Trending Events

متاعب أمنية:

مشاكل الأقليات المسلمة في الصين وكوريا الجنوبية

- محمد سنان باحث سياسي بالمركز الدولي لأبحاث العنف السياسي والإرهاب ICPVTR() بسنغافورة

مشاكل الأقليات المسلمة في الصين وكوريا الجنوبية محمد سنان

صعدت في الفترة الأخيرة مشكلة الأقليات المسلمة في الصين وكوريا الجنوبية، خاصة تحسب الدولتين تجاه إمكانية ظهور تنظيمات إرهابية في المجتمعات الإسلامية في كلا البلدين، فضلًا عن تنامي المخاوف لدى السلطات الصينية من النوازع الانفصالية لأقلية الإيجور المسلمة في إقليم شينجيانج، الأمر الذي دفع الدولتين إلى تبني مقاربات أمنية لمواجهة هذه التهديدات.

يسعى هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على التطور التاريخي لظهور الأقليات المسلمة في الصين وكوريا الجنوبية، ثم الإشارة إلى أسباب توتر العلاقة بين حكومة البلدين والمسلمين، فضلاً عن اقتراحات حول كيفية إدارة العلاقة مع الأقلية المسلمة في البلدين من واقع التجارب الدولية.

اأولً: تاريخ الأقليات الم�سلمة في البلدين

ترجع علاقة الصين بالمسلمين إلى فترة حكم أسرة تانج 618( – 907( وسونج )960 – 1279‪(، 1 ()‬حيث قدِم أغلب المسلمين إلى الصين للقيام بأعمال تجارية، واستقر بعضهم بها، نظراً للمزايا الاقتصادية التي قدمتها لهم أسرة سونج آنذاك، ثم تزوجوا من السكان الأصليين، مما أدى إلى ميلاد جيل جديد من السكان المحليين المسلمين.

وخلال الفترة من عام 1271 وحتى 1368، سيطر المغول على مساحات من الصين، مؤسسين ما عرف باسم مملكة يوان، الأمر الذي تبعه هجرة موجة أخرى من المسلمين، وتركزهم هناك، خاصة في مقاطعة يونان، حيث كان المغول يعتمدون عليهم في توطيد حكمهم. ثم بعد ذلك استقرت موجات مختلفة من التجار العرب والمسلمين القادمين من آسيا الوسطى في أنحاء مختلفة من الصين في فترات تاريخية تالية)2.)

وتضم الصين اليوم ما يزيد على عشرين مليون مسلم )حوالي 2% من مجموع السكان( ينتمون إلى جماعات عرقية مختلفة، أهمها: مسلمو هيوي، والإيجور، والكازاخ، بالإضافة إلى العديد من الطوائف العرقية الأخرى الأقل عدداً مثل القيرغيز، والطاجيك، والأوزبك، والتتار، وسالار، وبونان، ودونجشيان. وتحظر قوانين الصين التمييز بين أتباع الديانات والأعراق المختلفة حفاظاً على الاستقرار الداخلي)3.)

وعلى النقيض تماماً، لم تكن هناك أقليات مسلمة في كوريا الجنوبية إلا حديثاً، فقد انحصرت علاقتها بالإسلام على تواصلها مع التجار المسلمين، واستمر هذا الأمر على مدار عدة قرون، ولم يتغير هذا الوضع، إلا في تسعينيات القرن العشرين)4(، وذلك عندما استقبلت عدداً من المهاجرين ذوي الخلفيات الإسلامية من جنوب وجنوب شرق آسيا، خاصة من باكستان وبنجلاديش وإندونيسيا، وذلك ارتباطاً بالتوسع الصناعي الذي شهدته سيول حينها)5.)

وترتب على هذا الأمر ارتفاع عدد المسلمين في كوريا الجنوبية ليبلغ في عام 2017 حوالي 300 ألف مسلم، يُشار إلى معظمهم باسم "كوسليم" Koslim((6((. ووفقاً للأرقام الحكومية، يشكل المسلمون من جنوب آسيا أكبر نسبة من الكوسليم، حيث يقدرون بحوالي 25% من إجمالي السكان الكوريين المسلمين، بينما يحتل الإندونيسي­ون المرتبة الثانية

بنسبة تصل إلى 20%. وبنى المسلمون الكوريون بعض المساجد في البلاد منذ تسعينيات القرن العشرين ولم تتوتر علاقاتهم بباقي المجتمع الكوري إلا مؤخراً)7.)

ثانياً: توتر العلاقة مع الم�سلمين

على الرغم من أن العلاقة بين السلطات الصينية والطوائف المسلمة اتسمت بالإيجابية، فإن أقلية الإيجور في مقاطعة شينجيانج تعد الاستثناء الواضح في هذا الإطار، حيث تكوّنت هناك حركة انفصالية منذ عقود لأسباب عدة. أولها، التمايز اللغوي والعرقي والتاريخي لمسلمي الإيجور عن باقي الطوائف في الصين)8(. وثانيها، شعور سكان شينجيانج بالتمييز الاقتصادي ضدهم، نظراً لاستغلال الدولة الصينية مواردهم الطبيعية، مثل الفحم والنفط، لتطوير المناطق الصينية المجاورة لهم من دون أن ينالهم نصيب من التنمية الاقتصادية)9.)

أما ثالث هذه الأسباب، فيتعلق بمخاوف الحكومة الصينية من التدخل الأجنبي في هذه المنطقة، لتعزيز المطالب الانفصالية لسكانها، خاصة أن تجربة تفكك الاتحاد السوفييتي لاتزال ماثلة في الإدراك الصيني، وتتخوف بكين من بروز حركة انفصالية في شينجيانج تسعى لتأسيس دولة مستقلة)10.)

وتتخوف الصين في هذا الإطار من الدور التركي، خاصة مع اشتراك الإيجور والأتراك في العرق، واتهام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسلطات الصينية بارتكاب مذابح هناك، فضلاً عن تصريح عيسى يوسف البتكين، أحد القيادات التاريخية للإيجور الصينيين ب "إن المنطقة التي تمتد من أدرنة في غرب تركيا إلى تركستان الشرقية )شينجيانج( تشكل كياناً موحداً. إن الأتراك في تركستان)(11 يمثلون كياناً دينياً وثقافياً مستقلاً. إنهم أتراك أولاً، ثم هم أوزبك أو كازاخ أو إيجور ثانياً") 12 .)

وتعززت المخاوف الصينية مع انضمام حوالي 5 آلاف فرد من الإيجور إلى "الحزب الإسلامي التركستاني في بلاد الشام"، والذي يقاتل في سوريا إلى جانب التنظيمات الإرهابية، خاصة جبهة النصرة ضد الحكومة السورية)13(. وعلى الرغم من أن تركيا صنفت هيئة تحرير الشام )جبهة النصرة سابقاً(، على أنها تنظيم إرهابي، فإن روسيا تتهم أنقرة بإمدادها بشحنات أسلحة على أساس يومي)14(. ولعبت هذه العوامل دوراً في تأجيج المخاوف الصينية، ودفعتها إلى اتباع سياسات متطرفة وصلت إلى اعتقال مليون شخص منهم، ووضعهم في معسكرات إعادة التثقيف، حيث يتم إرسال الإيجور إليها لتلقينهم المبادئ والشعارات الصينية)15.)

وعلاوة على ذلك، تتهم السلطات الصينية بنشر الخطابات المعادية للإسلام في وسائل الإعلام، التي أصبحت تساوي بين الإسلام والإرهاب في أغلب الأوقات)16(. وعلى الرغم من أن السلطات الصينية عادة ما تفرض رقابة على خطاب الكراهية عبر الإنترنت، فإنها لم تفعل ذلك مع التعليقات المعادية للإسلام، الأمر الذي أدى إلى انتشار خطاب الكراهية ليشمل أعضاء المجتمعات المسلمة العرقية الأخرى في الصين خارج إقليم شينجيانج)17.)

وعلى الرغم من أن مشاكل المسلمين في كوريا الجنوبية لم تصل إلى ذروتها مثلما عليه الوضع في الصين حالياً، فإن بعض الحوادث قد وقعت خلال السنوات القليلة الماضية، توضح بروز بعض الممارسات العنصرية التي تستهدف المسلمين.

ويمكن إرجاع هذه الممارسات إلى جهل الكوريين بالعادات الإسلامية، نظراً لحداثة وجود المسلمين في المجتمع الكوري)18(، فضلاً عن تطور رؤى سلبية معادية تجاه المسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بسبب التغطية الإعلامية السلبية لهم، وأخيراً، فإن تمايز المسلمين في بعض الجوانب الثقافية، مثل ارتداء الزي الإسلامي في الأماكن العامة، والامتناع عن تناول الكحول والخنزير، وهما من أساسيات الثقافة الكورية، كلها عوامل زادت من اتساع الهوة بين المسلمين والمجتمع الكوري)19.)

وبلغت مشاعر الكراهية الموجهة ضد المسلمين أوجها في عام 2007، عندما اختطفت جماعة طالبان 17 كورياً في أفغانستان، وتظاهر حينها الكثير من الكوريين أمام المساجد في سيول)20.) وتنامت تلك المشاعر السلبية بصورة أكبر في أعقاب اكتشاف الحكومة في عام 2015 دعم عدد من الأفراد في كوريا الجنوبية لجماعة جبهة النصرة المتطرفة، بالإضافة إلى اختفاء صبي كوري، ثبت انضمامه لاحقاً إلى "داعش" في العام نفسه 21)(. ومنذ ذلك الحين، ظلت الحكومة الكورية تراقب عن كثب المجتمعات المسلمة.

ثالثاً: تعزيز التناغم بين الأديان

تتمثل إحدى المشكلات الأساسية في تعامل السلطات الصينية والكورية مع الأقلية المسلمة في العجز عن فهم الخصوصية الثقافية للمسلمين. ولذلك فإن إحدى الخطوات الأساسية في تسوية الخلافات بينها وبين مجتمعاتها المسلمة ضرورة دراسة المجتمعات الإسلامية، واحترام خصوصياتها الثقافية، واتخاذ إجراءات ثقافية في التعامل معها.

وفي هذا الإطار، يجب أن تتبنى الدولتان سياسات تهدف إلى وقف خطاب الكراهية، حتى لا تشعر المجتمعات الإسلامية بالتهميش الثقافي، وتصبح أكثر استعداداً لتقبل خطاب التطرف في كوريا الجنوبية، ولكي لا تتفاقم مشكلة الإيجور في الصين، وتتحول من مشكلة عرقية إلى مشكلة دينية تشمل كافة المسلمين في الدولة.

وبالإضافة إلى ما سبق، فإن الصين عليها تعزيز أوضاع

لم تكن هناك أقليات مسلمة في كوريا الجنوبية إلا حديثاً، فقد انحصرت علاقتها بالإسلام على تواصلها مع التجار المسلمين، واستمر هذا الأمر على مدار عدة قرون، ولم يتغير هذا الوضع، إلا في تسعينيات القرن العشرين)4(، وذلك عندما استقبلت عدداً من المهاجرين ذوي الخلفيات الإسلامية من جنوب وجنوب شرق آسيا، خاصة من باكستان وبنجلاديش وإندونيسيا، وذلك ارتباطاً بالتوسع الصناعي الذي شهدته سيول حينها.

مواطني شينجيانج بدلاً من الاعتماد على المقاربة الأمنية وحدها، خاصة أنه وجد في العديد من الحالات أن تنمية مناطق الصراعات قد ساهمت في تهدئة التوترات في هذه المناطق)22(. ويرجع ذلك إلى أن التنمية الاقتصادية تساهم في زيادة فرص التوظيف بها، الأمر الذي يحد من انغماس الشباب في الأنشطة الإجرامية أو الإرهابية نتيجة شعورهم بالإحباط. ولهذا الأمر أهمية خاصة في منطقة مثل شينجيانج، والتي يشعر سكانها بالتمييز الاقتصادي ضدهم)23.)

ومن جهة ثانية، فإن توظيف بكين سياسات متطرفة قد يدفع تنظيمات الإرهاب إلى استهداف المشروعات الصينية حول العالم)24(. ولا يمثل ما سبق افتراضاً نظرياً، فقد حذرت السفارة الصينية في باكستان، مواطنيها العاملين في مشروعات البنية التحتية هناك، من إمكانية تعرضهم لهجمات إرهابية. وعلاوة على ذلك، بدأت جماعات مثل "داعش" استغلال قضية الإيجور كذريعة للتحريض على تنفيذ أعمال إرهابية ضد الصين)25 .)

ولا يجب إغفال إمكانية إقدام بكين وسيول على تبني إجراءات تحترم الخصوصية الثقافية للمسلمين، مثل تنفيذ أنشطة اقتصادية تتعلق باللحوم الحلال والسياحة الإسلامية. وبدأت الدولتان مؤخراً الاهتمام بصناعة اللحوم الحلال، إما لتصديرها إلى الدول الآسيوية المسلمة أو لجذب السياح المسلمين، خاصة القادمين من الدول العربية. وعلى الدول الإسلامية استغلال هذه الفرصة لتعميق فهم هاتين الدولتين للإسلام، مما سيسهم كذلك في زيادة استقرار الأوضاع الداخلية بهما.

الخاتمة

شهدت كل من الصين وكوريا الجنوبية مؤخراً تبلور رؤى اجتماعية معادية للمسلمين. وتنذر طريقة التعامل الخاطئة مع مشكلة الإيجور في الصين إلى تحوّلها من مسألة عرقية إلى مشكلة تطال كل المسلمين من مختلف القوميات والعرقية. على الرغم من أن الوضع ليس بالدرجة نفسها من التدهور في كوريا الجنوبية، فإن المسلمين الكوريين يواجهون أيضاً بعض المشكلات في الاندماج مع المجتمع الكوري الأكبر.

ويعد من الوسائل الأساسية لمواجهة مشكلة المسلمين في البلدين توظيف الأدوات الثقافية، الأقل تكلفة، عبر توعية المواطنين بالخصوصية الثقافية للمسلمين، وإنها لا تشكل تهديداً للقيم السائدة في المجتمعات التي يوجدون بها، وعن تبني خطاب يركز على التسامح مع المسلمين، ووقف أي ممارسة تمييزية ضدهم، جنباً إلى جنب مع تبني سياسات تهدف إلى مكافحة الإرهاب والتطرف، وليس من خلال اعتماد المقاربة الأمنية وحدها، كما فعلت الدولتان، وأغلب دول العالم تقريباً عند مواجهة مشاكل مماثلة.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates