Trending Events

‪War Games‬

هل يمكن أن تقع "حرب كبرى" في الشرق الأوسط؟

- د.محمد عبدالسلام

على الرغم من أن الشرق الأوسط يشهد شهرياً، منذ عشر سنوات تقريباً، حالات تتعلق بصدامات مسلحة، في مناطق مختلفة على ساحته، لدرجة تم الاعتياد معها على اعتباره إقليماً في "حالة حرب" أو مسرح عمليات كبيراً، وعلى الرغم من أن أشكال الصراعات قد تعقدت إلى درجة أنه في صراعات لم تنفجر، تعتبرها بعض أطرافها "حروباً تشن واقعياً" بأدوات أخرى، فإنه في أوقات محددة، وسط كل تلك النيران، يتم التساؤل أحياناً عما إذا كانت هناك حرب ستقع؟، والمقصود بها بالطبع "الصراعات المسلحة الرئيسية ‪Major Armed(‬ Conflicts) أو "الحروب الكبرى". فما هي تلك الحروب، ولماذا هي مختلفة تماماً، عن ممارسات كل شهر.

لقد طرح هذا السؤال منذ فترة، عندما تم تصور أن شيئاً ما قد يقع على الساحة السورية، بين الولايات المتحدة وروسيا، أو بين روسيا وتركيا، أو بين إسرائيل وإيران، بعد أن تم قصف مواقع أو إسقاط طائرات، "عن طريق الخطأ طبعاً"، ووصل الأمر إلى ظهور تحليات بأن حرباً عالمية قد تنشب، أو أن حرباً إقليمية قد تقع، قبل أن يظهر بوضوح أن أحد الأطراف لا يرغب في الحرب، وأن طرفاً آخر لن ينزلق إليها، وأن طرفاً ثالثاً يستخدمها للمناورة، ويعلن طرف رابع عن خطوطه الحمراء، حتى لا يضطره أحد إلى "اختبار نوايا". ومن المفترض أن الدرس السوري يمكن أن يعنى شيئاً لأية تساؤلات مشابهة، أو توقعات تالية.

حالياً، يطرح السؤال مرة أخرى، فهناك أجواء ملتهبة، تشهد صراعات إرادة واختبارات قوة، تتم في إطارها تفجيرات سفن، وإسقاط طائرات، وقصف معسكرات، وإطاق صواريخ، وتنقيب بحرى، وتهديدات مضايق، واستخدام درونز، وتدخل مباشر، في ظل تهديدات غير مسبوقة، ترتبط بالأطراف نفسها تقريباً، في ساحات أخرى، بمنطقة الخليج العربي وشرق المتوسط والأراضي الليبية ومسرح اليمن، وتطرح في إطارها الاحتمالات "السورية" نفسها، بأن حرباً كبرى قد تقع، بين أطراف مختلفة قلياً، فالطرف الروسي قد خرج من المعادلة، والطرف الإسرائيلي يريد "نصراً با حرب"، والطرف الأمريكي حالياً هو "الرئيس ترامب"، ويتبقى على مسرح الإقليم إيران وتركيا والدول العربية الرئيسية.

الحروب الكبرى

ما هي تلك الحرب "المتصورة" بالضبط؟ الإجابة هنا لا تحتاج إلى العلم لكن إلى الحدس، الذي يقود إلى النتيجة نفسها، فهي ليست "حرباً كل يوم" في المنطقة، والتي تقع بعيداً، وتقتصر تأثيراتها المباشرة على الحدود الجغرافية لعملياتها، مع امتداد تأثيراتها الإنسانية بالطبع إلى نطاق مؤلم يصل إلى قارات بعيدة، وإنما تلك الحرب التي عندما تصبح محتملة يجري الجميع حساباتهم في كل مكان تقريباً، وعندما تقع يسمع بها الجميع، ويرونها على كل الشاشات، وتؤثر على حياتهم )أو معظمهم( واقتصاداته­م، أو أقارب وأصدقاء لهم، أينما كانوا. فهل يتذكر أحد غزو الولايات للعراق عام 2003.

دراسات الحروب عبر التاريخ تشير إلى أن "التغييرات الكبرى" تتم فقط بفعل الصراعات المسلحة الرئيسية التي تنشب بين الدول، أو تنفجر داخل الدول. ولقد تشكلت خريطة العالم مراراً عبر "موجات حربية"، كالغزوات الكبرى والحروب الدينية وحروب الاستعمار )وحروب التحرير( والثورات الشعبية والحروب الأهلية وأخيراً الحروب العالمية، ثم حروب الأقاليم، وعبرها تفككت إمبراطوريا­ت وانهارت دول وسقطت نظم. والدروس: 1- إن الصراعات الرئيسية بين الدول أو التحالفات تقع طوال الوقت، بتخطيط مقصود أو بسوء تقدير أو "حكم المضطر". وعلى الرغم من أن القيود والحسابات المحيطة بها، كانت تتزايد، بفعل تصاعد القوة التدميرية للأسلحة، وظهور أساليب قتال غير متماثلة، وتقلص المسافات في مسارح العمليات، ووجود أهداف مدنية في دائرة الاستهداف، والبث المباشر لوقائعها على وسائل الإعام، لكنها لاتزال تقع. 2- إن الحروب الكبيرة هي التي أدت إلى وقوع تحولات حادة، تتعلق ببقاء الدول، أو سيادتها على أراضيها، أو تغيير نظامها السياسي، بفعل النتائج المباشرة للحرب أو تداعياتها التالية في الداخل، أما الأساليب الأخرى، كالضغط السياسي أو الحصار الاقتصادي، فإنها تؤدي إلى تغيير التوجهات السياسية، أو زيادة تكلفة الاستمرار في السياسات القائمة، إلا أن تلك الضغوط نفسها تدفع إلى "احتكاكات" يمكن أن تقود إلى وقوع الحروب أيضاً. 3- إن العالم يشهد تحولاً كبيراً في مفاهيم الصراعات المسلحة الشاملة، بفعل الثورة الحالية في الشؤون العسكرية، بظهور حروب الوكالة، والحروب المختلطة، والحروب السيبرانية، والأسلحة المتطورة، وتشكيات مختلفة للقوات البرية وأسلحة الجو والعمليات البحرية، استناداً إلى جيل مختلف من الأسلحة، لكن كل ذلك لم تتم تجربته على نطاق واسع بعد، في حروب دولية، ويبدو أن ذلك قد يحدث في "الحرب التالية".

السؤال المتأخر هو، لماذا تتم الإشارة هنا إلى "الحروب الرئيسية"، والإجابة أنه على الرغم من كل ما يشهده الشرق الأوسط من صراعات مسلحة منذ 2011، على ساحات وحدود 10 دول تقريباً، تلاشت خلالها الحدود بين ما هو داخلي

ودولي، تبدو المنطقة مقبلة على وضع يطرح هذه الاحتمالات، في الخليج العربي وشرق المتوسط على الأقل، فالتناقضات واسعة، ولا توجد أساليب فعالة لتسويتها، حتى لو لم تكن أطراف رئيسية تريد الحرب، أو لو كان من مصلحتها ألا تقع، فمن الصعب التعايش طوياً مع الوضع الحالي، من دون تحول كبير، صفقة أو ضربة.

حروب الإقليم

لقد شهد تاريخ الشرق الأوسط، بعيداً عن الحروب الأهلية والثورات الداخلية، عدة موجات من الحروب الإقليمية، في العقود الماضية، تركزت في دائرتين، الأولى هي دائرة الصراع العربي الإسرائيلي بواقع 6 حروب تقريباً، والثانية هي دائرة الخليج بواقع 3 حروب مدمرة، وكان الطرفان المشتركان في الدائرتين هما إسرائيل والعراق، ويبدو أن الطرفان المشتركان الجديدان هما إيران وتركيا. لكن هناك نقاطاً محددة بشأنها جميعاً، ربما توضح بعض الملامح العامة لما يمكن اعتباره حروباً خطرة، تحدث تغييراً كبيراً على خريطة الإقليم: 1- إن كل هذه الحروب تقريباً كانت متعددة الأطراف، لكنها من دون استثناء كانت تضم قوى إقليمية كبيرة، وتشهد تدخل قوى دولية كبرى، أو قيادتها للعمليات أحياناً، ضمن تحالفات دولية أو إقليمية. 2- إنها كانت تتم بين قوات نظامية، تشمل قوات برية كبيرة العدد، تحت قيادة دولها مباشرة، وتستخدم خالها كل أفرع القوات المسلحة، بما فيها الصواريخ أرض- أرض أحياناً، بل أن أسلحة تدمير شامل غير نووية قد استخدمت. 3- إنها جرت على مسارح عمليات واسعة النطاق، في المناطق الخالية أو المسكونة على حدود الدول، لكن بعضها جرى داخل الدول ووصل إلى مدن رئيسية، وتم بالفعل حصار عاصمة والاستياء على 3 عواصم. 4- إن استمرارية العمليات العسكرية فيها قد تفاوتت بشدة من حرب لأخرى، فبعضها قد استغرق أياماً قليلة، وإحداها قد استمر لسنوات، لكن المعدل المعتاد للحروب الكبيرة هو شهر إلى 3 أشهر. 5- إنها أدت إلى نتائج حادة في معظم الأحوال، فبعيداً عن الآثار التدميرية، تم احتال أراض أو تحرير أراض، كما تم إسقاط نظم، وتغيير معادلات، وتدمير بنية، وارتكاب مذابح، وتهجير مدن، كما تفككت دول.

هناك مامح أخرى لهذه الحروب توضح ما تعنيه، منها شيء آخر، ففي الستينيات ظهر تمييز بين ما يسمى حروب الوجود وحروب الحدود، وعلى الرغم من عدم دقة ذلك، كانت هذه الحروب تبدو وكأنها "حروب وجود"، وهي مشكلة، فهناك من يدرك ذلك ويتعامل بمسؤولية، ومن يدرك أيضاً، ويريد أن يبدو وكأنها "لا تفرق معه".

الحرب القادمة

إن المشكلة المفهومة للحروب، هي أنها تؤدي إلى خسائر بشرية ومادية فادحة، ترتب آثاراً يصعب التعامل معها بعد انتهاء الحرب، وأنها قد تتحول إلى حروب مفتوحة طويلة المدى تصعب السيطرة على مساراتها بعد انفجارها، وأن مفاهيم النصر والهزيمة فيها أصبحت أقل وضوحاً مما كانت عليه، وغير ذلك مما أدى إلى ظهور المقولة التي تؤكد أن اللجوء للقوة العسكرية )الشاملة( لا يجب أن يحدث إلا بعد استنفاد الوسائل الأخرى كافة، كخيار أخير.

لكن هناك جدلاً حول ذلك، يستند إلى قاعدة أن الحرب ستقع إذا كانت نتائج أمر واقع يحاول طرف فرضه بالقوة أسوأ من نتائج محاولة تغيير ذلك بالقوة، وهنا تظهر الأفكار المعقدة، إذ لن يشن طرف حرباً تؤدي إلى تدميره بشكل مؤكد حتى إذا كان يتصور أنه سيدمر العالم كله معه، وترتبط حسابات الخسائر بمن سيتكبد خسائر أكبر ومن سيتمكن من التعافي أسرع، ويمكن السيطرة على مسار الحرب باستخدام ال ‪Brutal Attacks(‬ ،) وبصورة ما فإنه في مواجهة التحالفات يمكن أن يتعرض طرف للهزيمة.

وبعيداً عن كل ذلك، فإن الحرب ستقع إذا قررت دولة "عدوانية" أن تهدد أمن أو "مصالح حيوية" لدولة أخرى، فالدفاع عن النفس، بكل الوسائل الممكنة، ليس مجرد استخداماً مشروعاً للقوة، وإنما غريزة بقاء. لكن أيضاً هناك ما يلي: 1- فائض القوة، فقد حدث 3 مرات على الأقل، أن تم شن حروب رئيسية، من دون مبرر حقيقي، معقول أو مقبول، فقط لأن الطرف المهاجم، كان يريد ذلك أو يستطيع ذلك، وفى أوساط صنع القرارات توجد دائما شخصيات تفكر بتلك الطريقة. 2- أوهام القوة، فقد تكون لدى طرف تقديرات مبالغ فيها "متوهمة" لقدرته على شن الحرب، أو النجاة من نتائج قيامه بذلك، أو حتى تصور أن ما يقوم به مسائل ضرورية لا يمكن تجنبها لأمنه القومي أو مصالحه الحيوية، وحدث هذا مراراً. 3- الانزلاق إلى حرب، فقد تجد الأطراف نفسها مندفعة في اتجاه الحرب، بفعل عمليات تصعيد غير مسيطر عليها، أو تعقيدات هيبة وشرعية، بالتوازي مع كل مشكات الإدراك والتقدير والاتصال، وحدث ذلك أيضاً في حالات محددة.

الفكرة النهائية هنا ليست بسيطة على الإطلاق، فالمنطقة تعيش أجواء حرب، تمارس خلالها أطراف رئيسية "ألعاب حرب" ربما لا تريد خوضها، أو تدرك أنها لن تنتصر فيها، لكن الجميع يدركون أنها قد تقع بصورة ما، ويستعدون لذلك، لسبب بسيط، هو أن "الموقف الاستراتيج­ي" العام، غير قابل لاستمرار، وأن بعض الاعبين على الساحة يفتقدون إلى الحكمة، وأن الشرق الأوسط نفسه يفرز دائماً أوضاعاً تجعل من السيطرة وهماً، وهناك 10 أمثلة على الأقل لحروب لاتزال تطرح نظريات حول أسباب وقوعها، وقرارات شنها، بعد أن اتضح أنها أدت إلى نتائج كارثية لمن كانوا على ثقة بأن "الموقف تحت السيطرة".

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates