Trending Events

ما هي احتمالات تأسيس "ناتو عربي"؟

- أ.د. أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

أ.د. أحمد يوسف أحمد

سعت واشنطن إلى تأسيس تحالف أمني من ثماني دولة عربية بهدف مواجهة التهديدات الإيرانية، ويواجه هذا التحالف عدداً من التحديات التي طالما رافقت كل محاولات إقامة تحالف أمني دائم. تشير التفاعلات الدولية في الوطن العربي ومحيطه الإقليمي إلى صراع بين نموذجين للتحالفات، أولهما عربي كانت القوة المحركة له هي إدراك الخطر الصهيوني على فلسطين، والثاني غير عربي سُمى عادة بالشرق أوسطي، وتميّز عن الأول بوجود قوى عالمية في قيادته، وكانت قوته المحركة هي التحسب للخطر السوفييتي، وعبر الزمن تصارع النموذجان فتفوق أحدهما على الآخر حيناً وغاب كلاهما حيناً آخر.

اإخفاق التحالفات الأمنية

قد كان للنموذج العربي السبق زمنياً، ففي عام 1950 عُقدت معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية، غير أن هذه المعاهدة لم يقدر لها أن تُطبق، ولو لمرة واحدة، على الرغم من تعاظم التهديدات ومخاطرها بسبب العيب البنيوي في النظام العربي، وهو غلبة الاعتبارات القُطرية على القومية، وكذلك شيوع ظاهرة الصراعات بين الدول العربية.

وإذا كانت محاولات تأسيس أحلاف عربية قد باءت بالفشل، فإن اللافت أن محاولات إقامة أحلاف غير عربية برعاية قوى عالمية قد لقيت المصير نفسه، ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، سعى المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة لتطويق الاتحاد السوفييتي في منطقة الشرق الأوسط، وذلك عبر ربط بعض الدول العربية بقوى إقليمية كتركيا وإيران، وكذلك قوى عالمية على رأسها الولايات المتحدة.

وكان أول الغيث مشروع "قيادة الشرق الأوسط" عام 1951 الذي استند إلى أربع دول هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا، وكان يُفترض أن تكون مصر هي الضلع الخامس، غير أن حكومتها الوفدية رفضته لعدم تلبيته الهواجس الأمنية المصرية، وعلى رأسها الخطر الإسرائيلي، وسوف يُقدر لمصر أن تلعب الدور نفسه في إفشال مشروع حلف بغداد في عام 1955، ولقي مشروع الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور 1957 المصير نفسه بالآلية ذاتها.

وتمثل السبب الأساسي في المعارضة العربية لهذه المشاريع أن أولوياتها لا تلبى الاحتياجات الأمنية العربية المترتبة على الخطر الإسرائيلي، الأمر الذي تكفل بوأد خطوات تجسيد منظومة شرق أوسطية، خاصة أنه إذا كان الوطن العربي ثري بتناقضاته، فإن الشرق الأوسط أكثر ثراءً، وبالتالي فإذا كانت محاولة إقامة تحالفات عربية دائمة قد باءت بالفشل، فإن المحاولات الشرق أوسطية أجدر به.

تنامي التهديد الإيراني

شهد مطلع القرن الحادي والعشرين تطورات مهمة، وعلى رأسها الغزو الأمريكي للعراق 2003، وقد أدت السياسات الأمريكية في العراق بعد احتلاله إلى تداعيات خطيرة على رأسها تفكيك الدولة والمجتمع، مما أدى إلى أقصى درجات عدم الاستقرار وبروز النزعات الطائفية والعرقية وصعود شيعة العراق في معادلة الحكم العراقية،

وخلقت هذه التطورات مناخاً مثالياً لتفاقم الإرهاب لدرجة تأسيس دولة له على أجزاء شاسعة من العراق وسوريا.

ومن جهة ثانية، مثلت التطورات السابقة فرصة ذهبية لإيران كي تعزز نفوذها الإقليمي، فأصبحت صاحبة تأثير لا يمكن تجاهله في السياسة العراقية، وزادت موجات، ما سُمى في حينه، بالربيع العربي اعتباراً من 2011 الوضع سوءاً، فقد أدت محاولات التغيير إلى توطيد علاقة إيران بالنظام السوري، حيث أصبحت تلعب دوراً محورياً في حمايته من خصومه، كما أنها دعمت جماعة الحوثيين التابعة لها في اليمن في انقلابها على الحكومة الشرعية.

وهكذا وصل الأمر إلى درجة الحديث في إيران عن إمبراطورية عاصمتها بغداد تضم ثلاث عواصم عربية أخرى وهي دمشق وبيروت وصنعاء، وكذلك الحديث عن قواعد بحرية إيرانية في البحرين المتوسط )من خلال سوريا( والأحمر )من خلال اليمن(، وبدا أن التهديد الإيراني قد بلغ ذروته، خاصة على ضوء التصريحات المتكررة عن الأطماع الإيرانية في البحرين، وتهديد الملاحة في باب المندب.

وأبرزت التطورات السابقة كلاً من خطر الإرهاب والخطر الإيراني كتهديدات للأمن العربي، وبينما كان هناك توافق دولي على ضرورة مواجهة الموجة العاتية من الإرهاب التي اجتاحت المنطقة، فإن الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس أوباما مالت إلى التهدئة مع النظام الإيراني، وكانت واحدة من الدول الكبرى التي توصلت معه في 2015 إلى الاتفاق النووي )5 + 1(، فضلاً عن أفكار طرحها أوباما، مفادها ضرورة العيش المشترك بين العرب وإيران، وضرورة انتقال التركيز الأمريكي على آسيا، بل أفريقيا أيضاً، وهو ما أتاح لإيران مساحة أوسع من حرية الحركة فاقمت من نذر الخطر الإيراني المحتمل في المنطقة.

اإرها�سات الناتو العربي

مع وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأمريكية انقلبت السياسة الأمريكية رأساً على عقب وأصبح تغيير سياسة النظام الإيراني هدفاً أساسياً لها، وانسحب ترامب من الاتفاق النووي، وأعاد العقوبات الأمريكية على إيران وعادت من جديد أفكار تأسيس تحالف شرق أوسطي، غير أن دافعه الرئيسي هذه المرة لم يكن صراعاً دولياً، وإنما رغبة في محاصرة النظام الإيراني ومواجهة خطره.

ويمكن اعتبار القمة الأمريكية – العربية – الإسلامية التي انعقدت في الرياض في مايو 2017 نقطة البداية في مسيرة ما سُمى بتحالف الشرق الأوسط الاستراتيج­ي، وقد تضمن البيان الختامي للقمة إعلان نوايا بتأسيس "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيج­ي"، أو ما يعرف اختصاراً ب"ميسا".

وبدا من تطورات عام 2018 أن نطاق التحالف المنشود يقتصر على دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، كما ظهر من اجتماع وزراء خارجية الدول الثماني مع وزير الخارجية الأمريكية في سبتمبر على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبدا هذا منطقياً لصعوبة انضمام تركيا طالما أنها حريصة على علاقتها بإيران التي يُفترض أن التحالف المنشود مُصَمم لمواجهة التهديدات المترتبة على سياساتها.

معوقات عربية واأمريكية

يواجه تجسيد تحالف "ميسا" في الواقع العملي، إن نشأ، عدداً من المعوقات، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي: 1- الخبرة التاريخية السلبية: إن الخبرة التاريخية لمحاولات إنشاء تحالفات في المنطقة تفيد بوجود صعوبات بنيوية حقيقية، حالت دائماً دون نجاح هذه المحاولات، وهكذا فإن التحالفات الناجحة في المنطقة كانت عادة غير مؤسسية ومؤقتة انتهت بإنجاز مهمة محددة كما في حرب أكتوبر 1973 وحرب تحرير الكويت 1991. 2- عدم وضوح الأهداف الاستراتيج­ية: إن استراتيجية التحالف المنشود لم يُقدر لها أن تخضع لنقاش يبين أهدافها وآليات تحقيق هذه الأهداف، وإذا كان من المفهوم أن التحالف موجه ضد الإرهاب والتهديدات الإيرانية، فإنه من غير الواضح على سبيل المثال طبيعة هذه الاستراتيج­ية، وما إذا كانت هجومية أو دفاعية وموقع هذه الاستراتيج­ية من البدائل الأخرى المطروحة لتجنب التصعيد في المنطقة على أساس بناء قاعدة لقوة عربية فاعلة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً يكون بمقدورها إدارة حوار مع إيران من موقع القوة بحيث يتم الاعتراف بالمصالح المتبادلة لطرفي الحوار من دون أي أطماع إقليمية. -3 الخلافات العربية البنيوية: إن الاعتبارات التي حالت دون تأسيس تحالفات دائمة في الإطار العربي حاضرة في الحالة الراهنة للتحالف المنشود، وعلى سبيل المثال، فثمة أزمة مازالت موجودة داخل التحالف المنشود بين النظام القطري والرباعي العربي، وهو ما لابد أن يلقي بظلاله على هذا التحالف، كما أن إدراك أطراف التحالف للخطر الإيراني متباين بدليل أن علاقة دولتين من الدول الثماني المرشحة للانضمام للتحالف، وهما قطر وعمان بإيران جيدة، كما أن علاقة الكويت بها عادية، وهناك قيود داخلية للتصعيد مع إيران. 4- القيود الداخلية الأمريكية: إن الحديث عن تحالف شرق أوسطي قد ارتبطت بإدارة الرئيس ترامب وسياساته التي تثير جدلاً واسعاً داخل الولايات المتحدة وخارجها، ومن المؤكد أن القيود على هذه السياسات سوف تزداد بعد خسارة حزبه الجمهوري الأغلبية في مجلس النواب بعد انتخابات التجديد النصفي، كما أنه لم يتبق له من مدة رئاسته الأولى سوى عامين، وقد يحدث فيهما ما يمكن أن يؤثر على فرصه في ولاية ثانية، وسوف يكون لهذا كله تأثيراته على مستقبل التحالف المقترح.

وفي الختام، لاتزال فكرة تأسيس تحالفات عربية على أهميتها ضرورة ملحة لمواجهة التهديدات الأمنية التي تمر بها المنطقة، غير أن التصور الأمريكي لايزال عاجزاً عن بلورة تحالف من دول تتشارك رؤيتها في إدراكها للتهديد وتتفق على آليات مواجهته.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates