Trending Events

صناعة الأعداء:

هل تخلت تركيا عن "الوحدة الثمينة" في علاقاتها الخارجية؟

- عبداللطيف حجازي

ومساعدتها على الوصول للحكم في الدول العربية، بهدف إيجاد أنظمة حليفة لها في المنطقة.

وبتحول بعض الثورات العربية لحروب أهلية، كما هي الحال في سوريا وليبيا، انخرطت أنقرة في صراعات المنطقة، وهو ما أدى لتوتر عاقة أنقرة ببعض الدول، بما في ذلك الدول التي كانت تعتبر حليفاً تقليدياً لأنقرة، على غرار الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، ما جعل تركيا "وحيدة" في المنطقة، ووصف المسؤولون الأتراك ذلك ب"الوحدة الثمينة".

وكان كبير مستشاري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، هو أول من طرح مفهوم "الوحدة الثمينة" ‪Precious Loneliness(‬ ) كنهج في السياسة الخارجية لتركيا، في أغسطس 2013، عندما كان مستشاراً للشؤون الخارجية لرئيس الحكومة التركية أردوغان، آنذاك، وذلك رداً على الانتقادات الموجهة للسياسة الخارجية التركية تجاه المنطقة عقب أحداث الثورات العربية) حيث لعبت تركيا أدواراً تدخلية سلبية في المنطقة، وهو ما اختلف كلياً عن سياسة "صفر المشكات".

وشرح "كالين" رؤيته ل "الوحدة الثمينة" بالقول "إن سياسة تركيا الخارجية تستند لمجموعة من القيم والمبادئ التي تحقق مصالحها الوطنية، وإنه في بعض الأحيان قد تضطر للوقوف بمفردك للدفاع عن القيم التي تجدها صحيحة، ولا يمكن أن تتخلى عن مبادئك وقيمك لأن حلفاءك والدول الأخرى لا تقف إلى جانبك". وأضاف إذا وصف هذا الموقف بأنه وحدة، فسيكون ذلك "وحدة ثمينة"، مشدداً على أن ذلك لا يعني العزلة عن بقية العالم. ومن هذا المنطلق، برر كالين تدخل تركيا في سوريا، ومعارضتها لانتفاضة الشعب المصري في 2013 ضد الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي) .)

ثانياً: الوحدة الثمينة" في �صيا�صة اأنقرة الخارجية

انطاقاً من أن "الوحدة الثمينة" تقوم على دفاع الدولة عن مجموعة من المبادئ والقيم التي تحقق مصالحها الوطنية، من دون اكتراث لما قد يخلفه ذلك من عداوات مع الدول الأخرى، انتهجت تركيا سياسات سلبية، تخدم هدفها الرئيسي المتمثل في تعزيز نفوذها، وبسط هيمنتها، واستعادة ما يوصف ب"أمجاد الدولة العثمانية"، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 1- دعم جماعات الإسلام السياسي: غلّبت تركيا، عقب الثورات العربية، البعد الأيديولوج­ي ممثاً في الإسام السياسي، وهي ذات المرجعية التي يتبناها حزب العدالة والتنمية الحاكم، على حساب الأسس والمبادئ الحاكمة لرؤية "العمق الاستراتيج­ي". ودعمت تركيا "جماعة الإخوان المسلمين" لتمكينها من الوصول للسلطة في دول الثورات العربية.

ومن أبرز الشواهد على ذلك عقد تركيا في مايو 2012 مؤتمراً دولياً في اسطنبول عن فكر "حسن البنا" مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وقيام أردوغان خال زيارته إلى مصر، في سبتمبر 2011، بزيارة أسرة حسن البنا في منزلهم، بصحبة زوجته، واستقباله وفداً من جماعة الإخوان المسلمين) .)

وتوجد عاقة وثيقة بين حركة النهضة، فرع جماعة الإخوان في تونس، وحزب العدالة والتنمية التركي، ففور استئناف حركة النهضة نشاطها في تونس، في مارس 2011، بعد سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، قال زعيم الحركة راشد الغنوشي، إن "حركة النهضة تعتبر تركيا خاصة ناجحة بين الإسام والحداثة"، وأن "حزب العدالة والتنمية ضامن لتواصل هذه الحركة الإصاحية") ويضاف لذلك العاقة الشخصية الوثيقة بين "أردوغان" و"الغنوشي"، حيث عادة ما يتبادلان الزيارات، والتي كان آخرها في يناير 2020، عندما زار "الغنوشي" تركيا والتقى بأردوغان، في جلسة مغلقة، وهو ما أثار غضب عدد من الأحزاب والنواب في البرلمان التونسي، معتبرين أن توقيت الزيارة بالتزامن مع مشاورات تشكيل الحكومة التونسية الجديدة تدل على "أن قرارات حركة النهضة مرتبطة بتوجيهات تركيا") .)

وتهدف تركيا من تمكين تيارات الإسام السياسي من الوصول للحكم في بعض الدول العربية إلى تعزيز فرص التنسيق والتعاون بين تركيا والدول التي تحكمها تيارات الإسام السياسي، وبما يؤدي في النهاية لخلق بيئة إقليمية جديدة يكون فيها الهيمنة والنفوذ لتركيا على المستويين السياسي والاقتصادي، وهو المشروع الذي تعثر بعد الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي، في 3 يوليو 2013، والذي عارضته أنقرة بشدة. 2- الانخراط المباشر في صراعات المنطقة: تعد السياسة التدخلية أحد أبعاد "العزلة الثمينة"، والتي تهدف من خالها أنقرة إلى تغيير الوضع القائم، واستغال الصراعات لتعزيز مصالحها، وهو ما يناقض سياسة "صفر المشكات"، والتي كانت تسعى لحل مشكات المنطقة من خال الحوار السياسي والآليات الدبلوماسي­ة.

ففي ليبيا، تقدم تركيا دعماً عسكرياً لميليشيات حكومة الوفاق الليبية في قتالها ضد قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، واتهم تقرير للأمم المتحدة، صدر في ديسمبر 2019، أنقرة بإرسال أسلحة متطورة، من طائرات مسيّرة ودبابات وصواريخ مضادة للدروع، للميليشيات الموالية لحكومة الوفاق، وذلك في خرق لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا منذ عام 2011 وزودت تركيا القوات الموالية لحكومة الوفاق بطائرات مسيّرة تركية من طراز "بيرقدار" يتولى فريق تركي موجود بالعاصمة طرابلس مسؤولية تشغيلها) .)

ووقع الرئيس التركي أردوغان، ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، في نوفمبر 2019، مذكرة تفاهم للتعاون الأمني والعسكري بين البلدين، بمقتضاها تقدم تركيا أشكال الدعم العسكري المباشر كافة لحكومة الوفاق) وعقب مصادقة البرلمان التركي على المذكرة في يناير 2020، كثفت تركيا من دعمها العسكري للوفاق، حيث نقلت مقاتلي الجماعات السورية الموالين لها في شمال سوريا إلى ليبيا للقتال بجانب ميليشيات الوفاق كمرتزقة، برواتب تتراوح بين 2000 و2500 دولار للشخص لعقد مدته 3 أو 6 أشهر) وأعلن "أردوغان" صراحة، في يناير 2020، أن تركيا أرسلت 35 جندياً إلى

ليبيا لتقديم الدعم لحكومة الوفاق) وقامت القوات التركية بأول تدخل عسكري مباشر في الحرب الليبية، في أبريل 2020، عندما قصفت بارجة حربية تركية بالصواريخ مدينة العجيات، غرب طرابلس، وذلك بعدما كانت تكتفي البوارج التركية في السابق بمرافقة سفن الشحن التي تنقل الأسلحة والمرتزقة السوريين إلى ليبيا) .)

وفي سوريا، قدمت تركيا دعماً عسكرياً ومالياً للتنظيمات المعارضة لنظام الرئيس بشار الأسد، المعتدلة منها والمتطرفة، فقد كانت الحدود التركية الممتدة مع سوريا بمنزلة البوابة الرئيسية لعبور المقاتلين والأسلحة نحو سوريا لقتال الجيش السوري، وكانت مدينة "أنطاكيا" عاصمة محافظة "هاتاي"، في جنوب تركيا على الحدود مع سوريا، بمنزلة مركز لتزويد جماعات المعارضة السورية بالأسلحة، فضاً عن توفير الدعم اللوجستي كتقديم المواد الغذائية ومعالجة المصابين) .)

سياسة العمق الاستراتيج­ي

وتدعم تركيا حالياً "الجبهة الوطنية للتحرير"، والتي تأسست في مايو 2019، و"الجيش الوطني السوري"، فضاً عن "هيئة تحرير الشام" )جبهة النصرة سابقاً(، الموالية لتنظيم القاعدة، والتي تسيطر على غالبية مدينة إدلب في شمال سوريا.

كما تحتفظ تركيا بقواتها العسكرية على الأراضي السورية، بعد شنّها 3 عمليات عسكرية بدعوى مكافحة تهديدات التنظيمات الكردية التي تصنفها تنظيمات إرهابية، وبهدف إقامة "منطقة آمنة" في شمال سوريا) .)

3- الصراع مع دول شرق المتوسط: بعدما كانت تستند السياسة الخارجية التركية إلى مبدأ الترابط الاقتصادي المتبادل وصولاً للتكامل الاقتصادي كركيزة أساسية لتحقيق السام في المنطقة، ودعم العاقات الاقتصادية والتعاونية مع الدول المجاورة) ،) دخلت تركيا في صراع مع دول منطقة شرق المتوسط على موارد النفط والغاز بالمنطقة، حيث تصر تركيا على القيام بأعمال تنقيب في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص اليونانية، قائلة إن من حقها مواصلة أعمال التنقيب في حقول الطاقة المرخصة لهم من قبل جمهورية شمال قبرص التركية، غير المعترف بها دولياً، لحماية حقوقها وحقوق القبارصة الأتراك، وهو ما يواجه برفض من قبل الاتحاد الأوروبي.

وأبرمت تركيا وحكومة الوفاق الليبية مذكرة تفاهم لتحديد مناطق الصاحية البحرية في البحر المتوسط، في نوفمبر 2019، جعلت البلدين جارين في الحدود البحرية، وحذرت تركيا من أنها ستمنع عمليات استكشاف محروقات من دون موافقتها في هذه المناطق) واعتبرت اليونان وقبرص ومصر، في بيان مشترك، مذكرة التفاهم إجراء لا يوجد له أي أثر قانوني) .)

كما عززت تركيا من انتشارها العسكري في شرق المتوسط، بعدما وافقت حكومة شمال قبرص، الموالية لأنقرة،

نتيجة هذه السياسة

سياسة الوحدة الثمينة

نتيجة هذه السياسة على تخصيص مطار "غجيت قلعة" من أجل أنشطة الطائرات المسيّرة التركية لحماية مصالحهما في شرق المتوسط، ونشرت تركيا، في ديسمبر 2019، أول طائرة مسيرة مسلحة من طراز "بيرقدار تيه بيه - 2 .)

ثالثاً: توتر علاقات تركيا الخارجية

يمكن تفصيل أبرز تداعيات سياسة "الوحدة الثمينة" في التالي: 1- توتر العلاقات مع الدول العربية: أدى دعم تركيا لجماعات الإسام السياسي، إلى قطيعة دبلوماسية مع مصر، خاصة بعد أن استضافت أنقرة عدداً من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المصرية، بعد تصنيف القاهرة لها منظمة إرهابية، ووصفها لاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس المصري الراحل مرسي ب"الانقاب العسكري" ورفضها الاعتراف بالنظام الجديد. كما توترت عاقات تركيا أيضاً ببعض دول الخليج العربية على رأسها السعودية ودولة الإمارات اللتان تصنفان جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً.

وأدى دعم تركيا لجماعات المعارضة السورية إلى انهيار العاقات بين أنقرة ودمشق منذ عام 2012، وخلق التدخل العسكري التركي في الأراضي السورية عداوة بين البلدين، حيث تصف الحكومة السورية الوجود العسكري التركي على أراضي سوريا بالاحتال. كما فاقم التدخل العسكري التركي في ليبيا من العداوة مع مصر، التي ترى في ذلك تهديداً لأمنها القومي. 2- توتر العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة: أدى تنقيب تركيا غير المشروع عن النفط والغاز قبالة سواحل قبرص إلى توتر عاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، الذي فرض عقوبات

سياسية ومالية على أنقرة، في يوليو 2019، وفرض الاتحاد أيضاً، في فبراير 2020، عقوبات على نائب المدير العام لمؤسسة البترول التركية، ونائب مدير إدارة الاستكشافا­ت في الشركة، شملت حظر السفر وتجميد أصولهما) .)

وأدى شن تركيا عملية عسكرية ضد المسلحين الأكراد في شمال سوريا، في أكتوبر 2019، إلى تصعيد كبير في العاقات بين أنقرة من جهة، والقوى الأوروبية والولايات المتحدة من جهة أخرى، التي عارضت العملية العسكرية التركية، نظراً للدور الذي لعبه المقاتلين الأكراد في قتال تنظيم "داعش" بالتعاون مع التحالف الدولي، وفرضت القوى الأوروبية والولايات المتحدة عقوبات على تركيا شملت وقف مبيعات الساح الجديدة إلى تركيا، كما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على وزارتي الدفاع والطاقة ووزراء الطاقة والدفاع والداخلية في تركيا، والتي تم تعليقها بعد وقف أنقرة عمليتها العسكرية بناء على اتفاق مع واشنطن، في 17 أكتوبر ‪.) 2019‬

رابعاً: م�صتقبل �صيا�صات اأنقرة التدخلية

على الرغم من أن تركيا ترى في سياسة "الوحدة الثمينة" خياراً مثالياً لتحقيق أهدافها الإقليمية التي تتناقض مع مصالح وأهداف الدول الأخرى، فإن هذه السياسة جلبت لتركيا عدة خسائر، على صعيد صورتها في الخارج من "دولة نموذج" ووسيط في حل صراعات المنطقة، إلى عامل مساهم في إشعال صراعاتها ودولة راعية للتنظيمات المتطرفة، بالإضافة لتوتر عاقاتها مع دول الجوار وحلفائها التقليديين كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وشعرت أنقرة بخسارتها لحلفائها التقليديين عندما استنجدت بحلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية لدعمها في مواجهة هجمات الجيش السوري بدعم من روسيا ضد قواتها في إدلب بشمال سوريا، منذ فبراير وحتى مطلع مارس 2020، ما أسفر عن مقتل أكثر من 50 جندياً تركياً) وطلبت أنقرة من واشنطن دعم عسكري في صورة ذخيرة ومعدات عسكرية، بالإضافة إلى منظومة "باتريوت" الدفاعية لاستخدامها لحفظ الأمن في ظل الصراع بإدلب) .)

غير أنه بعد مباحثات بين الولايات المتحدة وأعضاء الناتو، في بروكسل، في 10 مارس، بشأن ما يمكن تقديمه من دعم لتركيا في سوريا، استبعدت وزارة الدفاع الأمريكية أن يتم تحريك "باتريوت" لمساعدة تركيا في النزاع الدائر في إدلب، وقالت "إن واشنطن تدرك أهمية العاقات الاستراتيج­ية مع تركيا، إلا أن حلف الناتو لن يساعد القوات التركية في أي نزاع في سوريا، كون المسألة هي مشكلة ثنائية") .)

وفي إطار ما سبق، فمن المرجح أن تعيد تركيا مراجعة سياساتها، وتتجه لتخفيف خافاتها مع حلفائها وتسوية الملفات العالقة معهم، لاستعانة بهم عند الضرورة في مواجهة القوى التي قد تقف عائقاً أمام تنفيذ أجندتها الإقليمية، على غرار روسيا، من دون أن يعني ذلك بالضرورة تخلي تركيا عن "الوحدة الثمينة" في سياساتها الخارجية. بمعنى أن أنقرة ستمضي قدماً في انخراطها في صراعات المنطقة ودعمها لجماعات الإسام السياسي كأدوات لتنفيذ أجندتها الإقليمية، على الرغم مما يخلفه ذلك من توتر وعداوة مع دول المنطقة، بالتزامن مع اتجاهها لتخفيف التوتر مع حلفائها التقليديين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبعض أعضاء حلف الناتو.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates