الاستراتيجية العسكرية للدول الصغيرة: الاستجابة للصدمات الخارجية في القرن الحادي والعشرين
هكان إدستروم، دينيس جيلينسبور، جيكوب ويستبرج Military Strategy of Small States: Responding to External Shocks of the 21th Century, By: Hakan Edstrom, Dennis Gyllenspore and Jacob Westberg, Routledge, 203 pp., £92.00,2019, ISBN: 9781138483644 كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة عرض: هيام القزاز- باحثة دكتوراه يجادل الكتاب المعنون "الاستراتيجية العسكرية للدول الصغيرة: الاستجابة للصدمات الخارجية في القرن الحادي والعشرين" بأن الدول الصغيرة تميل لتبني استراتيجية دفاعية تقوم على الانكفاء على الذات ومنع التهديدات، إلا أنها تضطر لتغيير هذه الاستراتيجية في حالة تعرضها ل "صدمة خارجية".
وقد قام بتأليف هذا الكتاب كل من "دينيس جيلينسبور" أستاذ العلوم السياسية المشارك في جامعة الدفاع السويدية، و"هكان إدستروم" أستاذ دراسات الحرب في جامعة الدفاع السويدية، و"جيكوب ويستبرج" أستاذ سياسة واستراتيجية الأمن في جامعة الدفاع السويدية.
هيمنة القتراب الواقعي
يتبنى العديد من المحللين الاتجاه الواقعي لتفسير العاقات بين الدول، وهو ما أضفى أهمية متزايدة على مفاهيم مثل "الصراع" و"القوة"، كما اعتبر البعض أن الهدف الأساسي الذي تسعى إليه الدولة هو الحفاظ على بقائها وتحقيق أمنها الداخلي والخارجي، وتبنى الكتاب هذا المنظور الواقعي لتفسير سلوك الدول الصغيرة في النظام الدولي؛ ففي القرن العشرين سيطرت مفاهيم مثل: سباق التسلح، والردع على النظام الدولي، وعليه قامت الاستراتيجيات العسكرية للدول الصغيرة في ذلك الوقت على تبني الحياد والتحالفات العسكرية.
وأدى انهيار الاتحاد السوفييتي والهيمنة الأمريكية على النظام الدولي وصعود الاهتمام بما يعرف ب "الأمن غير التقليدي" في أدبيات السياسة الخارجية إلى تغير أولويات السياسة الخارجية للدول الصغيرة من الانشغال بفكرة البقاء إلى الانخراط المتزايد في العاقات الدولية، وتوسيع خياراتها الأمنية ما بين العمل باستقالية أو الانضمام للتحالفات الأمنية، وزيادة نفوذها داخل النظام الدولي من خال قيامها بأدوار الوساطة.
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وصعود مفاهيم، مثل "الحروب الاستباقية"، والتدخل الروسي في جورجيا وأوكرانيا قامت بعض الدول الصغيرة، مثل الدنمارك، وفنلندا، والنرويج، والسويد بتعديل استراتيجياتهم العسكرية من أجل التصدي لمثل هذه التهديدات.
تعدد ال�صتراتيجيات الأمنية
بدأ الكتاب بتحليل أوجه التشابه والاختاف بين: الدنمارك، وفنلندا، والنرويج، والسويد، من حيث درجة انكشافهم للتهديدات، ودرجة قوتهم، ومصالح كل منهم المختلفة، وتوصل إلى أنهم يعانون من درجة من الانكشاف الأمني مما يجعلهم يتحالفون مع قوي خارجية أخرى للحفاظ على أمنهم، كما أنها دول مستقرة على المستوى الداخلي وليست لها أهداف خارجية توسعية أو هجومية، وتحتل المصالح الاقتصادية والسامة الإقليمية والاستقال السياسي أولويات السياسة الخارجية للدول المذكورة، ويتصرفون عادة بشكل متشابه تجاه التغيرات في البيئة الخارجية الأمنية.
وفي هذا الإطار حلل الكتاب الاستراتيجيات الدفاعية التي تبنتها الدول سالفة الذكر من أجل الحفاظ على بقائها في ظل نظام دولي تهمين عليه قوتين كبيرتين أثناء الحرب الباردة، ويتمثل أولهما في استراتيجية "الاختباء" Hide Strategy( ) أي البقاء بعيداً عن المشكات والصراعات الدائرة والانكفاء على الذات بيد أن هذه الاستراتيجية أخفقت مع قيام كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بتوسيع شبكات تحالفاتهما، وهو ما دفعهم إلى اعتماد استراتيجية "الالتزام" والمقصود به دعم المؤسسات الدولية والاحتكام إلى قواعد القانوني الدولي لحل الأزمات الخارجية، وظلت هذه الاستراتيجية توجه سياساتهم الخارجية حتى بعد انتهاء الحرب الباردة.
وارتبطت استراتيجية الالتزام بسعي الدول الصغيرة إلى توسيع الخيارات الدفاعية أمامهم والتي تمكنهم من تحقيق أمنهم وضمان البقاء داخل النظام الدولي، بحيث أصبح بإمكانهم الاعتماد على الذات، أو اتباع سياسة الحياد، أو الانضمام لأحاف ثنائية ومتعددة ومنظمات دولية مختلفة، وقد انضمت كل من الدنمارك، وفنلندا، والنرويج، والسويد إلى هذه الأحاف، وابتعد العديد منهم من سياسة الحياد والعزلة إلى الانضمام لحلف الناتو، والانخراط النشط في المنظمات الدولية، والمشاركة في قوات حفظ السام.
وتزامن ذلك مع صعود التهديدات الجديدة التي ظهرت في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، مثل الإرهاب الدولي، والجريمة المنظمة، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، ومخاطر الكوارث الإنسانية والبيئية، وعليه أدركت هذه الدول أنه لا يمكن تحقيق أمنها بالاعتماد على قدراتها الوطنية، الأمر الذي دفعها إلى الانضمام إلى المنظمات الإقليمية والدولية والأحاف المتعددة والثنائية، بهدف تعزيز تأثيرها في مسار العاقات الدولية.