Trending Events

نفوذ واسع:

أبعاد الأنشطة الإجرامية لحزب الله في أمريكا اللاتينية أليسيا رويز برافو

- أليسيا رويز برافو متدرب بشعبة العلاقات الخارجية بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في جنيف، سويسرا

تمكن حزب الله منذ ثمانينيات القرن العشرين من بسط نفوذه في أمريكا اللاتينية عبر الاعتماد على الجالية اللبنانية التي فرت من الحرب الأهلية في لبنان 1975) – (.1990 وأنشأ الحزب شبكة لوجستية ومالية هناك، استُغلت في البداية لتنفيذ هجومين في الأرجنتين، في عامي 1992 و1(‬ 1994‪(، ثم تحولت تدريجياً إلى الإتجار في المخدرات، لاسيما الهيروين والكوكايين، لتوفير الأموال اللازمة لتنفيذ أنشطته الإرهابية في الشرق الأوسط.

ويهدف هذا التحليل إلى توضيح عاقات حزب الله بدول أمريكا الاتينية، والذي يتمتع بنفوذ فيما لا يقل عن 12 دولة في القارة، بسبب احتفاظه باتصالات مع بعض حكوماتها، فضاً عن الفواعل المسلحة من دون الدول، مثل "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" "فارك" وعصابات المخدرات المكسيكية، ثم بيان أبرز الجهود الأمريكية بالتعاون مع بعض دول أمريكا الاتينية لمكافحة أنشطة الحزب.

�أولاً: نفوذ حزب �لله في �أمريكا �للاتينية

نمت العاقات بين حزب اله ودول أمريكا الجنوبية منذ ثاثة عقود، عندما قرر الحزب إرسال مسلحيه إلى منطقة "الحدود الثاثية"، وهو مثلث حدودي يقع بين باراجواي والأرجنتين والبرازيل، ويلتقي فيه نهرا إغوازو وبارانا، واعتبر الحزب هذه المنطقة المكان الأمثل للشروع في أنشطته غير المشروعة، نظراً لغياب سلطة الدولة هناك.

وقدّر روجر نورييجا، مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون نصف الكرة الغربي وسفير الولايات المتحدة السابق في منظمة الدول الأمريكية، في تقرير كتبه في عام 2011 أن الجماعات الإسامية المتطرفة في الشرق الأوسط، بما فيها حزب اله، تجني ما بين 300 و500 مليون دولار سنوياً من

وراء أنشطتها الإجرامية في منطقة الحدود الثاثية)2(، ويمكن إجمال أبرز أنشطة الحزب في دول أمريكا الاتينية على النحو التالي: 1- تأسيس روابط قوية مع الحكومة الفنزويلية: تمكن حزب اله من التمدد في فنزويا، نتيجة للعاقات الوثيقة التي جمعت بين الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد والرئيس الفنزويلي السابق هوجو شافيز، الأمر الذي مكّن الحزب من ممارسة أنشطته في دول "الاتحاد البوليفاري لشعوب القارة الأمريكية" )ألبا(، لاسيما في جزيرة مارجاريتا الفنزويلية، والتي أصبحت الماذ الآمن للإرهابيين ومهربي المخدرات، حتى أن أهميتها لحزب اله فاقت منطقة "الحدود الثاثية"، حيث تحولت الجزيرة إلى مأوى لحزب اله في القارة الاتينية ومركزاً رئيسياً لعملياته، خاصة التدريبات شبه العسكرية)3.)

وأنشأ حزب اله شبكة في هذه الجزيرة، كانت تحت إدارة "غازي نصر الدين" جزئياً، وهو لبناني حاصل على الجنسية الفنزويلية، كما كان يشغل في السابق ثاني أهم دبلوماسي في سفارة فنزويا في سوريا. وكان نصر الدين يعمل عن كثب مع صديق شخصي لشافيز، وهو السوري الأصل "طارق العيسمي"، النائب السابق لرئيس فنزويا الحالي نيكولاس مادورو في الفترة من 2017 وحتى 2018، والذي كان

يُشرف، بحكم منصبه، على وكالة الاستخبارا­ت الوطنية، فضاً عن توليه التنسيق بين كراكاس من جهة، وكل من إيران ونظام بشار الأسد وحزب اله من جهة أخرى.

وبلغت العاقات بين الجانبين ذروتها في عام 2007 عندما تمكن ما لا يقل عن 300 من مسلحي حزب الله من الحصول على جوازات سفر فنزويلية، مما سهّل عليهم دخول الولايات المتحدة وكندا. كما كانت هناك رحات طيران تحمل رقم "في أو – 3006" VO-3006() بين كاراكاس ودمشق وطهران حتى عام 2010، وتديرها شركتا الطيران الحكوميتان: إيران إير وكونفياسا(4(. والتي كانت تقوم بنقل المخدرات والمجرمين والإرهابيي­ن الذين يطاردهم الإنتربول بين الدول الثاث(5(، فقد كان يتم نقل الكوكايين الذي تنتجه قوات فارك المتمردة إلى فنزويا، ثم يتم شحنه بعد ذلك على متن هذه الرحات المتجهة إلى دمشق(6.) 2- التعاون مع عصابات المخدرات المكسيكية: يرتبط حزب الله بشبكات الاتجار في المخدرات وتهريب الأسلحة المكسيكية، وذلك وفقاً لما أكده الجنرال كينث توفو، قائد القوات الخاصة في القيادة الوسطى الأمريكية، في مارس 2015 أمام مجلس الشيوخ الأمريكي. كما ذكر أن أحد العناصر التابعة للحرس الثوري الإيراني المقيم في تكساس تفاوض مع فرد من عصابة "لوس زيتاس"، وهي من أخطر عصابات المخدرات بالمكسيك، وذلك لتصفية سفير المملكة العربية السعودية في واشنطن عام 2011، غير أن هذا الفرد لم يكن سوى عنصر متخفٍ من عناصر "إدارة مكافحة المخدرات" الأمريكية(7.)

وقبل هذه الواقعة، كانت إدارة مكافحة المخدرات تحقق بالفعل في أنشطة حزب اله في الولايات المتحدة. ففي عام 2009، توصلت الإدارة لفرضية أن حزب اله كان يستخدم حدود ريو جراندي، كما يفعل تجار المخدرات المكسيكيون، لتهريب المخدرات ونقل الأشخاص بصورة غير قانونية إلى داخل الولايات المتحدة. وفي عام 2014، نشرت إدارة مكافحة المخدرات تقريراً يسلط الضوء على العاقات بين عصابة سينالوا والقاعدة وحزب اله. وأوضح هذا التقرير أن "اللبناني شكري حرب، أحد عناصر حزب اله، نسق عمليات متعلقة بغسيل الأموال وتهريب الكوكايين وغيره من المخدرات التي حصل عليها من تجار كولومبيين ومكسيكيين"(8.) 3- الدخول في أنشطة تجارية مشبوهة في كولومبيا: نشرت إدارة مكافحة المخدرات وشرطة الاستخبارا­ت الكولومبية تقريراً في أبريل 2018 حول تورط حزب اله في أنشطة إجرامية في كولومبيا(9(. ووفقاً لهذا المصدر، فإن أنشطة حزب اله هناك كانت تتم تحت ستار "منظمة الأمن الخارجي"، وهو "فرع منفصل داخل الحزب، يتولى عملية التخطيط والإعداد للهجمات الإرهابية ضد خصومه خارج لبنان وتنفيذها"(10.) وكانت العمليات الإرهابية في أمريكا الاتينية يتم تنسيقها أولاً في مقر قيادة الحزب في لبنان، بناء على توجيهات من طهران، ثم تقوم قيادات منظمة الأمن الخارجي بإجراء الترتيبات في هذا المجال، خاصة تحديد الخايا التي ستقوم بتوفير الدعم، وتلك التي ستضطلع بتنفيذ الهجوم.

وكشف التحقيق عن تورط شركات كولومبية في عمليات غسيل الأموال للتغطية على أنشطة حزب اله الإجرامية، مثل الاتجار بالمخدرات والاحتيال المصرفي عن طريق تزوير بطاقات الائتمان، إلى جانب تجنيد عناصر للقيام بهجمات إرهابية مستقباً. وبالإضافة إلى ما سبق، قام حزب الله بتأسيس شركات عمومية محدودة في كولومبيا كواجهات لكي يقوم بممارسة بعض الأنشطة التجارية غير الشرعية عبرها، والتي تتنوع ما بين تهريب المابس من بنما، إلى بيع اللحوم وتصدير الفحم، والأقراص المدمجة، وأقراص الفيديو الرقمية، والمستحضرا­ت الصيدلانية، وأجهزة سوني المقلدة إلى لبنان.

ويتم تحويل حوالي 80% من الأرباح التي يحققها حزب اله من خال عملياته في أمريكا الجنوبية إلى بيروت، معقل الحزب، وذلك عبر البنوك الأوروبية، كما تتم إعادة استثمار النسبة المتبقية من الأرباح، والمقدرة بحوالي 20،% لمواصلة أنشطته الإجرامية في بنما وكولومبيا( 11 .)

ويسعى حزب اله إلى توطين عناصره سراً في المدن الكولومبية مايكاو وقرطاجنة وبارانكويا، وذلك عبر إصدار بطاقات هوية مزيفة لهم، من خال الاعتماد على شبكة من المزورين الفنزويليي­ن، الذين يمدون مقاتلي فارك بأوراق هوية كولومبية مزورة. ومن ناحية أخرى، يسعى حزب اله لتجنيد عناصر جديدة له في كولومبيا وبنما، عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، من خال دعوتهم إلى اعتناق الإسام ثم تحويلهم إلى متطرفين موالين للحزب. بالإضافة إلى ذلك، يسعى عناصر حزب اله لتجنيد المسلمين من مساجد كولومبيا للهدف نفسه(12 .)

ثانياً: محاولات �حتو�ء �لميلي�صيا �للبنانية

على الرغم من عدم تصنيف أي دولة في أمريكا الاتينية لحزب اله كجماعة إرهابية حتى الآن(13(، فإن مثل هذا التصنيف لن يحد من الأنشطة الإجرامية للحزب، ولكن في المقابل، شرعت بعض الدول في محاربة أنشطته الإجرامية.

فقد اعتقلت الشرطة الاتحادية البرازيلية في سبتمبر 2018 أسعد أحمد بركات في مدينة "فوز دو إيجواسو" الحدودية )ضمن منطقة الحدود الثاثية(. ويعد بركات هو أحد المسؤولين عن تمويل أنشطة حزب اله في أمريكا الاتينية. وكانت الأجهزة الشرطية في البرازيل وباراجواي والأرجنتين تسعى لاعتقاله، نظراً لتورطه في عمليات تزوير، فضاً عن كونه أحد القيادات المسؤولة عن تمويل الهجوم على

نشرت إدارة مكافحة المخدرات وشرطة الاستخبارا­ت الكولومبية تقريراً في أبريل 2018 حول تورط حزب الله في أنشطة إجرامية في كولومبيا، تحت ستار "منظمة الأمن الخارجي"، وهو الفرع المسؤول عن التخطيط والإعداد للهجمات الإرهابية ضد خصوم الحزب خارج لبنان وتنفيذها.

الجالية اليهودية الأرجنتيني­ة في عام 1994، وفقاً للسلطات في باراجواي.

ووفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية، امتلك بركات شركتين على الأقل في الولايات المتحدة، وهي "كازا أبولو" و"شركة بركات المحدودة لاستيراد والتصدير"، واستُخدم كاهما لتمويل عمليات خايا حزب الله في أمريكا الاتينية. وفي عام 2004، أُدرجت الشركتان على قائمة الشركات الداعمة للإرهاب، كما اتُهم بركات بإجبار رجال أعمال من أصل عربي في أمريكا الاتينية على المساهمة مالياً في تمويل أنشطة حزب اله الشيعية(14.)

وعلى الجانب الآخر، تقاعست الولايات المتحدة في عهد إدارة أوباما عن محاربة أنشطة الحزب في أمريكا الاتينية لصالح تعزيز التقارب مع إيران، الداعم الرئيسي للحزب، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران في أبريل 2015.

فقد أوقف الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما التحقيقات التي قامت بها "إدارة مكافحة المخدرات" الأمريكية في إطار "مشروع كاساندرا". والمشروع عبارة عن عملية أمنية بدأت في عام 2008 وأدت إلى الكشف عن الشبكة التابعة لحزب اله المتورطة في عمليات تهريب المخدرات إلى أمريكا وأوروبا، والاستعانة بالأموال الناتجة عنها، لتمويل المجهود العسكري للحزب في سوريا، وشاركت فيها أجهزة أمن من سبع دول على رأسها فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا. فقد تعمدت وزارة العدل الأمريكية، أثناء فترة أوباما الثانية، إلى إبطاء التحقيقات المهمة والماحقات القضائية والاعتقالا­ت والعقوبات المالية في إطار هذا المشروع، أو حتى رفضها تماماً(15.)

ومن المتوقع أن تستأنف الولايات المتحدة جهودها من جديد، خاصة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتبر أن استهداف حزب اله يعتبر من أولويات إدارته، وهو ما تمت ترجمته في تصنيف المدعي العام للولايات المتحدة، جيف سيشنز، في أكتوبر الماضي، حزب الله باعتباره أحد تهديدات الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية للولايات المتحدة. كما أقر ترامب مؤخراً قانون "منع التمويل الدولي لحزب الله" في عام 2018 ليصبح قانوناً رسمياً(16(. كما كشف سيشنز عن تشكيل فرق عمل لمكافحة حزب الله وأربع جماعات أخرى للجريمة المنظمة(17 .)

ومع أخذ هذه الخطوات بالاعتبار، يتوقع أن عام 2019 سيكون عاماً تتم فيه مواجهة أنشطة حزب الله غير المشروعة في أمريكا الاتينية، خاصة أن الرؤساء الجدد المنتخبين في باراجواي والأرجنتين والبرازيل يركزون حالياً على مكافحة الجرائم العابرة للحدود الوطنية(18(، وهو ما يعني أن موارد حزب اله قد تشهد انحساراً في الوقت الذي تعاني فيه إيران العقوبات الأمريكية.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates