Trending Events

كيف تتصرف الأحزاب الإسلامية عندما تخسر الانتخابات؟

- خورشيد دلي

اندفعتأحزا­بالإسلامال­سياسي، للمشاركةفي­الانتخابات­عقبثورات الربيع العربي، وهي الخطوة، التي اعتبرتهامر­اكزالأبحاث­الغربيةتعز­يزاً لمسارالتحو­لالديمقراط­ي،غير أن الواقع العملي كشف عن تبنيها ممارساتسلط­وية.

اعتبرت مراكز الأبحاث الغربية أن مشاركة الإساميين في العملية الانتخابية سوف تعزز مسار التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط، إذ إن هذه المشاركة تدفعها إلى اعتدال خطابها، ولفظ العنف الذي سبق وأن تورطت فيه خال حقب زمنية مضت، بالإضافة إلى أنها تمثل اعترافاً مسبقاً بالأحزاب الأخرى ذات التوجهات الفكرية المغايرة.

وفي أعقاب وصول بعض هذه الأحزاب إلى السلطة، لاسيما في تركيا وليبيا، اتضحت الفجوة بين الخطاب والممارسة، خاصة أن ممارساتها كشفت عن استمرار رفض بعض هذه الجماعات قيم الديمقراطي­ة، بالإضافة إلى وجود مساعٍ حثيثة للسيطرة على مؤسسات الدولة والهيمنة عليها، رغبة منها في إدامة سيطرتها على الحكم لفترات طويلة.

النكو �صالديمقراط­ي

تكشف سياسات أحزاب الإسام السياسي في كل من ليبيا وتركيا، عن رفضها نتائج الانتخابات في حال خسارتها لها، بل وإصرارها على تقديم مصالحها الحزبية الضيقة على الانتماء الوطني، حتى وإن ترتب على ذلك انهيار الدولة في حالة حرب أهلية، ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي: 1- رفض الإخوان نتائج الانتخابات البرلمانية في ليبيا: رفض حزب العدالة والبناء، التابع لتنظيم الإخوان المسلمين، الاعتراف بنتائج الانتخابات البرلمانية في عام 2014، والتي خسرها بحصوله على حوالي 23 مقعداً من أصل 200 مقعد في البرلمان، وأكدت فوز القوى المدنية والليبرالي­ة. فقد سارع الحزب بالتحالف مع ميليشيات "فجر ليبيا" المتطرفة بقيادة صاح بادي، للسيطرة على طرابلس عسكرياً، الأمر الذي أدى إلى انقسام الدولة الليبية بين حكومتين في الشرق والغرب.

وبدلاً من أن تتدخل الأمم المتحدة لتأكيد شرعية البرلمان المنتخب، سارعت إلى إضفاء الشرعية على تنظيم الإخوان المسلمين عبر توقيع اتفاق الصخيرات في أكتوبر 2015، والذي سمح بتأسيس حكومة جديدة برئاسة فايز السراج، والتي لم تنبثق عن أي انتخابات، بل وأبقت على نفوذ الإخوان عليها، لينكشف بذلك عمق الارتباط بينهم وبين القوى الدولية، الأمر الذي مكنّهم من الاستمرار في الحكم من دون أي سند انتخابي شرعي من الشعب الليبي.

وياحظ أن حكومة الوفاق المفروضة دولياً، لا تسيطر على طرابلس، بل تقاسمت النفوذ عليها جماعات مرتبطة بشكل وثيق بمنظمات مصنفة على لائحة الإرهاب من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة، ومن بينهم أمراء حرب متطرفون مُعاقبون دولياً على تقويضهم لاستقرار ليبيا، بالإضافة إلى قادة ميليشيات مدانين بتجارة البشر وتهريب المهاجرين، ولعل مساعي المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي للسيطرة على العاصمة طرابلس جاءت انعكاساً لاستمرار رفض الأحزاب الإسامية الاحتكام إلى صناديق الانتخابات. 2- إعادة انتخابات بلدية اسطنبول: كان يُنظر إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم

في تركيا باعتباره نموذجاً ناجحاً في التوفيق بين الديمقراطي­ة والإسام، غير أن السنوات الأخيرة من حكم الحزب كشفت عن تصاعد توجهاته السلطوية، خاصة بعد أن تسارعت جهوده لإحكام سيطرته على مؤسسات الدولة في أعقاب محاولة الانقاب الفاشلة في 15 يوليو 2016، حيث سعى الحزب لتأسيس دولته العميقة، عبر فصل عدد كبير من العاملين في مؤسسات الدولة المختلفة، تحت زعم تبعيتهم لحركة فتح الله كولن، الذي يتهمه أردوغان بالتورط في هذا الانقاب، بالإضافة إلى اعتقال عدد كبير من الصحفيين إلى النحو الذي دفع منظمة العفو الدولية إلى اعتبار تركيا "زنزانة" للصحفيين.

واتضحت سياسات أردوغان السلطوية بصورة لافتة عقب هزيمة حزب العدالة والتنمية لبعض البلديات المهمة في الانتخابات المحلية، التي أجريت في 31 مارس 2019. ففي أعقاب هزيمة مرشح العدالة والتنمية في انتخابات بلدية اسطنبول، ابن علي يلدريم، أمام منافسه من حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو، استمات أردوغان لحرمان أوغلو من هذا الانتصار، وهو ما يمكن إرجاعه إلى مركزية المدينة في السياسة التركية، إذ إن أردوغان هو من صرح "أن من يخسر اسطنبول، يخسر تركيا نفسها".

ولذلك طالب حزب العدالة بإعادة فرز أصوات الانتخابات لوجود مخالفات ممنهجة وفقاً لزعمه. وعندما أكدت نتائج إعادة الفرز فوز أوغلو، واصل أردوغان ضغوطه على اللجنة العليا لانتخابات في تركيا من أجل إعادة الانتخابات، إذ أعلنت السلطات التركية أن 43 مسؤولاً بمراكز الاقتراع لهم صات بشبكة فتح اله كولن الإرهابية، الأمر الذي دفع اللجنة إلى اتخاذ قرار بإعادة الانتخابات.

وعندما أكد أوغلو فوزه في انتخابات الإعادة في 23 يونيو 2019، بحصوله على 54% من الأصوات، لم تتوقف محاولات أردوغان عن محاربة أوغلو، حيث أصدرت وزارة التجارة التركية، بعد بضعة أيام من فوزه، قراراً جديداً يقضي بسحب صاحيات تعيين مديري الشركات التابعة للبلدية، والبالغ عددها 30 شركة عماقة، من رئيس البلدية للمجلس البلدي، الذي يهيمن حزب أردوغان على غالبية مقاعده، في خطوة تهدف إلى حجب التمويل عن أوغلو لمنعه من تنفيذ برنامجه الانتخابي.

�صيا�صاتالهيمنة

يكشف تتبع سلوك جماعات الإسام السياسي، عقب وصولها للسلطة في الحالتين الليبية والتركية وغيرهما، إلى تبنيها عدداً من السياسات التي تهدف من خالها إلى إدامة سيطرتها على مؤسسات الدولة والمجتمع، ولعل أبرز هذه السياسات ما يلي: 1- اختراق مؤسسات الدولة: تحرص أحزب الإسام السياسي على اختراق المؤسسات الأمنية والعسكرية عبر زرع الموالين لها فيها، وذلك لضمان سيطرتهم على الحكم. وما يزيد من مخاطر أحزاب الإسام السياسي عدم إيمانهم بالدولة الوطنية، وتغليبهم لانتماء لجماعتهم على حساب الدولة، بما يفتحه ذلك من ممارسات تمثل خيانة للدولة الوطنية، فالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين هو الذي يوجه الأحزاب التابعة له في الدول المختلفة. 2- الأسلمة التدريجية للمجتمع: تعمل جماعات الإسام السياسي فور وصولها للسلطة إلى بدء عملية أسلمة تدريجية لبنية الدولة والمجتمع، كما في حالة تركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية، إذ تعمل على تبني سياسات تهدف إلى إقصاء وإضعاف القوى السياسية المناوئة لها، وفرض توجهاتها الدينية، على نحو يهدف إلى القضاء على الآراء المخالفة لهم. 3- رفض التعددية: يركز خطاب أحزاب الإسام السياسي على تأكيد إيمانها بالتعددية السياسية، واحترام حقوق المرأة والأقليات، غير أنه في حالة وصولها إلى السلطة، لا تتوانَ هذه الجماعات عن الانتقاص من حقوق المرأة، فضاً عن إقصاء القوى السياسية كافة عن المشهد السياسي، كما في تجربة حزب الحرية والعدالة في مصر ‪2013 –2012)‬ ،) ويتم تبرير ذلك على أساس حرصهم على تطبيق الشريعة الإسامية، بل واتهام من يختلف معهم في التوجهات، بمعاداة الإسام، بحيث يتحوّل حكم هذه التنظيمات إلى حكم ثيوقراطي. 4- توظيف العنف: تقوم جماعات الإسام السياسي، في حالة فقدانها الحكم، سواء بانتفاضة شعبية، كما في الحالة المصرية، أو عبر الانتخابات في الحالة الليبية، بممارسة العنف، على نحو ما وضح في تأسيس الإخوان المسلمين في مصر، عدة تنظيمات إرهابية، مثل حركة "حسم"، و"لواء الثورة" عقب الإطاحة الشعبية بحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، أو في تحالف حزب العدالة والبناء مع التنظيمات المتطرفة للسيطرة على طرابلس عقب خسارة الحزب الانتخابات. وكشفت هذه الممارسات من قبل الأحزاب الإسامية عن حقيقة دوافعها، والمتمثلة في الاستئثار بالسلطة، وهو ما وضعها في أزمة عاقة بنيوية مع باقي المكونات السياسية والاجتماعي­ة في البلدان التي توجد بها.

وفي الختام، يمكن القول إن التجربتين الليبية والتركية تكشفان بوضوح عن رفض جانب من الإساميين لخسارة السلطة، وسعيهم إلى الاستمرار في الحكم، سواء من خال اتباع وسائل غير دستورية لإعادة الانتخابات، والانتقاص من صاحيات القوى المنتخبة المناوئة لهم، كما في الحالة التركية، أو من خال تحويل المعركة السياسية إلى صراع عسكري على غرار الحالة الليبية، وهو ما يؤكد أن مشاركتهم في الانتخابات لم تكن نابعة من الإيمان بالقيم الديمقراطي­ة، بل حرصاً على توظيفها كجسر للوصول إلى السلطة، وعليه لا يمكن اعتبار هذه التنظيمات من أدوات التحوّل الديمقراطي، كما دأبت بعض مراكز الفكر الغربية أن تزعم.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates