في أطلال الليرالية الجديدة: صعود السياسة المناهضة للديمقراطية في الغرب

In the Ruins of Neoliberalism: The Rise of Antidemocratic Politics in the West By: Wendy Brown, Columbia University Press, 264 pp., $25,2019, 9780231193856 عرض: سهير الشربيني - باحثة في النظم السياسية المقارنة

يركز "ويندي براون" في كتابه المعنون "في أطلال الليبرالية الجديدة: صعود السياسة المناهضة للديمقراطية في الغرب" على تصاعد الموجة المناهضة للقيم الليبرالية في الغرب مع صعود القوى اليمينية المتشددة والنازيين والفاشيين الجدد، واتجاهات كراهية الأجانب والعنصرية البيضاء في دول العالم، وكيفية استغلال أعداء الديمقراطية للأركان الرئيسية لليبرالية لتدميرها من الداخل.

تفكيك المجتمع وال�شيا�شة

كان التركيز على أولوية الفرد في مقابل المجتمع وبدء تفكيك المجتمعات في إطار الليبرالية هو بداية تشكل الثقافة المعادية للديمقراطية، التي سعت لمواجهة ما اعتبرته تهديداً للهوية والثقافة المحلية نتيجة العولمة الاقتصادية والثقافية.

وفي المقابل، أدى تفكيك السياسة بالمنظور التقليدي والتركيز على المؤسسات التمثيلية وتحفيز تحركات الأفراد خارج نطاق المؤسسات عبر الحركات الاجتماعية الجديدة والمشاركة السياسية المباشرة عبر الاحتجاجات والخروج للشارع إلى استغلال القوى اليمينية المتطرفة لهذه الآليات لعرض رؤيتها على الجماهير، واستغلال الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن العولمة في حشد المؤيدين الغاضبين من النخب السياسية للتصويت لصالحهم في الانتخابات، مما عزز من صعودهم السياسي في الدول الغربية.

التو�شع في الحريات الفردية

تمسكت الليبرالية الجديدة بالتحرر من القيود التنظيمية كافة، مثل قيود الدولة والمؤسسات والجماعات والعائلة، وهو ما جعل الفرد مركز السياسة الأكثر تأثيراً، باعتباره هو الموجه لمسار التغيير في الدول الغربية، مما أدى لإحداث حالة من الفوضى والارتباك في المجتمع والسياسة، بسبب عدم إدراك الحدود الفاصلة بين حريات الأفراد واعتبارات الانضباط المجتمعي.

وعلى المستوى الاقتصادي، أصبحت الخصخصة والتحول من ملكية الدولة إلى ملكية الأفراد النافذين هي الوجه المألوف لليبرالية الجديدة، بحيث أصبحت الاقتصادات الوطنية رهناً بتصرفات عدد محدود من كبار رجال الأعمال الأثرياء.

وتفككت الأبنية والقواعد المنظمة لعلاقات العمل وأسس نظم الرعاية الاجتماعية. ولقد أدى ذلك لتغييرات عميقة في بنية الاقتصادات الوطنية التي باتت أكثر انكشافاً في مواجهة الأزمات والاضطرابات العالمية.

انت�شار دعوات العدمية

تعد العدمية جزءاً من المشروع القيمي لليبرالية الجديدة والتي تبدأ بأفكار "نيتشه" حول مركزية العقل والعلم في مواجهة أشكال السلطة الأخرى ثم تحول الأمر إلى تفكيك المنظومات القيمية والأخلاقية الحاكمة للمجتمعات، والتي اعتبرتها بعض مذاهب الليبرالية الجديدة وصايةً على الأفراد. وأصبحت النفعية والمصلحة الفردية محدداً رئيسياً لرؤية الأفراد للمجتمع والسياسة والعالم.

وفقد الأفراد أيضاً رؤيتهم للغايات الكبرى التي تدفعهم للعمل

أو الانخراط في المجتمع والمشاركة السياسية وأصبحت اتجاهات العزوف عن المشاركة والانغلاق على الذات حاكمةً لتوجهاتهم السياسية والمجتمعية، وتراجعت استجابة وخضوع الأفراد لسلطة الأخلاق والقيم والضمير، ولم يعد ضبط الذات والتحكم في التصرفات محدداً لسلوك الأفراد في المجتمع.

ا�شتيعاب التحولت الكبرى

أسهمت الليبرالية الجديدة– وفقاً للكاتب– في عدة تحولات كبرى يتمثل أهمها في تراجع مركزية الدولة في مواجهة العولمة والتدفقات السريعة للأفكار والسلع والخدمات ورؤوس الأموال والبشر عبر الحدود، أما التحول الثاني فهو التآكل التدريجي للتماسك الاجتماعي وتقويض السياسة والتعبير عن مصالح الأفراد والجماعات من جانب النخب السياسية التقليدية.

ويتمثل التحول الثالث في نمو رأس مال الشركات دولية النشاط وتحولها لقوة مالية تتحكم في كل شيء على امتداد العالم وقدرتها على التدخل في السياسة والمجتمع والاقتصاد وتطويع التكنولوجيا لتحقيق مصالحها، وهو ما أدى لتغييرات عميقة في توازنات القوى العالمية مع انحسار قوة وتأثير الدول وصعود نفوذ الشركات والأفراد شديدي التأثير في التفاعلات الدولية.