Trending Events

هل يمكن " إنهاء" الخلافات بين الولايات المتحدة والصين؟

- د. مايكل أندريج

تزداد وتيرة وحدة الصراعات بين واشنطن وبكين كما يتضح في عجزهما عن حسم الخلافات التجارية بينهما، وتخشى العديد من دول العالم أن تنعكس هذه الخلافات على الصراعاتال­جيوسياسيةب­ينهما. تثير فكرة نشوب حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين قلق الكثيرين، لاسيما مجتمع رجال الأعمال، خاصة إذا ما انعكست هذه التوترات التجارية إلى ملفات أخرى، وساهمت في نشوب حرب حقيقية بين الجانبين، على أسوأ تقدير، نظراً لارتباط التجارة والصراع ببعضهما البعض عبر تاريخ البشرية.

وتذهب بعض التقديرات المتشائمة إلى تأكيد حتمية حدوث هذه الحرب، فقد أكد جراهام أليسون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد، في كتابه "الحرب هي المصير: هل تستطيع أمريكا والصين الهروب من فخ ثوسيديدس؟" الذي نُشر في 2017، أن نسبة احتمال وقوع هذه الحرب الكارثية هي 75%، بما يعنيه ذلك من وجود خافات حقيقية بين الدولتين تستدعي جلوسهما على طاولة المفاوضات لتجنب مثل هذا السيناريو الكارثي.

�صراعات متعددة

يكبد صراع عسكري "صغير" في بحر الصين الجنوبي بين القوة الصينية الصاعدة، والقوة الأمريكية المتراجعة الاقتصاد العالمي تريليونات الدولارات، ناهيك عن تعطيل ساسل الإمداد في جميع أنحاء العالم. لذا فإن السام بين هذين العماقين يعد أمراً حتمياً لأسباب عديدة، وإن كانت كل واحدة من الدولتين لاتزال تصر على التصرف كإمبراطوري­ة عظمى.

وعلى المدى القصير، سيكون أكثر موقع محتمل لأن يتحوّل فيه الصراع إلى حرب حقيقية هو بحر الصين الجنوبي، فالصين تستاء بشدة من استعراض الولايات المتحدة قوتها في المحيط الهادئ، على الرغم من أن التاريخ يشهد بأن القوة البحرية الأمريكية هي التي أنقذت الصين من هيمنة اليابان. ومن هنا بدأت الصين مشروعها الهندسي الضخم، والمتمثل في إنشاء جزر صناعية صغيرة في بحر الصين الجنوبي، وتحويل العديد منها إلى قواعد عسكرية، في محاولة للهيمنة عليه، وتحجيم حرية الماحة فيه.

وفي ضوء ما سبق، فإن الإجابة المختصرة عن سؤال ما إذا كانت الولايات المتحدة والصين تستطيعان تجاوز خافاتهما التجارية هي "نعم"، حتى لو كانت التحديات كبيرة، وهي كذلك بالفعل.

وتتعدد التحديات في هذا الإطار، وترتبط في جانب منها بطبيعة القيادة السياسية في البلدين. فقد أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، صراحة عن استمتاعه بالحروب التجارية، وهو ما يعكس عدم إدراكه لعواقبها، في حين أن الرئيس الصيني "شي جين بينج" لن يتوانَ عن الضغط من أجل الهيمنة على التقنيات التكنولوجي­ة المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمية، وشبكات الاتصالات من الجيل الخامس، وهو ما يثير بدوره مخاوف صقور الأمن القومي في واشنطن.

ويتمثل العامل الثاني في التنافس الاستراتيج­ي بين البلدين، إذ يواصل الاقتصاد الصيني نموه بنسبة تزيد عن

6% سنوياً، مما يعني أنه سيحل محل الاقتصاد الأمريكي كأكبر اقتصاد في العالم خال أعوام قليلة، إذا استمرت الاتجاهات الحالية على ما هي عليه. وهذا هو أحد الأسباب العديدة التي تجعل ترامب ينظر إلى التجارة مع الصين باعتبارها قضية أمن قومي بقدر ما هي قضية اقتصادية. وعلى المدى البعيد، ستقترن القوة العسكرية ارتباطاً وثيقاً بالقوة الاقتصادية، خاصة مع توجيه الصين استثمارات كبيرة في إقامة بحريّة "المياه الزرقاء"، وبناء قوات جوية فائقة التقدم، وهما القوتان الازمتان لهزيمة الولايات المتحدة إذا ما حدثت مواجهات بين الجانبين.

�صيناريوهان محتملان

يمكن النظر إلى استثمارات الصين الضخمة في البنية التحتية للنقل، والتي أطلقت عليها مبادرة الحزام والطريق في ظل سيناريوهين أساسيين. وفي ظل السيناريو الأول، وهو القائم حالياً، ستجد الصين والولايات المتحدة نفسيهما في حالة صراع سياسي وعسكري واقتصادي حاد. وبينما تتراجع الولايات المتحدة عن زعامتها في نواحٍ كثيرة، تسعى الصين إلى ملء الفراغ. أما السيناريو الثاني، وهو التعاوني، تكون الصين والولايات المتحدة "حليفتين" تعمان معاً على حل المشكات القائمة بينهما.

وفي ظل السيناريو الأول، تنظر واشنطن إلى استثمارات بكين بشك كبير، خاصة مع سعيها توظيف قوتها الاقتصادية لتعزيز قدرتها العسكرية، بالإضافة إلى إمكانية تحويل أي قضية تتعلق بالخافات التجارية بينهما إلى خاف يتعلق "بالأمن القومي"، كما في الحظر الأمريكي الحالي على استخدام منتجات هواوي في شبكات الجيل الخامس من الهواتف في الولايات المتحدة، وإن كان الموقف الأمريكي يكتسب وجاهة، فا يوجد جيش يريد أن يضع عدوه داخل أنظمته.

أما في السيناريو التعاوني، فستركز بكين وواشنطن على حساب المنافع الاقتصادية التي يحققها كل طرف من وقف الحرب التجارية بينهما، من دون تجاهل الهواجس المرتبطة بالأمن القومي، وهو ما يتطلب من الطرفين الجلوس على مائدة المفاوضات، للتوصل إلى حل وسط، يضمن الحد الأدنى من مصالحهما، مع توخي الحذر الشديد.

وفي هذا الإطار، يمكن لآسيا الوسطى، على وجه الخصوص، الاستفادة بدرجة كبيرة من شبكات النقل والمواصات الجديدة التي تمتد من أوروبا الغربية إلى المحيط الهادئ. كما أن هناك مجالات للتعاون المشترك بين واشنطن وبكين، إذ يمكن دمج كميات هائلة من التقنيات الصينية الفولتية الضوئية زهيدة التكلفة مع أجهزة التحكم الأمريكية المبتكرة للشبكات الكهربائية لجعل أنظمتها أكثر كفاءة ومقاومة للكوارث.

وعلى الرغم من مزايا هذا السيناريو، والذي يستند إلى منطق اقتصادي خالص، ترد قيود على مثل هذا الطرح، فالتعاون في هذه المجالات قد يكون قائماً فقط بين الدول الحليفة، ولا يمكن لأي دولة أن تقوم بذلك مع أعدائها، إذ إن تبادل التقنيات المدنية أمر محفوف بالمخاطر من الناحية العسكرية، نظراً للطبيعة المزدوجة لبعض التقنيات المدنية، ولذلك لا يمكن المبالغة في المدى الذي تبلغه الدولتان في السيناريو التعاوني، إذ إن أقصى ما يمكن أن يحققه الطرفان هو وقف الحرب التجارية بينهما.

تناغم عظيم!

على الرغم من صعوبة المشكات القائمة، فإن هناك حاجة إلى تحقيق نتائج إيجابية بشأن الصراع الحالي بين الصين وأمريكا، فالعالم يحتاج إلى "تناغم عظيم" وليس المزيد من الفوضى. ولن يكون هذا سهاً، إذ يتطلب الأمر رؤية واضحة تماماً لطبيعة المشكات الكبيرة القائمة، وكيف يمكن تقديم حلول حقيقية لها. ويجب أن يتم التسليم بأن هناك جوانب من الخافات التي لن تحل، فالصين تشعر بفخر شديد بتاريخها الممتد على مدار خمسة آلاف عام، والذي يضم المبادئ الكونفوشيو­سية الخاصة بطاعة السلطة، لذا لن تصبح الصين منارة الحرية، كما تطمح واشنطن أبداً. ومن جهة ثانية، سوف يظل التنافس الاقتصادي محتدماً، إذ لا أحد يبني طرقاً جديدة أو خطوط قطارات فائقة السرعة أسرع من الصينيين اليوم، والدليل على ذلك هو مبادرة "الحزام والطريق".

ومن جهة ثانية، فإن الولايات المتحدة لن تهرب من الصين الصاعدة، وتتجاهل التزاماتها تجاه العديد من الدول الآسيوية الأخرى، التي تشتبك في نزاعات بحرية مع الصين بشأن الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، خاصة بعدما أقرت محكمة تحكيم دولية في لاهاي ملكية هذه الجزر لهم. كما أن اليابان، هي الأخرى، تخشى من الصين لأسباب واضحة، أبرزها الخافات التاريخية والذكرى السلبية للحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى الأسلحة النووية التي تملكها الصين.

وفي النهاية، يتعين على كل من الصين والولايات المتحدة بذل المزيد من الجهد لدعم النظام الاقتصادي الدولي القائم على حرية التجارة، وذلك من خال التوقف عن استخفافهما بالقوانين الدولية، وأن يدركا أن عصر الإمبراطور­يات، التي لا تخضع للمساءلة، آن له أن ينتهي.

وتتعاظم التحديات التي تواجه الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، إذ يستغل القادة الشعبويون في الغرب يأس الشباب من الأوضاع القائمة، ورغبتهم في مستقبل أفضل، بينما يعيش المايين الآن في ظل دول فاشلة. لذا فإن الحفاظ على معدلات نمو الاقتصاد العالمي هو الحل الوحيد في مواجهة هذه التحديات المتعاظمة، فا أحد يريد دولاً فاشلة على حدوده. لذلك، يجب على القادة في الولايات المتحدة والصين النظر في وضع حلول مبتكرة لخافاتهما التجارية، حتى لا تتعقد المشاكل التي تعانيها أغلب دول العالم اليوم.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates