Trending Events

أزمة الجنسيات:

استمرار التوتر الروسي - الأوكراني بعد انتخاب زيلينسكي

- جوليا ترويتسكايا

مثّل فوز المرشح الرئاسي فلاديمير زيلينسكي بالانتخابا­ت في أبريل 2019 فرصة لتحسين العلاقات الأوكرانية - الروسية، خاصة مع تأكيده خلال حملته الانتخابية استعداده للتفاوض مع موسكو لتسوية الصراع حول دونباس، غير أن قرار الكرملين بمنح مواطني دونباس الجنسية الروسية في الشهر نفسه أدى إلى تدهور العلاقات الثنائية، حيث أكد زيلينسكي أن خيار التفاوض لم يعد مطروحاً، بل وطالب واشنطن بتشديد العقوبات ضد موسكو.

مع انطاق حمات الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا مطلع عام 2019، انشغل الخبراء والمحللون بتقييم احتمالات التوصل إلى حل للنزاع المسلح في منطقة دونباس، بجنوب شرق أوكرانيا، القائم بين القوات الأوكرانية والميليشيا­ت المدعومة من روسيا، والتنبؤ بسيناريوها­ت مستقبل العاقات مع روسيا، في ظل فوز هذا المرشح أو ذاك.

وفي هذا الإطار، كان هناك إجماع بأن الوضع سيبقى على حاله، وربما تتصاعد حدة التوتر بين البلدين في حال فاز الرئيس بيوتر بورشينكو بولاية رئاسية جديدة، بينما رجح كثيرون بأن يوليا تيموشينكو، مرشحة المعارضة الأوكرانية، سوف تتجه في حال فوزها، نحو الحوار مع موسكو في محاولة لتهدئة التوتر. في حين رأى كثيرون أن مستوى التوتر في العاقات الروسية – الأوكرانية سيتراجع في حال فاز الممثل الكوميدي المرشح فاديمير زيلينسكي.

ويسعى هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على شخصية زيلينكسي، الذي تمكن من حسم الانتخابات الرئاسية لصالحه، وتطور موقفه من روسيا، أثناء فترة الحمات الانتخابية وما بعدها، بالإضافة إلى تحليل دلالات قرار موسكو بمنح مواطني دونباس الجنسية الروسية، وانعكاسها على الصراع الدائر في شرق أوكرانيا.

اأولً: ملامح �صخ�صية زيلين�صكي

وُلد فاديمير زيلينسكي نهاية عام 1978، في مدينة "كريفوي روغ"، في أوكرانيا )السوفييتية حينها(. وخال دراسته في كلية الحقوق في المدينة ذاتها، انضم إلى فرقة فنية كوميدية، مثلت الكلية في برنامج اسمه "كي في إن"، أي "نادي المرحين والمتندرين")1(، ويمكن القول إن هذا البرنامج شكل نقطة البداية في مسيرة زيلنيسكي حيث تحول إلى فنان معروف ثم معد برامج، ومنتج، وبالطبع ممثل كوميدي شهير ومحبوب، حيث شارك ولعب دور البطولة في عشرات الأفام، التي كانت محط إعجاب المايين في الفضاء السوفييتي سابقاً.

وخال مسيرته الفنية أسس زيلينسكي فرقة خاصة، سرعان ما تحولت إلى "استوديو" خاص ينتج ويقدم برامج كوميدية. وفي عام 2016 ظهر على الشاشات مسلسل "خادم الشعب"، وهو مسلسل كوميدي جسد فيه زيلينسكي شخصية أستاذ مادة التاريخ، وتروي الأحداث أن هذا الأستاذ قد فقد أعصابه ذات مرة، وعبر بغضب عما في داخله تجاه ما يحدث في الدولة، ولم يلحظ أن واحداً من التاميذ كان يصوره حينها، وقام التلميذ بنشر الفيديو على اليوتيوب، وسجل مايين المشاهدات، وبدأت شهرة الأستاذ، الذي ألح

عليه التاميذ أن يترشح للرئاسة، وانصاع أمام إلحاح تاميذه وقرر الترشح، بعد أن حصل على دعم من المواطنين. وفاز بالانتخابا­ت، ويصبح لأول مرة رئيساً يشبه الشخص العادي، يعيش في شقة عادية، يتنقل بواسطة الحافات من دون مرافقة عشرات الحراس)2.)

وأعلن فاديمير زيلينسكي رسمياً عن نيته الترشح لانتخابات الرئاسية في 31 ديسمبر 2018، حيث قال حينها إن كل مواطن أوكراني أمامه ثاثة خيارات: أن يعيش في الباد على الرغم من الظروف التي تعانيها، أو أن يغادر بحثاً عن حياة أفضل في بلد آخر، وإما أن يحاول تغيير شيء ما في أوكرانيا. وأعلن أنه اختار الخيار الثالث لنفسه)3.)

وفي اليوم التالي بدأ زيلينسكي تشكيل فريق حملته الانتخابية، حيث نشر مقطع فيديو عبر حسابه على "فيس بوك" قال فيه: "واثق أنه يمكننا تغير البلد فقط إذا كنا معاً، لا تقف جانباً، انضم إلى فريقي، لا يهم جنسك ولا ديانتك ولا تعليمك ولا اللغة التي تتحدث بها، المهم أنك لم تكن يوماً في عالم السياسة، هذا هو المهم حتى الآن"، ونجح خال ثاثة أيام فقط في استقطاب حوالي 230 ألف شخص، ممن عبروا عن رغبتهم في الانضمام إلى حملته)4.)

وأظهرت استطاعات الرأي منذ إعانه عزمه الترشح للرئاسة، دخول زيلينسكي إلى قائمة المتنافسين الثاثة الأقرب للفوز، بل أنه تصدر تلك القائمة في معظم استطاعات الرأي، منذ شهر مارس 2019 تحديداً. فعلى سبيل المثال نشر مركز "صوفيا" للرأي العام نتائج استطاع للرأي في الأول من مارس، كشف فيه أن 18.3% من المواطنين الأوكرانيي­ن عبرّوا عن نيتهم التصويت لصالح زيلينسكي، بينما اختار 15.4% تيموشنكو، في حين أن الرئيس الأوكراني حينها بيوتر بورشينكو لم يحصل سوى على 12.1% من أصوات المستطلعة آراؤهم)5(. وعلى الرغم من ذلك لم يتوقع كثير من المحللين فوز زيلنيسكي، واستمر التشكيك في إمكانية تقدمه في الانتخابات الرئاسية)6.)

وفي الجولة الأولى من الانتخابات، التي أجريت في نهاية مارس، حصل زيلينسكي على 30.24% من أصوات الناخبين، بينما لم يحصل منافسه بورشينكو على أكثر من 15.95% من الأصوات)7(. وفي الجولة الثانية، التي أجريت في أبريل، تمكن زيلينسكي من حسم معركة الانتخابات الرئاسية لصالحه، حيث حصل على 73.22% من الأصوات، بينما حصل خصمه بورشينكو على 24.45% فقط)8(. وهكذا أصبح زيلينسكي الملقب ب "خادم الشعب" رئيساً فعلياً لأوكرانيا.

ثانياً: زيلين�صكي والنزاع الم�صلح في دونبا�ص

شكل النزاع الدائر في منطقة دونباس الواقعة جنوب شرق أوكرانيا، والتي تضم مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك، بين القوات الأوكرانية، والميليشيا­ت المحلية المدعومة من روسيا، فضاً عن العاقات المتوترة مع روسيا، أبرز تحديين يتعين على الرئيس فاديمير زيلينسكي مواجهتهما.

وقد تغيرت رؤيته بشأن كيفية التعامل مع هذه الأزمة في بداية ترشحه للرئاسة مقارنة بما جاء في برنامجه الانتخابي، ثم الخطوات الفعلية التي اتخذها فور توليه السلطة. ففي حوار أجراه معه الصحفي الأوكراني دميتري غوردون في 26 ديسمبر 2018، عرض زيلينسكي رؤيته لحل هذه الأزمة، وعبّر عن قناعته بأنه لا يجوز حل الأزمة في دونباس بالوسائل العسكرية، حتى وإن لم يتم التطبيق الكامل لاتفاقيات مينسك، مستبعداً إرسال قوات إضافية إلى لوغانسك ودونيتسك، وأبدى استعداده للتفاوض مع أي طرف "حتى لو كان الشيطان" لتحقيق هذا الهدف، وأكد أن الخطوة الأولى يجب أن تكون إعان وقف إطاق النار، وأنه مستعد للتوجه إلى روسيا بعد ذلك لبحث سبل حل الأزمة)9.)

وفي برنامجه الانتخابي، أكد زيلينسكي أنه سيتوجه إلى الدول الضامنة لبروتوكول بودابست "كي تدعم أوكرانيا في سعيها لإنهاء الحرب، واستعادة أراضيها المحتلة، وإرغام المحتل على التعويض عن الخسائر والأضرار"، وأضاف بحزم: "التخلي عن المصالح الوطنية والأراضي لا يمكن أن يكون موضوعاً لأي مفاوضات")10(، كما اعتبر أن توجه أوكرانيا نحو الناتو هو الضامن الرئيسي لأمن كييف، وربما مثلت هذه النقطة تحديداً السبب الرئيسي في توتر عاقاته مع موسكو، خاصة أن هذا الملف كان أساس المشكات بين أوكرانيا وروسيا)11.)

ومن جانبها، لم تتسرع روسيا في إبداء رد فعل على ما جاء في برنامج زيلينسكي الانتخابي، وفضلت التريث إلى حين تحديد الفائز في الانتخابات، فقد أشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، إلى أنه من المبكر عرض أي استنتاجات بشأن سياسة زيلينسكي حال فوزه في الانتخابات، ويجب انتظار نتائج الانتخابات، وعندها سنرى على أرض الواقع العملي عاقته نحو المواطنين الناطقين بالروسية، في إشارة إلى سكان دونباس)12.)

ثالثاً: ت�صعيد رو�صي - اأوكراني متبادل

بعد إعان فوز زيلينسكي في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية بيوم واحد، وقع الرئيس الروسي فاديمير بوتين، في 24 أبريل مرسوماً ينص على منح الجنسية الروسية لمواطني دونباس خال ثاثة أشهر)13(. وبعد أيام على المرسوم، أعلن بوتين أنه لا يستبعد تعميم القانون ليشمل أي مواطن أوكراني يرغب في الحصول على الجنسية الروسية.

من جانبه استبعد زيلينسكي أن تكون هناك رغبة لدى عدد كبير من الأوكرانيي­ن في الحصول على الجنسية الروسية،

ونصح الكرملين بأن "لا يضيع الوقت هباء في محاولات إغراء الأوكرانيي­ن بجوازات سفر روسية"، ووعد في المقابل أن تمنح أوكرانيا اللجوء والجنسية لجميع "المناضلين من أجل الحرية")14(، معبراً عن قناعته بعدم وجود "أبسط الحريات والحقوق في روسيا". وتكشف الخطوة الروسية عن عدد من الدلالات، والتي يمكن إيجازها في النقاط التالية: 1- فقدان الأمل في تغيير كييف لموقفها: باتت موسكو مقتنعة بتراجع فرص حدوث أي تغيير في موقف كييف، بعد فوز زيلينسكي، أو أن يقبل الأخير باندماج لوغانسك ودونيتسك مع أوكرانيا وفقاً للشروط الروسية. 2- ردع كييف عن تصعيد عملياتها العسكرية ضد دونباس: تهدف موسكو عبر منح الجنسية لمواطني دونيتسك ولوغانسك، التأكيد على أنها مناطق نفوذ خاصة بها، حيث يعيش عدد كبير من السكان المنتمين للإثنية الروسية، وفي حال استأنفت أوكرانيا العمليات العسكرية هناك، يمكن توقع أن تتدخل روسيا في الصراع بشكل مباشر تحت شعار حماية المواطنين الروس)15.) 3- توفير المبرر للتدخل العسكري: رأى كثيرون في قرار منح الجنسية الروسية للمواطنين الأوكرانيي­ن من أبناء دونباس خطوة تصعيدية من جانب موسكو، تمنحها المبرر للتدخل العسكري في المنطقة في حالة فشلت جهود التسوية السلمية، بذريعة "واجب حماية المواطنين الروس"، وذلك وفقاً للفقرة الثانية من المادة 61 من الدستور الروسي.

وتدعم ذلك الخبرة التاريخية السابقة المتعلقة بالصراع مع جورجيا، حيث منحت روسيا السكان في أبخازيا وأوسيتيا )إقليميين انفصاليين عن جورجيا( الجنسية قبل اندلاع المواجهات المسلحة بين موسكو وتبليسي في أغسطس 2008، وعندما سعت جورجيا لاستعادتهم­ا عسكرياً قامت موسكو بالتدخل، وأجهضت تحركات تبليسي.

رابعاً: لجوء زيلين�صكي اإلى وا�صنطن

في ظل تصاعد التوتر الروسي – الأوكراني، جرت مراسم حفل تنصيب فاديمير زيلينسكي كسادس رئيس لأوكرانيا، منذ انفصالها عن الاتحاد السوفييتي، وحملت طبيعة الوفود المشاركة في ذلك الحفل دلالات على توتر العاقات الأوكرانية – الروسية. إذ شارك في حفل التنصيب رؤساء ورؤساء حكومات جمهوريات سوفييتية سابقة، معظمهم تجمعهم عاقات متوترة مع روسيا، مثل رؤساء جمهوريات البلطيق، إلى جانب وفود من دول أوروبية، ومن مؤسسات الاتحاد الأوروبي، والناتو، ومن كندا والولايات المتحدة.

أما روسيا فقد أعلنت أنها لم تتسلم دعوة من أوكرانيا لحضور مراسم تنصيب زيلينسكي. ولم يرسل الرئيس الروسي فاديمير بوتين رسالة تهنئة لزيلينسكي بفوزه في الانتخابات، كما لم يوجه التهنئة بعيد النصر للرئيس، وإنما للشعب الأوكراني)16.)

وتصاعد التوتر بسبب محادثات زيلينسكي مع الوفد الأمريكي المشارك في حفل التنصيب، والذي ضم ممثلين عن الكونجرس والخارجية والبيت الأبيض، إذ طالب الرئيس الأوكراني الجديد الولايات المتحدة بتشديد العقوبات ضد روسيا، مؤكداً أن الولايات المتحدة شريك أساسي لأوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي، خاصة مع عجز أوكرانيا في السابق على مواجهة العدوان الروسي في دونباس وفي القرم، وفقاً لزيلينسكي)17(. كما تراجع عن تصريحاته السابقة، التي أكد فيها استعداده للتفاوض مع روسيا، لتسوية الأزمة في دونباس، وأعلن في يوم 23 مايو أنه لن يجري محادثات مع الجانب الروسي)18.)

وفي الختام، يمكن القول إن الأزمة مع أوكرانيا مرشحة لاستمرار من دون حسم، خاصة مع عدم امتاك واشنطن أي أدوات يمكن من خالها الضغط على موسكو، لإجبارها على الانسحاب من شرق أوكرانيا، سوى العقوبات، والتي لم تؤت ثمارها، حتى الآن، ومن ثم، فإنه من المتوقع استمرار الأزمة الروسية - الأوكرانية، ما لم يتمكن الوسطاء من التدخل واحتواء التوتر بين الجانبين، واستئناف مفاوضات السام.

 ??  ??
 ?? كبير المراسلين في وكالة الأخبار الدولية، ”روسيا سيغودنيوا“، الإمارات ??
كبير المراسلين في وكالة الأخبار الدولية، ”روسيا سيغودنيوا“، الإمارات

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates