Trending Events

التشاؤم في العلاقات الدولية: الاستفزازا­ت، والاحتمالا­ت، والسياسة

‪Pessimism in Internatio­nal Relations: Provocatio­ns, Possibilit­ies, Politics‬ ‪By: Tim Stevens, Nicholas Michelsen (Eds), Palgrave Macmillan, 215 pp., $67.45,‬ ‪2019, 978-3030217792‬ عرض: أسماء الصفتي، معيدة بقسم العلوم السياسية-كلية الاقتصاد والعلوم السي

- تيم ستيفنز، ونيكولاس ميشيلسن )محرران(

على الرغم من أن بعض المحللين يشيرون للتشاؤم باعتباره سمة حديثة تتميز بها العديد من تحليلات منظري العلاقات الدولية في الوقت الحالي، فإنه في حقيقة الأمر كان التشاؤم من السمات المميزة لهذا الحقل منذ نشأته، وهو ما يوضحه هذا الكتاب المعنون "التشاؤم في العلاقات الدولية: الاستفزازا­ت، والاحتمالا­ت، والسياسة".

الجذورالتا­ريخيةللت�شاوؤم

يرى الكاتب أنه يمكن التأريخ للتشاؤمية مع بداية الكتابات الفلسفية للمفكرين والفلاسفة اليونانيين، حيث برز هذا المفهوم في كتابات كبار الفلاسفة اليونانيين من أمثال أرسطو وأفلاطون. وقد ساهم تنامي الفكر السوفاسطائ­ي في دولة المدينة، الذي ينفي وجود حقيقة مطلقة ويتحدى جميع الآراء التي يتبناها كل المفكرين حول سيطرة النظرة التشاؤمية على الفكر اليوناني، خاصة في جانبه السياسي.

وخلال العصر الحديث تبنى "روسو" أحد مفكري العقد الاجتماعي نظرة تشاؤمية تجاه الطبيعة البشرية، حيث أكد انتشار الصراع بين الأفراد خلال مرحلة الطبيعة الأولى، هو ما دفعهم للانخراط تحت كيان جديد يمثل الإرادة العامة، وعلى النقيض من ذلك رأى لوك أن الطبيعة البشرية خيرة ولكن الصراع حول الموارد المحدودة هو الذي أدى لحدوث خلل في هذه الطبيعة، ولذلك لجأ الأفراد إلى الدولة التي تعتمد على القانون لتنظيم العلاقات داخل المجتمع.

وعلى صعيد آخر جمع بعض المفكرين بين التشاؤم والتفاؤل ويأتي في مقدمتهم ماركس الذي نظر إلى الرأسمالية بشكل تشاؤمي، ورأى أن الحتمية التاريخية ستدفع الرأسمالية للتوسع والتوحش، ولكن هذا التوسع سوف يدفعها للانهيار، ومن ثم يتبعها نظام شيوعي يقوم على العدالة التوزيعية والمساواة بين الأفراد.

ويربط البعض بين التشاؤمية وعدد من المفاهيم الأخرى، ويأتي في مقدمة هذه المفاهيم مفهوما "القدرية" Fatalism)،) والتهكمية Cynicism(.) فأما القدريون فيرون أن كل شيء مقدر مسبقاً بواسطة الطبيعة، وبالتالي فلا يمكن أن يتحمل كل من الأفراد والدول مسؤولية أفعالهم، فهم يتعاملون في إطار ما هو متاح لهم من خيارات. وفي الأغلب، تكون هذه الخيارات غير منصفة أو عادلة، ولذلك فإن التشاؤم أحد المحركات الرئيسية لأصحاب هذا الفكر.

وعلى الجانب الآخر نجد التهكمية التي تؤمن بأن الأفراد والدول يسعون لتحقيق مصالحهم، ونتيجة لمحدودية الموارد المتاحة فإن هذه المصالح متعارضة، وهو الأمر الذي يدفع الدول والأفراد للتنافس الذي قد يصل إلى الصراع، وبالتالي فإن التهكميين أيضاً على الرغم من أنهم جعلوا الأفراد والدول مسؤولين عن أفعالهم بعكس القدريين، فإنهم يتبنون منهجاً تشاؤمياً في تعاملهم مع المعطيات الخارجية.

الت �شاوؤمية في العلاقات الدولية

يرى العديد من المنظرين أن التشاؤم مرتبط بالمدرسة الواقعية، بينما يتم النظر إلى المدرسة الليبرالية باعتبارها منظوراً تفاؤلياً بحتاً، ولكن عقب التمحيص في المقولات المختلفة للنظريتين يمكن القول إن كلا النظريتين تتضمنان مفاهيم ترتبط بالمنظور التشاؤمي، فالواقعية، على سبيل المثال، تؤمن بأن النظام الدولي قائم على الصراع، ومن أجل تحقيق الدولة لأهدافها يجب أن تعتمد على قدراتها الذاتية، خاصة القدرات العسكرية، وعلى الرغم من إيمان المدرسة الليبرالية بإمكانية تحقيق الأمن الجماعي فيما بين الدول تحت مظلة ورعاية مؤسسة دولية كبرى، فإن النظرية الليبرالية تدرك معوقات تحقيق مثل هذا النوع من التعاون في ظل وجود المؤسسات الفاسدة التي تنشر قيماً داعمة للتنافس والصراع.

وهو ما ينطبق على نظريات الجنوب مثل نظرية التبعية التي طرحها مفكرو أمريكا اللاتينية، ونظرية إعادة الأصالة التي عمل على تطويرها عدد من المفكرين المنتمين للقارة الأفريقية وجماعات السكان الأصلين وعلى رأسهم فرانسيس فانون، حيث يتم تبني نهج تشاؤمي في معالجتها لقضايا العلاقات الدولية، خاصة العلاقة فيما بين دول الجنوب والشمال، والعلاقة فيما بين الدول والجماعات الأصلية التي يغلب عليها الطابع العدائي والقمعي.

ويختلف التشاؤم من مدرسة علاقات دولية إلى أخرى، والرؤى والفرضيات التشاؤمية لا تعني بالضرورة أنها سلبية، فالأطروحات القائمة على التشاؤم قد تكون أكثر منطقية وعقلانية في معالجتها للواقع وبالتالي قد تؤدي إلى نتائج إيجابية.

ختاماً، يؤكد الكتاب أن مختلف النظريات المعالجة للعلاقات الدولية تتضمن جانباً تشاؤمياً، وتزداد أهمية هذا الجانب لتفسير التطورات التي نعيشها حالياً مع تصاعد العولمة وتآكل دور الدولة القومية، وتعرض مشاريع التحرر الإنساني للتهديد في ظل تزايد الصراعات الداخلية وتراجع أداء الاقتصاد العالمي.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates