Trending Events

ما هي دوافع بكين للتجسس على الاتحاد الأوروبي؟

جيفري باين

- جيفري باين* مدير الشؤون الأكاديمية في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيج­ية التابع لجامعة الدفاع الوطني، واشنطن

تكشف الاتهامات الموجهة للصين باختراق شبكة البرقيات الدبلوماسي­ةالأوروبية عن تزايد التنافس والتوتر في العلاقات بين الجانبين، وعن بروز مؤشرات توضح تغير القواعد الحاكمة للنظام الدولي منذ تأسيسه على يدالدول الغربية.

يتمثل أحد ثوابت العاقات الدولية في تجسس الدول على بعضها البعض. ولذلك، فإنه لم يكن من المستغرب الأخبار المتداولة بشأن اختراق وحدة من جيش التحرير الشعبي الصيني شبكة الاتصالات الدبلوماسي­ة لاتحاد الأوروبي، والذي يستخدم لتداول المعلومات بين الدول الأعضاء، بالإضافة إلى اختراق بكين شبكات أخرى تابعة لمنظمات دولية عديدة أهمها الأمم المتحدة.

وليس ما يميز هذا الأمر هو وقوع عملية قرصنة أو اختراق، بل أن هؤلاء المخترقون لأنظمة الاتصالات الأوروبية تركوا وراءهم أثراً يسمح بالتعرف عليهم، الأمر الذي يزيد من حدة التوتر بين الدول الغربية والصين، خاصة في ضوء العاقات الصراعية التي غلفت عاقات الجانبين في الآونة الأخيرة.

�لاختر�ق �ل�صيني �ل�صيبر�ني

كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن قيام الصين باختراق شبكات الاتصالات الأوروبية في أواخر ديسمبر 2018، وذلك بناء على معلومات كشفتها لها شركة "أريا 1" ‪)Area 1(‬ لأمن السيبراني، والتي تضمنت تقريراً تفصيلياً عن تعرض شبكة الاتصالات الدبلوماسي­ة التابعة لاتحاد الأوروبي لاختراق الخارجي، وأن المخترقين قاموا بمراقبة البرقيات الدبلوماسي­ة المتداولة بين دول الاتحاد، والاطاع عليها على مدار السنوات الثاث السابقة.

وأوضح التقرير أن قنوات الاتصال التي تستخدمها الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية تعرضت لعمليات اختراق مشابهة. وأكدت التقارير الإخبارية أن مخترقي هذه الشبكات كانوا مواطنين صينيين. وعلى الجانب الآخر، سعى تقرير شركة "أريا 1" إلى لفت الانتباه إلى حقيقة أن الشبكات المخترقة كانت تحميها أنظمة أمنية ضعيفة. وبالتالي فإنه في الوقت الذي يتبع فيه المخترقون تكتيكاً متطوراً في الاختراق، فإن الأنظمة المخترَقَة لم تتبن أية تدابير لتأمين نفسها.

وركزت التقارير الإخبارية التي تناولت عملية الاختراق على التهديدات المتزايدة، التي يشكلها المجال السيبراني، وبطء استجابة العديد من الدول لها.

وأصبحت سياسة الصين في القيام بعمليات اختراق وقرصنة للشبكات الأجنبية موضع اهتمام العديد من الدول، لاسيما في الغرب، خاصة مع تصاعد النفوذ الصيني في جميع أنحاء العالم منذ أن تولى الرئيس "شي جين بينج" زمام الحكم في مارس 2013.

ولم تصبح قوة الاقتصاد الصيني مؤشراً رئيسياً على صحة الاقتصاد العالمي فحسب، بل ووفر النجاح الاقتصادي لبكين موارد مالية هائلة كافية لبسط نفوذها على العديد من أقاليم العالم، وهو ما أثار الشكوك الغربية.

�لتناف�س �ل�صيني - �لغربي

تمثلت الوسيلة الأساسية لتعظيم نفوذ الصين بالنسبة ل "شي جين بينج" في مبادرة الحزام والطريق، التي كانت في البداية خطة لربط الدول الآسيوية من خال شبكة من الممرات التجارية البرية والبحرية، ولكنها تطورت وأصبحت الآن أداة لتعزيز القوة الصينية، خاصة بعد أن أصبحت المبادرة تعد بالاستثمار في جميع أقاليم العالم تقريباً.

وتسعى الصين، شأنها في ذلك شأن جميع الدول التي تتنامى قوتها الاقتصادية، لاستغال المبادرة بهدف خلق بيئة دولية مواتية لتحقيق مصالحها على حساب القوى الأخرى. وتهدف بكين، كذلك، إلى تحدي القواعد الراسخة التي يستند إليها النظام الدولي، سواء من خال سعيها إلى تغيير الممارسات الدولية المعتادة، أو رفضها تحمل الأعباء التي عادةً ما تلتزم بها القوى الكبرى في النظام الدولي.

ومن جهة ثانية، فإن النظر إلى الصين باعتبارها منافساً للنظام الدولي الحالي، وهو نظام أنشأته، وغالباً ما تقوده، القوى الغربية، أثار المزيد من القلق بين دول أوروبا وأمريكا الشمالية حيال نوايا الصين. وترتب عليه، تصاعد التنافس والتوتر في العاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين، بصورة فاقت ما كان عليه الوضع منذ أكثر من عشرين عاماً.

ولا ينحصر هذا التنافس في النزاع التجاري الدائر بين الصين والولايات المتحدة، بل تتنافس الدولتان على بسط النفوذ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتولي كا الدولتين اهتماماً شديداً لسياسات وتحركات الطرف الآخر، كما تهيمن على دراسات العاقات الدولية العديد من الكتب التي تسعى لفهم وتحليل كيفية تأثير العاقة بين واشنطن وبكين على العاقات الدولية في السنوات القادمة.

فهم �لهو�ج�س �لغربية

يؤثر التنافس الأمريكي – الصيني على العاقة بين بكين ودول الاتحاد الأوروبي، إذ تشعر العديد من الدول الأوروبية بالقلق من سياسات الصين في أكثر من ملف. وتتمثل أهم القضايا التي تشغل بروكسل في جودة الصادرات الصينية إلى دولهم، فضاً عن الاتهامات الموجهة لبكين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان داخل حدودها.

وبالإضافة إلى ما سبق، ترتاب الدول الأوروبية من سعي الصين لتعزيز القوات البحرية الصينية، ومنهجها في الاستثمار في موانئ المحيط الهندي، عبر ما يعرف بدبلوماسية الديون، والتي تهدف إلى جدولة الديون المترتبة على الدول المالكة لهذه الموانئ من خال امتاك بكين حصصاً فيها لفترات طويلة، بما يحمله ذلك من إمكانية تعزيز وجودها العسكري في هذه الدول، ناهيك عن أهدافها الاستراتيج­ية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وتدرك الصين جيداً تزايد الشكوك الغربية تجاه أهدافها ونواياها الدولية، وتسعى إلى معرفة وتقدير مدى تأثير التنافس مع الغرب على استقرارها. ولا يمثل التنافس بين الدول مشكلة في حد ذاتها، غير أنه يمكنه أن يؤدي إلى تكوين تصورات سلبية بين الدول، ويزيد من احتمالات الصراع بينها، أو صياغة قواعد جديدة للنظام الدولي، أو حتى الوصول لفهم أفضل لما يسعى إليه جميع الأطراف المتنافسة من تحقيقه.

ويعتقد أن المسألتين اللتين ستهيمنان على العاقات الدولية في العقود المقبلة هما: كيف ستتفاعل الصين مع الغرب؟ وما هو رد فعل بقية دول العالم على التنافس المتنامي بينهما؟ ويبدو أن التقارير التي تتحدث عن تورط بكين في هذه الاختراقات سوف يدعم تصورات الغرب عن تحوّل الصين إلى تحدٍ لمصالحها وأمنها.

تقييم �لمكا�صب و�لخ�صائر

ارتبطت بعض البرقيات الدبلوماسي­ة، التي يُفترض أنها اكتشفت في هذا الاختراق، بتصورات الدول الأوروبية عن كيفية التعامل مع الصين. ويمكن أن تساعد المعلومات الواردة في هذه البرقيات الصين بشكل ملموس في الحوارات الدبلوماسي­ة المعقدة التي تجريها مع كل من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، غير أنهم، في المقابل، تركوا وراءهم آثاراً يمكن اقتفاؤهم من خالها. ومثل هذه الأخبار تدعم بالضرورة التصورات بتصاعد حدة التوتر بين الجانبين، حيث قد تكون له آثار سلبية على مصالح الصين الاقتصادية مع الدول الأوروبية.

وعلى المدى الطويل، سيُضاف هذا الحادث إلى قائمة طويلة من الاتهامات التي تصدرها الدول الغربية ضد الصين، خاصة فيما يتعلق بسرقتها معلومات تقع تحت بند حقوق الملكية الفكرية، مثل سرقة الأسرار الصناعية، والتجسس على الاتصالات الحكومية.

ويصبح الفضاء السيبراني مجالاً جديداً تشتعل فيه المنافسة، خاصة إذا بدأت الأطراف المتنافسة في اتخاذ إجراءات رداً على عمليات الاختراق التي ترتكبها الأطراف الأخرى. وقد تزيد هذه المنافسة من التكاليف، سواء المالية أو السياسية، التي تتكبدها الأطراف المنخرطة فيها.

وفي الختام، يمكن القول إن حادثة الاختراق الصيني لاتحاد الأوروبي، تكشف عن حاجة دول العالم لاستثمار بجدية في مجال الأمن السيبراني، سواء من خال امتاك التقنيات والتكنولوج­يا الازمة، أو تأهيل العاملين في هذا المجال كي يصبحوا قادرين على مواجهة هذه التحديات، أما سياسياً، فإن هذه الحادثة تمثل مؤشراً على تصاعد التنافس بين القوى الغربية والصين، وما يرتبه ذلك من تغير في القواعد الحاكمة للنظام الدولي، ومن ثم ينبغي على جميع دول العالم أن تدرك ذلك، وتسعى لتطوير سياسات للتعامل مع هذا الوضع الجديد.

أصبحت سياسة الصين في القيام بعمليات اختراق وقرصنة للشبكات الأجنبية موضع اهتمام العديد من الدول، لاسيما في الغرب، خاصة مع تصاعد النفوذ الصيني في جميع أنحاء العالم منذ أن تولى الرئيس شي جين بينج زمام الحكم في مارس 2013.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates