Trending Events

نمو تجارة المخدرات وانعكاساته­ا الإقليمية والدولية

نمو تجارة المخدرات وانعكاساته­ا الإقليمية والدولية

- سانتياجو فيار

أشار تقرير المخدرات العالمي لعام 2019 إلى أن عدد من تعاطوا المخدرات في عام 2018 بلغ نحو 271 مليون شخص، أو %5.5 من سكان العالم، ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً، وأن نسبة متعاطي المخدرات ارتفعت بحوالي %30 خلال السنوات العشر الماضية. وتحتل أمريكا اللاتينية مركزاً متقدماً في هذه التجارة، وتحديداً تجارة الكوكايين، بما يتركه ذلك من تداعيات سلبية إقليمية ودولية.

شهد العقد الماضي توسعاً وتنوعاً في سوق المخدرات. وتلعب أمريكا اللاتينية دوراً رئيسياً في إنتاج الكوكايين تحديداً، وتعجز أغلب حكومات القارة عن وقف الاتجار فيه، بسبب سطوة الجماعات الإجرامية المتورطة فيها.

ويلقي هذا التحليل الضوء على أهم الدول المنتجة للكوكايين، والممرات الرئيسية لتهريبه، بالإضافة إلى التداعيات المرتبطة بهذه التجارة على الأمن الإقليمي والدولي، سواء تمثلت في تصاعد العنف بين دول أمريكا اللاتينية، أو انعكاساته في أقاليم العالم الأخرى، وتحديداً أفريقيا وآسيا.

اأولً: الحتكار اللاتيني للكوكايين

زاد إنتاج الكوكايين على مستوى العالم بأكثر من الضعف خلال الفترة من عام 2013 إلى 2017، وفقاً لتقرير المخدرات الدولي، كما زاد بنسبة 25% بين عامي 2016 و2017، ليصل إجمالي إنتاج الكوكايين الخام )درجة نقاء 100%( إلى حوالي 1976 طناً، وهو إنتاج ضخم للغاية.

ويقدر عدد متعاطي الكوكايين على مستوى العالم بنحو 18.1 مليون شخص في عام 2017، أي ما يعادل 0.4% من سكان العالم الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً، وفقاً لتقرير المخدرات. كما ارتفع استهلاك الكوكايين في عام 2018 مقارنة بالعام الذي يسبقه، في مختلف مناطق العالم.

فقد ارتفع استهلاك الكوكايين في أوقيانوسيا )أستراليا ونيوزيلندا( بحوالي 2.2%، وفي أمريكا الشمالية بنسبة 2.1،% وأوروبا الغربية والوسطى ب 1.3%، وأمريكا الجنوبية بحوالي 1%. ويمكن اعتبار المملكة المتحدة وإسبانيا وهولندا من الأسواق الرئيسية لاستهلاك الكوكايين خارج الأمريكيتي­ن(1.)

ويلاحظ أن هناك تقسيماً للأدوار في أمريكا اللاتينية بين دول الإنتاج ودول الممر أو الترانزيت، ودول التصنيع، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 1- دول الإنتاج: تحتكر ثلاث دول فقط في أمريكا اللاتينية إنتاج الكوكايين عالمياً، وهي بوليفيا وكولومبيا وبيرو. وتعرف هذه الدول الثلاث بمسمى "الدول المنتجة"، حيث تتم هناك زراعة أوراق الكوكا(2.)

وزاد إنتاج الكوكايين في كولومبيا فقط بأكثر من أربعة أضعاف خلال الفترة من 2013 إلى 2017، حيث ارتفع إنتاج محصول أوراق الكوكا في كولومبيا في 2017 بنسبة 32%، وزادت مساحة الأراضي المزروعة بالكوكا بحوالي 17%، مما أدى إلى زيادة إنتاج الكوكايين بنسبة 31،% ليصل إلى 1379 طناً، أي ما يعادل حوالي 70% من إجمالي إنتاج الكوكايين في العالم.

وأظهر تحقيق أُجري مؤخراً أن كيلوجراماً واحداً من

الكوكايين النقي، الذي يتم شحنه بحراً من أمريكا اللاتينية إلى دول التصدير، يصل سعره في السواحل اللاتينية حوالي ثمانية آلاف دولار أمريكي، بينما يرتفع سعره بحوالي عشرة أضعاف عند وصوله إلى القارة الأوروبية، ويتضاعف سعره مرتين عند تداوله في شوارعها(3.) 2- دول الممر: تعتبر البرازيل واحدة من أهم دول عبور المخدرات في أمريكا اللاتينية، وهو ما يرجع إلى ارتفاع استهلاك الكوكايين محلياً، فضلاً عن كونها مقصداً أساسياً لشحنات المخدرات القادمة من كولومبيا وبيرو وبوليفيا، وذلك لتصدير هذه الشحنات عبر السواحل البرازيلية إلى باقي دول العالم. ويتم تهريب الكوكايين الكولومبي عبر المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من البرازيل، أما الكوكايين القادم من بيرو وبوليفيا فيتجه بصورة رئيسية إلى ميناء سانتوس في مدينة ساو باولو البرازيلية في الجنوب.

وتعد فنزويلا أيضاً من أهم دول العبور، بسبب ارتفاع معدلات الفساد بها، الأمر الذي يساعد المنظمات الإجرامية على نقل كميات هائلة من الكوكايين عبر حدودها من دون مواجهة مشاكل كبيرة، فضلاً عن موقعها الجغرافي، إذ إن فنزويلا تعد البوابة الرئيسية لنقل المخدرات إلى منطقة الكاريبي وغرب أفريقيا، وهما الطريقان الرئيسيان لتزويد الولايات المتحدة وأوروبا بالمخدرات على التوالي( 4 .)

ويتم نقل الكوكايين خارج القارة عبر المحيط، وعادة ما يتم نقله أولاً إلى سواحل غرب أفريقيا، وذلك قبل إعادة توجيهه إلى مقصده الرئيسي في أوروبا. ووفقاً لبعض التحليلات، فإنه توجد ثلاث نقاط لاستقبال المخدرات في غرب أفريقيا، وهي كالتالي: أ- غينيا بيساو: تعد غينيا هي أقرب نقطة إلى أمريكا اللاتينية، وبها العديد من الجزر غير المأهولة، التي يتمكن فيها مهربو المخدرات من تفريغ شحناتهم من الكوكايين قبل إعادة نقلها إلى وجهات أخرى. ب- موريتانيا: تمر شحنات الكوكايين عبر الأراضي الموريتاني­ة لتتجه إلى باقي الدول الأفريقية، أو إلى دول شمال أفريقيا، وتحديداً ليبيا أو الجزائر، لكي تعبر البحر المتوسط إلى الدول الأوروبية. ج- خليج بنين: يشمل خليج بنين سواحل كل من غانا ونيجيريا، والتي يتمركز فيها أغلب عصابات تهريب المخدرات. وبات يكتسب هذا الطريق اهتماماً متصاعداً من جانب الدول المعنية بمكافحة تجارة المخدرات، خاصة أن ثلث الاستهلاك الأوروبي من الكوكايين يمر عبره، كما أن هذا الطريق يمكن أن يتم توظيفه في فتح أسواق جديدة في آسيا وأوقيانوسي­ا(5.) 3- دول التصنيع: تعد المنطقة المعروفة بمسمى الحدود الثلاثية، وهي الحدود المشتركة بين الأرجنتين والبرازيل

وباراجواي، هي الطريق شبه الإلزامي لشحنات المخدرات الكبيرة القادمة من كولومبيا ومن الجبال الوسطى في بيرو إلى "مطابخ المخدرات"، أو أماكن تصنيع المخدرات، حيث يتم إنتاج معجون الكوكايين الخام وهيدروكلور­يد الكوكايين. وعادة ما يُخلط الكوكايين النقي بمواد أخرى داخل دول العبور من أجل تحقيق أرباح إضافية.

ويتم تكرير المعجون الخام، في المناطق القريبة من مدينة "سانتا كروز دي لا سييرا" البوليفية، ثم يتجه الكوكايين المصنَّع إلى باراغواي، وتحديداً مدينة "سيوداد ديل إستي" الواقعة قرب الحدود البرازيلية، ثم تتجه بعدها إما إلى مدينة "ساو باولو" البرازيلية، أو "بويرتو إجوازو" الأرجنتيني­ة.

ثانياً: التداعيات الإقليمية والدولية

أثرت تجارة المخدرات على الاستقرار الإقليمي في منطقة أمريكا اللاتينية، خاصة في ضوء ارتفاع معدلات العنف وجرائم القتل في القارة، كما كان لها بعض الارتدادات الدولية، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 1- اضطرابات إقليمية: أضرت تجارة المخدرات بسيادة الدول في أمريكا اللاتينية، كما ساهمت في ارتفاع معدلات العنف، وتقويض الاستقرار، نتيجة للصراع فيما بينها، وهو ما يمكن توضيحه في التالي: أ- تهديد سيادة الدولة: تفرض عصابات المخدرات سيطرتها على مساحات واسعة من أراضي الدولة في أمريكا اللاتينية، بل وتقوم في بعض المناطق بممارسة بعض سلطات الدولة، مثل توفير خدمات الأمن لبعض السكان، أو حتى تحصيل الضرائب، وتعجز السلطات المحلية عن كبحها.

وليس أدل على ذلك من إطلاق السلطات المكسيكية سراح نجل خواكين غوزمان "إل تشابو"، إمبراطور تجارة المخدرات في البلاد، بعد ساعات من احتجازه، وذلك إثر قيام عصابته بالدخول في مواجهات مع الشرطة في مدينة كولياكان شمال البلاد ونجاحها في إسقاط ضحايا من القوات الأمنية(6.) ب- ارتفاع معدلات العنف: تتصدر أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي إحصائيات العنف على مستوى العالم، حيث يبلغ معدل جرائم القتل 22 فرداً لكل مائة ألف نسمة سنوياً، وهو ما يمثل أربعة أضعاف المتوسط العالمي، كما أن أمريكا اللاتينية تضم 41 مدينة من بين 50 مدينة سجلت أعلى معدلات لجرائم القتل في العالم.

وعلى الرغم من عدم وجود سوى 9% من سكان العالم في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، فإن 39% من إجمالي جرائم القتل حول العالم قد ارتُكبت في هذه المنطقة. وعلى الرغم من وجود عوامل أخرى، وراء العنف، فإن الاتجار في المخدرات يعد السبب الرئيسي(7.)

زاد إنتاج الكوكايين في كولومبيا فقط بأكر من أربعة أضعاف خلال الفترة من 2013 إلى 2017، حيث ارتفع إنتاج محصول أوراق الكوكا في كولومبيا في 2017 بنسبة %،32 وزادت مساحة الأراضي المزروعة بالكوكا بحوالي %17، مما أدى إلى زيادة إنتاج الكوكايين بنسبة %،31 ليصل إلى 1379 طناً، أي ما يعادل حوالي %70 من إجمالي إنتاج الكوكايين في العالم.

ج- تصاعد الصراع بين العصابات: تنشب صراعات بين العصابات للسيطرة على سوق المخدرات. وعادة ما تبدأ المعارك الدامية مع محاولة أكثر من جماعة مسلحة بالسيطرة على المنطقة نفسها.

ففي عام 2016، على سبيل المثال، بدأت حرب بين عصابة بريمر كوماندو دي لا كابيتال وعصابة كوماندو فيرميلهو، بعد هدنة استمرت ما يقرب من عقدين. ونشبت هذه الحرب بسبب رغبة كل منهما في فرض سيطرته على منطقة الحدود الثلاثية، خاصة مع اتساع نفوذ عصابة بريمر كوماندو دي لا كابيتال في السنوات الأخيرة، ونجاحها في التمدد إلى باراغواي وبوليفيا والأرجنتين(8.) 2- انعكاسات دولية: لم يقتصر عدم الاستقرار على عصابات أمريكا اللاتينية، بل امتدت إلى أقاليم أخرى، خاصة مع احتفاظ هذه العصابات بعلاقات بميليشيات مسلحة أجنبية، والتي يأتي في مقدمتها حزب الله اللبناني. ويعتمد نفوذ الحزب في أمريكا الجنوبية على مواطني أمريكا الجنوبية من ذوي الأصول اللبنانية، فضلاً عن ارتكازه على العلاقات التي تجمع بين إيران وعدد من دول أمريكا اللاتينية، خاصة فنزويلا.

ويعد حزب اله طرفاً رئيسياً في تجارة المخدرات العالمية، حيث يعد معقل الجماعة في وادي البقاع بلبنان أحد أهم منتجي الأفيون في العالم، والذي يتم إنتاجه كذلك في أمريكا اللاتينية. وفي عام 2016، اكتشفت هيئة مكافحة المخدرات الأمريكية كياناً داخل حزب اله مسؤولاً عن العمليات غير المشروعة منذ عام 2007 على الأقل، ويطلق عليه "فرع الشؤون التجارية" ضمن "وحدة العمليات الخارجية" الخاصة بالحزب، وأسسه الزعيم السابق للحزب عماد مغنية، ويخضع حالياً لقيادة عبد اله صفي الدين وأدهم طباجة(9.)

وفي ديسمبر 2017، حوكم علي عيسى شماس، وهو مواطن باراغاواني من أصل لبناني، وسُجن في ميامي بتهمة التورط في توزيع المخدرات لصالح حزب اله، وتم اعتقاله في الحدود الثلاثية في أغسطس 2016 أثناء محاولته إرسال 39 كجم من الكوكايين إلى تركيا. واعترف أمام محكمة أمريكية بدوره كوسيط دولي لتجارة المخدرات لصالح حزب اله.

وينشط الحرس الثوري الإيراني في هذه المنطقة لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف مصالح الدول المناوئة له. ومن أهم الأمثلة على ذلك منصور أربابسيار، وهو مواطن أمريكي –

إيراني، أُلقي القبض عليه في سبتمبر 2011 بسبب قيامه، بناء على توجيهات من الحرس الثوري الإيراني، باستئجار عناصر من عصابة لوس زيتاس المكسيكية لاغتيال السفير السعودي في واشنطن في نفس العام. كما كانت هناك خطة أخرى لقتل السفير السعودي في المكسيك(10.)

ويعتبر الحرس الثوري أن أمريكا اللاتينية ساحة لضرب الأهداف الأمريكية حال نشوء صراع مسلح بين طهران وواشنطن، فضلاً عن إمكانية توظيفها للتسلل إلى الداخل الأمريكي، لتنفيذ عمليات تخريبية. ففي نوفمبر 2017، اعتقلت السلطات الأمنية الأمريكية شخصين يعملان لصالح حزب الله، والحرس الثوري الإيراني، بسبب قيامهما بمحاولة تحديد مواقع السفارتين الأمريكية والإسرائيل­ية في بنما، فضلاً عن تقييم نقاط الضعف في مجرى قناة بنما.

وأثار وجود عناصر حزب اله في أمريكا اللاتينية مخاوف حكومات المنطقة، وعقدت الأرجنتين المؤتمر الوزاري الثاني لمكافحة الإرهاب في نصف الكرة الغربي في 19 يوليو 2019، والذي عبرت خلاله عن قلقها بشأن أنشطة حزب اله في بعض مناطق نصف الكرة الغربي. كما اتجهت بعض دول المنطقة إلى تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، مثل الأرجنتين، وهو ما ترتب عليه تجميد الحكومة لجميع أنشطته هناك( 11 .)

خاتمة

تمثل تجارة المخدرات تهديداً يصعب على دول أمريكا اللاتينية مواجهته على الرغم من الجهود التي تبذلها في هذا الإطار، نظراً لأنهم يسبقون الحكومات بخطوات حفاظاً على هذه التجارة المربحة للغاية، إذ تسعى عصابات المخدرات إلى توظيف أحدث الابتكارات التكنولوجي­ة في هذه التجارة، كما تتمتع بموارد مالية ضخمة. ولذلك زادت أنشطة هذه التجارة بصورة ملحوظة في السنوات الثلاثة الماضية.

ولاتزال تجارة بالمخدرات هي أكثر الأنشطة التجارية إدراراً للربح في العالم بعد تجارة الأسلحة، ومن العسير القضاء عليها. لذا فإن هناك حاجة إلى تعاون دولي في مواجهتها، فضلاً عن رفع كفاءة الأجهزة الأمنية في دول أمريكا اللاتينية. ونظراً لاستعصاء هذه المشكلة على الحل، فمن المرجح أن يتم ترك هذا الإرث الأسود للأجيال القادمة لمواجهته.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates