Trending Events

نقاط الارتكاز:

انتشار معارك السيطرة على المدن الرئيسية في الإقليم

-

وقد تسببت الضربات التركية في التأثير على كفاءته، بما يُقيِّد تحركات قوات النظام في المنطقة، خاصة مع نشر تركيا آلاف الجنود والمركبات العسكرية في محافظة إدلب لوقف تقدم القوات السورية .)

وفي ليبيا، استهدفت ميليشيات الوفاق، في 19 أبريل الماضي، آليات مسلحة وتمركزً لقوات الجيش الوطني الليبي في قاعدة الوطية الجوية، خاصة بعد سيطرة قوات الوفاق على مدينتي صبراتة وصرمان وكامل مناطق الساحل الغربي) وقد نجحت ميليشيات الوفاق في السيطرة على قاعدة الوطية في منتصف مايو الماضي.

ثم تعرضت القاعدة لقصف جوي في 6 يوليو 2020، حيث تم استهداف منظومات الدفاع الجوي التركية "صونغور"، والرادارات الثابتة والمتحركة، ومنظومة "كورال" للتشويش الإلكتروني، فيما اعتبر خسارة كبيرة بالنسبة لأنقرة) .) 3- مساعي السيطرة على الطرق الاستراتيج­ية: يظهر ذلك الأمر بوضوح في الصراع السوري؛ إذ يعد طريقا M4 )حلب - الاذقية(، وM5 (حلب - حماة( من أهم الطرق الرئيسية في سوريا، نظراً لأهميتهما الاستراتيج­ية والاقتصادي­ة والعسكرية) .)

ويبدأ طريق M5 في جنوب سوريا، بالقرب من الحدود مع الأردن، ويمتد شمالاً إلى مدينة حلب بالقرب من الحدود التركية. ويبلغ طوله 450 كيلومتراً ويربط أكبر أربع مدن ومراكز سكانية في الباد هي دمشق وحمص وحماة وحلب، ويقطع محافظة إدلب، كما كان يمثل هذا الطريق شرياناً اقتصادياً لسوريا.

ويعتبر طريق M4، الذي يمتد من حلب إلى الاذقية، من أهم الطرق الحيوية في شمال سوريا ذات الأهمية الاقتصادية، لكونه يربط المنطقة الشمالية والشرقية لسوريا بالمنطقة الغربية والساحلية) .)

وقد تمكنت قوات النظام السوري من استعادة السيطرة على معظم الطريقين الرئيسيين، بدعم إيراني وروسي، وهو ما مثَّل ضربة قاصمة للقوات التركية التي كانت تصارع للسيطرة على هذين الطريقين، على الرغم من اتفاق "سوتشي" بين روسيا وتركيا على "إنشاء منطقة منزوعة الساح في إدلب واستعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين") وتمت إعادة فتح طريق M4 في 25 مايو الماضي) في حين تم فتح طريق M5 في 22 فبراير بعد استعادة سيطرة نظام الأسد عليه) .)

ثانياً: دوافع ال�صيطرة على المدن الرئي�صية

تتعدد الأسباب التي تدفع الأطراف المتصارعة في الإقليم لزيادة حدة المعارك على المدن الرئيسية، ويتمثل أبرزها فيما يلي:

1- محورية الجغرافيا في حسم الصراعات الداخلية: تعزز السيطرة على المدن الرئيسية القدرة على التحكم في التفاعات الميدانية، والهيمنة على مسارات الإنتاج والحركة الاقتصادية، والانتفاع من عوائد إدارة الطرق الاستراتيج­ية الرئيسية عسكرياً واقتصادياً.

ففي ليبيا، استطاعت ميليشيات الوفاق، بمساعدة تركية، استعادة السيطرة على مدينتي صبراته وصرمان في غرب ليبيا، وهو ما أعطاها سيطرة ميدانية مكَّنتها من تكثيف الهجوم على قاعدة "ترهونة"، وهي القاعدة العسكرية الأهم لحفتر في غرب ليبيا، واستعادت السيطرة عليها في 5 يونيو 2020 وكذلك السيطرة على قاعدة "الوطية"، وإبعاد الجيش الليبي عن السيطرة على طرابلس من ناحية أخرى.

وعلى الجانب الآخر، ساهمت استعادة السيطرة على الجزء الأكبر من الطرق الرئيسية السورية )M5 – M4) في تحقيق مكاسب استراتيجية للنظام السوري؛ إذ ساهمت في تنشيط الحركة الاقتصادية، فضاً عن خفض الأسعار والبضائع بسبب سهولة نقلها بين دمشق وحلب وبقية المدن، كما حققت الطرق لقوات الجيش ميزة عسكرية تمثلت في قدرته على نقل المعدات عبر أرجاء سوريا) واستطاع الأسد السيطرة على 8 قرى في ريف إدلب على الطريق الدولي "إم 5"، كان أبرزها "معرة النعمان" الاستراتيج­ية، ثاني أكبر مدن إدلب، في آخر يناير 2020 .) 2- قطع خطوط الإمداد عن الخصوم: بعد سيطرتها على مدينتي صبراتة وصرمان ثم السيطرة على ترهونة، تمكنت ميليشيات الوفاق في ليبيا من قطع خطوط الإمداد عن قوات الجيش الليبي، وضبط كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر؛ مما أدى لسيطرتها على غرب ليبيا.

وساهمت سيطرة الأسد على الطرق الرئيسية في تحجيم إمدادات الساح للفصائل المسلحة، كما حرمتها أيضاً من العوائد المالية الضخمة التي تعود عليها من الضرائب والإتاوات التي كانت تفرضها على انتقال الأفراد والبضائع، بالإضافة إلى أجور "الترفيق" )أي مرافقة البضائع حتى وصولها() .)

ولم يتوقف الأمر عند ذلك بالنسبة لميليشيا الحوثي؛ إذ يستخدمون ميناء الحُديّدة في تهريب الأسلحة الإيرانية، فضاً عن أنهم يقومون بنهب جزء كبير من المساعدات الإنسانية التي تأتي عبر الميناء وتوزيعها على أتباعهم وبيع بعضها محلياً) .)

ويعد الميناء بالنسبة إليهم نقطة انطاق لشن هجمات بحرية ضد الماحة الدولية، خصوصاً السفن المدنية، كما أن ذلك يعد مرحلة أولى في طريق توسيع وجودهم على طول الشريط الساحلي وحتى باب "المندب" عند مدخل البحر الأحمر وخليج عدن) .)

وفي ليبيا، على الرغم من سيطرة حكومة الوفاق على عدة موانئ مهمة) فإن قوات الجيش الليبي تسيطر على أهم الموانئ المطلة على البحر المتوسط وهي طبرق، ودرنة،

وبنغازي، والسدرة، ورأس لانوف. والتي تدر عليها عائدات مالية كبيرة نتيجة لحركة التجارة من خالها) .) 3- السيطرة على الموارد الطبيعية: يرتبط حرص ميليشيات الوفاق وتركيا على السيطرة على سرت لكونها تتوسط المسافة بين طرابلس وبنغازي على الساحل الليبي، وهي تفتح الباب للسيطرة على مناطق الهال النفطي شرق الباد، حيث تدرك أنقرة جيداً أن السيطرة على الغرب الليبي من دون الهال النفطي لا تحقق تطلعاتها في الهيمنة على الثروات النفطية الليبية.

وعلى الرغم من المحاولات الدولية والإقليمية من أجل وقف إطاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات، فإن أنقرة تسعى لاقتناص مدينة سرت مهما كان الثمن، خاصةً أن المنطقة تحتوي على نسبة 80% من إنتاج الباد النفطي، إلى جانب مساهمتها بنسبة 60% من إجمالي الصادرات الخارجية النفطية الليبية؛ نظراً لوجود الحقول النفطية مثل "السرير" و"مسلة" و"النافورة"، كما تقع بها أكبر مصافي ومجمعات تكرير البترول، وموانئ تصديره) .)

وقد شهدت بعض المدن الرئيسية في شمال شرق سوريا انخراطاً إقليمياً ودولياً كثيفاً خال السنوات الأخيرة، في ظل تركز نحو جانب كبير من الثروة النفطية السورية فيها إلى جانب 45% من إنتاج الغاز، كذلك فقد سعت التنظيمات الإرهابية لاسيما تنظيم "داعش" إلى تعزيز سيطرته في تلك المدن قبل أن يتم طرده منها من جانب قوات سوريا الديمقراطي­ة في مارس عام 2019 .)

ثالثاً: تداعيات �صراعات المدن"

تثير صراعات السيطرة على المدن عدة تداعيات يتمثل أهمها فيما يلي: 1- إطالة أمد الصراعات: إن تناوب السيطرة على المدن الكبرى والمراكز الحضرية بين القوى المتصارعة في دول المنطقة من شأنه أن يطيل أمد الصراعات الداخلية، ولا ينذر بنهايتها قريباً لصالح أحد الأطراف.

ففي ليبيا، استعادت حكومة الوفاق الوطني، بدعم تركي مكثف، سيطرتها على معظم المدن الرئيسية غرب الباد كصبراتة وصرمان والعجيات، ورقدالين، وزلطن، والجميل، والعسة، وجميعها تقع على الساحل الغربي، وكذلك قاعدة ترهونة. وهو ما دفعها للمزيد من التصعيد، حيث رفضت حكومة الوفاق "إعان القاهرة" في 6 يونيو 2020 لإنهاء النزاع في ليبيا، مؤكدة أنها "لم تبدأ الحرب، لكنها هي التي ستحدد مكان وزمان نهايتها") .)

وينطبق الأمر ذاته على الحالتين السورية واليمنية؛ ففي سوريا ستؤدي جولات السيطرة على إدلب والطرق الرئيسية بها بين قوات الأسد والفصائل المسلحة إلى إطالة أمد الصراع، أما في اليمن فليس من المرجح أن يترك الحوثيون ميناء الحُدَيَّدة ببساطة لأهميته الاستراتيج­ية لهم، وسيظل الصراع قائماً بين قوات التحالف العربي وميليشيا الحوثي

المدعومة من إيران على المدينة ومينائها الأكثر أهمية في اليمن. 2- تزايد الانخراط الإقليمي والدولي: يُرجح أن يتزايد الانخراط الإقليمي والدولي في الصراعات القائمة في المنطقة، ففي سوريا، تظل القوى الإقليمية والدولية فاعلة بشكل كبير في الصراع، وتتباين مصالح كل طرف، وطبيعة دعمه لحلفائه في الصراع. كذلك ارتفع مستوى التدخات الإقليمية والدولية في الصراع الليبي في الفترات الأخيرة، حتى تحوّل الصراع إلى حرب بالوكالة؛ إذ يؤثر المشهد الليبي حالياً على مصالح عدد من الدول لأهميتها الجغرافية والاقتصادي­ة، بالإضافة إلى انخراط القوى الكبرى، مثل روسيا والولايات المتحدة والصين في هذا الصراع) .) 3- تغير توازنات القوى في الصراعات الداخلية: فقد ازداد الصراع الليبي تعقيداً خال العام الأخير، كانعكاس لزيادة عدد الفاعلين الدوليين المؤثرين، ورغبة كل فاعل بأن يفرض رؤيته التي تحقق مصالحه في ليبيا، وبالنظر إلى واقع الصراع وخريطة السيطرة وتبدلاتها، فيمكن القول إن الدعم التركي الذي ازدادت كثافته منذ مطلع 2020 ساهم بشكل كبير في اضطراب الأوضاع في ليبيا بسبب تزايد وتيرة التهديدات العسكرية.

وعلى الجانب السوري أيضاً تبدلت توازنات القوى في أعقاب التوافق بين روسيا وتركيا في مارس الماضي على وقف إطاق النار في إدلب، والتشارك في حماية وتأمين الطرق الرئيسية )M5 – M4) من خال دوريات المراقبة المشتركة.

وتوقع "المجلس الروسي للشؤون الدولية" حدوث تجاذبات مستقبلية في سوريا بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة وإيران على وقف إطاق النار، وتشكيل حكومة انتقالية تشمل المعارضة والنظام و"قوات سوريا الديمقراطي­ة"، وذلك بهدف تحجيم الصراع في سوريا وتأمين مصالح كل طرف على طاولة المفاوضات. 4- استمرار إخفاق الجهود الأممية: من غير المرجح أن تفلح الجهود الأممية على المديين القريب والمتوسط في وضع حد للنزاعات الدائمة في كل من ليبيا وسوريا واليمن، خاصة في ظل عدم تجاوب الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة في هذه الصراعات، ونزوعها للخيار العسكري لتعظيم المكاسب قبل التوجه إلى طاولة المفاوضات.

ختاماً، يمكن القول إن نمط معارك السيطرة على المدن الرئيسية في دول الصراع قد أفرز مزيداً من الاضطراب الإقليمي، وعلى الرغم من أنه يساهم إلى حد ما في إمالة كفة الصراع لأحد الأطراف، فإن تبدلات موازين القوى وجولات السيطرة على المدن بين القوى الفاعلة تطيل من أمد الصراع بشكل كبير، كما يجعل الرغبة في تحقيق انتصار عسكري باستعادة تلك المدن غالبة على الرغبة في إيجاد حل سياسي للأزمة، وهو ما يعكس تزايد حدة عدم الاستقرار الأمني والسياسي في دول الصراعات في المرحلة المقبلة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates