Trending Events

تكلفة مرتفعة:

تصاعد عمليات ”الاغتيال“في التفاعلات الدولية

- د. محمد عباس ناجي رئيس تحرير مجلة ”مختارات إيرانية“بمركز الدراسات السياسية والاستراتي­جية بالأهرام

لا تعد الاغتيالات ظاهرة جديدة في التفاعلات الإقليمية والدولية، حيث مثلت بشكل دائم متغيراً مهماً كان له تأثير في تحديد مسارات واتجاهات هذه التفاعلات على مدار التاريخ. ويكفي أنها كانت السبب المعلن الذي أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى بعد اغتيال الأرشيدوق النمساوي ”فرانز فرديناند“، ولي عهد النمسا، في 28 يونيو 1914. يجادل هذا التحليل بأن الاغتيالات، في حد ذاتها، ليست ظاهرة جديدة، ولكن تزايد الاعتماد عليها في إدارة التفاعلات الإقليمية والدولية هو البعد الجديد في هذه الظاهرة، حيث استخدمت بشكل مكثف كإحدى أدوات إدارة الصراع بين العديد من القوى والتيارات السياسية والمسلحة داخل بعض الدول، أو كوسيلة تعكس ردود فعل متباينة إزاء سياسات أو مواقف معينة تتبناها العديد من الدول تجاه أزمات إقليمية أو دولية مختلفة.

وقد بدت هذه الظاهرة جلية في حالات إيران وروسيا وإسرائيل تحديداً، إذ وجهت اتهامات للنظام الإيراني بمحاولة تفجير المؤتمر الحاشد الذي نظمته قوى المعارضة الإيرانية، للتنديد بممارساته على الصعيدين الداخلي والخارجي والمطالبة بإسقاطه، في ضاحية "فيلبينت" بالعاصمة الفرنسية باريس في 30 يونيو 2018، بعد أن قامت الشرطة البلجيكية باعتقال شخصين بتهمة محاولة تنفيذ العمل الإرهابي، بالتوازي مع اعتقال دبلوماسي إيراني في ألمانيا قالت السلطات الألمانية إنه على صلة بمحاولة التفجير) .)

ووجهت بريطانيا اتهامات مماثلة لروسيا، من دون تقديم أدلة حاسمة ضدها، بالمسؤولية عن محاولة اغتيال العميل "المنشق" "سيرجي سكريبال"، وابنته في مدينة سالزبوري البريطانية، في 3 مارس 2018، باستخدام غاز الأعصاب "نوفيتشوك")2(. وقبلها تعرض السفير الروسي لدى تركيا "أندريه كارلوف" للاغتيال، في 19 ديسمبر 2016 على يد "مولود ميرت ألطنطاش"، أحد عناصر الشرطة التركية)3.)

وسوف يتناول هذا التحليل هذه الظاهرة من خلال إيضاح أسباب إقدام الدول على تبني أسلوب التصفية الجسدية، فضلاً عن بيان التداعيات المترتبة عليها.

اأولً: مبررات تبني اأ�شلوب الت�شفية

يلجأ بعض الدول إلى تبني هذه الآلية التي قد تفرض عليها تكلفة عالية في بعض الأحيان، وذلك لأسباب مختلفة يتمثل أبرزها فيما يلي: 1- تصفية الخونة: تعتبر أجهزة الاستخبارا­ت أن أي انشقاق من جانب العناصر العاملة في أجهزتها الأمنية يعد بمنزلة خيانة عظمى،

وتهديد حيوي لمصالح الدولة الأمنية، بالنظر إلى خبرتهم والمعلومات التي يمتلكونها بحكم عملهم في هذه الأجهزة، خاصة إذا ما تم تجنيدهم من قبل أجهزة استخبارات معادية للحصول على تلك المعلومات أو استخدامها في تقديم أدلة على تورط تلك الدولة في أنشطة سرية ضدها.

وفي هذا الإطار، اتهم جهاز الاستخبارا­ت الروسية "إف إس بي" باغتيال الجاسوس الروسي المنشق "ألكسندر ليتفينينكو" في لندن في عام 2006، باستخدام مادة البلوتونيو­م، وذلك نظراً لتعاونه مع الاستخبارا­ت البريطانية ضد روسيا. ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للجاسوس الآخر سيرجي سكريبال، والذي تعرض لمحاولة اغتيال في بريطانيا مؤخراً، وأدين بتسريب هويات عملاء الاستخبارا­ت الروسية الذين يعملون سراً في أوروبا لجهاز الاستخبارا­ت الخارجية البريطاني "إم آي 6". فعلى الرغم من مبادلته مع جواسيس عملوا لصالح المخابرات الروسية، وألقي القبض عليهم في الغرب، فإن توقيت تصفية سكريبال تزامنت مع معلومات أنه بدأ يتعاون من جديد مع الاستخبارا­ت البريطانية ضد موسكو.

واستندت الاتهامات البريطانية إلى تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الخونة يلقون دوماً مصيراً سيئاً)4(، ومن جهة ثانية، تعتبر تصفية الخونة، وفقاً للعقيدة الروسية، عامل ردع، يهدف إلى تذكير أي خائن بالتكلفة المرتفعة التي سيدفعها نتيجة لعمالته لدولة أجنبية، وأنها سوف تعجز عن حمايته من يد المخابرات الروسية)5.) 2- تحجيم مصادر التهديد: مثلت التصفية أحد الخيارات التي تبنتها إسرائيل في مواجهة خصومها الإقليميين. فقد استخدمت هذا الأسلوب لعرقلة تطور البرنامج النووي الإيراني، خاصة بعد أن زادت عدد أجهزة الطرد المركزي إلى نحو 19 ألف جهاز من طرازات مختلفة، ورفعت مستوى التخصيب إلى ما يقرب من 20%. فقد توازى هذا التقدم مع تصاعد ظاهرة اغتيال علماء نوويين إيرانيين، في الفترة من 2010 وحتى 2012، وفي مقدمتهم مسعود محمدي في 12 يناير 2010، ومجيد شهرياري في 29 نوفمبر من العام نفسه)6.)

ويأتي في هذا الإطار كذلك اتهام إسرائيل بتصفية فادي البطش في أوائل عام 2018، وهو خبير متخصص في مجال الصواريخ، ويتبع حركة حماس، وذلك في أثناء وجوده في ماليزيا، فضلاً عن اتهامها كذلك بقتل خبير تونسي في عام 2016 يعتقد أنه كان يعمل على تطوير طائرات بلا طيار لصالح حركة حماس. وفي كلا الحالتين نفت إسرائيل علاقاتها بعمليات الاغتيال هذه)7.) 3- تصفية الحسابات مع الخصوم: وجهت إسرائيل اتهامات لإيران بمحاولة استهداف مصالحها في أنحاء مختلفة من العالم رداً على عمليات الاغتيال التي تعرض لها بعض علمائها النوويين، على غرار الهجوم الذي تعرض له سياح إسرائيليون في بلغاريا في 18 يوليو 2012، وأسفر عن مقتل 6 أشخاص منهم 5 إسرائيليين وبلغاري، حيث قالت إسرائيل إن "الحرس الثوري الإيراني وحزب اله مسؤولون عن العملية")8.)

وبالمثل، سعت تركيا إلى اتهام حركة فتح اله كولن بالوقوف وراء عملية اغتيال السفير الروسي لديها "أندريه كارلوف"، في 19 ديسمبر 2016، وذلك في محاولة لتصفية الحسابات مع الحركة، التي تتهمها بتدبير محاولة الانقلاب التي وقعت في منتصف يوليو من العام نفسه، ومحاولة توظيف ذلك للضغط على الولايات المتحدة لتسليم الداعية المقيم هناك.

فقد أبلغ وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوجلو" نظيره الأمريكي جون كيري )السابق( أن تركيا وروسيا تعتقدان أن أتباعاً لجولن مسؤولون عن عملية الاغتيال، كما أن أنقرة تستهدف كذلك من إدانة كولن الرد على الاتهامات التي تتعرض لها بدعم بعض التنظيمات الإرهابية في سوريا، خاصة "داعش" والقاعدة، أو على الأقل التغاضي عن أنشطتها داخل الحدود السورية، باعتبار أنها، في رؤيتها، مناوئة للنظام السوري. 4- إضعاف المعارضة الخارجية: سعت إيران إلى تبني أسلوب التصفية للتعامل مع قوى المعارضة في الخارج، والتي تصاعد دورها خلال الفترة الأخيرة في استقطاب دعم المجتمع الدولي للاحتجاجات التي تندلع في إيران بسبب تردي الأوضاع المعيشية الداخلية، وهو ما لا يمكن فصله عن الأدلة التي ساقتها دول أوروبية عديدة لتأكيد تورط إيران في محاولة تفجير المؤتمر الذي نظمته قوى المعارضة الإيرانية في باريس في 30 يونيو 2018. ويبدو أن مخاوف طهران من إقدام الولايات المتحدة على تغيير النظام مثّل أحد الأسباب التي دفعته إلى محاولة تصفية المعارضة، خاصة أنه يرى أنها لعبت دوراً في تغيير سياسات بعض القوى الدولية إزاءه. 5- الوقيعة بين الدول: مثلت عمليات الاغتيال محوراً للتفاعلات بين بعض الفاعلين الدوليين وبين العديد من التنظيمات الإرهابية، على غرار ما كشفته عملية اغتيال السفير الروسي لدى تركيا "أندريه كارلوف"، في 19 ديسمبر 2016، والذي فسره منفذ الاعتداء الضابط السابق "مولود طن طاش"، بأنه رد انتقامي على الدور الروسي الداعم للنظام السوري عسكرياً في المعارك مع المعارضة المسلحة في مدينة حلب.

لكن اللافت هو أن روسيا كان لديها تفسير آخر يتمثل في محاولة بعض الأطراف عرقلة الجهود التي بذلتها مع تركيا من أجل إعادة تطبيع العلاقات بعد مرحلة التوتر التي فرضها إسقاط أنقرة المقاتلة "سوخوي 24" الروسية في نوفمبر 2015، وما أعقبها من فرض عقوبات روسية على أنقرة إلى حين تقديم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعتذاراً إلى نظيره الروسي فيلاديمير بوتين في 27 يونيو ‪.) 9( 2016‬

وهنا، كان لافتاً أن عملية الاغتيال كانت من التطورات التي ساهمت فيما بعد في تطوير التنسيق بين روسيا وتركيا ليشمل تفاهمات أمنية وسياسية شاركت فيها إيران، حيث اتفقت الدول الثلاث على عقد جولات مباحثات متعددة بين مسؤوليها في الأستانة لمتابعة التطورات السياسية والميدانية في سوريا على الرغم من الخلافات العميقة بينهما في الملف السوري، حيث تدعم كل من روسيا وإيران النظام السوري، فيما تصر تركيا على دعم قوى المعارضة وبعض التنظيمات الإرهابية التي تعمل على الإطاحة به.

ثانياً: تداعيات داخلية وخارجية

تفرض ظاهرة الاغتيالات تداعيات عديدة على الدولة، خاصة في حالة نجاح الدولة التي وقعت على أرضها عملية الاغتيال في تقديم أدلة مقنعة على تورط الدولة المعادية في تنفيذ هذه العملية ويمكن توضيح أبرز تداعياتها في النقاط التالية: 1- زيادة الضغوط الدولية: تزامنت الاتهامات الموجهة إلى إيران، وتحديداً فيلق القدس التابع للحرس الثوري، بالمسؤولية عن محاولة الاغتيال الأخيرة مع اتساع نطاق التوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد انسحابها من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات جديدة على مرحلتين، الأولى في 7 أغسطس 2018، والثانية في 4 نوفمبر من العام نفسه) 10 .)

وسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاستثمار التورط الإيراني في محاولة الاغتيال هذه لتبرير سياسته الجديدة حيال إيران، وأن الخلافات مع الأخيرة لا تنحصر في برنامجها النووي، وإنما تمتد إلى ملفات أخرى، أهمها تعديل سلوك إيران الإقليمي، لاسيما في ضوء تورطها في دعم الجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، السنية والشيعية على حد سواء، وتدخلاتها المستمرة في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وأدوارها السلبية في دول الأزمات، وأخيراً انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان في الداخل.

ويلاحظ أن واشنطن قد تكون لعبت دوراً في فضح المخطط الإيراني، فقد كشفت الإدارة الأمريكية عن أنها تناقش مع أطراف عديدة كيف تستخدم إيران السفارات غطاء للتخطيط لهجمات إرهابية، مشيرة إلى تعاون وثيق مع السلطات الألمانية والبلجيكية والنمساوية لكشف تفاصيل المخطط لتفجير مؤتمر المعارضة)11.)

وعلى الرغم من أن إيران أبدت في البداية رد فعل متشدداً تجاه الإجراءات التي اتخذتها الدول الأوروبية، وقامت وزارة الخارجية الإيرانية باستدعاء السفيرين البلجيكي والفرنسي والقائم بالأعمال الألماني، في 4 يوليو 2018، لتقديم مذكرة احتجاج اعتراضاً على قيام ألمانيا، بطلب فرنسي، باعتقال الدبلوماسي الإيراني، معتبرة أن هذه الخطوة تمثل "مؤامرة لضرب العلاقات بين إيران والدول الأوروبية")12(، في إشارة إلى الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إقناع الأخيرة بدعم ضغوطها على الأولى، فإنها في النهاية كانت حريصة على عدم التصعيد لمستوى أكبر من ذلك، خاصة أنها تسعى للحفاظ على علاقاتها مع الدول الأوروبية، حتى لا تتجاوب مع العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران.

ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لروسيا، فقد شهدت العلاقات ما بين موسكو والدول الأوروبية بدءاً من عام 2014 توتراً متزايداً، في ضوء إقدام موسكو على ضم شبه جزيرة القرم، فضلاً عن تدخلها في الصراع الدائر في شرق أوكرانيا دعماً للمتمردين في مواجهة الحكومة الأوكرانية الموالية للغرب، وهو ما دفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات اقتصادية على موسكو لإجبارها على تغيير سلوكها. وشهدت العلاقة بين الجانبين الروسي والأمريكي توتراً في ملفات أخرى، أبرزها اتهام الأجهزة الأمنية الأمريكية موسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016، للتأثير عليها لصالح الرئيس المنتخب دونالد ترامب باستخدام عدة وسائل أبرزها الأخبار الكاذبة وسلاح التسريبات.

ويمثل الملف السوري أحد الملفات الخلافية بين الطرفين بعد التدخل العسكري الروسي في الصراع هناك، حيث اتهمت أطرافاً أوروبية عديدة موسكو بأنها كانت سبباً في إطالة أمد الأزمة السورية في ظل دعمها المستمر للنظام السوري وعرقلتها أية محاولة لاستصدار قرار إدانة من داخل مجلس الأمن ضد الإجراءات التي يتخذها الأخير.

ومع إخفاق العقوبات الغربية على إثناء موسكو عن سياستها، بدأت دول أوروبية، مثل إيطاليا والنمسا وغيرهما، تطالب الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات عن روسيا، وإعادة النظر في الموقف الأوروبي من موسكو)13.)

ومثلت الاتهامات التي وجهتها لندن إلى موسكو بالمسؤولية عن محاولة اغتيال سيرجي سكريبال ذريعة إضافية للقوى الأوروبية المناهضة لروسيا بالمطالبة بتشديد العقوبات عليها في مواجهة تلك التي تنادي باستعادة العلاقات معها.

فقد تسببت تلك الأزمة ليس فقط في تدهور العلاقات الثنائية الروسية – البريطانية، بل امتدت لتشمل مجمل العلاقات الروسية – الغربية. فقد أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، في 14 مارس 2018، عن أضخم عملية طرد دبلوماسيين منذ 30 عاماً، بلغت 23 دبلوماسياً في السفارة الروسية في لندن، مع تجميد الاتصالات الثنائية،

وسحب الدعوة التي كانت موجهة لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لزيارة لندن.

وتوالت عملية طرد الدبلوماسي­ين من قبل العواصم الغربية، فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، في 8 أغسطس 2018، عن فرض عقوبات جديدة على روسيا بسبب الاتهامات ذاتها، بدءاً من 27 من الشهر ذاته، بعد أن قالت إنها تأكدت من تورط روسيا في استخدام غاز الأعصاب "نوفيتشوك" في محاولة اغتيال سكريبال)14.) وبالتوازي مع ذلك، قررت الولايات المتحدة الأمريكية وكندا و14 دولة أوروبية، في 26 مارس 2018، اتخاذ خطوات جماعية لطرد دبلوماسيين روس احتجاجاً على تورط موسكو في تلك العملية)15.) 2- تصعيد حدة الاحتقان الداخلي: تزامن الكشف عن تورط إيران في محاولة تفجير المؤتمر الذي نظمته قوى المعارضة في فرنسا، مع تصاعد حدة الاحتجاجات الداخلية بسبب استمرار الأزمات المعيشية من دون الوصول إلى حل لها، إذ حاولت قوى المعارضة في الخارج استغلال تلك الاحتجاجات لفرض مزيد من الضغوط على النظام وتحميله مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعي­ة داخل إيران.

ومن هنا، اعتبرت أطراف عديدة داخل قوى المعارضة أن محاولة تفجير المؤتمر ما هي إلا آلية تقليدية يستند إليها النظام بصفة مستمرة للتخلص من أعدائه، بالتوازي مع انتهاجه سياسة قمعية للتعامل مع الاحتجاجات الداخلية المتتالية التي تندلع في إيران اعتراضاً على استنزاف الخزينة الإيرانية في دعم التنظيمات الإرهابية في الخارج على حساب معالجة الأوضاع المعيشية المتردية في الداخل.

وركزت المعارضة على عرض تاريخ الاغتيالات التي تورطت فيها إيران وحاولت من خلالها تصفية قادة وكوادر من المعارضة الإيرانية في الخارج، إذ اتهمت إيران باستخدام دبلوماسييه­ا في أوروبا في عمليات اغتيال كاظم رجوي، شقيق زعيم منظمة مجاهدي خلق مسعود رجوي، في جنيف عام 1991، وزهرا رجبي، القيادية في الحركة نفسها في أسطنبول عام 16( 1996(. كما أثبت القضاء الألماني، في عام 1992، تورط إيران في تفجير مطعم "ميكونوس" بشكل أسفر عن مقتل 4 من كوادر المعارضة الإيرانية في الخارج، وقام باستصدار مذكرة اعتقال وزير الاستخبارا­ت علي فلاحيان آنذاك)17.)

وتورطت إيران في محاولة اغتيال عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي الحالي، حينما كان سفيراً للمملكة العربية السعودية لدى واشنطن في عام 2011، وهي القضية التي أعاد وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، في 29 مايو 2017، إلقاء الضوء عليها لتبرير السياسة الجديدة التي تتبناها واشنطن تجاه إيران باعتبار أن الأخيرة مصدر رئيسي لعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

وقد قال ماتيس في هذا السياق: "إن محاولة الاغتيال كانت موقعة من أعلى المستويات في الحكومة الإيرانية"، مضيفاً أن لديه "وثائق وإثباتات من المخابرات الأمريكية تؤكد أن محاولة الاغتيال كانت حادثاً مخططاً ولم تكن عملاً عشوائياً") 18 .)

وفي الختام، يمكن القول إن تصاعد الاعتماد على أسلوب الاغتيالات يعد من أدوات إدارة التفاعلات الصراعية وارتبط باتساع نطاق الخلافات بين القوى الإقليمية والدولية الرئيسية، وبقاء الأزمات فيما بينها من دون تسوية على الرغم من الجهود التي تبذلها في هذا السياق. ويلاحظ أن اتجاه القوى الدولية إلى محاولة شن عملية إعلامية ودبلوماسية تنتقد اللجوء إلى هذا الأسلوب وتستهجنه، كما في حالة روسيا، أو فضح محاولة الاغتيال، كما في حالة إيران، قد يضع مزيداً من القيود على اللجوء إلى هذه الآلية في إدارة الصراعات البينية.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates