Trending Events

هيمنة العنصرية:

غلبة التوجهات الإثنية على خيارات الناخبين في جنوب أفريقيا

- لورين ويسونجا

تمكن حزب المؤتمر الوطني من تصدر نتائج الانتخابات كافة، التي أجريت في جنوب أفريقيا منذ انتهاء نظام الفصل العنصري في عام 1994، وحتى انتخابات 2019، وذلك على الرغم من تراجع الأوضاع الاقتصادية، وملاحقة أبرز رموزه بقضايا فساد، وهو ما يرتبط بهيمنة الاعتبارات الإثنية على توجهات الناخبين السود، الأمر الذي ينذر باستمرار سيطرته على الحياة السياسية هناك.

اأولً: الق�صايا الموؤثرة على النتخابات

أجريت الانتخابات في جنوب أفريقيا في بيئة شهدت تصاعداً للجدل حول العديد من القضايا الاقتصادية والاجتماعي­ة على حد سواء، ويمكن إبراز أهم هذه القضايا في التالي: 1- تصدر قضية الفساد: شهدت الفترة التي سبقت انتخابات 2019 تركيزاً متزايداً من جانب الأحزاب السياسية الرئيسية الثاثة، وهي: حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي"، و"التحالف الديمقراطي"، و"مقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية" على الفساد باعتباره قضية رئيسية في الحمات الانتخابية. ففي حين سعى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى تحسين صورته في أعين ناخبيه بعد اتهامات الفساد التي طالت الرئيس السابق جاكوب زوما، ودفعته لاستقالة في فبراير 2018، ليخلّفه سيريل رامافوزا، وهو نقابي سابق ورجل أعمال بارز)1.)

وبدوره وعد رامافوزا الناخبين بمحاربة الفساد داخل الحكومة وداخل حزب المؤتمر، ولهذا الغرض أنشأ في فبراير 2019، محكمة ووحدة تحقيق خاصة مكلفة باسترداد أموال الدولة المنهوبة)2(. وعلى الرغم من ذلك، شكك المواطنون في جنوب أفريقيا في التزام الحزب بمحاربة الفساد بسبب ترشح أعضاء الحزب المتهمين بالفساد في انتخابات 3( 2019(، فلقد ضم حزب المؤتمر السيدة بثابيل دلاميني، وزيرة شؤون

المرأة في الرئاسة، ونفولا موكونيان الوزيرة المسؤولة عن البنية التحتية للمياه، ومالوسي جيجابا، وزير الشؤون الداخلية والمالية السابقة، لقوائم الحزب في انتخابات 2019، على الرغم من ماحقتهم في قضايا فساد، أو قضايا أخاقية خال حكم زوما الذي دام تسع سنوات. وبرر رامافوزا ترشيحهم على أساس أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.

واستغلت أحزاب المعارضة ترشيحهم لمهاجمة حزب المؤتمر، كما تبنوا برامج لمكافحة الفساد. فقد تعهد "التحالف الديمقراطي"، حزب المعارضة الرئيسي، في حماته الانتخابية بالقيام بإصاحات إدارية، مثل نقل سلطة تعيين رئيس النيابة من الرئيس إلى البرلمان، فضاً عن إنشاء وحدة لمكافحة الفساد داخل هيئة النيابة الوطنية، كما اقترح فرض عقوبات مشددة بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاماً لموظفي الدولة ممن أدينوا باختاس أي أموال عامة تزيد قيمتها على 10 آلاف راند. وتعهد حزب "مقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية" بإجراءات مماثلة)4 .) 2- تدهور الأوضاع الاقتصادية: مثّل عدم الاستقرار الاقتصادي أحد القضايا المثارة في الحمات الانتخابية للأحزاب المختلفة، خاصة مع وجود مؤشرات مقلقة على تراجع الاقتصاد الجنوب أفريقي، والتي يمكن إبراز أهمها في التالي:

أ- تصاعد أزمة الطاقة: تعاني الباد انقطاعاً متكرراً للكهرباء منذ عام 2017 وحتى اليوم، إذ تواجه الدولة صعوبات شديدة في تلبية احتياجات الدولة من الطاقة. وتزايد انقطاع التيار الكهربائي في الباد عن معدلاته الطبيعية منذ فبراير 2019، وذلك نظراً للفساد وسوء إدارة "إسكوم"، وهي شركة الكهرباء الحكومية، والمنتج الرئيسي للطاقة في الباد. وبلغ العجز حوالي أربعة آلاف ميجاوات)5.)

وانعكس عجز الطاقة على الاقتصاد سلباً، لاسيما على قطاع التعدين، الذي تعد معادنه الثمينة أحد أبرز صادرات جنوب أفريقيا، وأهم مصدر للنقد الأجنبي بها)6(. فقد تسبب هذا العجز في دفع المناجم بجنوب أفريقيا للعمل بقدرات أدنى من طاقتها الطبيعية، وهو ما تسبب بدوره في ارتفاع الأسعار العالمية للباتين والباديوم اللذين تنتجهما جنوب أفريقيا بنسبة 85% و 30% على التوالي من إجمالي المعروض العالمي، كما أن تراجع إنتاج المعادن النفيسة سيؤدي إلى خفض مصدر النقد الأجنبي الرئيسي لاقتصاد. ويُتوقع أن يؤدي استمرار انقطاع التيار لفترة طويلة إلى أثار سلبية أخرى، خاصة ارتفاع أسعار المواد الغذائية وارتفاع البطالة)7.) ب- ارتفاع معدلات البطالة: تبلغ معدلات البطالة حوالي 27،% وترتفع هذه النسبة بين الشباب)8(. ولقد تعهد حزب المؤتمر بتوفير 27 ألف فرصة عمل سنوياً، وتنمية مهارات العمل بين الشباب، وتحسين الاقتصاد عموماً من خال استثمارات قيمتها 1.2 تريليون راند في السنوات الخمس المقبلة.

ج- اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء: صنّف البنك الدولي جنوب أفريقيا كواحدة من أكثر دول العالم في معدلات عدم المساواة، فهناك تفاوت واضح في الدخل، ليس فقط بين الأثرياء والفقراء، ولكن بين البيض والسود. ولعل أحد المؤشرات في هذا الإطار، هو معدل البطالة، فبينما بلغ متوسط معدل البطالة في جنوب أفريقيا حوالي 25% بعد نهاية نظام الفصل العنصري، كان متوسط معدل البطالة بين البيض في جنوب أفريقيا أقل من 8.1‪(. 9 (%‬عاوة على ذلك، يقل متوسط دخل أسر السود في جنوب أفريقيا بنسبة تصل إلى 20% مقارنة بأسر البيض. ويرجع هذا التفاوت إلى وجود عدد قليل من العمال )البيض( من ذوي المهارات العالية، وعدد كبير من العمال من ذوي المهارات المنخفضة )السود()10(. ويتطلب عاج هذه المشكلة التركيز على رفع كفاءة العمال السود، بدلاً من التركيز الأحادي على توفير فرص العمل. 3- تصاعد الجدل حول الإصلاح الزراعي: تمثل أحد الوعود الرئيسية التي قطعها حزب المؤتمر عند توليه الحكم في عام 1994 في مواجهة الظلم التاريخي الذي يفرضه قانون أراضي السكان الأصليين لعام 1913، والذي أدى إلى طرد السود من أراضيهم عنوة، ومنعهم من شراء الأراضي، أو تأجيرها في بعض الأماكن المخصصة لسكان جنوب أفريقيا من البيض، الأمر الذي ترتبت عليه سيطرة الأقلية من السكان البيض، الذين يمثلون أقل من 10% من إجمالي السكان، على حوالي 90% من الأراضي في عام 1994. ووعد المؤتمر بإعادة 30% من الأراضي إلى مالكيها السابقين بحلول عام 2014.

وتشير التقديرات إلى أنه تمت إعادة توزيع حوالي 10% من الأراضي الزراعية فقط، وهو ما يكشف عن إخفاق محاولات الإصاح الزراعي، الأمر الذي ترتبت عليه إثارة صراعات داخل الحزب، حيث اعترض زعيم الشباب بالحزب آنذاك يوليوس ماليما، على بطء تنفيذ عملية "البيع والشراء بالتراضي"، وطالب بنزع ملكية الأراضي بالقوة، ونظراً لعدم الاستجابة لمطالبه، فقد انشق مؤسساً حزب "مقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية" في عام 2013.

ودفعت هذه التطورات حزب المؤتمر لتبني سياسات متطرفة حيال القضية نفسها، حتى لا تتراجع شعبيته، وذلك من خال طرح مشروع قانون في عام 2016، يطالب الحكومة بإلزام ماك الأراضي البيض ببيع أراضيهم للحكومة بسعر السوق العادل، ومن ثم إعادة توزيع هذه الأراضي على السود من جنوب أفريقيا)11(، غير أن حزب المؤتمر قام بتعديل دستوره في عام 2018، ليتبنى توجهاً أكثر تطرفاً، إذ بات ينادي بمصادرة أراضي البيض من دون تعويض، ولذلك سحب المؤتمر مشروع قانون مصادرة الأراضي لعام 2016 في أغسطس 2018، وذلك بهدف طرح مشروع قانون أكثر تطرفاً. ومثلت هذه التحركات محاولة واضحة لتجنب تراجع شعبية المؤتمر لصالح حزب "مقاتلون".

ثانياً: دللت انتخابات 2019 شكلت القضايا السابقة البيئة السياسية التي أجريت فيها الانتخابات التشريعية والمحلية في 8 مايو 2019، والتي تعد سادس انتخابات منذ انتهاء نظام الفصل العنصري، وتمثلت أبرز دلالات نتائج هذه الانتخابات فيما يلي: 1- استمرار هيمنة المؤتمر على دولة ما بعد الفصل العنصري: حصل حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي" بقيادة زعيم الحزب والرئيس الحالي، سيريل رامافوزا، على حوالي 57.5% من أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية، وذلك بواقع حوالي 230 مقعداً من إجمالي 400 مقعد من البرلمان. وعلى الرغم من هذا الفوز المتوقع لحزب المؤتمر، فإن

نتائج الانتخابات تشير إلى وجود تحولات في المشهد السياسي بجنوب أفريقيا، وإن كانت لاتزال محدودة، إذ إن هذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي على أقل من 60% من أصوات الناخبين، حيث كشفت الانتخابات المتتالية عن تراجع تدريجي في شعبيته، فقد انخفضت نسبة التصويت للحزب من حوالي 69.69% من إجمالي عدد الناخبين في عام 2004، إلى حوالي 59.6% في عام 2009، ثم 62.15% في عام 12( 2014(. وأثرت مجموعة من العوامل على شعبية الحزب، أبرزها الاتهامات بالفساد لقيادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في عهد الرئيس السابق جاكوب زوما، وسوء الأداء الاقتصادي. 2- صعود الأحزاب الهامشية اليسارية واليمينية: تمثلت إحدى النتائج المترتبة على انتخابات عام 2019 في زيادة الوزن الانتخابي للأحزاب الهامشية اليمينية واليسارية، وذلك على حساب الحزبين الرئيسيين: المؤتمر الوطني والتحالف الديمقراطي. فبينما احتل الأخير المرتبة الثانية، انخفضت نسبة المصوتين له إلى 20.77% بعد أن كانت وصلت لأعلى مستوياتها في عام 2014 عند 22.23%، وذلك على الرغم من أن "التحالف الديمقراطي" سعى للتخلص من تاريخه في الفصل العنصري، وذلك بتعيين قيادة أفريقية سوداء له، خاصة أن أغلب أعضائه من المتحدثين بالإنجليزي­ة ومن البيض.

وفي المقابل، زادت شعبية حزب "مقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية" في المشاركة الثانية له في الانتخابات العامة، حيث بلغت نسبة الأصوات التي حصل عليها في انتخابات 2019 حوالي 10.79% من إجمالي أصوات الناخبين بعد أن كانت 6.35% في عام 2014، وهو العام الذي شهد أول مشاركة له)13(. وفي أعقاب، انتخابات 2019، احتل المركز الثالث بين الأحزاب الأكثر شعبية في جنوب أفريقيا.

وسجل حزب "جبهة الحرية" اليميني المتطرف ارتفاعاً في نسبة المصوتين له في انتخابات 2019، مقارنة بالانتخابا­ت السابقة بحوالي 0.9%، ليصل إجمالي عدد المصوتين له إلى أعلى مستوى له على الإطاق وهو 2.38%. ويرجع ذلك إلى نجاحه في استقطاب بعض الأصوات من حزب "التحالف الديمقراطي" بسبب تبني الأخير معارضة معتدلة لقضية مصادرة أراضي البيض. 3- تراجع نسبة المشاركين في الانتخابات: ياحظ التراجع المستمر في أعداد الناخبين بعد أول انتخابات أجريت بعد الفصل العنصري في عام 1994. ففي هذه الانتخابات، بلغت نسبة المشاركين حوالي 86% ممن يحق لهم التصويت، في حين انخفض إقبال الناخبين في عام 2019 إلى 17.6 مليون ناخب %(،65.5) ويتم إرجاع تقاعس الناخبين عن التصويت إلى عوامل مثل الفقر والبطالة المستمرين بين السود في جنوب أفريقيا، خاصة الشباب المولودين بعد عام 1994، والذين أطلق عليهم لقب "المولدون أحراراً")14.)

وفي الختام، يمكن القول إنه مع انتهاء انتخابات 2019، يتوقع ألا ينجح حزب المؤتمر في الوفاء بالوعود التي قطعها بشأن إصاح الأراضي، وإقامة مجتمع أكثر عدلاً ومساواة، بينما سيعتمد حزب مقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية على الاستفادة من هذا الأمر لتعزيز شعبيته، غير أنه من غير المتوقع أن ينجح في تهديد وضع حزب المؤتمر، الذي لايزال يتمتع بأغلبية مريحة.

أما حزب التحالف الديمقراطي فسيحاول كسب ود الناخبين السود، واجتذاب قاعدة دعم أكثر تنوعاً من الناحية العرقية، وإن كان سيواجه مشكلة أساسية في هذا الإطار، وهي غلبة الاعتبارات الإثنية على قرار الناخبين في جنوب أفريقيا، وهو ما وضح في التراجع الطفيف في أعداد المصوتين للحزب على الرغم من اختيار قيادة سوداء له، فضاً عن تنامي جرائم الكراهية ضد الأجانب المهاجرين الذين بات ينظر إليهم على أنهم يزاحمون المواطنين السود في الوظائف وخدمات الرعاية الاجتماعية.

 ??  ??
 ?? باحثة متخصصة في الشؤون الافريقية ?? لورين ويسونجا
باحثة متخصصة في الشؤون الافريقية لورين ويسونجا
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates