Trending Events

تنامي الصراع الصيني - الأمريكي حول التكنولوجي­ا المتقدمة

نجلاء مأمون

- نجلاء مأمون باحثة متخصصة في العلاقات الدولية

أصبح التنافس حول حيازةالتكن­ولوجيا المتقدمة، أحد أبعاد الصراع بين القوى الكرى، وتحديداً واشنطن وبكين، خاصة أن هذه التكنولوجي­ا تؤثر تأثيراً مباشراً على قوة الدولةاقتص­ادياً وعسكرياً، وفي هذا الإطار يمكن فهم الاتهاماتا­لأمريكية تجاه شركة هواوي الصينية.

لم تقتصر الخلافات بين واشنطن وبكين على الملف التجاري، بل امتدت لتشمل ملفات أخرى، أهمها “الصراع التكنولوجي” بينهما، إن جاز التعبير، فقد سعت واشنطن لإدراج شركة هواوي على اللائحة السوداء عالمياً، كما أوقفت كندا مديرتها المالية مطلع ديسمبر 2018 في أتاوا، بمذكرة توقيف أمريكية، حيث تتهمها واشنطن بالالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.

ويثير ما سبق تساؤلاً حول حقيقة الاتهامات الأمريكية للشركة الصينية، وإذا ما كانت هذه الاتهامات تعتبر من أدوات واشنطن لإدارة صراعها التجاري مع بكين، أم أنها محاولة من جانب واشنطن لتحجيم صعود الصين تكنولوجياً، ولذلك يسعى هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على دور التكنولوجي­ا في العلاقات الدولية، وأبعاد الاتهامات الأمريكية لهواوي، فضلاً عن محاولة الوقوف على حقيقة هذه الاتهامات.

اأولً: التكنولوجي­ا وال�شراعات الدولية

ترى المدرسة الواقعية الجديدة، وتحديداً كينيث

والتز وأتباعه، أن مبدأ الاعتماد على الذات ‪Self Help)‬ ،) الذي يقوم عليه النظام الدولي يتطلب من الدول أن تتكيف مع التطورات التكنولوجي­ة الجديدة، وإلا فإنها ستواجه تهديدات لبقائها، نظراً لتخلفها عن غيرها من الدول في القدرات التكنولوجي­ة. كما يرى كينيث أن الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي، تساعد على نشر التكنولوجي­ا بسرعة في جميع أنحاء العالم( 1 .)

وتفرض التكنولوجي­ا تأثيرات واضحة على النظام الدولي، فقد أدت بعض التقنيات إلى تحولات جذرية في توزيع القوة بين الدول، بل وتسببت في اندلاع حروب. ويفترض معظم المنظرين أن المتغير التكنولوجي هو المتغير المستقل، الذي يؤثر على المتغير التابع ممثلاً في العلاقات الدولية، وتتمثل بعض تأثيرات التطور التكنولوجي على النظام الدولي في التالي: 1- دعم النمو الاقتصادي: ساعدت التكنولوجي­ا دولاً مثل الصين والهند في اللحاق بالاقتصادا­ت الصناعية المتقدمة، خاصة أن الإبداع التكنولوجي ساهم في النمو الاقتصادي للدول

المتقدمة، وذلك بنسبة تتراوح بين 60% و85% من إجمالي نموها الاقتصادي)2 .) 2- اندلاع الحروب والصراعات المسلحة: لعبت التكنولوجي­ا دوراً مؤثراً في اندلاع الصراعات منذ قديم الزمن، وتحديداً منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام 1919، فقد كان أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع هذه الحرب هو اقتراب ألمانيا من الوصول للتطور التكنولوجي­ا نفسه لبريطانيا، فضلاً عن اقتراب روسيا من مستوى التطور التكنولوجي ذاته لألمانيا، وساهم هذا الاعتبار في اندلاع الحرب بين القوى الدولية الرئيسية في النظام الدولي آنذاك)3.) 3- تحقيق توازن القوى: باتت العديد من الدول تدرك أن التكنولوجي­ا تعد عاملاً مهماً في قوة الدولة، ولذلك باتت تسعى إلى حمايتها، ومنع الدول المناوئة من حيازتها، ويأتي من ضمنها الشركات التكنولوجي­ة المتقدمة، وغالباً ما يتم ذلك تحت ذريعة حماية الأمن القومي للدولة)4.)

وأطلق البعض على ذلك تسمية “التوازن الداخلي غير العسكري” ‪Non-Military Internal Balancing(‬ ،) إذ إنه عادة ما تلجأ الدول إلى تحقيق توازن القوة في مواجهة دولة أخرى، إما من خلال تبني خطوات لتعزيز شبكة تحالفاتها الإقليمية، أو الدولية، أو إضعاف التحالفات المناوئة لها، فيما يعرف باسم “التوازن الخارجي” ‪External Balanc-(‬ ing،) أو من خلال تنمية قدراتها الاقتصادية، أو زيادة قوتها العسكرية، فيما يعرف باسم “التوازن الداخلي” Internal( .)Balancing

ويندرج ضمن أدوات تحقيق التوازن الداخلي، تعزيز الدولة لقدراتها التكنولوجي­ة، أو منع الدول الأخرى من الاستحواذ والسيطرة على الشركات التكنولوجي­ة المتقدمة التابعة لها، إذ إن القدرات التكنولوجي­ة للدولة تتسم بطبيعة مزدوجة، فهي تساعد على تعزيز النمو الاقتصادي للدولة، كما أنها تساهم في دعم قوتها العسكرية في الوقت ذاته. ومن ثم، فإن تبني بعض الدول تدابير عقابية ضد شركات التكنولوجي­ا، يمكن فهمه في إطار حرص الدولة على موازنة قوتها تجاه هذه الدولة)5.)

ثانياً: هواج�س وا�شنطن تجاه هواوي

قررت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا تحجيم استخدام أجهزة المحمول، التي تنتجها شركة هواوي، بسبب الهواجس المتعلقة بارتباط الشركة بالأجهزة الأمنية الصينية، ويرجع ذلك إلى الخلفية العسكرية لمؤسسها، فضلاً عن تمرير بكين قانوناً في عام 2005 يجبر شركاءها على مساندة الحكومة في المسائل المتعلقة بالأمن القومي. وساورت كل من فرنسا وألمانيا واليابان وتشيكيا هواجس مماثلة. وتتمثل الأسباب وراء ذلك القرار في التالي: 1- التجسس الصناعي لهواوي: تتهم الولايات المتحدة الشركة باستخدام أساليب عدائية لتعزيز صعودها دولياً، ويأتي من ضمنها التجسس الصناعي على شركات الدول الأخرى. وعلى الرغم من أن التجسس على الشركات لا تعد تهمة جديدة على الشركات الصينية، فإن بكين باتت تقوم بذلك بوتيرة متصاعدة تفوق أي وقت مضى.

واتضح ذلك الأمر في ارتفاع عدد الملاحقات القضائية ضد شخصيات وشركات صينية بتهمة التجسس على الشركات الغربية، وكان أحد الأسباب التي أدت إلى ذلك تبني الصين خطة استراتيجية في عام 2015، والتي عرفت باسم “صنع في الصين 2025”، والتي تهدف إلى تحويل الصين إلى محور للتكنولوجي­ا العالمية)6.)

ويأتي في هذا الإطار اتهام “سينكس لابز” CNEX( Labs،) وهي شركة ناشئة في مجال الرقائق الإلكتروني­ة في وادي السيليكون في الولايات المتحدة، نائب رئيس مجلس إدارة شركة هواوي الصينية، إريك شو، بالمشاركة في مؤامرة لسرقة أحد أسرارها التجارية، وهي تقنية التخزين الحاسوبية في أقراص الحالة الصلبة SSD(،) وذلك بمساعدة جامعة صينية.

ولا تعد هذه الحالة الوحيدة التي تُتهم فيها شركة هواوي بالسعي إلى سرقة أسرار تجارية من شركة أمريكية، إذ إنها متهمة بسرقة تفاصيل روبوت اختبار للهواتف الذكية، من شركة “تي- موبايل” T-Mobile(،) كما أنها متهمة بسرقة أسرار تجارية، وملكية فكرية، لتقنية زجاج الهواتف الذكية من شركة أشباه الموصلات “أكان سيميكوندكت­ور” Akhan( ‪.) 7( )Semiconduc­tor‬ 2- التجسس على الأفراد والبنية التحتية: حذرت المخابرات الأمريكية مواطنيها رسمياً من استخدام هواتف هواوي الصينية، وشركة خدمات الاتصالات والصناعات الصينية ZTE(،) إذ أشار مسؤولون كبار من وكالة المخابرات المركزية، ووكالة الأمن القومي، ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات العسكرية، أمام لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ بأن الشركتين تتجسسان على بيانات العملاء الشخصية لصالح بكين.

وأكد بعض المسؤولين الأمريكيين أن الصين طلبت فعلاً من هواوي تزويدها بالبيانات الشخصية لأفراد في دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة. ولذلك منعتها الحكومة الأمريكية من بيع التكنولوجي­ا لبعض الوكالات الاتحادية.

كما أوضح كريس واري، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي أن هناك خطراً آخر يتمثل في السماح لشركة أجنبية كشركة هواوي الصينية، بالدخول في البنية التحتية للاتصالات في البلاد، إذ أوضح أن الشركة لديها القدرة على تعديل أو سرقة المعلومات أو التجسس بطريقة غير معلنة لصالح الحكومة الصينية.

ونفت الشركتان الصينيتان هذه الاتهامات، واعتبرت أن هذه الاتهامات موجهة للتأثير على مبيعات الشركة، سواء في الولايات المتحدة أو خارجها، خاصة أن لديها نشاطاً في أكثر من 170 دولة حول العالم)8(. فقد نجحت شركة هواوي في زيادة نصيبها من مبيعات الهواتف المحمولة حول العالم. واحتلت منذ 2010 مراتب متقدمة في قائمة أعلى الشركات

إنتاجاً ومبيعاً، بعد أن حققت أرباحاً صافية تقدر بحوالي 8.8 مليار دولار في عام 9( 2018.)

وأبدى بعض حلفاء واشنطن اقتناعاً بالهواجس الأمنية الأمريكية، إذ أكدت فرنسا أنها لن تتعاقد مع شركة هواوي الصينية لبناء شبكة جديدة لصالح شركة أورانج تيلكوم الفرنسية، وهو ما يعكس اقتناعاً من جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بدعاوى الحكومة الأمريكية بأن هواوي باب للتجسس على واشنطن وحلفائها)10(. ولم يختلف الموقف الأسترالي كثيراً عن نظيره الفرنسي، فقد اتخذت الحكومة الأسترالية تدابير عقابية على شركة هواوي الصينية، مؤكدة أن الشركة تخضع لتوجيهات بكين، وهو ما يخالف تشريعات الحكومة الأسترالية)11 .)

وفي المقابل، رفضت وزارة الخارجية الصينية ما نسب لشركة هواوي، مؤكدة أن الصين تأمل من جميع الدول الالتزام بمبدأ المنافسة العادلة في إشارة إلى أن واشنطن توجه هذه الاتهامات للتأثير على مبيعات الشركة، لصالح الهواتف التي تنتجها الشركات الأمريكية.

وعلى الجانب الآخر، فإنه إذا كانت بكين تستخدم شركة المحمول هواوي للتجسس على الأفراد، فإن فضيحة إدوارد سنودن قد كشفت عن اتهامات مماثلة للحكومة الأمريكية، فقد كشف أن وكالة الأمن القومي الأمريكي كانت تحتفظ ب “أبواب خلفية” Backdoors() للتجسس على أجهزة الكمبيوتر المحمول والهواتف المحمولة وغير ذلك)12.) 3- انتهاك العقوبات على إيران: اعتقلت السلطات الكندية مديرة شركة هواوي الصينية وابنة مؤسسها مين شنج، وفقاً لطلب السلطات الأمريكية، إذ تتهمها واشنطن بالتحايل على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، إذ أسست شركة هواوي شركتين، وزعمت أنهما مستقلتين عنها، إحداهما هي شركة “سكايكوم تك” المحدودة لبيع معدات الاتصالات، وتتخصص الشركة في بيع معدات الاتصالات في السوق الإيراني.

واستخدمت المديرة المالية منغ وان تشو “سكايكوم تك” في بيع معدات اتصالات إلى إيران وتحويل الأموال من خلال النظام المصرفي العالمي، بينما قامت البنوك بتسوية معاملات بمئات ملايين الدولارات غير مدركة أنها ربما تنطوي على مخالفة للعقوبات التي كانت واشنطن تفرضها في ذلك الوقت على التعاملات مع إيران)13.)

ثالثاً: حقيقة ال�شراع الأمريكي – ال�شيني

يعد الصراع الدائر بين واشنطن وبكين حول هواوي ملمحاً واحداً فقط من الصراع الأكبر بين البلدين، والذي يضم قضايا أخرى، ترتبط بالصراع التجاري بينهما، فضلاً عن الصراع الجيواسترا­تيجي، ومساعي بكين للهيمنة على بحر الصين الجنوبي، ومحاولة واشنطن عرقلة هذه الجهود.

وفي ضوء هذه العلاقة المتوترة، يثار التساؤل حول الأسباب الحقيقية التي دفعت إلى تبني واشنطن هذه المواقف من شركة هواوي الصينية، وهل تعد محقة في اتهاماتها للشركة، أم أنها تسعى إلى توظيف هذه الادعاءات من أجل عرقلة نمو الشركة، كما تذهب بكين.

ويلاحظ أن بعض المسؤولين الدوليين مثل هولين زاو، أمين عام الاتحاد الدولي للاتصالات، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة في جنيف، يشككون في صحة الاتهامات الأمريكية لهواوي، وكذلك دوافعها، إذ يرى زاو أنه ليس هناك أي دليل ملموس على مزاعم واشنطن ضد هواوي، كما استبعد أية شبهات أمنية تمس شركة هواوي الصينية، مؤكداً أن ادعاءات واشنطن ترتبط أكثر بالسياسة والتجارة، وليس الأمن.

ومن جهة ثانية، فإن بعض الدول المقربة من واشنطن، مثل بريطانيا، مضت قدماً في التعاون مع الشركة الصينية على الرغم من تحذيرات واشنطن، فقد أعطت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي الضوء الأخضر لشركة هواوي للمساعدة في بناء شبكة الجيل الخامس من المحمول، وتجاهلت تحذيرات واشنطن الأمنية)14(، وإن كان من الملاحظ أن دورها سيقتصر على تقديم تجهيزات غير مركزية مثل الهوائيات والمحطات القاعدية.

وعلى الجانب الآخر، ترى بكين أن واشنطن تتبنى عدداً واسعاً من الإجراءات والتدابير الاقتصادية والسياسية والدبلوماس­ية لتحجيم الانتشار الهائل لشركات هواوي الصينية، بالتنسيق مع حلفائها في أوروبا الغربية وآسيا وكندا)15(. ويرتبط ذلك بمخاوف واشنطن من النمو المتسارع للاقتصاد الصيني، خاصة أن بكين أصبحت أكبر مصنع للأجهزة الإلكتروني­ة، خاصة الهواتف المحمولة على نحو يجعل لها الصدارة أكثر من أي بلد آخر)16.)

وما يزيد مخاوف واشنطن خطة بكين الرامية إلى تطوير اقتصادها بموجب استراتيجية “صنع في الصين 2025،” وهي خطة ترمي إلى خفض اعتماد البلاد على التكنولوجي­ا الأجنبية، عبر زيادة المكون محلي الصنع في الصناعات الأساسية إلى 40% بحلول عام 2020 ثم إلى 70% بحلول عام 17( 2025.)

وقوبلت الخطة بشكل عدائي من الولايات المتحدة، التي تهيمن حالياً على قطاع التكنولوجي­ا المتقدمة، معتبرة أن بكين تستهدف “سرقة” مجهودها العلمي وابتكاراته­ا ومن ثم البناء عليها للسيطرة على القطاع التكنولوجي وإزاحتها من القمة التي تربعت عليها لسنوات طويلة، وهو ما يفسر أسباب عداء واشنطن لهواوي، والتي اتهمتها بسرقة براءات الاختراع لكبريات الشركات الأمريكية)18.)

حذرت المخابرات الأمريكية مواطنيها رسمياً من استخدام هواتف هواوي الصينية، وشركة خدمات الاتصالات والصناعات الصينية ZTE(،) إذ أشار مسؤولون كبار من وكالة المخابرات المركزية، ووكالة الأمن القومي، ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات العسكرية، أمام لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ بأن الشركتين تتجسسان على بيانات العملاء الشخصية لصالح بكين.

ولا تقتصر الهواجس على واشنطن وحدها، بل إن العديد من الدول الغربية بات يتنبه للمحاولات الصينية للاستحواذ على شركات التكنولوجي­ا فائقة التقدم، ولذلك باتت هذه الدول تتبنى تدابير لمنع احتكار الصين للصناعات التقنية والتكنولوج­ية، كما قامت كل من اليابان والولايات المتحدة بالتنسيق فيما بينهما وتبني سياسات تجارية مشتركة للوقوف في وجه التفوق التجاري الصيني على المستوى العالمي)19.)

وهناك مؤشرات عدة على القدرات الكامنة للاقتصاد الصيني مستقبلاً، إذ إن هناك أكثر من 160 مدينة تجاوز سكانها أكثر من مليون نسمة، أي أن الكثافة السكانية لأهم المدن الصينية تزيد على الكثافة السكانية لأهم المدن الأمريكية، كما تتعاقد الصين على شراء النفط والغاز الطبيعي بكميات كبيرة من شركات سعودية وروسية، وتخزن الحديد والفولاذ بنسب تفوق نظيرتها من المدن الصناعية الدولية لتصنيع كل أنواع المنتجات الصناعية عالية الجودة)20.)

ومن جهة ثانية، فإن الطلب الدولي على البضائع الصينية يفوق طلب بكين على منتجات العالم بوجه عام، وهو ما ساعدها على بناء احتياطات مالية ضخمة مقومة بالدولار الأمريكي، كما أنها استثمرت جانباً من هذه الأموال في شراء أذون الخزانة الأمريكية، الأمر الذي يمكنها من توظيف ذلك للتأثير على سعر الدولار الأمريكي دولياً، وإن كان ذلك لن يأتي من دون تكلفة تتمثل في التأثير على مدخرات الاقتصادي الصيني نفسه المقومة بالدولار)21.)

ويضاف إلى ما سبق، نجاح بكين في امتلاك شركات قادرة على المنافسة في الأسواق الدولية وتحقيقها معدلات استثمارية عالية، بل وتتمتع بقدرات تقنية عالية، تمكنّها من منافسة نظيرتها من المنتجات الأمريكية والغربية)22.)

الخاتمة

من العرض السابق، يتضح أن أزمة هواوي عكست في جانب منها صراعاً أوسع بين واشنطن وبكين حول من يحقق الريادة في مجال التكنولوجي­ا فائقة التقدم، وهو الصراع الذي تنامى مع صعود بكين باعتبارها أحد أقطاب النظام الدولي الجديد، ومخاوف واشنطن من إمكانية نجاح الصين في تجاوز الاقتصاد الأمريكي ليصبح الاقتصاد الصيني هو الأول عالمياً، خاصة مع نجاحها في تصنيع منتجات تكنولوجية متقدمة، مثل الهواتف المحمولة، وشبكات الجيل الخامس، بأسعار تنافسية، تفوق نظيرتها الأمريكية والأوروبية.

وفي ضوء هذا الوضع، لم يكن من المستبعد تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين، خاصة مع تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، وتبنيه شعار “صنع في الولايات المتحدة” في محاولة منه لتعزيز صادرات الاقتصاد الأمريكي، وتقليص عجز التبادل التجاري مع بكين، والذي يصب في صالح الأخيرة وبفارق كبير.

ومع التسليم بصحة الاتهامات الأمريكية باحتمالية تورط الشركات الصينية، ومنها شركة هواوي، في التجسس الصناعي على الشركات الأمريكية، وهو اتهام لا يطول الشركات الصينية وحدها، ولكن يتعداها ليشمل شركات دولية أخرى، مثل شركات كوريا الجنوبية، فإن نجاح هواوي في الهيمنة وبسرعة على إنتاج شبكات الجيل الخامس من المحمول، فضلاً عن قدرتها على إنتاج هواتف ذكية، وبأسعار تنافسية، يمثل تهديداً مباشراً للشركات الأمريكية، وساهم في إشعال التوتر بين البلدين)23.)

ولا يتوقع أن يهدأ الصراع بين الجانبين في مجال التكنولوجي­ا المتقدمة، بل يتوقع أن يزداد، خاصة مع إصرار بكين على مواصلة التجسس الصناعي على الشركات الأمريكية، غير أنه في المقابل، تدرك واشنطن وبكين جيداً حجم الاعتماد الاقتصادي المتبادل بينهما في النظام الاقتصادي الدولي، على نحو يجعل تصعيد الصراع بينهما، لا يؤثر وحسب على نمو اقتصاد البلدين، ولكن كذلك على نمو الاقتصاد العالمي بأسره، ومن ثم فإنه من المرجح بدرجة كبيرة أن تسعى الدولتان لمحاولة تحجيم الصراع الدولي بينهما، وليس علاجه تماماً، خاصة أن الاتهامات الأمريكية للصين بانتهاك حقوق الملكية الفكرية الأمريكية تمتد على مدار عقود عدة.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates