Trending Events

صعود الهندوتفا:

نجاح مودي في توظيف القومية الدينية لحسم الانتخابات الهندية

- شوبهدا شوداري

توقع العديد من المحللين للسياسة الهندية انحسار شعبية حزب "بهاراتيا جاناتا" بسبب تراجع الأوضاع الاقتصادية، بالإضافة إلى اتهامات الفساد، التي طالت بعض قياداته، غير أن الحزب تمكن من حصد أغلبية كبيرة في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في عام 2019، في مواجهة المعارضة، التي كشفت الانتخابات عن تراجع شعبيتها، وإخفاقها في تقديم بديل حقيقي للحزب الحاكم.

اأولً: ملامح النتخابات الهندية

جرت الانتخابات البرلمانية الهندية الأخيرة على سبع مراحل مختلفة خال الفترة الممتدة من 11 أبريل وحتى 19 مايو 2019، وبلغت نسبة المشاركين في التصويت في الانتخابات حوالي 67% ممن يحق لهم التصويت، والمقدر عددهم بحوالي 900 مليون ناخب)1.)

وقامت "لجنة الانتخابات الهندية"، بتنظيم الانتخابات وإدارتها، غير أن اللجنة لا تتمتع باستقال حقيقي، نظراً لأن الحكومة الهندية هي التي تعين أعضاءها)2(، كما أن لجنة الانتخابات الهندية لا تتمتع بأي سلطة على الأحزاب السياسية، وهو ما يمنعها من اتخاذ أي إجراءات عقابية بحق أي حزب يخالف القوانين المنظمة لانتخابات. وبلغت قيمة الإنفاق على الحمات الانتخابية حوالي 7 مليارات دولار.

وشهدت الانتخابات مشاركة حوالي خمسين حزباً سياسياً. وتمثلت الأحزاب الرئيسية في حزب بهاراتيا جاناتا والمؤتمر الوطني، بالإضافة إلى أحزاب أخرى أصغر حجماً.

وفي 23 مايو 2019، كشفت نتائج الانتخابات البرلمانية في الهند عن فوز رئيس الوزراء ناريندرا مودي بفترة ولاية جديدة لمدة خمس سنوات أخرى، وذلك بعدما تمكن حزبه "بهاراتيا جاناتا" من تحقيق فوز عريض في الانتخابات، وذلك بحصوله على 303 مقاعد من أصل 543 مقعداً. أما المعارضة، التي يتزعمها حزب المؤتمر الوطني برئاسة راهول غاندي، فقد حققت انتكاسة كبيرة، فلم تفز سوى باثنين وخمسين مقعداً، وذلك على الرغم من تحالفها مع عدة أحزاب إقليمية أخرى)3.)

ومما زاد من وطأة الهزيمة أن راهول غاندي، والذي يطلق عليه الكثيرون لقب "السياسي المتردد"، قد فشل في الاحتفاظ بالمقعد الذي شغله منذ عام 2004، والذي احتفظت به عائلته لعقود عن دائرته "أميتي" في ولاية "أوتار براديش")4.)

وياحظ أن المعارضة لاتزال ضعيفة، وغير قادرة على توحيد صفوفها في مواجهة حزب بهاراتيا جاناتا، ولعل من المؤشرات في هذا الإطار تردد الحزب الشيوعي الهندي في الانضمام إلى حزب المؤتمر في المعارضة)5(. ويمكن إرجاع ذلك إلى حقيقة أن بلورة معارضة فاعلة داخل أي نظام سياسي، هي أمر يحتاج لفترة زمنية طويلة نسبياً، فقد احتاجت المملكة المتحدة إلى حوالي 7 قرون لكي تقيم نظاماً للمعارضة، بينما استغرقت الولايات المتحدة حوالي ثاثة قرون)6.)

ثانياً: اأ�صباب فوز بهاراتيا جاناتا

لعب عدد كبير من العوامل دوراً في نجاح حزب بهاراتيا

جاناتا في حسم الانتخابات البرلمانية لصالحه في مواجهة حزب المؤتمر الوطني، ويمكن الإشارة إلى أهمها في التالي: 1- توظيف مودي الهندوتفا: تعد الهندوتفا عقيدة أو أيديولوجية يتبناها المتطرفون الهندوس، تسعى لتأسيس دولة قومية هندوسية خالصة، والتي وإن نظرت إلى الديانة الجاينية والسيخية والبوذية باعتبارها جزءاً من الهندوسية، فإنها ترفض الديانتين المسيحية والإسامية باعتبارهما غريبتين وأجنبيتين)7.)

ولعل ما ساهم في هذا الأمر المشاركة الكثيفة من جانب سكان المناطق الريفية، كما أن الرسالة الأساسية لمودي في الانتخابات هي: الهندوس أولاً، بينما تاقي هذه الأيديولوج­ية تعاطفاً من جانب الطبقة الهندوسية المثقفة والمتعلمة، والتي تشعر بالأمن في ظل سياسات هندوتفا الحالية، وإن كانت الطبقة الوسطى تتجنب أبعادها المتطرفة ممثلة في كراهية الأقليات.

وإذا وضعنا فوز حزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات في سياقه التاريخي، سنجد أن "الهندوتفا" لعبت دوراً رئيسياً في صعود الحزب إلى سدة الحكم، ففي انتخابات عام 1984، لم يفز حزب "بهاراتيا جاناتا"، سوى بحوالي مقعدين فقط، الأمر الذي أدى إلى تولي "لال كريشنا أدفاني" رئاسة الحزب في أعقاب الهزيمة، والذي تعهد بإعاء أيديولوجية هندوتفا، كما كان أدفاني أحد قيادات الحزب التي حرضت على هدم مسجد بابري في أيوديا بولاية أوتار براديش في عام 1992، والذي يسعى الهندوس لإقامة معبد الإله رام مكانه.

وساهمت هذه المواقف المتطرفة للحزب في تحقيقه مكاسب انتخابية كبيرة في انتخابات عام 8( 1989(. وهكذا، يكشف هذا الاتجاه عن وجود عناصر قومية ومجتمعية يمينية متطرفة في الهند، والتي تورطت في كثير من الأحيان في أعمال الشغب ضد الأقليات المسلمة، غير أن هذه العناصر المتطرفة أصبح لها شرعية وقبول في خطاب بهاراتيا جاناتا السياسي.

وياحظ أن مودي نفسه يستند إلى هذا الخطاب القومي، إذ إن بحثاً ركز على تحليل خطاب مودي السياسي، من خال تحليل تغريداته على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر خال الفترة من 15 أبريل إلى 15 أغسطس 2017، وجد أن مودي ركز بشكل رئيسي على قضايا مثل التنمية الاقتصادية والتجارية، وذلك في مقابل تجاهله قضايا مثل حقوق الأقليات، والطائفية، وحرية الصحافة، واستقال القضاء)(9 في مؤشر على تبنيه نمطاً من القومية المتطرفة)10.)

2- إخفاق المعارضة في توظيف إخفاقات مودي: لم تحسن أحزاب المعارضة استغال قضايا مثل اتهامات الفساد التي طالت مودي في صفقة شراء 36 طائرة من طراز رافال مع فرنسا في عام 2016، وذلك بسبب ما كشفه الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولوند بأن نيودلهي مارست ضغوطاً لاختيار شركة "رياينس ديفينس"، المملوكة لملياردير هندي، لتكون شريكاً محلياً لشركة داسو للطيران الفرنسية بدلاً من جهة مصنعة تديرها الدولة الهندية، وبالتالي لم تنجح المعارضة في توظيف تلك القضية للتأثير على شعبية مودي. 3- توظيف التوتر الهندي – الباكستاني: كشف الهجوم الإرهابي الأخير الذي وقع في مدينة بولواما في كشمير في فبراير 2019، والذي أسفر عن وفاة حوالي 40 جندياً هندياً عن نجاح مودي في استثمار التوتر الشديد بين الهند وباكستان، إذ تبنى عدداً من الخطوات التصعيدية ضد إسام آباد، الاقتصادية والعسكرية، الأمر الذي مكّنه من الظهور بمظهر القائد القوي، وساهم في ترجيح كفته للفوز. 4- فساد حزب المؤتمر الوطني: يبدو أن الشعب الهندي لم ينس حتى الآن الصفقات الفاسدة التي أُبرمت على يد وزراء الحكومات التي شكلها حزب المؤتمر أثناء فترة حكمهم للهند. لذا فهم يثقون أكثر في الشرعية السياسية لحكومة مودي، دون الاكتراث للتعصب الديني والطابع الانتقامي الذي يتسم به أعضاء حزب بهارتيا جانتا. وعلى الرغم من أن اتهامات الفساد تطال حكومة مودي نفسه، فإن الأخير تمكن من تصوير نفسه باعتباره شخصاً غير فاسد، يتبني أجندة تنموية.

ومن جهة ثانية، فإن مودي تبنى سياسات حظيت بقدر كبير من الشعبية، كما في دعمه لاستقال الهند الاقتصادي من خال برامج "صنع في الهند"، بالإضافة إلى سياساته الموجهة للقضاء على الفقر)11(. وبفضل هذه السياسات، شهدت الباد نمواً واضحاً في حجم الطبقة الوسطى، والتي صوتت بكثافة لصالح حزب بهاراتيا جاناتا في انتخابات 2019.

ثالثاً: ت�صاعد دور الإعلام وال�صت�صارات

لعبت وسائل الإعام الاجتماعي دوراً لا يستهان به في تعبئة الناخب الهندي في التصويت لصالح "بهاراتيا جاناتا"، حيث كشفت هذه الانتخابات عن تصاعد توظيف شركات الاستشارات

والبيانات الضخمة من أجل تعبئة أصوات الناخبين، وذلك على النحو التالي: 1- تعزيز الإعلام للتوجهات اليمينية: أدى نمو التكتات الإعامية، الممولة من شركات ليبرالية رأسمالية دوراً هائاً في خلق خطاب سياسي معتدل ووسطي، وساهم في ذلك الإصاحات الليبرالية التي بدأت في عام 1992، والتي نتج عنها التنامي الكبير في عدد القنوات الخاصة في الهند، والتي حلت محل التلفزيون الذي تحتكره الحكومة.

وترتب على توظيف وسائل الإعام الاجتماعية، والدعاية الإعامية الموجهة، إلى بروز اتجاه معاكس، إذ تنامى الخطاب الشعبوي، وتزايد قمع الأصوات المعتدلة باسم القومية، الأمر الذي ساهم في تراجع الأصوات المعتدلة، ووضح هذا التطور بصورة أساسية في انتخابات عام 2014، وياحظ أن هذا هو نفس التطور الذي تشهده أغلب الدول الغربية حالياً مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا، مما تسبب في ظهور الشعبوية اليمينية)12.)

وياحظ أن حملة مودي عززت هذا الاتجاه القومي، وذلك بتركيز خطاب حملته على استخدام اللغة الهندية وحدها لاجتذاب تأييد الهندوس، بل وعمدت بعض الوسائل الإعامية القريبة منه إلى تصوير وسائل الإعام الناطقة باللغة الإنجليزية بالمظهر "النخبوي"، والتي لا تعبر عن الطبقات الفقيرة من الشعب. وياحظ أن هذا التكتيك كان ناجحاً، إذ إن السياسيين الذين تحدثوا في شبكات وسائل الإعام الإقليمية، أو الناطقة باللهجات المحلية بدوا أكثر قدرة على اجتذاب تعاطف المجتمعات والطوائف الفقيرة والمحرومة، علماً بأن هناك 22 لغة معترفاً بها على المستوى المحلي في الهند)13.) 2- تنامي دور شركات الاستشارات في الانتخابات: اعتمدت الحملة الانتخابية لحزب "بهاراتيا جاناتا" على البيانات الضخمة، فقد ضم فريق مودي الانتخابي خبراء في تكنولوجيا المعلومات، والذين نجحوا في تصميم حمات انتخابية ركزت على استهداف قطاعات بعينها، وتطوير رسائل إعامية موجهة لها للتأثير عليها وتعبئة أصواتهم لصالح مودي. ونُظمت الحملة من خال 160 غرفة مراقبة ضمت 400 متخصص، منتشرين في جميع أنحاء الباد.

وتمت عمليات تحليل البيانات والاستهداف الجزئي للناخبين من خال شركات استشارية – مثل مؤسسة "اتحاد مايين العقول" ‪Associatio­n of Billion Minds(‬ ،) وكذلك شركة "جارفيس الاستشارية المحدودة للتكنولوجي­ا والاستراتي­جيات" ‪Jarvis Technology and Strategy Consulting(‬ ‪Private Limited‬ .) وساهم في هذه الحملة أعضاء الحزب والمتعاطفي­ن مع توجهاته)14.)

الخاتمة

أرست الانتخابات البرلمانية لعام 2019 قواعد الواقع السياسي المقبل للهند، على الصعيدين المحلي والدولي. فمن ناحية السياسة الداخلية، سيستمر توظيف مودي الخطاب القومي، والتاعب بالاعتبارا­ت الإثنية والدينية، أما على الصعيد الخارجي، فمن المتوقع أن يواصل مودي سياساته المتشددة حيال الصين وباكستان، وذلك بهدف الحفاظ على هيمنة الهند على جنوب آسيا. أما فيما يتعلق بالتحالفات الثنائية، من المتوقع أن يواصل مودي سياسته الخارجية الرامية إلى تعزيز التعاون مع الدول العربية، وخاصة منطقة الخليج.

ومن المتوقع أن تستمر هيمنة حزب بهاراتيا جاناتا وحكومة مودي على حكم الهند، حتى تظهر قيادة موثوقة داخل المعارضة تحظى بشعبية واسعة خاصة في أقاليم الهند وريفها. وفي هذا الإطار، سيتوجب على حزب المؤتمر الوطني والأحزاب الإقليمية الأخرى أن تسعى إلى تعزيز شعبيتها، وعدم اقتصارها على النخب والطبقات المتعلمة في المدن الكبيرة، بما يتضمنه ذلك من ضرورة تبني خطاب إعامي مختلف.

 ??  ??
 ?? باحثة دكتوراه بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي ?? شوبهدا شوداري
باحثة دكتوراه بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي شوبهدا شوداري
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates