Trending Events

كيف يمكن فهم التحولات الرئيسية في العالم العربي؟..

كيف يمكن فهم التحولات الرئيسية في العالم العربي؟

- لقاء المستقبل

أبوظبي، 28 مايو 2019

نظم مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، لقاءً عاماً، استضاف خاله الإعامي المصري أ. عماد الدين أديب، للحديث عن كيفية فهم سلوك الفاعلين الرئيسيين في منطقة الشرق الأوسط، وذلك كمدخل لتحليل الأحداث والأزمات التي يشهدها الإقليم.

اأولً: تحولت اإقليمية

بداية أشار أديب إلى العديد من التطورات والأزمات التي تعانيها منطقة الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة، ومنها تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران في منطقة الخليج العربي بسبب رغبة واشنطن في تعديل الاتفاق النووي لتدارك ما ورد به من ثغرات، فضاً عن سعيها لتحجيم التدخات الإيرانية السلبية في الإقليم. وتزامن هذا التوتر مع مساعي قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، لتطهير العاصمة طرابلس من الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى ما تشهده السودان والجزائر من حراك شعبي اعتراضاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية أو للمطالبة بإصاحات سياسية؛ مما أسفر عن عزل الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، واستقالة الرئيس الجزائري السابق، عبدالعزيز بوتفليقة.

ثاني��اً: جدلي��ة العلاق��ة ب��ين الف��رد والموؤ �ص�ص��ات

ميَّز أديب بين نوعين من النظم السياسية، الأول يغلب فيه تأثير المؤسسات المختلفة من وزارات خارجية ودفاع وأجهزة أمن قومي على عملية صُنع القرار، والتي تبلور رؤية مشتركة لمصالح الدولة الاستراتيج­ية، وغالباً ما يتناسب هذا الوضع مع الفترات التي تتسم باستقرار نسبي. ويعد المدخل الأساسي لفهم سياسات هذه الدول هو دراسة مصالح المؤسسات المختلفة.

والنوع الثاني، يطغى فيه العامل الفردي على المؤسسية في عملية صُنع القرار، حيث تتصاعد أهمية دور القائد السياسي في توجيه الدولة، وهو ما يرتبط إما بامتاك هذا القائد رؤية مختلفة يسعى لتنفيذها حتى لو تطلب الأمر اصطدامه بتوجهات مؤسسات صُنع القرار، أو أن يتزايد دور هذا القائد في وقت الأزمات، حيث تتراجع حينها فاعلية المؤسسات في مواجهتها، نظراً لضيق الوقت، وتطلبها موقفاً سريعاً من قِبل القائد السياسي.

وفي الحالة الثانية، فإن دراسة توجهات الدولة تتطلب الإلمام بمكونات الشخصية الثابتة للقائد السياسي، بداية من نشأته، مروراً بتطوره التعليمي والمهني، وصولاً إلى طبيعة المؤسسات التي خدم فيها، نظراً للدور الذي تلعبه الوظيفة في التأثير على توجهات الفرد. وضرب أديب مثالاً في هذا الشأن بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي تأثر في نشأته بالكتاتيب الدينية والرؤية الإسامية، كما أن انتماءه لأسرة تحت متوسطة جعله يعمل منذ الصغر للإنفاق على تعليمه، فضاً عن دراسته العلوم السياسية والاقتصاد، وخبرته الإدارية في منصب عمدة اسطنبول بين عامي 1994 و1998، ثم سجنه لمدة 10 أشهر في عام 1998 ومنعه من العمل في الوظائف الحكومية ومنها الترشيح لانتخابات العامة بتهمة التحريض على الكراهية الدينية.

كما تطرق أديب إلى الحالة الإيرانية، حيث يتركز فيها دور الفرد في عملية صُنع القرار، متمثاً في المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، وليس الرئيس الإيراني الذي يتمتع بصاحيات منقوصة، كما أن كل القرارات الاستراتيج­ية يقوم بتبنيها المرشد الأعلى. وتعكس الأزمة السياسية التي اندلعت سابقاً بين المرشد الإيراني، علي خامنئي، والرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، هذه الحقيقة، إذ إن الأخير أذعن في النهاية لسيطرة المرشد على النظام السياسي.

وبالتالي فإن فهم المرشد الأعلى وتوجهاته يعد أمراً محورياً لفهم السياسات الإيرانية، فالمرشد هو قائد الثورة، والولي الفقيه، ويتمتع بموارد مالية هائلة تتمثل في "الخُمس" الذي ينفقه لتعزيز نفوذه، سواء داخلياً أو خارجياً، عبر إمداد الميليشيات بالأموال، مثل الحوثيين في اليمن، وحزب اله في لبنان.

وأكد أديب أن الأمر لا يختلف كثيراً بالنسبة للولايات المتحدة وروسيا، فالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والذي تمكن من الفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، لديه توجهات واضحة، يمكن استنباطها من كتاباته السابقة، والتي كان أبرزها "فن الصفقة"، فهو يدير العاقات الدولية بمنظور "رجل الأعمال" الذي يسعى لعقد صفقات ناجحة، كما يرى أن الالتزامات الأمنية الأمريكية في الخارج تجاه حلفاء واشنطن هي أعباء اقتصادية يجب التخلص منها.

وبالمثل، فإن الرئيس الروسي، فاديمير بوتين، قد تأثر بعمله في أجهزة الاستخبارا­ت الروسية، كما يتضح في سياساته الداخلية والخارجية، حيث إنه يطمح لاستعادة أمجاد روسيا ونفوذها على المستوى الدولي، ولذلك يحرص على تعزيز مبيعات الساح الروسي في الخارج، تحقيقاً لأهداف اقتصادية، ولاستعادة مساحات النفوذ التي فقدتها روسيا في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي. ويمكن القول إن القاسم المشترك بين ترامب وبوتين أن كاً منهما يعمل بمنطق "المقاول"، سواء كان مقاولاً للساح في حالة بوتين، أو مقاولاً يسعى لاجتذاب الاستثمارا­ت في حالة ترامب، فكاهما يتحدث باللغة نفسها.

وفي ضوء ذلك، أكد أديب أهمية دراسة شخصية القادة السياسيين، وأهدافهم، ومواقفهم من الصراعات المختلفة، مع ضرورة عدم إغفال دراسة شخصية الأفراد المقربين منهم، والذين يلعبون دوراً مؤثراً على توجهاتهم وسياستهم.

ثالثاً: لعنة عدم اليقين

رأى أديب أن أحد أهم التطورات السلبية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، هي غلبة حالة الايقين أو ما يُطلق عليه البعض "لعنة عدم اليقين" ‪Curse of(‬ Uncertaint­y،) إذ إن التسوية السلمية لبعض أزمات المنطقة عبر المفاوضات هي مسار ثبت فشله، بدليل تعثر محاولات التسوية الجزئية للصراعات التي تشهدها المنطقة، مثل اتفاقيات السويد المبرمة في ديسمبر 2018 بين الحكومة الشرعية اليمنية والحوثيين، وبرعاية الأمم المتحدة، لإحال السام في اليمن لكنها ما زالت متعثرة بسبب تعنت ومراوغة ميليشيا الحوثيين، فضاً عن انهيار كل التفاهمات في ليبيا من أجل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تنهي الانقسام الذي تعانيه الباد. كما أن محاولات حل الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران لا تزال تواجه تحديات عديدة.

وعلى الجانب الآخر، أوضح أديب أن محاولات تسوية الصراعات عبر الحسم العسكري، لا تبدو مضمونة، سواء بسبب تكلفتها العالية، أو بسبب النتائج السلبية التي قد تترتب على حدوثها. وتعد الحالة الليبية مثالاً على عدم قدرة الحل العسكري على إحداث اختراق كبير في مسار الأحداث في هذا البلد، فعلى الرغم من تقدم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر عسكرياً باتجاه طرابلس، فإن مسار الصراع لا يزال مستمراً، خاصة مع استماتة بعض الأطراف الإقليمية في الدفاع عن التنظيمات الإرهابية الموالية لها في طرابلس، فضاً عن الخافات بين القوى الدولية، لاسيما إيطاليا وفرنسا، بشأن كيفية حل الأزمة الليبية، وهذا مرده تباين مصالح هذه القوى داخل ليبيا.

ويترتب على الوضع السابق، أن احتمالات كل السيناريوه­ات المختلفة، السلمية والصراعية، يمكن حدوثها بالدرجة نفسها في بلدان الأزمات، حيث لا يوجد أي عامل مُرجح لسيناريو على حساب آخر، وهو ما يربك أي متخذ قرار، إذ إنه لا توجد دولة تمتلك من الموارد ما يؤهلها للتحسب لكل السيناريوه­ات في الوقت نفسه.

وأضاف أديب إلى حالة الايقين، عاماً آخر يتعلق بالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مؤكداً أنه يصعب التنبؤ بسلوكه، كما أن بعض السياسات التي يطرحها ترامب لتسوية مشاكل المنطقة ربما تكون غير قابلة للتطبيق، وضرب مثالاً على ذلك بمحاولة الرئيس الأمريكي فرض ما يُعرف إعامياً باسم "صفقة القرن" كمدخل لتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates