Trending Events

‪End Game!‬

هل يمكن أن يحل الصراع العربي - الإسرائيلي "هذه المرة"؟ د.محمد عبدالسلام

- د. محمد عبدالسلام مدير المركز أبوظبي، 2019

الجميع يعرفون. إذ سيعود "الصراع العربي – الإسرائيلي" إلى واجهة الأحداث خال الفترة القصيرة القادمة، بعد أن تراجع الاهتمام به، عدا فترات محدودة، منذ عام 2001 تقريباً، والأهم أنه سيعود "عربياً – إسرائيلياً"، بعد أن كان نطاقه قد تقلص إلى الحدود الإسرائيلي­ة – الفلسطينية، بأطراف قد تكون جزءاً من الحل، وليس المشكلة، فهناك محاولة تم الإعداد لها عبر عامين لتشكيل "خطة سام" متعددة الأطراف، يطلق عليها إعامياً "صفقة القرن"، ستشغل المنطقة لفترة وتؤثر على تفاعاتها، وستغير بعض مامح خريطة الإقليم، في حال نجاحها، وكذلك في حال فشلها، والسؤال: هل يمكن أن تنجح؟

لقد طُرح السؤال على شخصيات أمريكية عملت على الخطة، وكانت الإجابة "أنه ليست هناك ضمانات بأنها أفضل من المحاولات الماضية التي فشلت، لكننا نجرب طريقاً مختلفاً، وسنعمل على تنفيذه"، وبالفعل يبدو أن المسألة مختلفة، وأحد مفاتيح الاختاف هو كلمة "التنفيذ" التي تسيطر على إطار الخطة، وتقديرات بعض من وضعوها ومن تلقوها، فما يقال هو أنه "ليست مهمتنا أن نقدم تطمينات مسبقة، ولن نعرض على أحد مكافآت لكي يأتي للتفاوض، فنحن وسطاء نسهل الأمور ولسنا Brokers)،) سنعرض على الأطراف شيئاً واقعياً لمصلحة الشعوب، وندعوهم لاتفاق عليه"، فمنطق الخطة هو Deal( ‪or No deal‬ ،) إما أن تقبل أو ترفض.

إن الخطة قد عرضت على الأطراف المباشرة للصراع، وغير المباشرة أيضاً، وقد قام واضعوها بعرضها على "فاعلين من غير الدول"، كشركات الأعمال، وقطاعات من المجتمعات لتسهيل مهمة المتفاوضين، مع إشارات إلى أن من سيحاولون إفساد الأمور وإشاعة الفوضى Spoilers() "سوف يتم الانتباه لهم"، ويبدو أن المسألة معقدة لدرجة أن جنرالات من أنصار الجيوبوليت­كس الذين يفكرون في مجموعات العمل القديمة، الخاصة بالحدود والمياه والأمن والاجئين وغيرها، يجدون صعوبة في التوصية بقول لا منذ البداية، ويأملون في أن يعمل "منطق العدل" وليس منطق الصفقات، فسيتم التفاعل مع ما سيطرح، والمشكلة أنه إطار من دون سوابق.

على أية حال، فإن ما يقال هو أن الخطة تفصيلية للغاية، وإن هناك تجربة تسوية مختلفة، فالسلم يفرض بالقوة أو يتم بالتفاوض، وعادة ما يكون "التعاون الاقتصادي" نتيجة تالية، وهذه المرة، يبدو أنه تم تصميم "التسوية" على أساس أن الصراع يمكن التعامل معه على أنه "مباراة غير صفرية" تستند إدارتها إلى خلق مصالح مشتركة تتحقق في إطارها "مكاسب كبيرة"، فحسب تعبير لجيسون جرينبات "ترامب ليس مارشال"، لكن الأدوات الاقتصادية "جزء من الحل"، فهل يمكن أن يحل الصراع بهذا الأسلوب؟

�إنه لن يحل

الإجابات القديمة لاتزال مطروحة، فببساطة هذا الصراع "لن يحل" هذه المرة، كما لم يحل في 6 محاولات متعددة الأطراف، على الأقل، من قبل، لكن التاريخ أيضاً يثبت كل شيء، إذ توجد صراعات شديدة التعقيد تمت تسويتها، فربما أصاب الإرهاق كل الأطراف، وربما تصاعدت أهمية "الاقتصاد" للشعوب، مع تقلص أهمية الحدود والعواصم والاجئين في ظل خبرة ما بعد عام 2011، أو أن ما سيطرح عرض يصعب رفضه، لكن الأهم هو أن البديل دائماً لأي "صفقة" ترفض، كان ببساطة هو استمرار الوضع الراهن، فهل الوضع الراهن أفضل من "تسوية ما"، حتى لو لم تكن مقبولة، هذه المرة أيضاً؟

إن فكرة "عدم القابلية للحل" تستند إلى مقولات من الماضي الذي يبدو حالياً "سحيقاً"، مثل: -1 إنه صراع وجود وليس صراع حدود، وإنه لن ينتهي إلا بنهاية أحد طرفيه، ولأن الطرف العربي، بحكم المساحة والسكان، لن ينتهي، فقد كان المقصود هو أن الطرف الآخر هو الذي سيختفي، أو يفترض، أو يجب. 2- إنه الصراع المركزي في المنطقة، وإن كل الصراعات الأخرى ثانوية، وإن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، وإنه ما لم يحل هذا الصراع، وما لم تتم تسوية تلك القضية، فإن المنطقة لن تستقر، ولن يحل أي شيء.

ولا يحتاج الأمر لتحليل طويل لإثبات أن الماضي قد انتهى، وأن تفاعات الحرب والسام والغزو والثورات تجعل مسألة الحديث عن "الوجود وليس الحدود" ترتبط بغير العقاء، ومع الوقت لم يعد الصراع مع إسرائيل هو الأساسي، ولم تعد القضية الفلسطينية هي المركزية، إذ أصبحت فلسطينية فقط مع امتدادات محددة لها، ولا مزيد، فالإقليم سار في طريقه، بصرف النظر عن حلها أو عدم حلها، ومؤخراً، وضح أن هناك توجهات شديدة العملية، فلم يعد أحد يرغب في أن يتوقف التاريخ عند أوضاع لم تتم مراعاتها من جانب أطرافها المباشرة ذاتهم، إذ ساهمت الصراعات الفلسطينية في تلوين الصورة.

الفكرة بسيطة، هي أن هذه الإجابات لم تعد صالحة لتحليل مستقبل عملية التسوية المحتملة، في ظل "الصيغة المختلفة"، فهي لن تعوق إمكانية أن يسوى، حتى لو كانت هناك تيارات مختلفة لاتزال تتمسك بها، وقيادات لن تتمكن من الابتعاد

عنها، أو دول على أطراف الإقليم لاتزال توظفها، فالمشكلة ليست هنا، أو لم تعد كذلك.

�إنه �صعب �لحل

كانت هناك أطر أكثر واقعية، قدمت إسهامات في فهم أن هذا الصراع "صعب الحل"، أهمها نظرية شهيرة هي أنه "صراع اجتماعي ممتد"، وهو نوعية من الصراعات التي تتجاوز كل الحدود المفهومة لصراعات الدول، وتتمدد لتصل إلى المجتمعات نفسها، وتتجاوز ما هو عسكري وسياسي إلى ما هو اقتصادي وثقافي، وتزداد تعقيداً مع الوقت، وهذه الصراعات – ببساطة شديدة – تتسم بالتالي: 1- إنها لا تحل أصاً، ولا تسوى كذلك، وإنما "تذبل" مع مرور الزمن وتعاقب الأجيال ونسيان التاريخ، لتنتهي وحدها، فهي تدور حول قيم وليس مصالح، وعادة لا يمكن أن توجد حلول وسط بشأن القيم، وأي محاولة للتركيز على المصالح يمكن أن تجدي مؤقتاً، لتنهار في النهاية. وبالتالي كل ما يمكن فعله بشأنها هو إدارتها، باحتواء التفاعات العنيفة التي تنفجر عبر مسارها. 2- إن كل الخيارات تمثل مشكلة، فالحرب تشكل أزمة في مسار تلك الصراعات، والأهم أن السام يمثل أزمة أيضاً، فأي خروج كبير عن نمط التفاعل المعتاد يثير المتاعب، ويستدعي ردود الأفعال القلقة أو الرافضة نفسها، فالدول تعاني حالات الحرب، والمجتمعات لا تتفاعل مع محاولات السلم، والقيادات قد تدفع ثمناً كبيراً في الحالتين، لذا قد تفضل "المناطق الآمنة".

ولقد تطورت هذه الأفكار مع الوقت، لتضع محددات لما تعنيه فكرة الحل، ولتصبح أكثر واقعية، بما يشير إلى أنه إذا تم التمكن من تجاوز مفهوم "الحل"، فإن الأمور قد تصبح متصورة، أهمها فكرتان: 1- إن هناك مستويين للصراع، فمن الممكن أن يكون الشق الفلسطيني صراع قيم أساساً يصعب أن يحل، لكن الشق المصري والأردني والسوري واللبناني صراع مصالح أساساً، يمكن أن توجد طريقة للتسوية معه، وهو ما حدث. 2- أن المقصود هو "السام وليس الحب"، وهي مازالت تطرح في مؤتمرات جادة على الرغم من أنها قديمة، فالسام هو الحل الشامل العادل، فالمتاح هو تسوية على أساس حلول وسط ومصالح ناقصة، تقرر الدول أنه يمكن أن تتعايش في إطارها بشكل سلمي.

وبالتالي، فإن المهم – وفقاً لذلك التوجه – ليس الوصول إلى تسوية مقبولة، وإنما معقولة، للجوانب السياسية والأمنية، بما يمنع تصاعد الصراع مستقباً، فيما يشبه الاحتواء، بحيث تسود عاقات عادية طبيعية وليست خاصة بالضرورة، بصرف النظر عن الجوانب الاجتماعية والثقافية، التي ستذبل وحدها.

يمكن �أن يحل

"إنه يمكن أن يحل"، لم يكن أحد يقرر ذلك في أي وقت، لكن الواقع كان مختلفاً نسبياً، فبعض الدول كانت تتعامل "بمرونة" مع إسرائيل في أطر غير معلنة، والتاريخ يشير إلى أنه تم إجراء اتصالات واستقبال مبعوثين وعقد صفقات، وتوضيح مواقف، وأكثر من ذلك بكثير، منذ السنوات الأولى لبداية الصراع، ومن جانب كل الأطراف تقريباً، قبل أن تبدأ العمليات المنظمة لتسويته، مثل كامب ديفيد والمبادرة العربية وعملية مدريد وواي بانتيشن ووادي عربة واتفاق أوسلو وتفاهم 2006 ومشروع إسراطين، فالسياسات العملية كانت موجودة طوال الوقت، على أساس المصالح المشتركة "المنفردة أحياناً"، ويمكن أن يتكرر ذلك.

إن ما يطرح حالياً ليس مجرد جولة جديدة من محاولات تسوية الصراع، وإنما مرحلة مختلفة تعتمد على صيغة أقرب إلى "البيزنس السياسي" الذي يحقق مصالح محددة منها إلى مفاوضات تقليدية تستند إلى الثوابت كالحقوق التاريخية والسيادة الوطنية، فالأساس هو فكرة الصفقة، على الرغم من أن أحداً لا يريد التركيز على اقتصادات المفهوم وكأنها الأساس، أو كأن الوسيلة الثالثة لحل الصراع ستكون "الشيكات"، لكن الجانب الاقتصادي في الخطة كبير، وهناك أقوال لواضعي الخطة بأن هناك وعياً لأهمية تقرير المصير ومشكلة الاجئين وحتى حساسية القدس، على الرغم من نقل السفارة الأمريكية إليها، لكنهم يعتقدون أن خلق شبكة مصالح وبدائل حقيقة لأطراف الصراع يمكن أن يقود إلى تسوية قابلة لاستمرار.

هناك مثال بسيط لم يطرح، لكنه يوضح الطريقة التي يتم التفكير بها، فإذا كانت هناك مشكلة مياه بين طرفين، لن يكون الحل – وفقاً لمخططي الصفقة – هو خوض مفاوضات مرهقة حول الحقوق الثابتة أو تقاسم الموارد، وإنما النظر في وجود مشروعات حفر أو تحلية يمكن أن توفر احتياجات الطرفين و"وظائف للجانبين"، وبالتالي هل سيقدم طرف على رفض تسوية تتجاوز حقه الشرعي، إذا كان سيحصل في الإطار الجديد على ما كان يحارب من أجله في الإطار التقليدي، وينطبق شيء من ذلك على القضايا الأخرى، مثل الاجئين والمستوطنا­ت، وتتوقف الإجابة على تقديرات كل طرف.

وهنا، إذا عدنا إلى سؤال البداية، هل يمكن أن يحل الصراع هذه المرة، فإن الإجابة ببساطة، وفقاً لنظرية الاحتمالات، هي 25 – 75 في المائة، لصالح التفاعل مع ما سيطرح، وعدم الرفض من حيث المبدأ، أو عدم القدرة على القيام بذلك، وإذا كان ثمة ما يقال، فإن المشكلة ستكون مدى تقدير كل طرف لقدرته على احتمال الثمن السياسي الكبير لإبداء مرونة بشأن قيم الدولة والسيادة والحدود والأمن والعاصمة والموارد والهوية، خاصة أنه لن يتم التمكن من تجاوزها، ففي النهاية يجب أن تكون هناك دولتان، لكن وفق إطار مختلف "خارج الصندوق" التقليدي، يصعب التصرف معه بطريقة تؤدي إلى استمرار الوضع القائم. أما إذا كانت الصفقة سيئة ‪Bad Deal(‬ ،) فإن رايات "أمل دنقل" ستبدأ في الارتفاع.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates