كيف تنتهي الديمقراطية؟
ديفيد رونسيمان How Democracy Ends? By: David Runciman, Basic Books, 256 pp., $17.20,2018, ISBN: 9781541616783 عرض: بهاء محمود، باحث في العلوم السياسية
"هل يشهد العالم انتهاء الديمقراطية؟" هذا هو السؤال الرئيسي الذي يسعي "ديفيد رونسيمان" أستاذ العلوم السياسية بجامعة كامبريدج إلى الإجابة عنه في كتابه المعنون "كيف تنتهي الديمقراطية؟" وذلك في ظل صعود الشعوبيين إلى سدة الحكم في عدد من الدول على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، واستغلال بعضهم للدين، مثل أردوغان في تركيا، واستمرار النظام غير الليبرالي في روسيا، بالإضافة إلى استمرار الأنظمة السلطوية في دول أوروبا الشرقية.
تهديدات �سعود ال�سعبوية
ارتبط السعي لنشر الديمقراطية في الدول النامية بمرحلة التحرر من الاستعمار التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية، وطرح عدد كبير من المفكرين ومتخصصي النظم السياسية رؤيتهم حول كون الديمقراطية النموذج الأمثل لنظم الحكم، وهو الاتجاه الذي تصاعد بقوة عقب نهاية الحرب الباردة.
وفي المقابل، أدى انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الولايات المتحدة إلى تصاعد المخاوف من انتهاء عصر الديمقراطية وتزايد احتمالات انتشار السلطوية في الدول الغربية مع صعود الشعوبية والتيارات اليمينية المتطرفة ضمن مناخ سياسي غير مستقر تسوده اتجاهات عدم الثقة والتعصب.
وعلى النقيض مما يراه البعض، يؤكد الكتاب أن الديمقراطية لن تنتهي بوصول القادة الشعبويين إلى سدة الحكم، لاسيما في الدول المتقدمة، والتي يوجد فيها العديد من التشابكات بين مؤسسات الدولة المختلفة والمصممة لحماية النظام السياسي بأسسه الديمقراطية، بيد أنها قد تنهار بالطرق التقليدية مثل: الانقلابات والعنف السياسي، والحروب، والكوراث الطبيعية وفق ما يراه الكاتب.
اأ�سباب تراجع الديمقراطية
تتعدد الأسباب التي أدت إلى تراجع الديمقراطية، مثل ثورة المعلومات وصعود وسائل التواصل الاجتماعي، والتي مكنت المواطنين من المشاركة السياسية الافتراضية، والتي لا يكون لها تأثير في كثير من الأحيان على العملية السياسية في الحياة الواقعية.
وتؤدي هذه المشاركة الافتراضية للإشباع الفوري لرغبة المواطن في المشاركة، كذلك تؤثر على النظم السياسية بشكل سلبي في كثير من الأحيان على غرار نشر إعلانات تؤثر على توجهات المواطنين من التصويت لمرشح معين، أو نشر أخبار كاذبة في فترات الانتخابات.
يضاف إلى هذا انتشار ما وصفه الكتاب ب"الانقلابات غير العسكرية"، حيث يقوم بعض السياسيين والمنتفعين بتفريغ مؤسسات الدولة من الكفاءات، والسيطرة عليها بواسطة أتباعهم، مع تهميش دور الأحزاب السياسية الرسمية وتحويلها لحركات اجتماعية، وهو ما يتيح لهم الاستيلاء على الدولة والحد من أي مقاومة لقراراتهم بحيث يتبقي أمام المواطنين اختيار ممثل صوري لهم كل فترة من دون أن يكون لهم تأثير حقيقي على العملية السياسية.
وقد يدعم المواطنون في كثير من الأحيان الساسة الذين يتبنون أسلوب "الانقلاب غير العسكري" بسبب ضعف أداء الحكومات التمثيلية وعدم تمكنها من تحقيق الرخاء الاقتصادي والرفاه الاجتماعي، وتراجع ثقة الناخبين بها، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على الحفاظ على التنوع الاجتماعي وإدماج الأقليات.
بدائل الديمقراطية الغربية
يطرح "رونسيمان" عدداً من البدائل للديمقراطية الغربية في حالة سقوطها، والتي يتصدرها التحول إلى نظام سلطوي مستبد، والعودة إلى النظام الاشتراكي، وتوزيع الثروة والقوة على أساس المعرفة، والتحول إلى نظام حكم يقوده الذكاء الاصطناعي.
ويمكن أيضاً لبعض الدول أن تتبع نظام "الرأسمالية السلطوية" الشبيه بالنموذج الذي تتبعه الصين، والذي يعد تأكيداً لفكرة أن النمو الاقتصادي هو كل ما يهم المجتمع، بيد أن هذا النظام قد لا يكون قادراً على الاستمرار في حالة تراجع الوضع الاقتصادي، وربما يتم التحول إلى نظام ديمقراطي غير ليبرالي شبيه بحالة روسيا.
ختاماً، يحذر الكاتب من محاولة بعض المؤلفين استدعاء أفكار الفلاسفة القدامي، وتكوين حكومة من النخب السياسية والفكرية، واللتي تغفل أن الطبقة المثقفة ترتكب هي الأخرى العديد من الأخطاء مثل المواطنين العاديين، ومن ثم يخلص الكاتب إلى أنه لا يوجد نموذج بديل للنظام الديمقراطي بشكل كامل.