Trending Events

هل أخفقت فرنسا وبلجيكا في حل مشكلة الضواحي؟

جستن جبينس

- جستن جبينس أستاذ مساعد في جامعة زايد - الإمارات العربية المتحدة

يشيع اعتقاد بأن حي مولنبيك في بلجيكا وضواحي باريس يتحملان المسؤولة عن تصاعد التهديدات الإرهابية في القارة الأوروبية، وعن تقاعس بلجيكا وفرنسا عن وضع سياسات جدية لتحجيم خطرهما.

مع التسليم بوجاهة الرأي القائل بأن بعض ضواحي أوروبا قد تحولت إلى حواضن للتطرف، فإنه لا يجب اختزال أسباب التطرف في هذه الضواحي وحدها، خاصة مع انتشار التطرف والإرهاب في سياقات أخرى، مثل السجون، والمدارس، وغيرها من الأماكن.

وسوف يتم توضيح حجم التحدي الإرهابي في الدول الأوروبية، وأسباب معاناة كل من فرنسا وبلجيكا من ارتفاع مستوى التهديد الإرهابي بهما مقارنة بغيرهما من الدول الأوروبية، وأخيراً، محاولة تقييم مسؤولية الضواحي عن الإرهاب.

تحدي �لاإرهاب �لاأوروبي

تكشف الإحصائيات المتعلقة بالهجمات الإرهابية الأوروبية عن واقع قاتم. فقد بلغ عدد الوفيات الناتجة عن النشاط الإرهابي ذروته في عام 2015، مسجاً حوالي 150 قتياً، ثم انخفض تدريجياً ليبلغ حوالي 135 قتياً و62 قتياً في عامي 2016 و2017 على التوالي. ولايزال حوالي 25% من مواطني أوروبا يعتقدون أن الإرهاب هو التحدي الأمني الأساسي الذي يواجه القارة.

وترتفع التكلفة الاقتصادية للإرهاب، فقد أشار تقرير صادر عن مؤسسة راند مؤخراً إلى أنه بين عامي 2004 و2016، خسرت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي )28 دولة( حوالي 180 مليار يورو من الناتج المحلي الإجمالي بسبب الهجمات الإرهابية. وعاوة على ذلك، يخلق الإرهاب حالة من عدم الاستقرار السياسي، ويؤثر على شرعية الحكومات المنتخبة سلباً.

وعلى الرغم من صعوبة إفات أي دولة أوروبية من التهديد الإرهابي بصورة تامة، فإن بلجيكا وفرنسا تعدان الأكثر تضرراً من العمليات الإرهابية. ففيما يتعلق بعدد المقاتلين الأجانب الذين سافروا لانضمام لتنظيم "داعش" في سوريا والعراق، تحتل الدولتان المرتبة الأولى، إذ تأتي بلجيكا في المرتبة الأولى من حيث عدد الإرهابيين الذين التحقوا ب"داعش"، وذلك كنسبة من عدد السكان، فقد التحق ب"داعش" ما بين 420 و516 بلجيكياً، بينما تحتل فرنسا المرتبة الأولى من حيث الرقم الإجمالي، وذلك بحوالي 900 فرد. كما شهدت الدولتان هجمات إرهابية كبرى فاقت أي دولة أوروبية أخرى من حيث عدد الضحايا، كما في هجمات نوفمبر 2015 في باريس وتفجيرات بروكسل في مارس 2016.

�لخ�صو�صية �لفرن�صية-�لبلجيكية

تتمتع فرنسا وبلجيكا بقواسم مشتركة عديدة، فقد شهدت الدولتان أعنف الهجمات الإرهابية، كما تسعيان إلى تبني تدابير أمنية للحد من مخاطر الإرهابيين العائدين من سوريا والعراق. وشرعت الدولتان في دراسة أسباب إخفاقهما في منع التطرف والإرهاب. وساهم عدد من العوامل في استهداف البلدين من التنظيمات الإرهابية، وهو ما يمكن إجماله على النحو التالي: 1- طبيعة الجغرافيا السياسية: تشارك

الدولتان حدوداً مع العديد من الدول الأوروبية، فضاً عن امتاكهما شبكة من الطرق والسكك الحديدية، التي تربطهما بها، وحرية انتقال المواطنين بين الدول الأوروبية، كجزء من "اتفاقية شينجن" لعام 1995، وهو الأمر الذي ساعد العناصر الإرهابية على حرية الانتقال دون قيد، فالعديد من منظمي ومنفذي عملية باريس الإرهابية في نوفمبر 2015، مثل عبدالحميد أبوعود وصاح عبدالسام، ولدوا وعاشوا في بلجيكا وسافروا بحرية بين الدول الأوروبية، على الرغم من إدراجهم على قوائم مراقبة الإرهابيين.

وياحظ أنه تم توقيف 12 فرداً من أفراد الخلية الإرهابية التي نفذت تفجير باريس الإرهابي واستجوابهم، بل وحتى اعتقالهم لفترة مؤقتة، قبل أن يتم إطاق سراحهم لغياب أي أدلة تدينهم، ليواصلوا بعدها تنفيذ مؤامرتهم. ومن جهة ثانية، فإن الشقيقين المسؤولين عن الهجوم على مكاتب شارلي إيبدو في باريس في عام 2015، والذي أودى بحياة 12 شخصاً، سافرا إلى بلجيكا لشراء الأسلحة من جماعات الجريمة المنظمة هناك. 2- تباين الإجراءات الأمنية: تعاني الدول الأوروبية صعوبة تبادل المعلومات الاستخبارا­تية، وهو ما يرجع بصورة أساسية إلى اختاف الثقافات الأمنية وتباين الإجراءات الشرطية بين دولة وأخرى. فعلى سبيل المثال، تتطلب بعض الدول أمراً قضائياً لمراقبة خط الهاتف أو تتبع سيارة فرد مشتبه به، بينما لا تتطلب بعض الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي ذلك.

وفي حين أن بعض وكالات الاستخبارا­ت تتشارك المعلومات الاستخبارا­تية مع الشرطة، فإن البعض الآخر يرفض مثل هذا التعاون. وما يعظم التهديد الإرهابي غياب جهاز مكافئ لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي لاتحاد الأوروبي، إذ تفتقر اليوروبول إلى الصاحيات التنفيذية الازمة، ولا يمكنها إلقاء القبض على المشتبه بهم من دون إذن من دولتهم، الأمر الذي أعاق مكافحة الإرهاب العابر للحدود. 3- تحدي التعددية الثقافية: تتبنى بلجيكا النظام الفيدرالي، إذ ينقسم السكان البالغ عددهم نحو 11.5 مليون نسمة بين إثنية الفاندرز الناطقين بالهولندية والمتمركزي­ن في الشمال، والوالون المتحدثين بالفرنسية، والذين يتركزون في الجنوب، وتمثل بروكسل، عاصمة بلجيكا، الإقليم الثالث. وتعاني بلجيكا تضارب وتداخل الصاحيات بين السلطات الفيدرالية، والأقاليم الثاثة، الأمر الذي حد من قدرة الدولة على تحقيق الأمن.

أضف إلى ما سبق، إخفاق التعددية الثقافية في بلجيكا وفرنسا في زرع قيم مشتركة بين المواطنين، بل على النقيض، ساهمت في نشوء هويات مغتربة منعزلة عن الجسد السياسي والاجتماعي الأوسع. ونظراً لأن الحريات المدنية تعد أمراً محمياً بالدستور، فلم تتمكن الحكومتان من منع مجتمعات المهاجرين من تبني نظمهم القيمية الخاصة بهم، والتي أنتجت بصورة أساسية مشكلة الضواحي.

�لاإرهاب وحو��صن �لتطرف

ساهمت الضواحي في بروز أفراد مغتربين عن مجتمعهم، انجذبوا للشعارات الجهادية، بدلاً من أن يشعروا بالانتماء الوطني، ووصف عمدة مدينة مولينبيك السابق سينت جانز، بأنها "أرض خصبة للعنف".

ويشكل المسلمون في حي مولنبيك حوالي 25% إلى 40% من سكانها البالغ عددهم حوالي مائة ألف نسمة، وينتمي الأغلبية الساحقة منهم إلى الأصول المغربية، ويرتفع معدل البطالة بين الشباب هناك ليصل إلى حوالي 40.%

وبالمثل، فإن الضواحي الفرنسية تشهد ظروفاً مماثلة، حيث تعد بمنزلة حاضنة للتطرف. وينظر إلى أميدي كوليبالي، المتورط في الهجوم على سوبر ماركت "هايبر كاتشر كوشير" في عام 2015 في باريس والذي قتل أربعة، على أنه نتاج الضواحي التي تعاني التهميش الاجتماعي والاقتصادي.

وعلى الرغم من اتجاه العديد من الكتابات إلى تحميل مسؤولية الإرهاب إلى الضواحي، فإن هذا الربط يعد تحكمياً، فالسبب الرئيسي للتطرف لا يعود إلى الفقر، فوفقاً لأحد المؤرخين المتخصصين في الثقافة الفرنسية، فإن الإرهاب يرجع إلى ثقافة الكراهية، والشعور بالنقاء الديني )Purificati­on( في مواجهة المجتمع "الكافر".

ووفقاً لهذه الرؤية، فإن التطرف ليس حكراً على الضواحي، فقد عملت السجون والجامعات ومواقع الإنترنت كأدوات لاستغال المهمشين مجتمعياً. ومع التسليم بأن الفقر والحرمان الاقتصادي يسببان مشاكل في أي مجتمع من المجتمعات، غير أنهما لا يجبران الأفراد على تبني مسار العنف. وبالتالي فإنه إذا كان من الواجب على القادة السياسيين تبني سياسات تنموية وتعزيز التماسك الاجتماعي، فإنه ينبغي عليهم إدراك عدم كفاية هذه السياسات في مواجهة الإرهاب.

ولا ينبغي اتهام الحكومات والمؤسسات الأمنية في بلجيكا وفرنسا بالتقصير، خاصة أن التطرف هو تهديد تعانيه كل المجتمعات، ويمثل معضلة حقيقية، خاصة مع وجود عدد كبير من المتطرفين في أي مجتمع، وعدم تمتع أي دولة بالموارد الكافية لمراقبتهم جميعاً.

ولا يعني ما سبق استحالة مواجهة الإرهاب، فهناك عدد من السياسات التي قد تساعد على مواجهة خطر الإرهاب، منها تعزيز تدريب المعلمين والأطباء والأخصائيي­ن الاجتماعيي­ن وضباط المراقبة وموظفي السجون، وغيرهم على رصد إشارات التطرف، والإباغ عنها.

وأخيراً، فإن هناك حاجة إلى تنسيق السياسات والممارسات الأمنية، وذلك عبر تعزيز صاحيات مؤسسات مثل اليوروبول، إذ إن أحد أوجه القصور في القارة الأوروبية وجود 30 دولة لديها أفراد أمن يتجاوز عددهم مليوني شخص ولا يمتلكون قاعدة بيانات مركزية للمتطرفين والإرهابيي­ن المحتملين.

تتمتع فرنسا وبلجيكا بقواسم مشتركة عديدة، فقد شهدت الدولتان أعنف الهجمات الإرهابية، كما تسعيان إلى تبني تدابير أمنية للحد من مخاطر الإرهابيين العائدين من سوريا والعراق. وشرعت الدولتان في دراسة أسباب إخفاقهما في منع التطرف والإرهاب.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates