Trending Events

المعضلة الثلاثية:

مخاطر متزامنة تهدد تماسك النظام العالمي

- كارن أبو الخير

سادت في الخمسينيات من القرن الماضي مقولة مفادها ”ما هو في مصلحة شركة جنرال موتورز هو في مصلحة الولايات المتحدة، والعكس صحيح أيضاً“. وقد كان ذلك متسقاً مع حالة النظام الدولي في ذلك الوقت، نظراً لقيامه على ”الدول القومية“و“اقتصادات قومية“، ترتبط قوتها بالموارد والقدرات المتاحة لكل دولة. لكن ما عرف بحركة العولمة، التي قامت على تحرير التجارة وحركة رأس المال، فككت الحسابات التقليدية للقوة الاقتصادية، وقوضت الصيغ السياسية السائدة على الصعيد الداخلي، وتوازنات القوة في النظام الدولي. هذه التقلبات السياسية والمنافسات الاستراتيج­ية أصبحت تهدد تماسك واستمرارية نموذج العولمة نفسه.

اأولً: العولمة والهيمنة الغربية

تمتعت الولايات المتحدة بالصدارة على الساحة الدولية إلى حد كبير لأنها خرجت من الحرب العالمية الثانية بقاعدة اقتصادية قوية بينما دمرت القواعد الإنتاجية لكل الدول الأخرى التي انخرطت في هذا النزاع. ولهذا، سيطرت منتجات الشركات الأمريكية على الأسواق العالمية من دون منافس، وعزز ذلك من الهيمنة الأمريكية سياسياً وعسكرياً.

ومع تصاعد القوة الاقتصادية للدول الصناعية، في أوروبا الغربية واليابان، انضمت هذه الدول إلى الولايات المتحدة في منظومة تحالف، وقادت عملية تأسيس ما يعرف بالنظام الليبرالي الدولي، والذي عرف على الصعيد الاقتصادي بنظام "بريتون وودز"، والذي اعتمد أسس النظام الرأسمالي كما طُبق في الغرب. وتبوأت الدول الأوروبية واليابان مكانة متميزة في هذا النظام لما حققته من قوة اقتصادية، على الرغم من أنها لم تكن تمتلك قدرات عسكرية ملموسة، حيث حقق لها التحالف مع القوة العسكرية الكبرى، الولايات المتحدة، ما تحتاجه من حماية، من دون تحمل التكاليف.

كان هذا التحالف في مصلحة الولايات المتحدة أيضاً، التي وإن ظلت تحتل مركز أكبر اقتصاد عالمي، لم يكن بوسعها منع صعود القوى الاقتصادية الأخرى، فلجأت إلى احتوائها في هذا التحالف، لتضمن أنها ستساندها ولن تنازعها على الساحة العالمية)1(. وانضمت القوى الغربية معاً في دفع ومأسسة حرية حركة التجارة ورأس المال والعمالة، فيما عرف بالعولمة الاقتصادية، والتي مكنتها من فتح أسواق الدول النامية أمام منتجاتها، وحماية الحقوق الفكرية لمنتجاتها بشكل يكرس لاستمرارها في احتال صدارة النظام العالمي، اقتصادياً وسياسياً.

لكن موازين القوى تغيرت بعد عدة عقود من العولمة، حيث ظهرت اقتصادات صاعدة تهدد الهيمنة الغربية، وعلى رأسها الصين، التي باتت الولايات المتحدة تنظر إليها كخصم استراتيجي يسعى لتقويض مكانتها وإزاحتها من على قمة النظام الدولي. وعلى عكس الدول الأوروبية واليابان التي استطاعت الولايات المتحدة احتواء صعودهم، فإن الصين لها قيم مختلفة ونموذج انتاجي وتنموي مختلف، يتناقض في كثير من أبعاده مع النموذج الغربي.

وعلى الرغم من استفادة الصين من تسهيات العولمة كافة، فهي لم تعتمد مقاربة حرية السوق، بل إن الدولة تحكم قبضتها بشكل واضح عليه، سواء من خال القوانين والقواعد التي تضعها، أو عبر مشاركتها المباشرة في النشاط الاقتصادي من خال الشركات المملوكة للدولة. وعلى الرغم من وعودها المتكررة بفتح سوقها أمام الشركات الأجنبية، فما زالت تقيد دخول هذه الشركات في أنشطة معينة، وتفرض شروط قاسية تتعلق بنقل التكنولوجي­ا على الشركات التي تسمح لها بالعمل على أراضيها)2.)

ويعكس وضع الشركات الكبرى في كل من الولايات المتحدة والصين الفرق في عاقة الدولة بالاقتصاد في البلدين. فبينما تدعم قوة الشركات الصينية بشكل مباشر أو غير مباشر الدولة الصينية، فلم يعد هذا صحيحاً بشكل كامل فيما يتعلق بالمنظومة الاقتصادية الأمريكية. شركات التكنولوجي­ا الكبرى تحديداً استطاعت حتى الآن تفادي الخضوع للضرائب، وبذلك فهي لا تثري الخزانة الأمريكية، أو خزانة الدول الأخرى التي تمارس نشاطها فيها)3.)

ويضاف إلى ذلك أن الكثير من فرص العمل التي توفرها هذه الشركات تقع خارج الحدود، وهي بالتالي لا تلبي احتياجات الناخب الأمريكي ولا تثري القوة الشرائية للمستهلك الأمريكي، التي هي الدعامة الأساسية لاقتصاد الأمريكي القائم على الاستهاك. وهي متاحة فقط لفئات حصلت على مستويات متقدمة من التعليم، ليس متاحاً للفئات المجتمعية التي كانت تعمل في الشركات الصناعية التقليدية، مثل جنرال موتورز.

من جانب آخر، أصبحت للشركات الأمريكية عاقات ومصالح مع دول أجنبية، ومنها الصين، لا تمر عبر بوابة الدولة، قد لا تتسق في كثير من الأحيان مع رؤية مؤسسات الدولة الأمريكية لهذه المصالح. هذه العاقات الخارجية تتم في إطار منظومة "الحوكمة العالمية"، التي تتحكم فيها وترسي قواعدها مؤسسات دولية، خارج إطار العاقات الثنائية بين الدول في شكلها التقليدي.

ويعد المنطق الذي يوجه حركة الشركات في هذا الصدد هو منطق خفض تكلفة الإنتاج وتحقيق الأرباح وفتح الأسواق لزيادة المبيعات، لا تدعيم الهيمنة الأمريكية أو مقتضيات الأمن القومي. هذا الوضع في سبيله للتغير مع شعور الولايات المتحدة بالتهديد بسبب ظهور القوى المنافسة التي تلحق بها بسرعة، وتهدد صدارتها السياسية والاقتصادي­ة.

وقد بدأت إدارة ترامب تضغط على الشركات الأمريكية لتقليص تعاماتها مع الصين بدعوى حماية المصالح الأمريكية والأمن القومي، وفرض القيود فيما يتعلق بشركة هواوي نموذج واضح على ذلك) .)

ويأتي لجوء الولايات المتحدة لأسلحة اقتصادية في المقام الأول لمواجهة خصومها نابعاً من إدراكها أن القوة العسكرية وحدها لا تمثل الحل الذي يكفل لها استمرار الصدارة على الساحة العالمية، وهو هدف أساسي لإدارة ترامب. فالتطور التكنولوجي في مجال الأسلحة، خاصة النووية، جعل أي مواجهة عسكرية بين القوى الكبرى أو حتى مع قوى أصغر لديها إمكانيات نووية، عملية محفوفة بالمخاطر، كما أن الناخب الأمريكي ليس لديه استعداد لتحمل تكلفة مواجهات جديدة بينما أحواله الاقتصادية ليست على ما يرام.

وفي المقابل فإن الأدوات الاقتصادية التي لجأت إليها، مثل فرض العقوبات التعريفات الجمركية على الواردات، واستخدام الوضع الخاص للدولار في المنظومة المصرفية الدولية، والضغط على الشركات الأمريكية والحلفاء لدعمها في هذا الصدد، تمثل تهديداً حقيقياً للمنظومة التي تحكم الاقتصاد الدولي وتدعم حرية الحركة فيه. وهي كفيلة بتشجيع دول أخرى على استخدام الأسلحة نفسها، مما قد يؤدي إلى تفكك وحدته وتكامله)5.)

ثانياً: تناق�صات العولمة القت�صادية

يرى بعض المحللين أن نظام العولمة الاقتصادية غير قابل لاستدامة بسبب تناقضات هيكلية بين الأسس التي قام عليها، ومن أبرزهم أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة هارفارد داني رودريك، الذي ابتكر مقاربة "المعضلة ثاثية الأبعاد" في وصف هذه الظاهرة)6(. ويشير رودريك إلى أن النظام الاقتصادي العالمي يقوم على ثاثة أضاع من الصعب أن تجتمع وتتحقق في الوقت نفسه. أول هذه الأضاع هو منظومة الحوكمة العالمية، أي المؤسسات والقواعد التي حكمت تفاعات الاقتصاد الدولي في العقود الأخيرة.

وبالرجوع إلى الفلسفة النيوليبرا­لية التي جسدتها هذه المؤسسات والقواعد، نجد أن الهدف الأساسي منها كان حماية رأس المال، والملكية الخاصة من تبعات ظهور الدول القومية وتيار التأميم الساعي لسيطرة الدولة القومية على مواردها ونشاطها الاقتصادي.

وروج منظرو العولمة الاقتصادية في المؤسسات الدولية أولاً لمفهوم ترابط الاقتصادات وتأثيرها المتبادل على المستوى العالمي، وأن وحدة الدراسة والفهم يجب أن تكون "الاقتصاد العالمي" وليس الاقتصاد القومي، ثم دعموا إنشاء مؤسسة "الجات" التي شجعت الدول على إلغاء التعريفات الجمركية لتعزيز حركة التجارة البينية، وخرجت إلى الوجود منظمة التجارة العالمية التي نظمت قواعد التعامل الاقتصادي ليس فقط "بين" الدول، لكن "داخل" الدول أيضاً، بفرضها شروط أو قواعد كان على الدول تطبيقها للحصول على امتيازات الانضمام للمنظمة. وكانت الفكرة الأساسية هي عزل القواعد المنظمة لاقتصاد العالمي عن ضغوط وتقلبات السياسة الداخلية)7.)

لكن منظومة الحوكمة الاقتصادية تصطدم بشكل مباشر مع الضلع الثاني لاقتصاد العالمي، بحسب رودريك، وهو الدولة القومية وسيادتها)8(. فعلى الرغم من كل ما يُقال عن تكامل الاقتصاد العالمي، ما زالت الدولة القومية هي الوحدة

الأساسية للنظام الدولي. وهي التي تؤسس البنية التحتية التي يعتمد عليها النشاط الاقتصادي أصاً، لكن منظومة الحوكمة العالمية حدت من سيطرتها وقدرتها على التحكم في مواردها وفي خروج الأموال منها. وبينما أطلقت عملية العولمة عقال حركة رأس المال، حيث ازدهرت الشركات، إلا أنها قوضت الأسس الاقتصادية للدولة، حيث فقدت القدرة على فرض الضرائب أو التعريفات الجمركية بما يدعم ميزانياتها أو يحقق أهدافها داخلياً أو خارجياً.

أما الضلع الثالث الذي قام عليه النظام العالمي، فهو الديمقراطي­ة السياسية)9(. وقد عملت الدول الغربية على نشرها كصنو لليبرالية الاقتصادية، اعتقاداً أن ذلك يمثل ضمانة للسلم العالمي، حيث إن الدول التي تتشارك في المصالح الاقتصادية والقيم السياسية لا تلجأ للحروب)10(. لكن تفاعات العولمة جعلت من العملية الديمقراطي­ة عامل "مقوض" للتعاون العالمي وليس داعماً له. فمن ناحية، من المفترض أن يعطي النظام الديمقراطي الناخبين السلطة على القرارات المؤثرة على حياتهم، من خال رقابتهم على حكومات ومؤسسات تشريعية منتخبة. لكن المؤسسات التي حكمت عملية العولمة الاقتصادية ووضعت قواعدها لم تكن منتخبة، بل كانت مؤسسات "فوق قومية"، معزولة عمداً عن تفاعات السياسة الداخلية.

وعندما بدأت الآثار السلبية للعولمة في الظهور، كان من الطبيعي أن تثور الفئات المتضررة على هذه المنظومة، وعلى قياداتها السياسية الوطنية التي وافقت عليها وكرست لاستمرارها.

وكان هذا بالفعل ما حدث، ففي أوروبا، تصاعد الغضب الشعبي ضد مؤسسات الاتحاد الأوروبي، التي هي أيضاً "فوق قومية"، وسياساتها، ما انعكس في هزائم انتخابية متوالية للأحزاب التي دعمت عملية الاندماج الأوروبي. كما تعرض مبدأ حرية حركة الأفراد، أحد الحريات الأساسية لاتحاد الأوروبي، لهجوم شديد في إطار رؤية أن الوافدين يزاحمون أبناء البلد "الأصليين" في الحصول على الوظائف المتاحة وعلى الخدمات الصحية والاجتماعي­ة التي تقدمها الدولة. وقد جاء التصويت البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي انتصاراً لمبدأ "استعادة السيادة" على الحدود ومن يعبرها.

وفي الولايات المتحدة، أدى نقل الكثير من الصناعات الأمريكية خارج الباد إلى انهيار مجتمعات محلية، بحيث حلت البطالة وإدمان المسكنات المعروفة باسم "الأوبيويدز" مكان الازدهار الاقتصادي، وتداعت البنية التحتية الأمريكية مع تراجع دخل المحليات من الضرائب التي كانت تولدها هذه الشركات. وقد كان الغضب الذي ساد هذه المجتمعات هو القوة الدافعة التي صعدت بترامب إلى سدة الحكم، والتي دفعته لأن يضغط على الشركات الأمريكية لخلق فرص عمل جديدة في الداخل الأمريكي، في محاولة لإعادة فرض سيادة الدولة على النشاط الاقتصادي.

ثالثاً: تحديات التعاون الدولي

كان حلول الذكرى الخامسة والسبعون لمؤتمر بريتون وودز، الذي عقد في يوليو 1944، مناسبة لتقييم أداء النظام الاقتصادي العالمي الذي وضع المؤتمر اللبنات الأولى له، واستعراض التحديات التي تواجهه. وقد أصدرت لجنة بريتون وودز بهذه المناسبة إصداراً يضم خمسين مقال لكبار الاقتصاديي­ن، ومنهم بول فولكر، الرئيس السابق للبنك الفيدرالي الأمريكي، ونيكولاس ستيرن أستاذ الاقتصاد من مدرسة لندن لاقتصاد وغيرهم. وجدت المقالات في أداء النظام الكثير مما يجب الاحتفاء به.

فبينما تضاعف عدد سكان العالم ثاث مرات منذ عام 1950، فإن مستوى دخل الفرد عالمياً تضاعف أربع مرات، كما انخفض عدد الذين يعيشون على أقل من 2 دولار في اليوم حول العالم من حوالي 75% في عام 1950 إلى 10% في عام 2017، وتضاعف حجم التجارة العالمية 39 مرة في الفترة نفسها)11.)

لكن هناك شكوك واسعة حول قدرة الاقتصاد العالمي بنظامه الحالي في مواصلة تحقيق مثل هذه النتائج الإيجابية. وتعد معدلات النمو الضعيف التي تازم الاقتصاد العالمي ككل، والاقتصادا­ت الغربية بشكل خاص، منذ اندلاع الأزمة المالية في عام 2009، مؤشراً قوياً على ذلك.

وعلى الرغم من تراجع معدلات البطالة بشكل واضح في أكبر الاقتصادات الغربية، الولايات المتحدة، فإن القدرة الشرائية لقطاعات مجتمعية واسعة ما زالت ضعيفة، حيث تظهر استطاعات الرأي أن غالبية الشعب الأمريكي يواجه مشكلة في مواجهة التزاماته المالية.

ويعكس الاتجاه إلى الاندماج أو الاستحواذ بين الشركات، بما يكرس لنموذج احتكاري من قبل شركات كبرى معدودة على النشاط الاقتصادي بمختلف أفرعه، ضعف قدرة النظام الرأسمالي الحالي على توليد الأرباح. فمن المفترض أن حرية السوق تقوم على المنافسة، التي هي في صالح المستهلك، لكن الشركات الكبرى تقاوم في الواقع ظهور منافسين، وتعمد إلى الاستحواذ عليهم، حتى تحافظ على هامشها الكبير من الربح، وذلك على حساب المجتمع.

ونتيجة لهذا الوضع، اتسعت الهوة بشكل واضح بين الفئة الصغيرة المستفيدة من النموذج الاقتصادي الحالي وباقي فئات المجتمع، التي فقدت الثقة في قدرة هذا النموذج على تحقيق ما يكفي من الفوائض ليلبي احتياجاتها، وفي توفير فرصة عادلة للأجيال الجديدة لارتقاء السلم الاجتماعي

كان حلول الذكرى الخامسة والسبعون لمؤتمر بريتون وودز، الذي عقد في يوليو 1944، مناسبة لتقييم أداء النظام الاقتصادي العالمي الذي وضع المؤتمر اللبنات الأولى له، واستعراض التحديات التي تواجهه.

والاقتصادي، وتحقيق حياة أفضل. وتعكس البيانات الاقتصادية اتساع هذه الهوة، حيث تظهر أن فئة لا يتجاوز حجمها 0.1% من الشعب الأمريكي تتحكم فيما يقرب من خمس ثروة الباد، أو ما يساوي ما يمتلكه 90% من الشعب الأمريكي) 12 .)

في هذا الإطار، تصاعدت الأصوات المنادية بفرض ضريبة على الثروة، وعلى شركات التكنولوجي­ا الكبرى التي لا تساهم في دعم الاقتصاد القومي. وربما يمثل تصاعد مطالبات كبار المستفيدين من هذا النظام أنفسهم بضرورة أخذ المبادرة لمواجهة هذا الوضع أبلغ دليل على إحساسهم بأن النظام الحالي غير قابل لاستمرار.

وكانت آخر مبادرة من هذا النوع الخطاب المفتوح الذي وقعه 18 من كبار الأغنياء الأمريكيين في يونيو 2019، والذي ينادون فيه بفرض ضرائب على ثروات "فئة 0.1"% في الولايات المتحدة. تضمنت قائمة الموقعين جورج سوروس وكريس هيو، أحد مؤسسي شركة فيس بوك. يقول الخطاب "إن على الولايات المتحدة مسؤولية أخاقية واقتصادية لفرض ضريبة على ثرواتنا، والتي من الممكن أن تساهم في مواجهة تداعيات الأزمة المناخية، وتحسين الأحوال الاقتصادية والخدمات الصحية، وتوفير فرص أكثر عدالة") 13 .)

رابعاً: م�صتقبل النظام القت�صادي العالمي

لا شك أن النظام الذي حكم تفاعات الاقتصاد العالمي في العقود الأخيرة يواجه تحديات متعددة، تطرح تساؤلات حول إمكانية استمراره با تغيير، خاصة في ظل حالة من تعددية البدائل المطروحة على الساحة. فكما عرف العالم "توافق واشنطن" الذي ساد في العقود الماضية أصبح هناك الآن نموذج بديل، هو نموذج التنمية الصيني، الذي أثبت كفاءته في انتشال مايين البشر من براثن الفقر، وفي الصعود بدولة فقيرة ونامية الى قمة الاقتصاد العالمي، ما يجعله نموذجاً جذاباً للدول النامية في مختلف أنحاء العالم، خاصة أنه يستند إلى البرجماتية والمصلحة المشتركة في ترويجه، ولا يتطرق إلى ضرورة اعتناق قيم سياسية معينة. ويدلل مشروع الحزام والطريق على جدية الصين في نشر هذا النموذج، وتشكيل العاقات والتحالفات التي تدعم صعودها كدولة كبرى.

ويذهب بعض المحللين إلى أن شركات التكنولوجي­ا العماقة تطرح أيضاً الآن رؤية مختلفة لتنظيم التفاعات الاقتصادية العالمية)14(. ولا شك في أن هذه الشركات أصبحت فاعل رئيسي على الساحة العالمية، وتطمح في أن تلعب أدواراً كانت تقوم بها من قبل مؤسسات دولية أو حكومات. فقد طرحت بعضها رؤى جديدة عن كيفية حوكمة الإنترنت. كما دخل فيس بوك مجالات كان حكراً على الحكومات من قبل بإعان النية لطرح عملة رقمية عالمية.

من جانب آخر، يرى بعض المحللين أن الخطر قائم في أن ينقسم الاقتصاد العالمي إلى مناطق نفوذ، تحيط بالقوى الاقتصادية الكبرى، التي تتمثل في الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي. وفي إطار التنافس وتراجع مناخ الانفتاح والتعاون الدولي، ستسعى كل من هذه القوى إلى حماية مصالحها الاقتصادية من خال إجراء اتفاقيات تجارية مع الدول الأصغر والأضعف المحيطة بها.

وتمنح الاتفاقيات القوى الكبرى معاملة تفضيلية في ترويج سلعها أو الحصول على المواد الأولية، كما تمنع في الوقت نفسه القوى المنافسة من تحقيق وجود اقتصادي في دائرة نفوذها. وبينما تبدو هذه منافسة اقتصادية في الأساس، فإن مخاطر انزلاقها إلى مواجهات عسكرية تصبح كبيرة، عندما تشعر هذه القوى بإن إقصاءها من مناطق معينة يهدد مصالحها)15(. ولهذا السبب، يدفع جل المحللون بأهمية الحفاظ على التداخل الاقتصادي الحالي كأحد افضل الدفاعات عن السلم العالمي.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates