Trending Events

متى تنتهي الأوبئة؟

د. شريف البارودي

- د. شريف البارودي

قال ألفا كوندي، رئيس جمهورية غيينا إن ”الإيبولا أظهر للعالم أنه لم يكن مستعداً لمواجهة وباء بهذا الحجم“. وأعادت جائحة كورونا التأكيد لدول العالم، المتقدمة والنامية، على حد سواء، كيف أن الأوبئة لاتزال مهدداً حقيقياً لأمن الدول والمجتمعات.

تداعيات كارثية

ظهر فيروس كورونا في أحد أسواق الحيوانات الحية في مدينة ووهان الصينية، في أواخر عام 2019، لينتقل بعدها إلى كل بقاع العالم تقريباً. ومع إعان فيروس كورونا جائحة عالمية Pandemic() من قبل منظمة الصحة العالمية، صدر تقرير عن "جامعة أمبال كوليج" البريطانية Imperial( College) يضع ثاثة سيناريوهات للخيارات المتاحة للتعامل مع الجائحة، والتداعيات المترتبة على كل منها.

وتمثل السيناريو الأول في ألا تقوم الدول بتبني أي إجراءات أو تدابير وقائية، وهو الأمر الذي ستترتب عليه

وفاة حوالي 90 مليون شخص حول العالم، بينما يتمثل السيناريو الثاني في تبني الدول إجراءات لتحجيم تداعيات كورونا Mitigation(،) وذلك من خال عزل الحالات التي تظهر عليها أعراض المرض، وهو ما ستترتب عليه وفاة 50 مليون شخص حول العالم، وأخيراً، فإن السيناريو الثالث، يتمثل في إقدام الدول المختلفة على فرض حظر صحي شامل، بما يتضمنه ذلك من حظر للتجول، وإغاق الأنشطة الاقتصادية كافة لبعض الوقت، وهو السيناريو الذي تبنته أغلب دول العالم، وقدرت الجامعة البريطانية أن هذا السيناريو سيتسبب في وفاة حوالي مئات الآلاف حول العالم.

وبدأت الدول في التراجع عن هذا السيناريو، والاتجاه إلى إعادة فتح اقتصاداتها، نظراً للتكلفة المرتفعة لسيناريو الإغاق الاقتصادي، وتسببه في كساد اقتصادات كل الدول تقريباً، وارتفاع حاد في أعداد البطالة، غير أن المشكلة الأساسية هي أن ذلك الإجراء قد ينذر بارتفاع أعداد الإصابات والوفيات، خاصة إذا ما لم يتم تطوير لقاح لحماية غير المصابين، أو دواء لعاج مرضى كورونا. وهو ما يثير التساؤل حول كيفية انتهاء هذه الجائحة؟ وهو السؤال الذي ستتم الإجابة عليه عبر توضيح كيفية مواجهة الأوبئة في العالم القديم والحديث، لاستخاص النتائج حول كيفية انتهاء كوفيد 19.

اندثار الأوبئة التاريخية

تنوعت الوسائل التي اعتمدت عليها البشرية في مواجهة الأوبئة القديمة ما بين الحجر الصحي، أو اكتشاف لقاح أو دواء، أو تبني إجراءات للوقاية، وهو ما يتضح في التالي: -1 الطاعون البيزنطي: انتقل للقسطنطيني­ة في القرن السادس الميادي عن طريق الغال من مصر، وقتل هذا الوباء الشرس 50% من سكان العالم، وظل يقتل من البشر، حتى قضى على مدن كاملة، بينما نجا منه من اكتسب مناعة طبيعية في مواجهته. وظل الطاعون كامناً لمدة 800 عام، ثم عاد، من جديد، في صورة الموت الأسود. 2- الموت الأسود أو طاعون أوروبا: تسبب الطاعون في القرن الرابع عشر في موت 60% من سكان أوروبا

وثلث سكان العالم. وبدأ في شرق آسيا، وانتقل من خال طريق الحرير الصيني إلى أوروبا، بين عامي 1347 و1352.

وفي مجمله قلص الموت الأسود تعداد سكان العالم آنذاك من 500 مليون نسمة إلى 350 مليون. وكانت أكثر دولة عانت من وياته هي إيطاليا، تلتها إسبانيا، وفقدتا حوالي 80% من سكانهما، في حين فقدت باريس نصف سكانها، بينما كانت جرمانيا )ألمانيا حالياً( أقل الدول تضرراً وفقدت 20% من سكانها، كما انتقل من إيطاليا إلى مصر، وقضى على 40% من سكانها.

وخال فترة الموت الأسود، كانت السفن التي تصل لفينيسيا من كل أنحاء العالم تُجبر على البقاء في الميناء حسب القانون 30 يوماً Trentino() قبل السماح للبحارة بالنزول، وبعد أن وُجد أنها فترة غير آمنة بالحد الكافي، أصبحت 40 يوماً Quarantino(،) ومنها اشتقت تسمية Quarantine(،) أي الحجر الصحي، وكانت الطريقة الوحيدة التي عرفها العالم للسيطرة على انتشار هذا الوباء القاتل. 3- الجدري: تمكن هذا الوباء من القضاء على عدد كبير من البشر، بصورة فاقت أي وباء آخر على مدار التاريخ، إذ قضي على 95% من سكان أمريكا بعد اكتشافها، وقتل نصف مليار إنسان في القرن العشرين فقط، قبل القضاء عليه من خال اللقاح، الذي اكتشفه الطبيب والعالم البريطاني، إدوارد چينير، في نهاية القرن الثامن عشر، وذلك عندما لاحظ أن الفتيات الاتي يحلبن الأبقار، ويصيبهن فيروس "جدري البقر" Cowpox(،) لا يصيبهن مرض الجدري، ويكتسبن مناعة ضده. وبعد قرنين من هذا الاكتشاف، صار فيروس الجدري هو أول فيروس يتم القضاء عليه تماماً من العالم، بسبب التطعيم الشامل في عام 1979. 4- الكوليرا: عانى العالم خال القرنين التاسع عشر والعشرين، ويات 7 أوبئة عالمية للكوليرا، حصدت مجتمعة أرواح ما يقرب من 40 مليون شخص، في الهند وروسيا ومصر ومناطق أخرى. ولكن التطور في أساليب معالجة الجفاف، واستخدام المضادات الحيوية،

والتطور في معالجة مياه الشرب، ومنع اختاطها بمياه الصرف الصحي كلها أمور قضت على الكوليرا من العالم.

انتهاء اأوبئة الع�صر الحديث

انتهت أوبئة العصر الحديث من خال تمحور الفيروس، واختفائه تدريجياً، أو في تطوير عاج ولقاح فعّال في مواجهته، وذلك على النحو التالي: -1 الانفلونزا الإسبانية :)H1N1) تسبب هذا الفيروس خال عامي 1918 و1919، وعبر ثاث موجات في إصابة 500 مليون شخص، ووفاة ما بين 50 إلى 100 مليون شخص، حتى تحور لفيروس أقل شراسة، وظل موجوداً على مدار 40 عاماً، وإن بصورة أقل حدة، حتى أزاحه فيروس الأنفلونزا الآسيوية "إتش 2 إن 2" H2N2() عام 1959. 2- وباء السارس: ظهر في عام 2003، وتسبب فيه فيروس "سارس كوف" SARS-CoV(،) وتسبب في مقتل 774 شخصاً من أصل 8098 إصابة، وتمكن العالم من القضاء عليه عن طريق تشخيص المصابين، وعزلهم، والسيطرة على انتشاره. كما ساعدت خصائص الفيروس العالم في تحجيم انتشاره، حيث إنه كان يسبب دائماً مرضاً شديداً، ولا تنتقل العدوى سوى بعد عدة أيام من ظهور الأعراض. 3- جائحة أنفلونزا الخنازير: خشي العالم عند ظهورها أن تكون تكراراً للأنفلونزا الإسبانية القاتلة عام 1918، ولكن اكتشف لقاح لها بعد 6 أشهر من ظهورها، فضاً عن التوصل لعاج لها هو "أوسيلتاميف­ير" Oseltamivi­r(،) وتخلص العالم منها بسرعة فاقت المتوقع.

نهاية كوفيد

19 بعد المراجعة التاريخية لكيفية انتهاء الأوبئة السابقة، يمكن القول إن الجائحة الحالية سوف تنتهي من خال عدد من العوامل التي ساهمت في القضاء على الأوبئة التاريخية، والتي تتمثل في: 1- اللقاح: تسعى حالياً المئات من شركات الأدوية، بالتعاون مع أعرق الجامعات والمعامل البحثية، لإنتاج لقاح لفيروس كورونا في أقرب فرصة ممكنة، ولتصنيع ما يقرب من 8 مليارات جرعة مصل، ليتم تطعيم العالم كله ضده، وأعلنت شركة "أسترازينيك­ا" AstraZenec­a() أنها سوف تقوم بإنتاج مئات المايين من الجرعات للقاح، الذي تتم تجربته حالياً، حتى تكون جاهزة للتوزيع في حالة تحقيق التجارب عليه النتائج المرجوة منها. 2- العلاج: شهد العالم تطوراً كبيراً منذ آخر وباء عالمي قاتل، قبل قرن من الزمان، وباتت الدول أكثر قدرة على اكتشاف عاج للأمراض المختلفة، بسرعة فاقت طريقة التعامل مع الأوبئة السابقة، ويتكاتف كل علماء وأطباء العالم لإيجاد بروتوكولات عاج لمرض كوفيد 19، ويتم تغييرها وتعديلها، طبقاً لأحدث الدراسات المنشورة. ومن المتوقع أن تسفر كل هذه الجهود عن إيجاد عاج للمرض، خاصة مع توظيف كل القوى الاقتصادية والعلمية والفنية والبحثية والصناعية في العالم جهودها لمواجهة كوفيد 19. 3- التحور: عادة ما يؤدي انتشار الفيروسات وانتقالها لعدد كبير من الأفراد إلى تحورها لنسخة أضعف تستطيع إصابة الكثير من الناس من دون أن تقتلهم، ويختلف ذلك عن الفيروسات شديدة الفتك، مثل الإيبولا التي تقتل ما بين 60% – 90% من المصابين بها، إذ إن انتشارها عادة ما يكون محدوداً، وتنتهي بموت أو عاج آخر مصاب به. 4- الوقاية: تلعب عوامل مثل التباعد الاجتماعي، والالتزام بقواعد الحماية الشخصية، والإجراءات الوقائية، دوراً في الحد من انتشار جائحة كورونا، وذلك حتى يتمكن العالم من إيجاد لقاح للفيروس، أو عاج له، أو الاثنين معاً، أو يتحور الفيروس ويضعف تدريجياً.

وفي الختام، تحتاج الحكومات والمجتمعات للعمل معاً من أجل احتواء جائحة كورونا عبر اتباع إجراءات الوقاية، وذلك لتقليل أعداد المصابين والوفيات جرائها، حتى ينجح أحد الحلول الأربعة، أو جميعها في إزالة أحد أصعب التحديات التي واجهت العالم في عصره الحديث.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates