Trending Events

"عقد الحروب الاقتصادية"!

توظيف أدوات الاقتصاد كسلاح سياسي في العلاقات الدولية علي صلاح

- علي صلاح رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية - المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبي

إذا كان القرن العشرون شهد أكبر الحروب العسكرية في التاريخ، حيث قامت الدول الكبرى مرتين، خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، بتعبئة نصف أو ما يزيد على نصف مواردها لصالح تلك الحروب، وكان الجانب الأكثر ثراءً هو الفائز في المرتين؛ فإن القرن الحادي والعشرين، ومن خلال ما انقضى منه حتى الآن، يشهد أكبر حروب في التاريخ أيضاً، لكنها حروب مختلفة هذه المرة، حيث تعبئ بعض الدول كامل إمكاناتها لصالح حروب اقتصادية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل، ولن تكون النتيجة مختلفة في هذه المرة عن المرتين السابقتين، فالطرف الفائز سيكون من دون شك هو الأكثر ثراءً، لكن الاختلاف هو في طبيعة هذا الثراء.

وقد شهد العقد الأخير كثافة في توظيف الحروب الاقتصادية كوسيلة سياسية فعَّالة، بل وأصبح يتم استخدامها بدلاً من الحروب العسكرية، في الضغط على الدول المُستهدفَة واستنزاف مواردها، والتأثير في معنوياتها، وتأليب الرأي العام لشعبها، وصولاً إلى دفع حكوماتها للعدول عن سياساتها أو تغيير الحكومات ذاتها، والأفضلية هنا هي أن الحروب الاقتصادية تحقق هذه الأهداف من دون تحميل ميزانيات الدول القائمة عليها بأعباء كبيرة بعكس الحروب العسكرية( 1 .)

تصاعد اعتماد الدول على الآليات الاقتصادية والتجارية باعتبارها ساحاً سياسياً، منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، لاسيما خال العامين الأخيرين على وجه التحديد، في ظل صعود ما يمكن تسميته ب "تيار القومية الاقتصادية"، والذي ظهر بصورة جلية في حالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي رفع شعار "أمريكا أولاً"، منذ وصوله إلى الحكم في عام 2) 2016(، وكذلك في تصويت البريطانيي­ن لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، رغبةً منهم في جعل سياساتهم الاقتصادية أكثر استقالية عن الاتحاد، وجعل اقتصادهم أقل انكشافاً على أزمات دُولِه.

وبالتزامن مع ذلك تسببت التطورات السلبية في الجوانب الجيوسياسي­ة حول العالم في لجوء الدول إلى فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على بعضها البعض، واتسع استخدام المبررات الأمنية والثقافية كمبرر لفرض قيود تجارية على الاستيراد أيضاً.

وقد أصبحت الحروب الاقتصادية حروباً لها أدواتها وتأثيراتها، بشكل مختلف عما كان في الماضي، كما أصبحت هناك عوامل ومؤشرات محددة للحكم على فاعليتها وقدرتها على تحقيق أهدافها.

�أولاً: تنامي �لاعتماد على "�لاأ�صلحة �لاقت�صادية"!

كانت الفترة منذ بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين، وحتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، هي الفترة الذهبية للعولمة الاقتصادية، حيث شهد العالم فيها توسعاً كبيراً ومتسارعاً في النشاط الاقتصادي، وازدهاراً غير مسبوق في الحركة الدولية للبضائع والسلع ورؤوس الأموال. ولكن تغير المشهد كثيراً خال العقد الأخير، حيث طرأ تغير جوهري في وتيرة الأداء الاقتصادي، وتراجع زخم حركة السلع والبضائع ورؤوس الأموال عبر الحدود الدولية، في إطار ما يمكن تسميته "انتكاس العولمة الاقتصادية".

وقد حاولت مجلة "الإيكونومي­ست" في أحد أعدادها الأخيرة تفسير هذه الظاهرة، وساقت لذلك عدة أسباب، أهمها توقف تكاليف النقل والمواصات والاتصالات عن الانخفاض، وتحول النشاط الاقتصادي الدولي إلى التركيز على الخدمات بدلاً من الصناعة، مع العلم أن الخدمات ليست سهلة الحركة عبر الحدود، مثل السلع، واكتشاف الشركات الكبرى أن التمدد الزائد عن الحد حول العالم يحتاج الكثير من الأموال، في وقت تمكن فيه المنافسون المحليون من تحقيق الأرباح بتكاليف أقل. وآخر الأسباب هو أن المصانع الصينية أصبحت أكثر قدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، فانخفضت حاجتها لاستيراد مدخات الإنتاج(3 .)

وإلى جانب هذه الأسباب، يمكن إضافة سبب آخر، وهو حدوث تحول كبير في نهج تعامل الدول مع الأزمات الاقتصادية والتجارية، إذ أصبحت الدول أكثر مياً إلى التنازع مع الآخرين وإغاق أسواقها كأداة لحماية مصالحها المباشرة، بدلاً من التفاوض وفتح الأسواق، بما يعزز النمو العالمي، وبالتالي يعزز فرص النمو والتوسع لاقتصاداته­ا الوطنية.

ومن هنا يمكن التأكيد على أن النظام الاقتصادي العالمي يقف الآن في مرحلة جوهرية في تاريخ تطوره، وهو وإن كان يشهد تطورات إيجابية عديدة، مثل التطور التكنولوجي وتطور أسلوب الحياة وتحسن مستوى المعيشة في العديد من البلدان، وغير ذلك من المكتسبات التي تحققت على مدى سبعة عقود، ومبنية على أساس تحرير التجارة في السلع والخدمات وحركة رؤوس الأموال ونقل التكنولوجي­ا. لكن هذه الإيجابيات باتت محاً للتهديد الآن، في ظل تنامي مخاطر انهيار الأساس الذي بُنيَت عليه، بسبب ما يشهده النظام الاقتصادي العالمي الآن من اتساع الحمائية التجارية وتزايد ممارسات حروب العمات وتنامي مظاهر الاحتكار، تزامناً مع لجوء الدول إلى العقوبات وعمليات الحصار الاقتصادي ضد بعضها البعض، في إطار ما بات يُصطلح عليه بأنه "الحروب الاقتصادية".

والحروب الاقتصادية من أقدم أنواع الحروب التي عرفتها البشرية، وقد بدأت في صورتها الأولى في شكل صراع على الموارد الطبيعية، كالذهب والمعادن ومصادر الطاقة، وكانت تُخَاض باستخدام القوة العسكرية والاستعمار، ثم تغيرت صورها لتشمل أشكالاً عديدة لممارسة الضغط الاقتصادي على الدول الأخرى، كمنع استيراد السلع، ودعم المنتجات المحلية، وتخفيض العمات المحلية، وغير ذلك من أشكال الحروب ذات الطابع الاقتصادي، وبذلك فإنها أصبحت الآن أكثر سهولة وأقل تكلفة وأسرع في التنفيذ(4.)

ويمكن التوقف عند رصد آليات عديدة للحروب الاقتصادية، حيث شهدت هذه الآليات )أو الأسلحة إن جاز التعبير( تطورات عدة عبر مراحل تطور النشاط والفكر الاقتصاديي­ن على مدى القرون الماضية، وتعددت كذلك مستويات استخدامها، وطريقة توظيف الدول لها تبعاً للظروف أو الأسباب الدافعة لذلك.

وفي هذا السياق، تركز المحاور القادمة في هذه الدراسة على الأنماط الأكثر شيوعاً في الحروب الاقتصادية في العقود الماضية، وكذلك الأكثر استخداماً في الوقت الراهن، وهي: الحصار الاقتصادي، والمقاطعة الاقتصادية، والحمائية التجارية، وحروب العمات، والإغراق، والعقوبات الاقتصادية، والاحتكار. علماً بأن أدوات وآليات استخدام الاقتصاد كساحٍ لا تقتصر على ذلك، فهناك أدوات أخرى، وإن كانت أقل استخداماً بكثير أو يندر استخدامها مقارنة بالأدوات سابقة الذكر، وتشمل هذه الأدوات التاعب في مؤشرات البورصات، وإغراق الدول المُستهدفَة بالديون، وافتعال الأزمات بين دول الجوار المُستهدفَة بالحروب الاقتصادية، ويمكن كذلك استخدام الحماية العسكرية كوسيلة لاستنزاف الموارد الاقتصادية للدول(5.)

ثانياً: �لح�صار �لاقت�صادي

يُعتبر الحصار من أكثر أسلحة الحرب الاقتصادية فتكاً، لما يترتب عليه من نقص في السلع الضرورية في الأسواق المحلية بالدولة المستهدفة، كالأدوية والغذاء، ما يتسبب لها في أضرار اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى، مثل المجاعات وانتشار الأوبئة بين السكان(6(، حتى إن بعض الأدبيات الاقتصادية حصرت استخدام مصطلح "الحرب الاقتصادية" على حالات الحصار الاقتصادي نتيجة لأضراره الكبيرة(7.)

ولدى تعريف الحصار الاقتصادي، فهوعبارة عن "مقاطعة كاملة لمنتجات دولة ما، وعدم الاستيراد منها أو التصدير إليها، وعدم إعطائها أي فرصة لترويج سلعها في الخارج". وهناك تعريفات أخرى له، ومنها أنه "منع دخول وخروج السلع للمنطقة أو الدولة الواقعة تحته، عبر فرض حصار بحري وجوي وبري عليها")8(. كما يُعرف الحصار الاقتصادي بأنه "استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة لوقف حركة الأشخاص والبضائع إلى ومن البلد أو المنطقة المُستهدفة". ويُعرف كذلك بأنه "منع البضائع أو الأشخاص من دخول أو مغادرة دولة ما، كوسيلة لإظهار عدم قبول موقفها أو قرارها، من قبل حكومة دولة أو مجموعة من الدول الأخرى")9.)

ويُستخدم الحصار الاقتصادي كساح للضغط على الدولة المُستهدفَة لتغيير سلوكها تجاه الدولة أو مجموعة الدول القائمة بمحاصرتها)10(. وقد اختلفت أدوات الحصار الاقتصادي عبر التاريخ، فكانت في البداية تستخدم فيه الوسائل العسكرية، وكان أول حصار منظم من هذا النوع عرفه التاريخ من طرف بريطانيا، التي حاصرت الموانئ الفرنسية خال الفترة 1756( – 1763(، وتسبب ذلك في تدمير شبه كامل للتجارة الخارجية لفرنسا. كما كان للحصار البريطاني على الموانئ الفرنسية منذ عام 1803 إلى عام 1814 دور كبير في حسم الحرب ضد نابليون بونابارت وقواته، وأصبح الحصار منذ تلك الفترة ساحاً عسكرياً واقتصادياً في الوقت نفسه 11).)

وقد تطورت أدوات الحصار الاقتصادي كثيراً في القرنين التاسع عشر والعشرين نظراً للتطور التكنولوجي الذي ساعد على تقليص الحاجة إلى استخدام الوسائل العسكرية فيه. ويأخذ الحصار الاقتصادي الآن أحد شكلين، أولهما حظر التجارة، عبر إيقاف حركة السلع والبضائع من وإلى الدولة أو المنطقة المحاصرة)12(، وثانيهما: حظر الاستثمار والحظر المالي)13.)

ويُعد الحصار الأمريكي على كوبا من أشهر أمثلة الحصار الاقتصادي في التاريخ، وهو حصار بدأ في عام 1959 لدى قدوم "فيدل كاسترو" ذي التوجه الاشتراكي إلى الحكم في كوبا، على حساب حليف الولايات المتحدة فلسيانو باتيستا. واستمر الحصار لما يزيد على نصف قرن، ونجح في عزل كوبا اقتصادياً بشكل شبه كامل عن العالم الخارجي. ووفق إحصاءات الحكومة الكوبية تسبب الحصار في تكبيد اقتصاد كوبا خسائر بنحو 126 مليار دولار)14(، على الرغم من أن إجمالي تكلفته لم تتجاوز 1.2 مليار دولار بالنسبة للولايات المتحدة)15(. ولذلك فقد اتجه البعض إلى وصف الحصار الاقتصادي الأمريكي على كوبا بأنه كان أكثر فاعلية من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق خال الفترة ‪1991- 1947‬16(.)

ثالثاً : �لمقاطعة �لاقت�صادية

تعرف المقاطعة الاقتصادية Boycott على أنها "الانسحاب من عاقات تجارية أو اجتماعية مع دولة أو مؤسسة أو شخص ما، أو رفض التعاون معه أو مشاركته قراراً أو حدثاً ما، كعقاب له أو كوسيلة للضغط عليه")17(. كما تُعرف المقاطعة على أنها "الامتناع عن معاملة الآخر اقتصادياً، وفق نظامٍ جماعي مرسوم، بهدف الضغط عليه، لتغيير سياسته تجاه قضية من القضايا")18(. وكذلك تُعرف بأنها "مقاطعة السلع المُنتجَة في دولة من الدول، وعدم الاستيراد منها أو التصدير إليها على الإطاق، واستخدام المنتجات المنافسة لمنتجاتها")19.)

وقد تم اشتقاق مصطلح Boycott من اسم Charles Boycott، الذي كان يعمل مديراً عقارياً في أيرلندا، وتسبب قيامه بزيادة قيمة الإيجارات في عام 1880، في إثارة غضب المزارعين الأيرلنديي­ن، فرفضوا التعاون معه، ما سبب له خسائر كبيرة، واضطره إلى التراجع عن قراره في نهاية المطاف) 20 .)

وتتمثل التجربة الأكثر وضوحاً بالنسبة للمقاطعة الاقتصادية في قيام الولايات المتحدة بمقاطعة الأرجنتين خال الفترة )1942 – 1949(، إذ أوقفت منح تراخيص تصدير عدد من السلع إليها، وشمل ذلك قطع غيار السكك الحديدية والمركبات والمعدات البترولية والكيماويا­ت والحديد والصلب والفحم وزيت الوقود وغيرها. كما ضغطت الولايات المتحدة على بوليفيا والبرازيل وتشيلي من أجل دفعها لوقف تصدير المطاط والنحاس والفحم إلى الأرجنتين، وانضمت بريطانيا ومعظم الدول الأوروبية، إلى المقاطعة، عبر ما سمي في حينه "إدارة التعاون الاقتصادي"، التي كانت قائمة على تنفيذ مشروع إعادة الإعمار الأوروبي. وتسببت تلك المقاطعة في خسائر كبيرة لاقتصاد الأرجنتيني، الذي تحول بسببها من أحد الاقتصادات الأكثر قوة في بداية أربعينيات القرن العشرين إلى أحد الاقتصادات الأضعف عالمياً بحلول عام ‪.) 21( 1970‬

كما ساهمت المقاطعة الاقتصادية في إسقاط حكومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في تسعينيات القرن العشرين، وكانت بداية هذه المقاطعة في ستينيات القرن العشرين، من خال قيام بعض الطاب في الولايات المتحدة بالضغط على جامعاتهم لإنهاء عاقاتهم بالشركات التي لها استثمارات في جنوب أفريقيا بسبب انتهاجها سياسات الفصل العنصري ضد السود. وعلى الرغم من أن الحركة كانت بطيئة في البداية، لكنها ازدادت خال الفترة )1985 – 1990(، وكان لها تأثير كبير على اقتصاد جنوب أفريقيا، حيث قامت 200 شركة أمريكية بتصفية أنشطتها هناك، ما كلف اقتصاد جنوب أفريقيا نحو مليار دولار من الاستثمارا­ت، وساهم ذلك في دفع الحكومة لإلغاء قوانين الفصل العنصري؛ ومُنِحَ السود حق التصويت في الانتخابات، وتم انتخاب "نيلسون مانديا" رئيساً للباد في عام 22( 1994.)

وقد تشمل المقاطعة الاقتصادية "رفض المستهلكين شراء منتج معين أو القيام بأعمال تجارية مع شركة معينة")23(. وقد حدثت إحدى أشهر حالات هذا النوع في عام 1955، لدى رفض روزا باركس، وهي مواطنة أمريكية سمراء، تعليمات سائق إحدى حافات شركة "مونتجمري للحافات"، بترك مقعدها لمواطن أمريكي أبيض، كأمر معمول به قانوناً في حينه بولايتي ألاباما ومونتجمري، وأشعلت تلك الخطوة حركة مقاطعة واسعة ضد الشركة، سُميت ‪The Montgomery(‬

‪Bus Boycott‬ ،) والتي استمرت نحو عام، وتسببت في خسارة الشركة 65% من دخلها، كما دفعت المحكمة العليا الأمريكية إلى الحكم بعدم دستورية قوانين ولايتي ألاباما ومونتجمري في هذا الإطار)24.)

ر�بعاً: �لحمائية �لتجارية

تُعد الحمائية التجارية من أكثر أسلحة الحروب الاقتصادية استخداماً، نظراً لسهولتها وامتاك الدول كافة لأدوات المُستخدمة بها، لاسيما في ظل تعدد هذه الأدوات. كما يمكن للدول تبنيها بشكل منفرد كقرار داخلي، وهناك كذلك بعض البنود ضمن اتفاقيات منظمة التجارة العالمية يمكن توظيفها بشكل أو بآخر كغطاء للحمائية التجارية.

وتلجأ الدول في العادة للحمائية عندما يفشل أسلوب التفاوض في حل النزاعات التجارية مع الدول الأخرى. وتُعرف الحمائية التجارية بأنها "سياسة تجارية تتبعها الدول لحماية منتجاتها الوطنية من المنافسة الأجنبية، وتقييد حركة البضائع ورؤوس الأموال والأفراد عبر الحدود)25(". وهناك العديد من التدابير والأدوات التي تستخدمها الدول لفرض الحمائية التجارية، ويأتي على رأسها ما يلي: 1- الرسوم الجمركية: في كثير من الأحيان تلجأ الدول إلى فرض رسومٍ جمركيةٍ جديدةٍ على السلع المُستوردَة من الخارج أو زيادة معدلات الرسوم القائمة بالفعل، من أجل حماية الصناعة المحلية، وجعل السلع المُستوردَة أعلى سعراً منها، من دون مراعاة أولويات النمو والتنمية وشروط تحرير التجارة العالمية)26 .) 2- حصص الاستيراد: قد تقوم بعض الحكومات بتحديد الكميات أو الحصص المسموح باستيرادها من السلعة المُستهدفَة من دولة ما، بذريعة حماية الصناعة المحلية، ويُسمَّى ذلك ب "حصص الاستيراد"، وقد يتم ذلك بشكل غير منضبط، وعلى سلع لا تواجه أسواقها المحلية مشاكل حقيقية، كما أن بعض قواعد وقيود حصص الاستيراد التي تفرضها الحكومات قد تبقى لفترات أطول مما هو لازم لتطوير الصناعة المحلية)27.) 3- دعم المنتجين المحليين: قد تقوم الحكومات بتقديم مساعدات مالية أو عينية لمنتجي السلع المحلية لتمكينهم من إنتاج هذه السلع بتكاليف منخفضة، وبالتالي بيعها بأسعار منخفضة مقارنة بأسعار السلع المستوردة، ما يخلق بيئة غير تنافسية في الأسواق المحلية لصالح السلع الوطنية)28.) 4- التاعب في المعايير والمواصفات: تقوم بعض الحكومات من حين إلى آخر بتغيير المعايير والمواصفات الوطنية، التي ينبغي توفرها في السلع المستوردة كشرط لإدخالها إلى الأسواق المحلية. وقد تتاعب الدول بتلك المعايير والمواصفات من حين إلى آخر، لتمديد فترات منع دخول السلع، وبما قد يعيق دخول هذه السلع لأسواقها بشكل شبه نهائي 29).)

وبشكل عام فإن للحمائية التجارية تاريخاً طوياً، فهي تعود إلى قرون سابقة، حيث لجأ إليها نابليون بونابرت في عام 1806 ضد المنتجات البريطانية. كما طبقتها الحكومة البريطانية ضد المنتجات الفرنسية في المقابل، عبر منع هذه المنتجات من دخول أسواق أمريكا الاتينية التي كانت تحت سيطرتها، ما أضر بالاقتصاد الفرنسي كثيراً)30.)

وفي بداية القرن التاسع عشر نشأ نزاع تجاري بين بريطانيا والولايات المتحدة، فتبنى الكونجرس الأمريكي في عام 1816 قانوناً جديداً، يقضي بفرض رسوم جمركية على المنتجات البريطانية بنسبة 25%. وبالتزامن مع ذلك فرضت الحكومة الأمريكية رسوماً على المنتجات الزراعية المُستوردَة من أوروبا، لدعم الزراعة الأمريكية في مواجهة أزمة انهيار أسعار المنتجات الزراعية العالمية آنذاك. وفي عام 1930 أصدرت الولايات المتحدة قانوناً يسمى Smoot-Hawley( ‪Tariff Act‬ ،) خولها زيادة التعرفة الجمركية المفروضة على 20 ألف سلعة مُستوردَة)31.)

وفي عام 1839، دخلت بريطانيا في نزاع تجاري طويل مع الصين، في مواجهة العجز المتزايد في ميزانها التجاري تجاهها، وازداد الأمر سوءاً باحتال بريطانيا لبعض المناطق التابعة للصين، وقبلت الأخيرة بمعاهدات غير متكافئة مع بريطانيا 32).)

وإبان أزمة "الكساد الكبير" التي بدأت في نهايات العشرينيات من القرن العشرين، لجأت الحكومات إلى الحمائية التجارية، فتبنت تدابير، أهمها الزيادات الكبيرة في التعريفات الجمركية على الواردات، في إطار ما سمي آنذاك بسياسة "إفقار الجار" Beggar-Thy-Neighbor(.) وتسبب ذلك في تراجع التجارة العالمية بمعدل 66% بين عامي 1929 و 33( 1933 .)

ومنذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008، أصبحت النزعة الحمائية هي السمة المسيطرة على السياسات التجارية للدول، التي توسعت في تبني الأدوات الحمائية التقليدية، سابقة الذكر )الرسوم الجمركية وحصص الاستيراد ودعم المنتجين المحليين والتاعب في الموصفات والمعايير(، كما تبنت الدول أدواتٍ حمائية جديدة لم تكن مألوفة من قبل، أبرزها "الحمائية الرقمية"، و"الحمائية الثقافية"، بمعنى استخدام الثقافة كذريعة للحمائية التجارية، و"النزعة القومية" كمبرر لتقييد التجارة، و"الخروج من الاتفاقيات التجارية الثنائية ومتعددة الأطراف"، و"الحمائية الأمنية"، المتمثلة في استخدام الإجراءات الأمنية كوسيلة للحمائية التجارية، بجانب ما يسمى "منع تصدير الوظائف") 34 .)

ومن أهم أمثلة استخدام "النزعة القومية" كآلية للحمائية تأتي حالة تبني "دونالد ترامب" هدف حماية الصناعة الأمريكية ضمن وعود حملته الانتخابية الرئاسية عام 2016، تحت شعار "أمريكا أولاً"، واقتناعه بأن الحمائية تؤدي إلى "ازدهار وقوة كبيرين" لباده، وقوله خال حملته أنه "يجب أن نحمي حدودنا من ويات الدول الأخرى التي تصنع منتجاتنا وتسرق شركاتنا وتدمر وظائفنا، وسنقوم باستخدام الصلب الأمريكي لتقوية الجسور الأمريكية المتداعية")35.)

وفي هذا الإطار جاء قرار "ترامب" في شهر مارس

2018 بفرض رسوم جمركية على واردات باده من الحديد والألمنيوم(36(، بنسبة بلغت 25% على واردات الحديد، و10% على واردات الألمنيوم(37(. وكان قراره يهدف – وفقاً لرؤيته - إلى "حماية الأمن القومي الأمريكي"؛ إذ سعى إلى حماية صناعة الحديد والألمنيوم الأمريكية في مواجهة نظيرتها الصينية، لاسيما أن البيانات أظهرت تراجع الإنتاج الأمريكي من الحديد من 112 مليون طن إلى 81.7 مليون طن خال الفترة من )2000 – 2017(، ما أدى لانخفاض نصيبها من الإنتاج العالمي للحديد من 12% إلى 4.8)%(38 )انظر الشكل رقم 1(، وكذلك تراجع الإنتاج الأمريكي من الألمنيوم خال الفترة نفسها من 3.7 مليون طن متري إلى 740 ألف طن متري، وانخفاض نصيبها من الإنتاج العالمي للمعدن من 15% إلى 39)% 1.2.)

وفي المقابل ارتفع إنتاج الصين من الحديد خال الفترة نفسها من 127.2 مليون طن إلى 831.7 مليون طن، وقفز نصيبها من الإنتاج العالمي للمعدن من 11.3% إلى 56.6‪(. 40 )%‬وارتفع إنتاجها من الألمنيوم من 2.8 مليون طن متري إلى 35.9 مليون طن متري، ليقفز نصيبها من الإنتاج العالمي من 15% إلى 49.6‪(. 41 )%‬ولذلك استهدف قرار "ترامب" تقليص واردات باده من الحديد والألمنيوم من الصين على وجه التحديد، كآلية لمنح صناعة الحديد والألمنيوم الأمريكية الفرصة للنهوض من جديد، وبرغم ذلك تسبب قراره في إثارة اعتراضات جميع الدول المصدرة للحديد والألمنيوم إلى الولايات المتحدة، وليس فقط الصين، حيث يبلغ عدد مصدري الحديد إلى الولايات المتحدة 85 دولة(42(، ويبلغ عدد مصدري الألمنيوم إليها 130 دولة(43.)

وقد قامت بعض هذه الدول باتخاذ إجراءات انتقامية ضد الولايات المتحدة، ولوحت دول أخرى بانتهاج السلوك نفسه. ولذلك أكد صندوق النقد الدولي آنذاك على لسان مديرته، كريستين لاجارد، مخاوفه مما أسماه "التصعيد المتبادل للثأر التجاري". وقال الصندوق: "الأثر الاقتصادي المباشر للرسوم الأمريكية ليس هو سبب القلق فقط، ولكن الردود الانتقامية من الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، هي الخطر في حد ذاته، لما سينتج عنها من آثار على جميع تلك الاقتصادات وأثره على الثقة أيضاً"( 44 .)

خام�صاً: حروب �لعملات

قد تقوم دولة ما بالتاعب في سعر صرف عملتها المحلية مقابل العمات الأجنبية، بهدف مساعدة ميزانها التجاري على التوازن أو تحقيق فوائض، ويكون ذلك على حساب مصالح الشركاء التجاريين؛ نظراً لأن ذلك يجعل أسعار منتجاتها أقل من أسعار منتجات الدول الأخرى، وبالتالي تكون المنتجات المحلية أكثر قدرة على المنافسة، سواءً في الأسواق المحلية أو الأسواق العالمية، وفي الوقت ذاته تصبح السلع المُستوردَة أكثر تكلفة وأقل قدرة على المنافسة. ويساعد ذلك على زيادة صادرات الدولة المعنية، وتقليص وارداتها، بما لا يتناسب مع القدرات الحقيقية لاقتصادها الوطني(45(. وفي حال إقدام عدة دول على التاعب في قيم عماتها الوطنية في الوقت نفسه، بهدف تحقيق مكاسب على حساب بعضهم البعض، فإن ذلك يسمى "حرب عمات" 46(.)

وتعرف "حرب العمات" على أنها "اعتماد دولة ما على قوتها الاقتصادية للتأثير على تنافسية الدول الأخرى وتقليص حجم ثرواتها بالاعتماد على سياستها النقدية والتدخل في أسواق تبادل العمات )سوق الصرف الأجنبي(، عبر انتهاج سياسات تؤدي إلى خفض قيمة عملتها المحلية، لدعم القطاعات الاقتصادية التصديرية، ما يضر بمصالح الشركاء التجاريين"(47(. كما تُعرف حرب العمات أيضاً على أنها "اعتماد دولة ما على سياسة سعر الصرف، لتقليص القوة التنافسية للدول الأخرى، من أجل تحقيق هدف معين، يتمثل أساساً في زيادة تنافسية صادراتها"(48.)

وتمارس الدول حروب العمات، بطرق عدة، تشمل "التدخل المباشر من قبل البنوك المركزية في سوق الصرف كبائع للعملة المحلية أو مشترٍ لها وفقاً للحاجة، وكذلك "خفض أسعار الفائدة على العملة المحلية أو رفعها"، و"سياسة سعر الصرف المتعدد"، و"سياسة التيسير الكمي"، و"سياسة التقشف"( 49 .)

وهناك ضرورة للتفرقة بين ظاهرتين مختلفتين لدى الحديث عن "حروب العمات"، الظاهرة الأولى، هي الخاف حول مستوى سعر الصرف الموجه أو المربوط بعملة أخرى، كاليوان الصيني. والظاهرة الثانية، هي الخاف حول المستوى غير المناسب لأسعار الصرف المُعوَّمة، كالين الياباني والفرنك السويسري( 50 .)

وتعد حروب العمات من الحروب الاقتصادية غير المباشرة، وتسميها بعض الأدبيات "الحروب الاقتصادية الباردة"(51(. وبرزت ممارسة الدول لحروب العمات بقوة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ ففي أعقاب الحرب

العالمية الأولى لم تفلح الجهود الدولية لاستعادة "معيار الذهب" الذي كان معمولاً به كأساس لسياسة سعر الصرف قبل الحرب، وساهم ذلك في انهيار سوق الأسهم الأمريكية في عام 1929، واندلاع أزمة "الكساد الكبير"، التي شملت انهيارات واسعة للبنوك والشركات، وتراجع الأجور والأسعار وارتفاع معدلات البطالة إلى ما يتراوح بين 20% و30% في الولايات المتحدة وبريطانيا.

وفي مواجهة ذلك وجدت الدول نفسها مضطرة إلى التخلي عن "معيار الذهب"، والسماح لقيم عماتها بالانخفاض، فدخل العالم في موجات متعاقبة من خفض قيم العمات، رغبة من الدول لتحفيز الطلب على صادراتها، والإضرار بصادرات الدول الأخرى)52 .)

وقد خضعت قضية "حروب العمات" للنقاش على مدى السنوات السابقة، وازداد الاهتمام بها لدى تعاظم قضية عجز الحساب الجاري الأمريكي تجاه اليابان في عقدي الثمانينيا­ت والتسعينيا­ت من القرن العشرين، وتجاه الصين على مدى العقدين الأخيرين. وقد ركز صندوق النقد الدولي، في تقريره "آفاق الاقتصاد العالمي في سبتمبر 2011"، على سياسات سعر الصرف حول العالم، وعقَّب على سعر اليوان الصيني قائاً: "إن تقدير قيمة اليوان الصيني أقل من قيمته الحقيقية"، وقال إن "الصين استخدمت هذه السياسة في بناء احتياطياته­ا من النقد الأجنبي، وزيادة فوائضها الجارية". كما عقب الصندوق على سياسة سعر الصرف اليابانية قائاً: "قررت السلطات اليابانية التدخل في سوق العملة، لمعالجة التقلبات المفرطة والتحركات غير المنظمة في السوق". كما عقب الصندوق على سياسة سعر الصرف السويسرية، وذكر أن سويسرا تتدخل في هذه السياسة، باعتماد حدٍ أدنى لسعر الصرف، من أجل جعل عملتها "ماذاً آمناً"، تلجأ إليه رؤوس الأموال الأجنبية)53 .)

ولم تنفصل تحركات الدولار الأمريكي، لاسيما خال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عن ممارسات أقدمت عليها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، تدخل تحت تصنيف "حروب العمات"، من خال تطبيق ما يسمي "سياسة الدولار الضعيف"، عبر الاحتفاظ بسعر فائدة صفري أو قريب من الصفر. وقد ساعد ذلك على تراجع مؤشر الدولار في مواجهة العمات الأخرى من 113 نقطة في فبراير 2002 إلى 80 نقطة في يوليو 2011، بنسبة تراجع بلغت 29.2،% وذلك كما هو مبين في الشكل رقم )2.)

وقد حرصت الولايات المتحدة على اتباع سياسة "الدولار الضعيف" من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف، على رأسها معالجة أزمة عجز الميزان التجاري. وقد صرح نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي )البنك المركزي الأمريكي( في عام 2015، بالقول: "إن انخفاض قيمة الدولار بمقدار 10% من شأنه أن يؤدي خال ثاث سنوات إلى زيادة الصادرات الأمريكية بنسبة 7%، وزيادة معدل النمو الاقتصادي الأمريكي بمقدار 1.5 نقطة مئوية". ويسعى الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، إلى تطبيق السياسة نفسها من خال الضغط المستمر على مجلس الاحتياطي الفيدرالي لتخفيض سعر الفائدة. وقد عبر وزير الخزانة في إدارة ترامب "ستيفن منوشين" على هامش منتدى دافوس الاقتصادي في يناير 2018 عن ذلك بالقول "إن الدولار الضعيف جيد لنا، إذ إنه يحفز التجارة ويزيد الفرص")54.)

وفي دراسة أجراها "مكتب الدراسات الاستراتيج­ية في شركة إي.دي.إس سيكيوريتيز" حول حجم تأثير ضعف الدولار على العجز التجاري الأمريكي اتضح أنه في حال انخفض الدولار بنسبة 10% إلى 15% من مستوياته الحالية، فإن ذلك سيؤدي إلى تقليص العجز التجاري الأمريكي من 25% إلى 35%، أي ما يعادل 200 إلى 250 مليار دولار، وسيكون الاقتصاد قادراً على تحقيق نمو يتراوح بين 3.5% و4% وتوليد 1.5 مليون وظيفة)55.)

�صاد�صاً: �لاإغر�ق

يُعد الإغراق من أهم الأسلحة المُستخدمة في الحروب الاقتصادية، وهو يحدث عندما تقوم دولة ما بإغراق سوق دولة أخرى بالسلع والمنتجات الرخيصة، من أجل الإضرار بالقدرات الإنتاجية لها، وإضعاف قدرتها على المنافسة 56)(. ووفق "منظمة التجارة العالمية" يرتبط الإغراق بما يسمى ب "التمييز السعري"، أو "عندما يكون سعر بيع المنتج في سوق بلد الاستيراد أقل من سعر بيعه في سوق بلد التصدير")57(، تقول المنظمة إن الإغراق هو "تصدير البضاعة بسعر أقل من قيمتها، وبيعها في الخارج بسعر أقل من سعرها في السوق المحلي أو بأقل من تكلفة الإنتاج")58.)

وترى "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" أن هناك حالتين من الإغراق، الأولى هي "التمييز السعري"، وهي تحدث

عندما "يتم بيع المنتج في سوق بلد الاستيراد بأقل من سعره في سوق بلد التصدير". أما الحالة الثانية فهي "البيع بأقل من التكلفة"، وتحدث عندما يتم بيع المنتج بأقل من تكلفة إنتاجه( 59 .)

وهناك أيضاً "الإغراق الدوري"، وتقوم به المؤسسات الإنتاجية من أجل تافي تأثير الدورات الاقتصادية على مبيعاتها، في حالة تعرض الاقتصاد لموجات هبوط. وهناك أيضاً "الإغراق الموسمي"، وهو يحدث لدى قيام الشركات ببيع المابس الشتوية، على سبيل المثال، بأسعار مخفضة للغاية في فصل الصيف(60.)

وبشكل عام، تتضمن عملية الإغراق، طرفين غير متكافئين، الطرف الأول، هو البلد المُصدِّر، الذي يمتلك قدرات إنتاجية عالية، والطرف الثاني، هو البلد المُستورِد، الذي يتسم في الغالب بضعف قدرته على المنافسة، نظراً لضعف إمكاناته التكنولوجي­ة والفنية والمعلومات­ية(61(؛ وهذا ما يؤهل البلد المُصدِّر لإنتاج السلعة محل الإغراق بتكلفة منخفضة، ومن ثم بيعها بسعر منخفض عن سعرها في أسواق البلد المُستورِد.

ويضر الإغراق بأسواق الدولة المُستوردِة للسلعة، لاسيما أن انخفاض سعر التصدير في هذه الحالة ليس ناتجاً عن كفاءة إنتاجية بالبلد المُصدِّر، وإنما ناتج من ظروف سوقيّة مشوّهة وغير صحيّة، بسبب حماية أو عزل وتمييز في السوق المحلي لذلك البلد. ويحد الإغراق بذلك من المنافسة الفعّالة، ويخلق واقعاً مضراً للمناخ الاستثماري بالبلد المُستورِد، ويضر الصناعة الوطنية، عبر تسببه في انخفاض مبيعاتها وحصصها السوقية، وقد يصل الأمر إلى إفاس الصناعة الوطنية برمتها( 62 .)

وعلى الرغم من الأضرار الكبيرة للإغراق، فإن هناك شروطاً لتصنيف أي ممارسة تجارية ووضعها ضمن ممارسات الإغراق، وقبل القيام بعملية التصنيف لابد من تحديد ثاثة عناصر رئيسية، وهي(63:) 1- القيمة العادية: تتمثل في المبلغ المالي المدفوع، أو السعر الواجب دفعه للحصول على المنتج المشابه في سوق بلد التصدير. 2- سعر التصدير: يتمثل في المبلغ المدفوع، أو السعر الواجب دفعه للحصول على السلعة في سوق بلد الاستيراد. 3- هامش الإغراق: هو ناتج الفرق بين القيمة العادية وسعر التصدير.

وبعد تحديد هذه القيم الثاث بحيادية، يتم احتساب هامش الإغراق ونسبته إلى سعر المنتج في بلد التصدير، لكن هذه العملية تشوبها بعض الصعوبات، إذ قد لا يكون هناك سعر محدد للسلعة في بلد التصدير، كما قد يتم تصدير هذه السلعة عن طريق بلد ثالث(64(. ولذلك فقد وضعت منظمة التجارة العالمية العديد من القواعد لضبط هذه العملية، ضمن "اتفاقية مكافحة الإغراق". كما أنه لا يكفي تحقق شرط ثبوت ممارسة الإغراق لفرض رسوم الإغراق على السلعة المُستوردَة، بل لابد من تحقق شروط جوهرية أخرى تتعلق بتحقق الضرر المادي للصناعة الوطنية أو التهديد الحقيقي بحدوثه، إلى جانب ثبوت وجود عاقة سببية بين الممارسة المصنفة كإغراق والضرر المادي للصناعة الوطنية(65.)

وعموماً، فإنه في حال إذا كان هامش الإغراق أقل من 2%من سعر السلعة في بلد التصدير، فا يعتبر ذلك إغراقاً، ولا يتم فرض رسوم "مكافحة الإغراق" على الدولة أو الشركة المصدرة للمنتج(66 .)

وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات تتوافق - في حال تطبيقها بالشكل السليم - مع قواعد منظمة التجارة العالمية المتعلقة بمكافحة الإغراق، والتي تسمح بفرض رسوم جمركية تعويضية على السلع التي يوجد دليل على أن منتجيها يمارسون الإغراق، فإن بعض الدول قد تسيء تطبيقها، وتستخدمها كآلية للحمائية، عبر التاعب في تعريف مفهوم الإغراق، أو تصنيف الممارسة التجارية ضمن ممارسات الإغراق، كمبرر لمنع أو تقييد استيراد سلعة ما أو مجموعة من السلع، بذريعة أنها تُبَاع في السوق المحلي بأسعار أقل من تكلفة إنتاجها، أو أقل من سعرها في البلد المُصدِر(67.)

وتتعدد حالات الإغراق المثيرة للجدل على المستوى العالمي، وتعتبر الصين من الدول التي تُوجَّه إليها الكثير من الاتهامات في هذا الشأن، لاسيما بعد تمكنها من أن تصبح أكبر دولة مصدرة في العالم خال السنوات الماضية. وتعتبر صناعة الحديد إحدى الصناعات الصينية التي تُوجَّه إليها الاتهامات بالإغراق منذ سنوات(68(. لاسيما أن الحديد الصيني يُبَاع في الأسواق الخارجية بأسعار أقل بكثير من سعر بيعه في الأسواق المحلية داخل الصين.

وكما هو موضح في الشكل رقم )3(، فقد بلغ سعر طن الحديد الصيني في السوق المحلي 1,143 دولاراً في عام 2015، لكنه كان يُبَاع بسعر 495 دولاراً في الأسواق الآسيوية، وبلغ متوسط سعر بيعه بالأسواق العالمية 592 دولاراً. ومن الأرقام الموضحة في الشكل، يتضح أنه خال الفترة )2010 – 2015(، كما بلغ متوسط سعر بيع طن الحديد الصيني في الأسواق الآسيوية 55% من سعر بيعه في الأسواق المحلية الصينية، وبلغ متوسط سعره في الأسواق العالمية 65% من سعره في الصين.

�صابعاً: �لعقوبات �لاقت�صادية

تعتبر العقوبات الاقتصادية إحدى وسائل وأدوات إدارة الصراع الدولي، والتي تستخدم لمنع الدول المُستهدفَة من تنفيذ سياستها، أو للحصول على مزايا اقتصادية على حسابها، أو تعديل موقفها السياسي تجاه قضية محددة(69(. وتنقسم العقوبات الاقتصادية إلى شقين رئيسيين، وهما: 1- العقوبات المفروضة عبر المؤسسات الدولية، كمجلس الأمن الدولي، والتي تأخذ الطابع الجماعي. وفي هذا الإطار، تنص المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة، على استخدام العقوبات الاقتصادية ضد الدول ذات السلوك غير المنضبط،

وأن "مجلس الأمن له أن يقرِر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استعمال القوة العسكرية، وله أن يدعو أعضاء الأمم المتحدة إلى تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها قطع العاقات الاقتصادية كلياً أو جزئياً")70(. كما منح الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة مجلس الأمن سلطة توقيع العقوبات الاقتصادية الدولية باعتبارها نوعاً من الجزاءات الدولية التي تعد وسيطاً بين السلم والحرب)71.)

وتتنوع العقوبات الاقتصادية الدولية، وفق الأمم المتحدة، بتنوع أهدافها وبحسب آثارها، وتشمل عدة أشكال أهمها الحظر، بمعنى منع التصدير إلى الدولة المُستهدفَة، والعقوبات المالية، التي تتخذ أشكالاً عديدة، كتجميد الأرصدة المالية، ووقف أو خفض المساعدات المالية، وسحب الاستثمارا­ت)72.)

وتعتبر العقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الأمن على إيران في عام 2006، بسبب برنامجها النووي المثير للجدل، أحد الأمثلة التي تندرج ضمن هذا التصنيف من العقوبات، حيث أصدر المجلس آنذاك قراراً يجبر إيران على تعليق عمليات تخصيب اليورانيوم، ويطالبها بالتعاون مع وكالة الطاقة الدولية، كما تضمن القرار عقوبات على الأفراد والشركات المرتبطين بالمشروع النووي الإيراني. وشهدت السنوات التالية توسيعاً لمظلة العقوبات لتشمل أفراداً وشركات إيرانية جديدة، وحظراً للنقل الجوي والبحري منها وإليها، ورقابة على النظام المصرفي، وغيرها)73.) 2- العقوبات المفروضة خارج إطار المؤسسات الدولية، كأن تقوم دولة منفردة أو مجموعة من الدول بفرضها على الدولة المُستهدفَة. وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية إحدى أكثر الدول استخداماً لهذا الشق من العقوبات ضد الدول الأخرى على مر التاريخ، فهي قد فرضت عقوباتٍ ضد الصين في عام 1989، رداً على أحداث ميدان تيانانمن، التي راح ضحيتها نحو 10 آلاف متظاهر وفق بعض التقديرات، ولذلك قامت الولايات المتحدة بتجميد عاقاتها الاقتصادية مع الصين)74.)

كما قامت الولايات المتحدة كذلك بفرض عقوبات اقتصادية على إيران في مناسبات عدة خال السنوات الماضية، ومن بينها في عام 2010، عبر إصدار "قانون العقوبات الشاملة ضد إيران والمحاسبة والتجريد من الممتلكات، من أجل زيادة الضغط عليها للعودة إلى المفاوضات بشأن برنامجها النووي، وبشكل بناء لمعالجة مخاوف المجتمع الدولي بشأن عدم الامتثال لالتزاماته­ا الدولية )بما في ذلك معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، واتفاق الضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية()75(. وفي الإطار نفسه أيضاً، جاءت العقوبات الأمريكية والأوروبية التي فُرِضَت على روسيا في عام 2014، بسبب ضمها شبه جزيرة القرم)76 .)

وبشكل عام، هناك من يرى أن العقوبات الاقتصادية هي الوسيلة السلمية الوحيدة المتاحة لإجبار الدول المخلة بالتزاماته­ا الدولية على احترام الشرعية الدولية، في إطار مجتمع دولي تحكمه مبادئ أساسية، مثل مبدأي المساواة في السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. لكن هذا لا ينفي أن العقوبات قد تُستخدم في بعض الأحيان بشكل غير منضبط، وخارج أطر الشرعية الدولية) 77 .)

وقد كشف التأثير السلبي لاستخدام المتزايد للعقوبات الاقتصادية من قبل مجلس الأمن، أنها عامل معرقل للتنمية، وفي بعض الأحيان معرقل لاستقرار الدولة المُستهدفَة، وحتى الدول المجاورة لها جغرافياً، التي لا تسلم من تبعاتها السلبية. ومن أجل ذلك، تُثَار في كثير من الأحيان مسألة ضرورة البحث عن بدائل سلمية، خاصةً بعد فشل آلية الاستثناء الإنساني في التخفيف من الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية الدولية على التنمية الإنسانية واتجاه الأمم المتحدة نحو تبني مقاربة جديدة تميل نحو جعل العقوبات الاقتصادية الكاسيكية أكثر ذكاءً)78 .)

وقد يزداد الأمر سوءاً في حال استخدام العقوبات الاقتصادية من طرف واحد، أي من طرف دولة واحدة ضد دولة أخرى وخارج أطر المواثيق الدولية. وترى الأمم المتحدة أن "التدابير الاقتصادية المُتخذَة من طرف واحد كوسيلة للقسر السياسي والاقتصادي تتعارض، من منظور تاريخي، مع روح ميثاق الأمم المتحدة التي تهدف إلى تعزيز التضامن والتعاون وعاقات الصداقة بين الدول والأمم، وتتناقض مع جميع القوانين والمبادئ والقواعد الناظمة للعاقات الدولية في ميدان التجارة العالمية التي تستهدف زيادة التفاعل الاقتصادي والتجاري بين البلدان")79.)

كما ترى الأمم المتحدة أن "اللجوء إلى اتخاذ تدابير اقتصادية قسرية أحادية الجانب قد يمثل تهديداً للمصالح الاقتصادية المشروعة للبلدان المُستهدفَة، في وقت تضاعف فيه منظومة الأمم المتحدة، وسائر المنظمات الدولية ومتعددة الأطراف الأخرى ذات الصلة، جهودها من أجل تهيئة بيئة اقتصادية دولية مواتية قادرة على إتاحة فرص متساوية أمام جميع البلدان لاستفادة من النظام الاقتصادي والمالي

والتجاري الدولي. ولذلك فمن الضروري التماس آراء البلدان بشأن التدابير التي يمكن أن يتخذها المجتمع الدولي لبحث السبل والوسائل المحتملة لتعويض البلدان المُستهدفَة بالتدابير القسرية من قبل البلدان التي تلجأ إلى اتخاذ مثل هذه التدابير) 80 .)

وقد أجرى "معهد بيترسون لاقتصاد الدولي" دراسة للعقوبات الاقتصادية التي فُرضت على مستوى العالم خال الفترة )1945 – 1990(، بهدف قياس مدى فاعليتها، وتأثيرها على اقتصادات الدول، سواءً القائمة بفرضها أو المُستهدفَة بها)81(، وجدت الدراسة أن العقوبات تسببت في تراجع التجارة الخارجية للدول المُستهدفَة خال الفترة المذكورة بنسبة 28%، كما تراجع دخلها القومي الإجمالي بنسبة 2.4،% وذلك مقارنة بما كان ممكناً تحقيقه من دون العقوبات. كما لوحظ أن العقوبات تسببت في تراجع التجارة الخارجية لجميع الدول المشمولة بالدراسة وعددها 80 دولة. وقد انطبق ذلك على الدول المُستهدفَة بالعقوبات والقائمة بفرض العقوبات، والذي اختلف فقط هو نسبة التراجع في التجارة الخارجية وفق مستوى العقوبات)82.)

وعاوة على ذلك، وكما هو مبين في الجدول رقم )1،) فإنه كلما ارتفع مستوى العقوبات، من العقوبات المحدودة إلى العقوبات المتوسطة وصولاً إلى العقوبات المكثفة، كلما تسبب ذلك في تفاقم الخسائر والتداعيات السلبية لها على التجارة الخارجية للدول. وبشكل عام، وجدت الدراسة أن قيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية على دول أخرى، عرَّض الاقتصاد الأمريكي لخسائر تراوحت قيمتها بين 15 و19 مليار دولار في عام 1995، وهي قيمة التراجع في الصادرات الأمريكية إلى الدول المُستهدفَة بالعقوبات الأمريكية، كما فقد الاقتصاد الأمريكي نحو 200 ألف فرصة عمل للسبب نفسه أيضاً) 83 .)

ثامناً: �لاحتكار ك�صلاح �قت�صادي

حيث يُقصد يكونبمفهوم مُنتِجالاحتكارو­احدعلىهو إطاقهالمور­دأنه الوحيد"هيكل سوق لسلعةاقتصا­دي معينة". ولذلك، تنعدم المنافسة داخل السوق)84(. ويمكن أن يحدث الاحتكار بمستويات أقل نسبياً، وترى وحدة "الإيكونومي­ست إنتليجانتس" أن "الاحتكار يحدث لدى سيطرة مؤسسة واحدة على ما نسبته 25% أو أكثر من سوق سلعة ما")85(. وعادة ما يضع المحتكر أو المحتكرون قيوداً على حجم النشاط المرتبط بإنتاج السلعة، أو الخدمة، محل الاحتكار، كما أنهم يضعون قيوداً تمنع المنتجين الآخرين من دخول السوق)86.) ويصدق ذلك على أي محتكر، سواءً كان فرداً أو شركةً أو دولةً، ولذلك يعتبر الاحتكار من الأدوات التي يمكن استخدامها في الحروب الاقتصادية بين الدول، وهناك بعض أشكال الاحتكار التي تتوافق مع حالة الدول أكثر من حالة المؤسسات والشركات، ويأتي على رأسها ما يسمى "الاحتكار الطبيعي" الذي يحدث نتيجة امتاك الدولة مزايا طبيعية، كالموقع الاستراتيج­ي، أو الموارد الطبيعية)87(؛ بما يجعلها محتكراً لإنتاج سلعة ما أو تقديم خدمة ما، مرتبطة بتلك المزايا، والتي لا ينافسها فيها أحد أو لا ينافسها فيها إلا عدد قليل من الدول.

وقد ولدت التطورات التكنولوجي­ة على مدى القرن الماضي معطيات يستخدمها بعض الاقتصاديي­ن للتدليل على صحة ما يسمى ب "الحتمية التكنولوجي­ة لاحتكار"، وذلك في الحالات التي يمكن تلبية الطلب بأكمله على منتج صناعي ما من خال إنتاج مؤسسة واحدة. ووفقاً لهذا المنطق، يحدث ذلك عندما تكون القدرة الإنتاجية للمؤسسة أو ما يسمى "الحجم الأمثل" كبيرة جداً بالنسبة لإجمالي الطلب على المنتج، وهنا لا تكون المنافسة أمراً ذا جدوى اقتصادية، فجعل عملية الإنتاج في مصانع منفصلة تديرها شركات منفصلة - لكي يكون هناك عدد أكبر من الشركات المتنافسة - يكلف أكثر بكثير من جعلها في مصنع واحد، يساعد على تنظيم تدفقات المدخات والمخرجات، واستخدام أنظمة الرقابة والبحث والتطوير التي لا تستطيع الشركات الصغيرة تحمل تكاليفها، وكذلك تجنب الازدواجية في أنظمة السجات والإشراف التي تتطلبها كل شركة) 88 .)

وقد تكون هناك فوائد اقتصادية حقيقية مرتبطة بتركز بعض الصناعات، لكن الحقيقة هي أنه لا يمكن تبرير تضخم حجم الشركات على هذا النحو باعتباره يأتي في إطار ما يسمى "حتمية الاحتكار". فالحقيقة أنه لا يمكن القول إن الاحتكار الحتمي لا يمكن تجنبه، لكن على الرغم من ذلك فقد استُخدم هذا المنطق على مدى القرن الماضي، عبر ابتاع المؤسسات الكبيرة للمؤسسات الصغيرة، والسيطرة تدريجياً على أجزاء كبيرة من الصناعة لبناء إمبراطوريا­ت اقتصادية. وولَّد مناخاً يمنح الشركات فرصة العمل بشكل أكثر مياً لاحتكار، ووضع قيود جديدة على أحجام العمليات، كما أنهم يكونون أقل مياً لتخفيض الأسعار)89.)

وقد تدخل صفقات الاندماج والاستحواذ ضمن هذا الإطار، لاسيما أنها تؤدي إلى انحسار عدد الشركات العاملة في النشاط نفسه، وتضخم حجمها. فعلى الرغم من أن هناك دوافع متعددة تقف وراء عمليات الاندماج والاستحواذ، ومنها التوسع الجغرافي وتنويع أنشطة الشركة، وزيادة كفاءة الإنتاج، عن طريق وفورات الحجم، بما يمكنها من إنتاج السلع بتكاليف منخفضة، وكذلك النفاذ إلى أسواق رأس المال، فضاً عن تعزيز قدرات الشركة في مجال البحث والتطوير، فإنه في بعض الأحيان تكون لتلك العمليات أهداف أخرى سلبية، كتحقيق أرباح قصيرة الأجل للمساهمين، والاستحواذ على حصص سوقية ضخمة، وإخراج المنافسين من السوق، ومن

ثم تقييد الإنتاج ورفع الأسعار)90.) وعلى مستوى الأمثلة المتعلقة بممارسة الدول سلوكيات احتكارية، فهناك شبهات بأن الولايات المتحدة تمارس سلوكاً احتكارياً فيما يتعلق بتعاماتها في بعض المنتجات، كفول الصويا)91(، لاسيما أنها هي أكبر دولة منتجة له في العالم، فهي تنتج نحو 119.5 مليون طن متري من الصويا، بما يتجاوز 36% من إنتاجه العالمي )انظر الشكل رقم4(. وتبلغ الصادرات الأمريكية منه نحو 60 مليون طن متري سنوياً،

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates