Trending Events

مصالح متباينة:

تصاعد الأدوار الإيرانية والتركية والقطرية في غرب أفريقيا

- جمال محمد عمر

كشفت العديد من المؤشرات عن تصاعد الأدوار الإيرانية والتركية والقطرية في غرب أفريقيا، وذلك بعد أن ظلت أغلب دولها مرتبطة بالاستعمار الفرنسي، في خطوة تهدف من خلالها الدول الثلاث إلى تعزيز نفوذها في المنطقة، وإن ترتبت عليه تداعيات سلبية على أمن واستقرار دول غرب أفريقيا.

أصبحت دول غرب أفريقيا خال السنوات القليلة الماضية مسرحاً للتنافس المحموم بين العديد من القوى الدولية، بعد أن ظلت لعدة عقود حكراً على فرنسا التي ترتبط بدول المنطقة بعاقات تاريخية ترجع إلى حقبة الاستعمار. وعلى الرغم من كون الدافع الاقتصادي ظل هو المحرك الأساسي لتدافع فرنسا خصوصاً، والدول الغربية عموماً إلى منطقة غرب أفريقيا، فإن دولاً أخرى، مثل إيران وتركيا وقطر جاءت إلى المنطقة حاملة معها أجندات سياسية وإيديولوجي­ة ومذهبية لم تعرفها المنطقة من قبل، الأمر الذي يثير التساؤل حول تداعيات ذلك على الوضع الداخلي، وتأثير ذلك على جهود التنمية والاستقرار السياسي في دول غرب أفريقيا، وهو ما سيتم تفصيله من خال التركيز على أهداف وأدوات الدول الثاث في غرب القارة الأفريقية.

اأولً: اأهداف القوى الثلاث

ظلت دول غرب أفريقيا) بمعزل عن دول العالم حتى بداية الستينيات من القرن الماضي، وذلك بحكم خضوعها لاستعمار الفرنسي والإنجليزي، غير أنه بعد حصولها على الاستقال سعت لتنويع عاقاتها الخارجية) .) واستغلت كل من إيران وتركيا التحولات التي شهدتها دول أفريقيا عموماً، فشرعتا في البداية في مد الجسور مع دول غرب أفريقيا، لكنهما حاولتا لاحقاً أن تؤثرا على التوجهات السياسات والاجتماعي­ة والثقافية لدول المنطقة، وفق ما يناسب أجندتهما الخاصة. وقد سعت الدول الثاث لتعزيز نفوذها في منطقة غرب أفريقيا، وإن اعتمدت أدوات مختلفة لتعزيز هذا النفوذ، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 1- نشر طهران التشيع في الغرب الأفريقي: كانت إيران بعد ثورة 1979 سباقة للتغلغل في دول غرب أفريقيا، خاصة بعد انتهاء حربها مع العراق )1980 – 1988(، وذلك من خال افتتاحها العديد من المراكز الثقافية وتقديم المساعدات الإنسانية) واستغلت طهران انتشار الإسام في أغلب دول المنطقة، إذ يقدر عدد سكان المنطقة بحوالي 257 مليون نسمة، من بينهم 161 مليوناً من المسلمين، ينتمون في غالبيتهم إلى المذهب السنّي) .) 2- إيجاد إيران مصادر تمويل لميليشياته­ا المسلحة: يقوم حزب اله اللبناني، بالتعاون

مع الحرس الثوري الإيراني، بتهريب الكوكايين والمخدرات من أمريكا الاتينية إلى الموانئ الأوروبية، عبر ممرات وطرق تهريب تمر بدول غرب أفريقيا، ولا تستطيع الدول الأوروبية اعتراض، سوى حوالي 10% من هذه المخدرات. وتقدر أرباح حزب اله بحوالي 20% - 25% من إجمالي هذه التجارة، والتي يستخدمها في شراء الأسلحة ودفع رواتب مقاتليه، خاصة بعد أن أضرت العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران بقدرتها على تمويل الحزب، وغيره من الميليشيات الشيعية) 5 .) 3- امتلاك طهران القدرة على استهداف الدول المناوئة لها: سعت طهران من خال تطوير عاقاتها بدول غرب أفريقيا إلى امتاك القدرة على استهداف المصالح الغربية، فقد ألقت السلطات النيجيرية في فبراير 2013، القبض على ثاثة نيجيريين، تلقى أحدهم تدريباً على استخدام الأسلحة داخل إيران، وكان الثاثة يخططون لشن هجمات في لاجوس، أكبر المدن النيجيرية، وكانوا يعدون لاستهداف مكاتب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والشركات التجارية الإسرائيلي­ة ومركز ثقافي يهودي، بالإضافة إلى الفنادق التي اعتاد الأمريكيون والإسرائيل­يون التردد عليها، وكذلك سفير المملكة العربية السعودية في نيجيريا. ولم يقتصر اهتمامهم على استهداف المصالح الأجنبية في نيجيريا، بل شملت قائمة الاستهداف سياسيين محليين، مثل القائد العسكري السابق للباد، إبراهيم بابانجيدا، والزعيم الديني السني، إبراهيم داسوكي)6.) 4- تحقيق أنقرة فوائد اقتصادية: سعت تركيا لتعزيز عاقاتها بدول غرب أفريقيا بصفة عامة لتحقيق منافع اقتصادية)7،) فقد أكّد وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي في أوائل عام 2018 أنّ باده تسعى لرفع حجم التبادل التجاري مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إلى 10 مليارات دولار خال المدى المتوسط)8.)

وازداد عدد الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى بين الجانبين، ووقعت العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، بالإضافة إلى تشجيع الزيارات المتبادلة للوفود التجارية، كما نالت تركيا في 12 أبريل 2005 صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، كما انضمت إلى "البنك الأفريقي للتنمية والتجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا". كما اعتمدت أنقرة سفارتها في أبوجا، عاصمة نيجيريا، لدى "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" ECOWAS() اعتباراً من شهر مايو 20059(.) 5- دعم قطر لحلفائها الإسلاميين: تتمتع الدوحة بحضور ملموس في غرب أفريقيا، من خال العاقات الاقتصادية مع بعض دول المنطقة، فضاً عن قيامها بتمويل عدد كبير من المساجد والمدارس والمنظمات الخيرية والجماعات الإسامية في الغرب الأفريقي منذ ثمانينيات القرن العشرين، واستثمرت قطر هذا النفوذ بصورة واضحة في عام 2012، حينما أمدت الدوحة التنظيمات الإرهابية في شمال مالي بدعم نقدي مباشر، وفقاً لمسؤول في الاستخبارا­ت العسكرية الفرنسية، كما أن هيئة الهال الأحمر القطري هي المنظمة الوحيدة التي كانت تنشط في شمال مالي وتقدم مساعدات في المناطق الخاضعة لنفوذ "الحركة الوطنية لتحرير أزواد"، و"حركة أنصار الدين" الموالية للقاعدة، وحركة "التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا" خال فترة سيطرتهم العسكرية على ولايات شمال مالي)10.)

وتمثلت أهداف قطر حينها من الاهتمام بهذه المنطقة في تعزيز مصالحها الاقتصادية، خاصة إذا ما نجحت حكومة متطرفة في فرض سيطرتها على شمال مالي، إذ يمكن للدوحة حينها استغال مواردها ممثلة في الذهب واليورانيو­م، بالإضافة إلى منافسة السعودية دينياً في غرب أفريقيا، عبر تقديم نفسها كمركز للإسام السني)11.)

وفي أعقاب مقاطعة الرباعية العربية لقطر في عام 2017، سعت الدوحة لاستغال عاقاتها بدول غرب أفريقيا من أجل تأكيد حضورها الدولي، وعدم تأثرها بالمقاطعة، خاصة بعد قيام عدة دول من غرب أفريقيا بقطع عاقاتها معها، مثل الجابون وتشاد والسنغال والنيجر والجابون وموريتانيا، وإن قام بعضها باستعادة العاقات مع قطر بعد ذلك. وفي هذا الإطار، قام أمير قطر تميم بن حمد بجولة أفريقية في ديسمبر 2017 شملت السنغال وبوركينا فاسو، وساحل العاج وغانا، وغينيا كوناكري، ومالي، في محاولة للحد من تبعات مقاطعة دول الرباعية العربية له بسبب دعم باده للإرهاب)12.)

ثانياً: اأدوات تعزيز النفوذ

وظفت كل من إيران وتركيا وقطر العديد من الأدوات لتعزيز نفوذها الإقليمي، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 1- توظيف طهران الجالية اللبنانية: نظراً لأن عامل اللغة شكل حاجزاً بين إيران وتلك الدول، اعتمد نظام المالي على آلاف المهاجرين اللبنانيين من الشيعة، الذين هربوا من أجواء الحرب الأهلية اللبنانية )1975 – 1990( إلى دول غرب أفريقيا، حيث شكّل هؤلاء واحداً من العوامل المهمة التي ساعدت طهران على التغلغل في دول مثل السنغال وساحل العاج وغيرهما)13 .)

وتشير بعض المصادر إلى أن حركة نشر التشيع الأولى ارتبطت بتعيين الإمام موسى الصدر )1928 – 1978( لمريده الشيخ عبد المنعم الزين مرشداً دينياً للمنتسبين للمذهب الشيعي من أبناء الجالية اللبنانية في السنغال في عام 1969. وبدأ هذا الأخير في نشر المذهب الشيعي معتمداً على بعض المثقفين السنغاليين المتأثرين بشعارات الثورة الإسامية الإيرانية وادعائها تحقيق حلم إنشاء الدولة الإسامية وتحكيم المرجعية الإسامية في المجتمع)14.)

2- اختراق طهران الجماعات الصوفية: تواصلت إيران بشكل رسمي وغير رسمي مع العديد من الطرق الصوفية في غرب أفريقيا، والتي تلعب قياداتها دوراً كبيراً في الشأن الاقتصادي والثقافي والسياسي، كالطريقة التيجانية، والمريدية، والقادرية. واستغلت طهران انتشار الإسام الصوفي في منطقة غرب أفريقيا لنشر التشيع لدى شعوب المنطقة، خاصة أن الصوفيين والشيعة يشتركون في حب آل البيت. ودعمت إيران بعض الجماعات الصوفية بالمال، وساعدتها في إنشاء

المؤسسات التعليمية. وعلى سبيل المثال قام الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رافسنجاني، بزيارة السنغال في عام 1994، وتبرع شخصياً لترميم "مسجد توبة" كما أنشأت إيران مؤسسة "الفجر" ومؤسسة "مزدهر" و"جامعة المصطفى العالمية"، التي تمارس أدوراً اجتماعية وتعليمية)15.)

وتقوم سفارات إيران في غرب أفريقيا عبر ملحقيتها الثقافية بمهمة نشر "الثورة" و"المذهب الشيعي" عبر طباعة وإصدار العديد من الكتب، وفتح المجال أمام تدريس المذهب الشيعي عبر تقديم التبرعات لبناء المساجد، والدعم للمؤسسات الخيرية، وبناء المدارس والجامعات)16.) 3- تقديم الحرس الثوري الدعم العسكري: لجأت إيران إلى التدخل العسكري في بعض دول غرب أفريقيا لدعم بعض الجماعات المتطرفة والميليشيا­ت الانفصالية المسلحة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما ذكرته بعض المصادر الدبلوماسي­ة الغربية في 2010 عن اعتراض السلطات النيجيرية سفينة إيرانية محملة بالمتفجرات كانت في طريقها إلى جماعة "الحسبة" المتشددة في إقليم كانو شمال نيجيريا، كما أفادت نفس المصادر بأن جزءاً من شحنة الأسلحة التي تم اعتراضها كان متجهاً إلى "حركة القوات الديمقراطي­ة لإقليم كازامانس" في جنوب السنغال وجامبيا) 17 .)

ودعمت إيران حزب "الحركة الإسامية في نيجيريا" الشيعي، وجناحه العسكري، والذي هدد مراراً بالقيام بعمليات عسكرية ضد الدولة المركزية، الأمر الذي دفع الحكومة إلى اعتقال قائدها "إبراهيم الزكزكي"، والذي سبق وأن صرح بأن أي هجوم على الأراضي الإيرانية سوف تكون له عواقب سلبية في نيجيريا، الأمر الذي يكشف عن مدى تبعية الزكزكي للأجندة الإيرانية)18.)

ولعبت طهران دوراً كذلك في تأسيس "حزب اله السنغالي" الذي أسسه أحمد خليفة إنياس؛ وهو حزب يستلهم من الثورة الإيرانية برنامجه وأيديولوجي­ته، وأقامت طهران ذراعاً عسكرية له، وأمدته بالساح، كما قامت طهران بتسليح "حركة القوى الديمقراطي­ة لكازامانس"، وهي حركة انفصالية في منطقة كازامانس الجنوبية)19(، وهو ما دفع الحكومة السنغالية لقطع عاقاتها مع طهران في عام 2011. 4- زيادة أنقرة والدوحة حجم التبادل التجاري: ركزت كل من تركيا وقطر على الاعتبارات الاقتصادية في عاقاتهما بدول غرب أفريقيا، حيث كثفت الدولتان خال السنوات الأخيرة نشاطهما الدبلوماسي، كمدخل لاستفادة من فرص الاستثمار والحصول على موطئ قدم في منطقة ظلت لسنوات طويلة حكراً على الدول الغربية.

ولجأت تركيا في الفترة بين عامي 2009 و2011 إلى رفع مستوى تمثيلها الدبلوماسي في هذه الدول. فأصدر مجلس الوزراء التركي قراراً بافتتاح عدد من السفارات والقنصليات العامة في كل من ساحل العاج والكاميرون وغانا أكرا ومالي وموريتانيا)20(، كما تعددت الزيارات الرسمية بين تركيا وبعض الدول في غرب أفريقيا، مثل زيارة روش مارك كريستيان كابوري، رئيس بوركينا فاسو، إلى أنقرة في أبريل 2019، ولقائه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وياحظ أن العاقات الاقتصادية بين أنقرة ودول المنطقة لاتزال محدودة، ولم تقترب من الهدف التركي المعلن برفع حجم التبادل التجاري إلى حوالي 10 مليارات دولار، إذ إنه باستثناء حجم التبادل التجاري ما بين تركيا ونيجيريا، والبالغ حوالي 2.3 مليار دولار في عام 21( 2017(، فإن حجم التبادل التجاري بين تركيا وباقي دول غرب أفريقيا لايزال محدوداً، إذ لا يتجاوز مع بوركينا فاسو 90 مليون دولار في عام 22( 2018(، بينما يبلغ حوالي 57.8 مليون دولار مع تشاد في العام نفسه)23(، وحوالي 200 مليون دولار مع الكاميرون)24،) وحوالي 4.57 مليون دولار مع غينيا بيساو)25(، بينما يكاد يكون التبادل التجاري بين أنقرة وجامبيا منعدماً.

وفي المقابل، عززت قطر من وجودها في دول غرب أفريقيا عن طريق الاستثمارا­ت، وهو ما وضح في الزيارة الرسمية التي قامت بها وفداً حكومياً قطرياً لعدد من دول المنطقة في ديسمبر 26( 2017(، إذ شهدت الجولة توقيع 22 اتفاقية ومذكرة تفاهم. فمع السنغال ومالي، وقعت قطر اتفاقات لتعزيز التعاون في المجالات الثقافية والرياضية، بينما وقعت اتفاقات مع غينيا وكوت ديفوار وغانا ركزت على تشجيع الاستثمارا­ت المتبادلة، والتعاون في مجال النقل البحري مع الأولى، والنقل الجوي مع كوت ديفوار وغانا. 5- تعزيز النفوذ الثقافي التركي: تتمتع تركيا بحضور مؤثر في قطاع التعليم في بعض دول المنطقة من خال المدارس التركية التابعة للداعية التركي فتح اله كولن، المقيم في الولايات المتحدة. وفي أعقاب المحاولة الانقابية الفاشلة في تركيا في عام 2016، والتي اتهم أردوغان كولن بالتورط فيها، ضغطت أنقرة على عدد من دول غرب أفريقيا لإغاق مدارس جماعة "الخدمة" التابعة لكولن. وقامت السفارات والقنصليات التركية في المقابل بافتتاح مدارس "وقف المعارف" لتحل محل مدارس فتح اله كولن التي حققت انتشاراً كبيراً في غرب أفريقيا) 27 .) 6- تعزيز تركيا مبيعات السلاح: قامت أنقرة بتدريب العديد من عناصر الجيش الجامبي، البالغ عدد عناصره حوالي 8 آلاف جندي، سواء في تركيا، أو عبر إيفاد مدربين أتراك إلى جامبيا، كما تبرعت بحوالي 1.4 مليون دولار كمعونة عسكرية، في شكل دعم لوجستي ومعدات عسكرية)28(، فضاً عن نشر تركيا قواتها ضمن قوات حفظ السام في دولة مالي) 29 .)

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates