Trending Events

توسع عمليات تهريب النفط في التفاعلات الإقليمية

توسع عمليات تهريب النفط في التفاعلات الإقليمية

- أحمد عبد العليم حسن

لم تعد عمليات تهريب النفط مقتصرة على الفاعلين من غير الدول، وإنما أصبحت ظاهرة إقليمية تشمل عدداً من الدول، وهو ما جعل منطقة الشرق الأوسط تواجه تحديات استنزف الموارد النفطية بسبب أنشطة الدول والميليشيا­ت المسلحة وجماعات الجريمة المنظمة، خاصةً في بؤر الصراعات المسلحة.

اأولً: ت�شاعد اأن�شطة تهريب النفط

تصاعدت عمليات تهريب النفط في الشرق الأوسط خلال الفترة الأخيرة بالتوازي مع تزايد حدة المواجهات المسلحة في بؤر الصراعات، حيث انخرط العديد من الفاعلين من غير الدول في عمليات التهريب إلى جانب قيام بعض الدول أيضاً بذلك(1.)

ولقد اتهمت هيئة أركان الجيش الروسي في 29 يوليو 2019، شركات عسكرية أمريكية خاصة بسرقة النفط من بعض الحقول في سوريا مثل كوناكو والعمر وتاناك شرق الفرات، وتهريبه، وذلك تحت غطاء الوجود العسكري الأمريكي في سوريا(2.)

وفي يوليو 2019 أكدت مصادر عراقية تأزُّم علاقات بغداد وإقليم كردستان بشأن عدم التزام الإقليم بتسليم حصته النفطية البالغة 250 ألف برميل يومياً إلى بغداد.

ويأتي ذلك في خضم اتهامات عراقية للأكراد بإدارة عمليات تهريب النفط من الإقليم إلى بعض دول الجواروبيع النفط خارج

إطار الشرعية القانونية وبالمخالفة للدستور العراقي( 3 .)

وأشارت تقارير عراقية في يونيو 2019 إلى تشكيل فريق عمل في إقليم كردستان العراق من أجل إغلاق 65 مصفاة نفط غير قانونية في محافظة أربيل، يتم استخدامها في تهريب النفط، فيما تشير بعض التقديرات إلى وجود أكثر من 200 مصفاة غير قانونية تعمل في الإقليم(4.)

وفي السياق ذاته، أحبط الجيش العراقي في مايو 2019 محاولات بعض فلول تنظيم "داعش" القيام بتهريب النفط من حقل رئيسي في تكريت بمحافظة صلاح الدين، إذ لا تكف فلول التنظيم عن محاولة اختراق التحصينات الأمنية وتهريب النفط من الآبار النائية، خاصةً أن التنظيم قد اعتاد الاعتماد على تهريب النفط على مدار السنوات الماضية(5.)

وشهدت ليبيا على مدار العامين الماضيين تهريب النفط بشكل متزايد حتى أن ما بين 30% إلى 40% من الوقود المُكرَّر في ليبيا أو المستورد من الخارج يتعرض للسرقة

والتهريب، سواء عبر البحر أو عبر الحدود الليبية البرية وفقاً لتقديرات نشرتها بلومبرج في أبريل 2019 .)

ومن جانبٍ آخر، فإن تركيا تُوجَّه لها اتهامات بمساعدة إيران على تهريب النفط، خاصةً أنها كانت من أوائل المعارضين للقرار الأمريكي الذي تضمن منع الاستثناءا­ت لشراء النفط، حيث تقوم إيران بتهريب النفط من أجل تجاوز العقوبات الأمريكية عليها.

ونقلت وسائل إعلام إيرانية حكومية عن "أمير حسين زماني" نائب وزير النفط الإيراني قوله في 5 مايو 2019 أن إيران حشدت جميع مواردها لبيع النفط في "السوق الرمادية"، أي القيام ببيع النفط بشكل غير مشروع( .)

وتشير بعض التقديرات إلى أن طهران مازالت تُصدِّر ما يتراوح بين 200 ألف إلى 300 ألف برميل يومياً، عن طريق التهريب للأسواق الدولية باستخدام المسارات البحرية غير المكشوفة أو عبر الحدود البرية بالتعاون مع بعض دول الجوار.

ويضاف إلى ذلك لجوء إيران إلى إخفاء وجهات شحنات من النفط المنقولة عبر البحر بإغلاق أنظمة التتبُع لناقلاتها، خاصةً نظام "إيه.آي.إس لايف"

‪AIS Live)‬ ،) وهو نظام تتبُع آلي مُتصل بالأقمار الصناعية تستخدمه السفن( .)

ثانياً: دوافع عمليات التهريب

تتمثل أبرز دوافع الأطراف المنخرطة في عمليات تهريب النفط في منطقة الشرق الأوسط فيما يلي:

1- مواجهة "تصفير" النفط: تلجأ إيران إلى تهريب النفط، وذلك من أجل الالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، والتي دخلت الحزمة الثانية منها حيز التنفيذ في نوفمبر 2018.

وتضمنت تلك الحزمة عقوبات على قطاع النفط الإيراني، وذلك بمنع الدول أو الكيانات أو الشركات الأجنبية كافة من دخول الأسواق الأمريكية في حال قررت المُضيّ قُدماً في شراء النفط الإيراني، وذلك في ظل سعي الإدارة الأمريكية بقيادة "دونالد ترامب" إلى بلوغ صادرات النفط الإيرانية أقرب ما يمكن من الصفر( .)

2- تمدد اقتصادات التهريب: يعتمد الفاعلون المسلحون من غير الدول مثل الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية على التمويل الذاتي الناتج من اقتصادات التهريب.

وتشير بعض التقديرات إلى أن تنظيم "داعش" خلال فترة سيطرته على مساحات واسعة من سوريا والعراق كان يجني حوالي 50 مليون دولار شهرياً من مبيعات النفط خلال عام 2015 فيما تشير تقديرات مجلة "فورين بوليسي" إلى أن تنظيم "داعش" قد حصل في عام 2015 على حوالي 500 مليون دولار سنوياً من تهريب النفط في كلٍ من سوريا والعراق( .)

3- تكريس النزعة الانفصالية: يعد لجوء إقليم كردستان العراق إلى تصدير النفط بمعزلٍ عن الحكومة العراقية محاولة لتأكيد استقلالية الإقليم، على الرغم من انعكاسات ذلك السلبية على العلاقة بين الطرفين.

وفي هذا الإطار، ترى حكومة إقليم كردستان أن للإقليم الحق في تطوير وتسويق النفط من دون العودة للحكومة في بغداد استناداً لقانون 22 لسنة 2007 الخاص بالإقليم، وهو ما يُعدّ غير دستوري لتعارضه مع المادة 112 من الدستور العراقي التي توجب إدارة ملف النفط اتحادياً( .)

4- جاذبية النفط الرخيص: يكون بيع النفط المُهرَّب في السوق السوداء بأسعار أقل بكثير من الأسعار العالمية، وهو ما يمثل عامل جذب مهم، سواء لبعض الدول أو للشركات التي تسعى للحصول على ذلك النفط الأقل تكلفة.

يفرض تزايد ممارسات تهريب النفط من جانب الدول والفاعلين من غير الدول ضرورة تكثيف الجهود الدولية والإقليمية، لاسيما فيما يتعلق ببناء القدرات الوطنية في الدول التي تعاني بشكل أكر تلك العمليات، وهو ما يمكن أن يُشكّل أحد المداخل المهمة لتحجيم عمليات التهريب في المدى المنظور.

وفي هذا السياق، فإن تركيا تعتبر هي الدولة الأبرز في عمليات شراء النفط بطرق غير مشروعة حتى أن روسيا كانت قد اتهمت أنقرة بشكل رسميّ في أواخر عام 2015 بأنها تقوم بشراء النفط من تنظيم "داعش" الذي كان يسيطر على حقول نفط كبيرة في العراق وسوريا في ذلك التوقيت.

وإلى جانب ذلك فإن هناك العديد من الشركات الأجنبية الغربية التي حصلت على نفط مُهرَّب من سوريا والعراق عبر الموانئ سواء من جانب تنظيمات إرهابية أو ميليشيات مسلحة( .)

ثالثاً: اإجراءات متعددة للمواجهة

يسعى المجتمع الدولي لمواجهة عمليات تهريب النفط المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط وكذلك الدول المتضررة من التهريب، وقد تنوعت جهود محاصرة عمليات التهريب بين عدة إجراءات مختلفة، تمثلت فيما يلي:

1- تتبُّع مسارات التهريب: يوجد العديد شركات تتبُّع السفن التي بات لديها من الوسائل التقنية المتطورة ما يمكنها من رصد حركة السفن بصفة شبه يومية، بعدما كان الأمر يستغرق أسبوعاً أو أكثر فيما مضى، ولدى هذه الشركات عملاء حاليون من الحكومات والهيئات الدولية.

وتعد شركة "وايند ورد" WindWard(،) من أبرز المؤسسات التي تعمل مع الأمم المتحدة للتأكد من التزام دول العالم بالعقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية، كما تقوم بجانب شركات أخرى بتقييم التزام الدول بالعقوبات الأمريكية المفروضة على قطاع الطاقة الإيراني( .)

2- توسيع العقوبات الأمميّة: يعد اللجوء لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضمن المسارات التي يتم اللجوء إليها للتصدي لتهريب النفط، حيث أصدر المجلس قراراً بتوسيع العقوبات على صادرات النفط غير المشروعة من ليبيا في مسعى لوقف التهريب عبر البحر.

ووفقاً لمحققين أمميين فإن تلك العقوبات ضرورية من أجل وقف تهريب النفط الليبي باستخدام السفن من غرب ليبيا إلى مالطا وإيطاليا وتركيا، وكذلك عبر الحدود البرية إلى تونس، وبالتالي فإن أي جهات أو شركات تنخرط في ذلك تُعرّض نفسها لعقوبات دولية ويتم وضعها في القائمة السوداء للأمم المتحدة( .)

3- توظيف الذكاء الاصطناعي: اتجهت بعض الشركات إلى توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لرصد مسارات السفن المحملة بشحنات النفط الإيراني، وذلك بهدف إحباط الأساليب التي تحاول أن تنتهجها طهران للهروب من العقوبات الأمريكية.

وتلجأ إيران إلى التمويه والتخفّي علاوةً على إخفاء وجهات السفن، وإرسال إشارات لاسلكية لمواقع تحميل خاطئة، وتغيير أعلام السفن، بالإضافة إلى نقل الشحنات من سفينة لأخرى في عرض البحر، ولذا فإن تطبيقات الذكاء الاصطناعي من شأنها أن تقوم بتدقيق حسابات سرعة السفن والمسافات التي تقطعها فضلاً عن معرفة وجهاتها النهائية وأحجام حمولتها( .)

4- مقاضاة المسؤولين عن التهريب: يقصد بذلك اتباع المسار القانوني من أجل إيقاف تهريب النفط، ومن ذلك على سبيل المثال، وجود قضايا مرفوعة من جانب وزارة النفط العراقية أمام المحكمة الاتحادية ضد وزير الثروات في إقليم كردستان بسبب تصدير النفط من دون الرجوع إلى الحكومة الاتحادية، والتواطؤ في تهريب النفط بشكل غير مشروع إلى بعض دول الجوار، بعيداً عن شركة تسويق النفط "سومو"، المسؤولة عن ملف النفط الاتحادي في العراق( .)

رابعاً: النعكا�شات الإقليمية للتهريب

نتج عن تصاعد عمليات تهريب النفط في الشرق الأوسط العديد من التداعيات، لاسيما الاقتصادية والأمنية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 1- تداعي الاقتصادات الوطنية: تتأثر الاقتصادات الوطنية بشكل كبير بعمليات تهريب النفط، خاصةً في ظل ارتباط ذلك بالدول التي تعاني صراعات مسلحة على مدار السنوات التسع الماضية، مثل سوريا وليبيا العراق، وما يرتبط بذلك من معاناة اقتصادات تلك الدول نتيجة عدم الاستقرار السياسي والأمني. وتشير بعض التقديرات إلى أن تهريب النفط تسبب في تكبد العراق خسائر مالية ضخمة أثرت على حجم الموارد المتوافرة لمؤسسات الدولة لتلبية احتياجات المواطنين( .)

وفي ليبيا تؤكد تقديرات رسمية صادرة عن إدارة مؤسسة النفط الليبية أن خسائر قطاع النفط الليبي في 2018 تُقدَّر بحوالي 750 مليون دولار سنوياً، في ظل التراجع الكبير في إنتاج النفط مقارنةً بالإنتاج قبل عام 2011 حيث انخفض من حوالي 1.84 مليون برميل نفط يومياً عام 2010، حتى وصل إلى 1.07 مليون برميل يومياً في عام 2018، وذلك وفق تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكيةا .)

يتم بيع النفط المُهرَّب في السوق السوداء بأسعار أقل بكثير من الأسعار العالمية، وهو ما يمثل عامل جذب مهم، سواء لبعض الدول أو للشركات التي تسعى للحصول على ذلك النفط الأقل تكلفةً.

وفيما يتعلق بالاقتصاد السوري فإن إجمالي الخسائر المباشرة وغير المباشرة في قطاع النفط، وفق شركة الفرات للنفط، وهي شركة حكومية، قد بلغت على مدار الفترة من عام 2011 حتى الربع الأول من عام 2019 حوالي 14.5 مليار دولار( .)

2- توسع أدوار الفاعلين المسلحين: في ظل توفير مصادر تمويل ضخمة للميليشيات المسلحة فإن ذلك من شأنه تعزيز قدرات تلك الميليشيات، ووفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية فإن أنشطة تهريب النفط كانت أبرز مصادر الدخل من الأنشطة الإجرامية لتنظيم "داعش"، بل أنه حتى قبل ظهور "داعش" كان تنظيم القاعدة في العراق يحقق عوائد تتراوح بين 70 و200 مليون دولار أمريكي سنوياً من عمليات تهريب النفط في شمال العراق(

وتعزز قدرة تلك الميليشيات على توفير مصادر تمويل مستمرة من قيامها بعمليات التجنيد والاستقطاب للكوادر المسلحة وتنفيذ العمليات العسكرية وتحدي سلطة الدولة.

3- تأجيج الصراعات المسلحة: تحول الصراع على الموارد الطبيعية بما في ذلك النفط إلى أحد محفزات الصراع بين الدولة من جانب والفاعلين المسلحين من غير الدول من جانبٍ آخر في منطقة الشرق الأوسط، خاصةً في ظل امتلاك بعض دول المنطقة احتياطات نفطية كبيرة على غرار ليبيا.

ويفسر ذلك المحاولات المستمرة لتنظيم "داعش" منذ ظهوره في ليبيا في أكتوبر 2014 للسيطرة على مدينة أجدابيا شرق ليبيا، والتي تقع ضمن الهلال النفطي الليبي، كما تفسر ذلك

محاولات الميليشيات المسلحة في ليبيا السيطرة على الحقول النفطية وموانئ تصدير النفط .)

وتسعى الميليشيات المسلحة والتنظيمات المتطرفة للقيام ببيع النفط في السوق الموازية للحصول على إيرادات تمكنها من شراء أسلحة متطورة واجتذاب المزيد من المقاتلين لصفوفها لتعزيز قدراتها على السيطرة على نطاقات النفوذ، وهو ما يعني أن وجود النفط ضمن معادلة الصراعات الداخلية عادة ما يكون محفزاً لتأجيج الصراعات للسيطرة عليه والاستفادة من العوائد النفطية.

وفي المجمل، يفرض تزايد ممارسات تهريب النفط من جانب الدول والفاعلين من غير الدول ضرورة تكثيف الجهود الدولية والإقليمية، لاسيما فيما يتعلق ببناء القدرات الوطنية في الدول التي تعاني بشكل أكبر تلك العمليات، وهو ما يمكن أن يُشكّل أحد المسارات المهمة لتحجيم عمليات التهريب في المدى المنظور، خاصةً مع تصدع تنظيم "داعش" في سوريا والعراق بشكل كبير والاحتياج الشديد للموارد لعمليات إعادة الإعمار.

ولا ينفصل ذلك عن ضرورة مواجهة ومراقبة الدول التي تقوم بشراء النفط من الميليشيات المسلحة، خاصةً تركيا، التي قامت بشراء النفط السوري والعراقي المُهرّب من التنظيمات الإرهابية والميليشيا­ت المسلحة، جنباً إلى جنب مع ضرورة تعزيز الرقابة الدولية على سفن النفط التابعة لبعض الدول التي تُجيد التمويه والتخفي من أجل بيع النفط بالمخالفة للعقوبات المفروضة عليها.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates