Trending Events

استخدام الغواصات المسيَّرة في تهديد الأمن البحري

استخدام الغواصات المسيَّرة في تهديد الأمن البحري

- بريندون جيه كانون

تشغل التهديدات النابعة من الطائرات المسيّرة اهتمام الدول المختلفة، نظراً لأنه لم يتم بعد تطوير نظم الدفاع الجوية الكفيلة بإسقاط هذه الطائرات، خاصة مع تفاوت أحجامها، وعلى الرغم مما سبق، فإن تطوير القوى الكرى لغواصات مسيّرة سوف يعني أنها سوف تشكل الخطر القادم على الأمن القومي للدول.

اأولً: ا�شتخدامات الغوا�شات الم�شيّرة

يقصد ب "الغواصة المسيّرة" Unmanned( ‪underwater vehicle‬ ،) أو "الغواصة ذاتية التحكم" ‪Autonomous Underwater(‬ Vehicle) المركبات التي تعمل بصورة شبه مستقلة عن توجيه البشر، والتي تستطيع السير على سطح الماء، كما يمكنها الغوص وصولاً إلى أعماق المحيط". ويلاحظ أن الغواصات المسيّرة، التي تعمل بالطاقة الشمسية تستطيع المكوث لفترات طويلة على سطح الماء، الأمر الذي يزيل الفواصل بين المركبات التي تطفو على سطح الماء، وتلك التي تغطس تحت سطح البحر( .)

وتتسم هذه الغواصات بأنها مزدوجة الاستخدام، أي أن لها استخدامات مدنية وعسكرية على حد سواء، فهي أداة مفيدة لتنفيذ الكثير من المهام المتنوعة، إذ إنه يمكن توظيفها في القيام في أعمال الصيانة، أو استكشاف الثروات في قاع المحيط، أو لأغراض البحث العلمي. ومن جهة ثانية، يمكن استخدام المركبات أيضاً كأسلحة متطورة، تحرص أقوى دول العالم على امتلاكها، وتطويرها باستمرار، سواء فيما يتعلق بحجمها أو سرعتها أو مداها التشغيلي.

ويتمثل الدور الرئيسي للغواصات المسيّرة في القيام بوظائف تشمل أعمال التجسس والمراقبة والاستطلاع، كما يمكن استخدامها أيضاً لتعقب وتتبع غواصات العدو، بل ولإطلاق الصواريخ والطائرات المسيَّرة. وتستطيع هذه الغواصة المسيَّرة أن تدخل بسهولة في المياه الإقليمية، بل وفي موانئ الدول الأجنبية، من دون أن يكتشف أحد وجودها.

ويتوقع المحللون العسكريون أنه خلال العقد القادم سيتم توظيف هذه الغواصات للقيام بالأعمال التي تعتبر شديدة الخطورة على البشر، مثل زرع سماعات مائية )هيدروفون( بغرض التجسس، بالإضافة إلى نشر الألغام البحرية، أو في إطلاق طوربيدات، أو أن تصبح هي نفسها طوربيدات عبر تلغيمها وتوجيهها للارتطام بسفن العدو الحربية، كما أنه سيتم توظيفها في المهام الدفاعية، خاصة المهام الروتينية، ولكنها تتمتع بأهمية حيوية، مثل توظيف القوات البحرية للغواصات المسيّرة في مراقبة المياه الإقليمية للدولة( ونظراً للوظائف المتعددة التي تستطيع هذه الغواصات القيام بها، يتوقع أن تسعى العديد من الدول إلى تطويرها لتصبح أكبر حجماً وأشد فتكاً.

وتمتلك العديد من الدول الكبرى غواصات عسكرية مسيّرة، أو على الأقل تمتلك مشاريع لتطويرها، فقد أعلنت روسيا مؤخراً أنها تعمل على إنتاج غواصة مسيّرة مسلحة تستهدف تدمير غواصات العدو. وتحمل اسم "الأخطبوط" Cephalopod(،) وهي عبارة عن طوربيدات صغيرة وخفيفة الوزن قادرة على إلحاق إصابات مدمرة بغواصات العدو في ساحات المعارك التي تدور في المستويات مرتفعة الضغط تحت الماء(3.)

وبالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تستخدم البحرية الروسية الغواصة المسيّرة "بوسيدون" Poseidon(،) والتي تتمتع بقدرات نووية بحلول عام 2027. ووصفتها بعض التقرير الأمريكية بأنها "طوربيد بحري عابر للقارات، مزود بأسلحة نووية، ويعمل بالطاقة النووية"(4(. بينما تشير التقارير الروسية إلى قدرة هذه الغواصة المسيّرة على حمل رؤوس حربية نووية حرارية تبلغ القوة التفجيرية للرأس الواحد نحو 2 ميجا طن.

وفي المقابل، يعتقد أن البحرية الأمريكية قطعت، هي الأخرى، شوطاً كبيراً في تطوير العديد من الغواصات المسيّرة الضخمة المصممة لإجراء عمليات استطلاع تحت البحر، وإرسال البيانات التي تقوم بجمعها إلى السفينة الأم، فضلاً عن البحث عن الألغام وتدميرها، كما تقوم بتطوير غواصات مسيّرة قادرة على استهداف سفن العدو وغواصاته، وذلك بهدف الحفاظ على تفوقها التقني في هذا المجال.

ويشاع أن الغواصات المسيّرة من طراز "أوركا" Orca(،) وهي من "الغواصات المسيّرة ضخمة الحجم" ‪Extra Large(‬ ‪Unmanned Undersea Vehicle‬ ،) فضلاً عن "الغواصات المسيّرة ذات القطر الكبير" ‪Large Diameter Unmanned(‬ ‪Underwater Vehicles‬ ،) ستُزود بأجهزة استشعار وأسلحة متقدمة( 5 .)

ويتمثل الفارق الأساسي بين الغواصات المسيّرة ضخمة الحجم، وبين الغواصات ذات القطر الكبير، في أن الأولى تعمل بصورة مستقلة في أعالي البحار، في حين أن الثانية، يجب إطلاقها من غواصات كبيرة الحجم، أو سفن ضخمة، كما أن الغواصة المسيّرة ذات القطر الكبير لابد لها أن تعمل على مقربة من السفينة أو الغواصة الأم التي أطلقتها بعكس الأولى(6.)

وحصلت شركة الدفاع الأمريكية وعملاق الطيران بوينج مؤخراً على عقد لبناء أربع غواصات مسيّرة من طراز "أوركا"، وهي مصممة على غرار غواصتي بوينج المسيّرة من طراز "إيكو فويجر" ‪Echo Voyager)‬ ) و"إيكو رينجر" ‪Echo Rang-(‬ er،) واللتين يبلغ طولهما 25.6 متر، ووزنهما 50 طناً، وقادرتين على الوصول إلى عمق 3353 متراً تحت الماء، ويمكنهما ضرب أهداف على بعد يصل إلى 12,038 كيلومتراً، أي 6500 ميل بحري.

وأبدى الصينيون أيضاً اهتماماً بالغواصات المسيّرة، ففي عام 2018، كشفت بكين أن الغواصة الصينية المسيّرة من طراز "كيانلونج ‪Qianlong III( 3"‬ ) تستطيع الوصول إلى عمق يصل إلى حوالي 4500 متر تحت الماء.

وتسعى بكين لتطوير غواصات مسيّرة لتوظيفها في استخدامات مدنية وعسكرية، على حد سواء، إذ تسعى الصين لتوظيفها في مجالات التعدين البحري، واستخراج الطاقة من قاع المحيطات، فضلاً عن اهتمامها بامتلاك سفن مسيّرة للشحن المدني، بالإضافة إلى استخدامها في المجالات العسكرية، مثل تطوير أسراب عسكرية من الغواصات المسيّرة.

ويلاحظ أن الغواصات المسيّرة تتسم بأنها مزدوجة الاستخدام، فغواصة مسيّرة مثل "كيانلونج 3" يمكن استخدامها لأغراض علمية، كما أنها قد تُستخدم أيضاً في جمع بيانات صوتية قيّمة عن غواصات العدو، وكذلك معلومات عن أحوال المحيطات وخصائصها من أجل تحسين تكنولوجيا الأسلحة الشبحية( .)

ثانياً: التداعيات على المن الدولي والإقليمي

سوف تترك الغواصات المسيّرة تداعيات على الأمن البحري للدول، وذلك من زاويتين أساسيتين، وهما تعزيز التفاعلات العدائية بين القوى الكبرى والإقليمية، فضلاً عن إمكانية لجوء التنظيمات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة إلى توظيفها مستقبلاً، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 1- تعزيز الصراع بين القوى الكبرى: يمكن أن يؤدي تصاعد الدول في إنتاج وتوظيف الغواصات المسيّرة إلى تعزيز احتمالية وقوع مواجهات عسكرية بين الدول، نظراً للسهولة النسبية في تنفيذ هجمات باستخدام مثل هذه الغواصات، فضلاً عن صعوبة تحديد هوية الطرف الذي يوظفها.

ولعل من الأمثلة على ذلك بحر الصين الجنوبي، فالصين تشعر فيه بأنها محاصرة من الولايات المتحدة وحلفائها، بينما تشعر الدول المجاورة للصين، مثل اليابان وتايوان، بأنها مهددة من بكين. ويتسم الوضع بالتوتر هناك، نتيجة تعارض الاستراتيج­يات الصينية والأمريكية، إذ تعمل الصين الآن على تطوير ما تسميه الولايات المتحدة "استراتيجية منع الوصول" ‪Access Denial(‬ Strategy،) والتي تهدف إلى فرض بكين لسيطرتها على "البحار القريبة" منها، ومنع واشنطن من دخولها في حالة نشوب صراع مسلح بين الصين وتايوان، على سبيل المثال.

ويتمثل رد فعل الولايات المتحدة في تبني "مفهوم المعارك الجوية – البحرية" ‪Air-Sea battle Concept(‬ ،) والذي يهدف إلى شل أنظمة القيادة والتحكم الصينية، فضلاً عن مراكز الاتصالات والاستخبار­ات والمراقبة والاستطلاع. وتعتمد الدولتان في تنفيذ استراتيجيا­تهما على الطائرات والغواصات المسيّرة( ،) الأمر الذي يعزز من اتجاه الدول إلى تطوير أجيال متقدمة منها.

ولا تقتصر التهديدات المرتبطة بالغواصات المسيّرة على القوى الكبرى، ولكنها ستمتد إلى القوى الإقليمية الراغبة في تعزيز قوتها، وتوظيفها في الصراعات اللامتماثل­ة في مواجهة خصومها الإقليميين، إذ إنها تمكن الدول من تنفيذ هجمات انتقامية عن بعد، بالإضافة إلى إمكانية إنكار صلتها بهذه الهجمات، وذلك لتجنب أي رد فعل غاضب من جانب الدول المتضررة، أو المجتمع الدولي.

وتمثل الغواصات المسيّرة تهديداً أمنياً مستقبلياً، خاصة إذا عمدت التنظيمات الإرهابية إلى توظيفها في تعطيل التجارة الدولية

عن طريق استهداف السفن، سواء في الموانئ أو أعالي البحار. 2- توظيف الفواعل المسلحة للغواصات المسيّرة: أثبتت الفواعل المسلحة من دون الدول والتنظيمات الإرهابية مثل الحوثيين في اليمن، أو التنظيمات الإرهابية الموالية ل"داعش" والقاعدة، عن سعيها لتوظيف الابتكارات التكنولوجي­ة الحديثة، مثل الطائرات المسيّرة في تنفيذ هجمات إرهابية، نظراً للمزايا التي تحققها لهم، والتي يأتي في مقدمتها، توفر أنواع منها للاستخداما­ت التجارية، وسهولة تعديلها وتوجيهها لتنفيذ عمليات إرهابية، بالإضافة إلى صعوبة رصد الدرونز من جانب أنظمة الدفاع الجوي.

وهناك مؤشرات على تفكير الفواعل المسلحة من دون الدول في توظيف الزوارق المسيّرة في تنفيذ عمليات إرهابية، فقد سعى الحوثيون في اليمن إلى استهداف فرقاطة سعودية في يناير 2017 باستخدام قارب مسيّر محمل بالمتفجرات( كما قام الحوثيون باستهداف إحدى السفن التجارية جنوب البحر الأحمر، بواسطة قارب مفخخ في يوليو 2019.

ولا يتوقف الأمر عند التنظيمات الإرهابية، بل أن جماعات الجريمة المنظمة، خاصة تجار المخدرات في أمريكا اللاتينية أبدوا قدرة ملحوظة على توظيف أساليب مبتكرة في تهريب المخدرات، بما في ذلك تطوير غواصات لتهريب الكوكايين، وهي لا تعتبر غواصة بما للكلمة من معنى، لكن القسم الأكبر منه موجود تحت الماء، كما أنها يمكنها الغوص تماماً تحت الماء لفترات وجيزة( .)

فمنذ عقد التسعينيات من القرن العشرين أنفق تجار المخدرات في أمريكا اللاتينية ملايين الدولارات على تطوير غواصات لتهريب المخدرات من دول أمريكا اللاتينية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فقد عثرت السلطات الكولومبية والأكوادور­ية بمساعدة من الولايات المتحدة على غواصة على بعد أميال قليلة جنوب الحدود بين كولومبيا والإكوادور في يوليو 2010 واستولت عليها.

وتستمر جماعات الجريمة المنظمة في تطوير وسائل وأساليب جديدة في تهريب المخدرات، وتنتج أقوى كارتلات تهريب المخدرات في أمريكا الجنوبية حالياً أنواعاً شتى من السفن المسيرة عن بعد التي لا تحتاج وجود طواقم عليها، كما يمكن تسييرها بفضل أجهزة عاملة بنظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس"( .)

وتتمتع جماعات الجريمة المنظمة بعلاقات مع التنظيمات الإرهابية، إذ تشير العديد من التقارير الأمريكية إلى تعاون كل من حزب اله والحرس الثوري الإيراني في تجارة المخدرات مع جماعات الجريمة المنظمة في أمريكا اللاتينية، الأمر الذي يجعل هناك إمكانية للجانبين للتعاون في تطوير الغواصات المسيّرة، بما يعظم من التهديدات النابعة من كلاهما.

ويتمثل أسوأ سيناريو بالنسبة للأجهزة الأمنية الأمريكية لنجاح جماعات الجريمة المنظمة في تصنيع غواصات مسيّرة، نظراً لأن التدابير الدفاعية المتبعة حالياً من جانب أغلب الدول لإحباط أي عملية إرهابية عبر البحار تركز بصورة أساسية على رصد وتدمير التهديدات الموجهة للأهداف الواقعة فوق سطح الماء وليس تحته، إذ إنه يعتقد أن الدول المتقدمة وحدها، مثل الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك القدرات اللازمة لمواجهة الغواصات المسيّرة الموجودة بالفعل حالياً، أو قيد التطوير( .)

ثالثاً: تحديات انت�شار الغوا�شات الم�شيّرة

يعد تشغيل الغواصات المسيّرة بكفاءة ليس بالأمر الهين، نظراً لأن هناك العديد من العوامل التقنية التي تجعل الاتصال بين محطة التوجيه الأرضية والغواصات المسيّرة أمراً أكثر صعوبة من توجيه الطائرات المسيّرة.

وتتدخل عوامل كثيرة لعرقلة الاتصال بين محطة التوجيه والغواصة المسيّرة. ويتمثل أول تلك العوامل في تشوش الإرسال تحت الماء، فالماء بطبيعته يشوش الإرسال ويعطله بسبب اعتماد الغواصات المسيّرة على الموجات الصوتية، بدلاً من الموجات الكهرومغنا­طيسية المعتاد استخدامها في حالة الطائرات المسيّرة. وغالباً ما تتأخر عمليات إرسال الموجات الصوتية في أي مكان من ثانية إلى ثانيتين لأنها أبطأ من أنواع الموجات الأخرى.

وأضف إلى ما سبق التحديات البيئية التي تحول من دون تشغيل المركبات تحت الماء مثل انعكاس الإشارات وتغيير مسارها وامتصاصها، ويكون التأثير العام هو تشتيت الإشارات وتقليل قوتها وتأخيرها( ،) وسينعكس ذلك بشدة على قدرة المحطة الأرضية في توجيه الغواصة المسيّرة بدقة، الأمر الذي يؤثر سلباً على إمكانية توظيفها بنجاح في القيام بمهام عسكرية. وستمثل هذه المعوقات الفنية عائقاً أمام امتلاك الدول المتوسطة هذه التكنولوجي­ا، ونجاحها في توظيفها لأغراض عسكرية.

وعلى الرغم مما سبق، فإنه، وكما سبقت الإشارة، فإن العديد من الدول قامت بتطويرها وإنتاجها، كما أنه من المتوقع، وبعد فترة من الزمن، أن تتمكن القوى المتوسطة من إنتاجها، وتوظيفها، سواء لتأمين الدولة من التهديدات، أو لأغراض هجومية، الأمر الذي يحتم على الدول وصانعي السياسات دراسة قدرات الغواصات المسيّرة، وتأثيرها المحتمل على العمليات العسكرية وعلى الأمن الدولي.

ويمكن في هذا الإطار اقتراح عدد من التوصيات، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي: 1- تبني مفهوم "الدفاع متعدد الطبقات": لابد للدول من رفع درجة التدابير الأمنية في الموانئ والممرات المائية والسواحل البحرية للتخفيف من مخاطر الهجمات البحرية. وسيشمل ذلك تنفيذ ما يمكن تسميته بالدفاع متعدد الطبقات، مثل تشديد التفتيش على البضائع وتدقيق طاقم العاملين على السفن التي ترسي في الموانئ، وتحسين إجراءات تتبع السفن، فضلاً عن الاحتفاظ بقوات بحرية مستعدة للتدخل السريع لتأمين أي سفينة تتعرض لهجمات. وتعد هذه الإجراءات بمنزلة الرادع اللازم لتثبيط الفواعل من الدول وغير الدول من تنفيذ أي هجوم.

تقوم الغواصات المسيّرة بوظائف تشمل التجسس والمراقبة والاستطلاع، كما يمكن استخدامها أيضاً لتعقب وتتبع غواصات العدو، بل ولإطلاق الصواريخ والدرونز الطائرة. وتستطيع هذه الدرونز الغواصة أن تدخل بسهولة في المياه الإقليمية، بل وفي موانئ الدول الأجنبية، من دون أن يكتشف أحد وجودها.

2- انتهاج عقيدة "مكافحة شبكات التهديد": يمكن للدولة أن تقوم برصد وتحليل التهديدات التي تواجه الدولة، والجهات التي تقف وراءها، وكذلك معرفة كيفية حصولهم على الغواصات المسيّرة، والتي قد يتم توظيفها في عمليات عدائية ضد الدولة المستهدفة، فقد تبيّن أن إجراء تحليلات واقعية لخريطة التهديدات التي تواجه الدولة، بالإضافة إلى ربط ذلك بجمع معلومات استخبارية عن الأطراف المحتمل توظيفهم للغواصات المسيّرة، سوف يؤدي في النهاية إلى إحباط وعرقلة جميع أنواع الهجمات القادمة من الجهات الفاعلة من الدول ومن غير الدول على حد سواء.

فقد كان الدرس المستفاد الذي تعلمته الولايات المتحدة وحلفاؤها في العراق هو أن استراتيجيا­ت تخفيف المخاطر القائمة على تحديد الشبكات والأطراف المتورطة في تهريب الأسلحة والقضاء عليها أفضل من تطوير أسلحة مصممة لمواجهة الطائرات المسيّرة.

وتقوم هذه العقيدة، المعروفة باسم "مكافحة شبكات التهديد" ‪Countering Threat Network)‬ ،) على دورة مستمرة من تنفيذ العمليات العسكرية وجمع المعلومات الاستخبارا­تية عن الخصم المستهدف. وتقوم بذلك عن طريق تحديد الهجمات المستقبلية أو التنبؤ بها، وتحديد مواقع قوات العدو واستهدافها، بالإضافة إلى استخدام المعلومات الاستخبارا­تية المستخلصة من الهجمات السابقة، وذلك لتوجيه العمليات العسكرية المستقبلية. وعلى الرغم من السهولة النظرية لهذا المبدأ، فإنه في الواقع العملي تعترضه العديد من المشاكل لتنفيذه(14.)

ومع ذلك، فإن تحديد الدولة للأطراف التي تريد الإضرار بأمنها القومي، وسواء كانوا جهات فاعلة مسلحة من الدول، أو من غير الدول، يساعد على فهم خريطة التهديدات التي تواجه الدولة، وطبيعتها، بحيث يكون مواجهته أمراً أكثر سهولة، حتى وإن ترتب عليه في بعض الأحيان بعض التداعيات السلبية غير المتوقعة. وبعبارة أخرى، فإن ما يثير المخاوف من أي تكنولوجيا عسكرية

جديدة هو قدرتها على التفوق على التدابير المضادة لاحتوائها، ومن ثم، فإن توقع قدوم تهديد معين، يساعد الدولة في الاستعداد له، ومن ثم التخفيف من آثاره، حتى في حالة الإخفاق في منع وقوعه 15(.) 3- تأسيس شراكات مع الدول الصديقة: ينبغي للدول تأسيس شراكات مع الدول الصديقة، التي حققت تقدماً في مجال تطوير أنظمة دفاعية في مواجهة الغواصات المسيّرة، وذلك من أجل حيازة أنظمة دفاعية تمكنها من تحسين قدراتها على المراقبة المستمرة لسواحلها البحرية، والكشف عن أي تهديدات، فضلاً عن تبني إجراءات مضادة ضدها. وفي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يعتقد أن الشركة البريطانية "بي إيه إي" BAE() للأنظمة الدفاعية تعمل على إنشاء غواصة مسيّرة يمكن إطلاقها من خلال أنابيب طوربيد غواصة أكبر بهدف رسم خريطة للتهديدات باستخدام أجهزة تجسس مائية من دون الكشف عن موقع السفينة الأم(16.) 4- تطوير قدرات دفاعية محلية: يتعين على الدول تطوير أبحاث عسكرية خاصة بها في مجال الغواصات المسيّرة، وذلك لتجربة أنظمة دفاعية جديدة في مواجهة للتهديدات المتنامية القادمة من هذا النوع من الغواصات. ويشار في هذا الإطار إلى قيام مجموعة من الباحثين الأمريكيين بتطوير شبكة من الغواصات المسيّرة تعمل بالطاقة الشمسية، والتي عبر تواصلها ببعضها البعض تساعد في الكشف عن التهديدات، مثل الغواصات المسيّرة المعادية في المياه الساحلية وبالقرب من موانئ الدولة(17.)

وفي الختام، يمكن القول إن تهديدات الغواصات المسيّرة مستقبلية، إلا أنه من غير الواضح الفترة الزمنية التي سوف تحتاجها الدول المتوسطة لتطوير مثل هذا النوع من الغواصات، ناهيك عن إمكانية قيام البعض بنقل هذه التكنولوجي­ا إلى الفواعل المسلحة من دون الدول، ومن ثم تحول التهديدات المتوقعة مستقبلاً إلى تهديدات آنية تستوجب من الدول تطوير تدابير دفاعية في مواجهتها.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates