية قراراً بمنع شركة هواوي الصينية من شراء معالجات الهواتف الذكية والمحمولة من شركة «كوالكوم» الأمريكية عملاق صناعة الرقائق الإلكترونية المتخصصة في تكنولوجيا نظم الاتصالات على خلفية مزاعم بانتهاكها لوائح إدارة التصدير الأمريكية وبيع منتجات لإيران. وعلى الرغم من أن هذا الحظر يرتبط بانتهاك الشركة للعقوبات الأمريكية، غير أنه يمكن لواشنطن توظيفها مرة أخرى إذا ما اتهمت إحدى الشركات الصينية بسرقة براءات
عمدت الصين إلى الإسراع في تنفيذ خطتها الرامية إلى توطين الذكاء الصناعي، فأعلن "وان قانج"، وزير العلوم والتكنولوجية الصيني، في نوفمبر 2017 تشكيل ما سماه "فريق الأحلام"، والذي يضم كبريات الشركات التكنولوجية الصينية: بايدو وعلي بابا وتينسنت، وذلك لقيادة الدولة في مجال الذكاء الاصطناعي.
اختراع نظيرتها الأمريكية. 4- وضع قيود على الطلبة الصينيين: منعت إدارة ترامب الطلاب الصينين الذين يدرسون مجالات لها علاقة بالتكنولوجيا من الحصول على فيزا لأكثر من عام واحد، حيث صرح المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية بأن "كل قرار خاص بإصدار فيزا هو قرار متعلق بالأمن القومي الأمريكي")21(، كما أنه من المتوقع أن تزداد هذه القيود إذا كان طالب التأشيرة مديراً أو باحثاً في أحد الكيانات الصينية المتعلقة بالتكنولوجيا. 5- زيادة الإنفاق الأمريكي على الذكاء الاصطناعي: دعا وزير الدفاع الأمريكي إلى مزيد من الانفاق الحكومي في مجال الذكاء الاصطناعي وذلك للرد على المساعي الصينية لتعزيز قدراتها في هذا المجال، بما في ذلك المشروعات التي تعمل عليها وحدة الابتكار التجريبية التابعة لوزارة الدفاع، وطالب الحكومة الأمريكية بتدعيم علاقاتها مع الشركات التكنولوجية الخاصة، التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي)22.)
خاتمة
تسعى الصين لكي تكون ضمن الدول المنتجة للتطبيقات التكنولوجية فائقة التقدم وليست المقلدة لها، غير أن جهودها في هذا الإطار تصطدم بالسياسات الأمريكية والأوروبية المناوئة لها، نظراً لتخوف واشنطن وبروكسل من التهديدات الأمنية المترتبة على زيادة الاستثمارات الصينية في الغرب في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، في ضوء وجود هواجس غربية من توظيف بكين لهذه الخبرة التكنولوجية، سواء في تطوير صناعاتها الدفاعية، أو في اختراق المجتمعات الغربية التي تسعى للوجود فيها، فضلاً عن ما تمثله من تهديد مباشر للاقتصادات الغربية التي مازالت تحتل المرتبة الأولى في هذه التقنيات.
ومن الملحوظ أن تقييد الشركات الصينية العاملة في مجال التكنولوجية أو الواردات التكنولوجية من الصين سوف يؤثر بصورة كبيرة على الصناعات الأمريكية أيضاً، خاصة في ضوء اعتماد كثير من الشركات الأمريكية مثل مايكروسوفت وديل وسيسكو وآي بي إم وأنتل وآبل على شركات صينية في عملية الإنتاج والتصنيع، كما أن "شركة كوالكم" تورد ثلثي إنتاجها لشركات في الصين وهونج كونج، ويقدر الخبراء أن نصف هذا الإنتاج يذهب إلى الصين وحدها)23(، وبالتالي فإن عملية فك الارتباط بين الشركات الصينية الأمريكية سيترتب عليها تضرر كلا الجانبين.
وأخيراً، فإنه على الرغم من الطموح الصيني لتعزيز صناعاتها فائقة التكنولوجيا، والإمكانيات المسخرة لذلك، فإن قطاع التصنيع الصيني مازال يحتاج إلى سنوات لكي يصل إلى مرتبة الدول الغربية المتقدمة، مثل الولايات المتحدة، واليابان وألمانيا، ولا يتوقع أن تمثل السياسات الغربية للتشديد على الاستثمارات الصينية في إحباط مبادرة صنع في الصين، وإن زاد من صعوبة المهمة على بكين.