Trending Events

تصعيد مقيد:

كيف تغيرت السياسة الإيرانية بعد مقتل سليماني؟

- شريف أبوالفضل

يتوقع العديد من الخبراء والمتخصصين في الشأن الإيراني أن يؤثر عاملان أساسيان على سياسة إيران الإقليمية، وهما تصفية قاسم سليماني في الثالث من يناير 2020، والذي كان ينظر إليه باعتباره مهندس السياسة الخارجية لطهران، فضلاً عن تفشي جائحة كورونا داخل البلاد، والتي تركت تداعيات واسعة على الاقتصاد الإيراني الرازخ بالفعل تحت وطأة العقوبات الأمريكية.

شكل مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، في الثالث من يناير 2020، بقرار من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التطور الأبرز على الساحة الإيرانية مطلع هذا العام، فقد مثّل اغتياله رداً على محاولات طهران كسر الخطوط الحمراء التي حكمت العاقات الأمريكية – الإيرانية، وذلك بمحاولة إيران تهديد السفارة الأمريكية عبر إرسال ميليشيات شيعية في 31 ديسمبر 2018، والتهديد باقتحامها)1(، وهو ما اعتبرته واشنطن انتهاكاً لأحد خطوطها الحمراء، والتي حذرت طهران مراراً من تجاوزها، وهو عدم المساس بالمصالح أو القوات الأمريكية في العراق.

وفي مواجهة هذا التهديد، قامت واشنطن بتصفية قاسم سليماني، لتخسر بذلك طهران ذراعها الطولى في تنفيذ سياساتها الإقليمية، والرجل الذين كان يدير ملف تدخاتها في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، ما أفقدها من رصيد نفوذها في المنطقة، وحد من قدرتها على التدخل في شؤون دولها.

ومن جهة ثانية، أدى الانتشار المتسارع لفيروس كورونا في إيران، وارتفاع عدد الإصابات والوفيات جراء المرض، إلى ارتباك شديد في الداخل الإيراني، وفرض تحديات إضافية على الاقتصاد الإيراني المنهك بالعقوبات الأمريكية، وتفاقم المشكات الاقتصادية والاجتماعي­ة، وفقدان بعض القادة داخل النظام نتيجة الإصابة أو الوفاة، فضاً عن انشغال المؤسسات الأمنية في إيران، بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني بجهود تحجيم انتشار الفيروس داخلياً، وهو ما مثل عبئاً إضافياً على قدرة طهران على إدارة نفوذها الإقليمي.

وفي ضوء هذين التطورين، يسعى هذا التحليل إلى بيان العوامل التي أثرت على السياسة الإيرانية منذ مطلع هذا العام، وكذلك التداعيات المترتبة على هذه التطورات على سياستها الإقليمية، وأخيراً، الوقوف على حجم التغير في السياسة الإيرانية.

اأولً: تحديات ال�صيا�صة الإيرانية

شهدت السياسة الإيرانية تحدياً كبيراً في الآونة الأخيرة، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 1- تصفية قاسم سليماني: قامت الولايات المتحدة الأمريكية بعملية نوعية تمثلت في اغتيال قاسمي سليماني مطلع يناير 2020، في غارة جوية، بالقرب من مطار بغداد الدولي، بواسطة طائرة مسيّرة قصفت الموكب الذي كان يستقله مع قيادات شيعية بارزة، عراقية وسورية، موالية لإيران.

وتمثل تصفية واشنطن لسليماني ضربة موجعة لطهران، بالنظر إلى الأدوار الذي كان يلعبها، فقد كان سليماني الرجل الثاني داخل النظام الإيراني، الذي يأتي على قمته المرشد الأعلى “علي خامنئي”)2(، وتولى سليماني في آخر عشر سنوات، إدارة عاقة طهران بدول الجوار، بما في ذلك سوريا والعراق ولبنان واليمن، متجاوزاً بذلك دور بعض الأجهزة الأمنية والاستخبار­اتية، داخل النظام الإيراني.

وتشير دلالات حادث اغتيال سليماني، إلى رغبة واشنطن في إيصال رسالة لطهران مفادها أنها لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام تهديدها للمصالح الأمريكية وتعريض حياة جنودها في العراق للخطر، حيث اعتبر ترامب أن ذلك يمثل تعدياً على “الخطوط الحمراء” التي وعد بالدفاع عنها مهما كان الثمن، خاصة أنه على أعتاب انتخابات رئاسية ستجرى نهاية العام الجاري، ولا يرغب في أن يبدو بمظهر الضعيف العاجز عن الدفاع عن المصالح الأمريكية.

واعتبرت واشنطن تصفية سليماني رد فعل على حصار السفارة الأمريكية في بغداد من قبل عناصر الحشد الشعبي العراقي، بناء على توجيهات الحرس الثوري الإيراني، وذلك احتجاجاً على الغارة الأمريكية على مقارٍ لكتائب حزب اله العراقي، والتي أسفرت عن مقتل 25 فرداً في ديسمبر 3( 2019(. فقد جاءت هذه الأحداث نتاجاً للتصعيد المتبادل بين طهران والولايات المتحدة في العراق، وبدأتها إيران من خال إيعازها لكتائب حزب اله العراقي باستهداف قاعدة “كيه واحد” )k1) الأمريكية في كركوك، مما أسفر عن مقتل متعاقد أمريكي وإصابة آخرين، هذا بالإضافة إلى أنها جاءت كفعل استباقي على إقدام سليماني تنفيذ مخططات تستهدف الجنود والمصالح الأمريكية في المنطقة، خاصة بعدما حمّل ترامب طهران مسؤولية الاحتجاج على السفارة الأمريكية، وتوعدها بالرد، حيث استهزأ المرشد الإيراني علي خامنئي بتهديدات ترامب قائاً “أنت لا تستطيع أن تفعل شيئاً”)(4 في إشارة إلى نية طهران على التصعيد.

وتشير دلالات الحادث إلى سوء التقدير الإيراني للرد الفعل الأمريكي إزاء تصرفاتها، سواء التي تتعلق بالتخلي تدريجياً عن قيود الاتفاق النووي، أو سعيها لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة من خال وكائها بقصف المطارات والمنشآت النفطية وتهديد الماحة بالخليج العربي وخليج عمان، إذ إن تبني واشنطن تدابير دفاعية في مواجهة التهديدات الإيرانية رسخ الاعتقاد لدى طهران بأن “ترامب” يفكر بعقلية التاجر الذي يخشى المجازفة، وليس أدل على ذلك من تصريح المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السابق)5.) 2- الانتشار المتسارع لفيروس كورونا: أدى الانتشار المتسارع لفيروس كوفيد – 19 في إيران إلى تسجيلها حوالي 91 ألفاً و472 إصابة، وحوالي 5806 حالات وفاة حتى نهاية أبريل 2020، لتتصدر بذلك المراتب الأولى في تفشي المرض بين دول منطقة الشرق الأوسط)6(. كما أصيب وتوفي جراء المرض عدد من كبار المسؤولين الإيرانيين، منهم نواب ومستشارون للرئيس حسن روحاني ونواب برلمانيون وقادة في الحرس الثوري وأعضاء في الحكومة)7(، وهو ما قد يسبب إرباكاً في عملية صنع القرار.

ومن جهة أخرى، يتولى الحرس الثوري الإيراني وعناصر الباسيج ملف مكافحة انتشار فيروس كورونا، وهو الأمر الذي يلقي بظاله على أنشطة وعمليات الحرس في المنطقة، ويجعلها منشغلة

بإجراءات مكافحة الوباء الجديد، ويعرض عناصره لخطر الإصابة مثلما حدث بالفعل.

ثانياً: تداعيات داخلية وخارجية

انعكس مقتل قاسم سليماني سلباً على النفوذ الإيراني في الإقليم، كما أن تفشي كورونا أضر كثيراً بالاقتصاد الإيراني المثقل بالفعل جراء العقوبات الأمريكية، ويمكن تفصيل هذه التداعيات على النحو التالي: 1- محاولة تعزيز شرعية النظام: سعت طهران لتوظيف اغتيال “قاسم سليماني” لتعبئة الشعب الإيراني حول النظام، نظراً لما يتمتع به سليماني من رمزية لدى الشارع الإيراني، لاسيما بين فئة الشباب منهم، فقد اعتبر النظام الإيراني أن مشهد الجنازة استفتاءً على شعبية “نظام الثورة الإسامية”، والتي كانت قد أصابتها شروخ نتيجة حالة التردي الاقتصادي والقمع السياسي الذي تمارسه السلطات في طهران على مدار السنوات الأخيرة.

ولكن في المقابل، لم تستطع طهران أن تستغل هذا الحادث طوياً، حيث أدى سقوط طائرة الركاب الأوكرانية، والتي كانت في طريقها من طهران إلى كييف، ومصرع 176 شخصاً كانوا على متنها، إلى اندلاع تظاهرات تطالب بمعاقبة المسؤولين، كما رافق هذه التظاهرات إحراق صور سليماني والخوميني أيضاً)8(، في مشهد يعكس حجم الاستقطاب الإيراني الداخلي، بين فئات تدعم النظام، وفئات مناوئة له.

وياحظ أن طهران لم تستطع كثيراً أن تستثمر هذه التطورات لدعم التيارات المحافظة داخل النظام، ففي الانتخابات التشريعية التي أجريت في فبراير 2020، تراجعت نسبة المشاركة لتبلغ حوالي 40% فقط، بعد أن كانت تسجل نسباً تقدر بحوالي 50% في الانتخابات التي أجريت على مدار الأربعين عاماً السابقة)9(، وهو ما يدل على تراجع شعبية النظام، وإن تمكنت طهران من ضمان الأغلبية للقوى المحافظة، من خال منع العديد من منتسبي التيار الإصاحي من الترشح لانتخابات.

كما حاولت طهران تصوير جائحة كورونا باعتبارها حرباً بيولوجية تشنّها واشنطن ضد الشعب الإيراني، غير أنها سرعان ما تراجعت عن هذا الادعاء مع انتشار الوباء داخل أمريكا نفسها، ولذلك عمدت، عوضاً عن ذلك، إلى محاولة إبراز دور المؤسسات الأمنية الإيرانية في احتواء المرض، للحفاظ على شعبية النظام. 2- تجفيف مصادر التمويل: نتج عن تفشي جائحة كورونا تدهور الوضع الاقتصادي الإيراني المأزوم بسبب العقوبات الأمريكية، فقد انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي في مايو 2018، نظراً للثغرات الواردة فيه، وفرضت عقوبات على طهران بسبب رفضها تعديله، وشملت العقوبات الأمريكية القطاعات الحيوية لاقتصاد الإيراني، وتحديداً صادرات النفط، والشحن البحري)10(، بالإضافة إلى الخدمات المالية، وأدت هذه العقوبات إلى فقدان العملة الإيرانية حوالي 70% من قيمتها، منذ خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، كما انكمش الاقتصاد الإيراني في عام 2018 و2019 بحوالي 4.8% و9.5% على التوالي)11(، وتوقعت الأمم المتحدة انكماش الاقتصاد الإيراني بحوالي 5.59% خال عام 12( 2020.)

ولذلك، فإنه من المتوقع أن يتضرر الاقتصاد الإيراني بعد انتشار الوباء في الباد، وتحديداً القطاعات الاقتصادية الإيرانية التي لم تشملها العقوبات، مثل السياحة الدينية، وقطاعي الصناعة والزراعة، والتصدير إلى الدول المجاورة، خاصة بعد اتجاه بعض الدول إلى إغاق حدودها مع إيران للحد من انتشار المرض إليها، مثل العراق.

ومن جهة ثالثة، أدى تراجع أسعار النفط بسبب الحرب النفطية بين السعودية وروسيا بعد انهيار تحالف “أوبك +”)13(، إلى التأثير سلباً على مبيعات إيران المحدودة منه، كما أنه على الرغم من التوصل لاتفاق في إطار “أوبك +” لتقليص الإنتاج في أبريل، فإن تأثيراته لن تتبلور إلا في الربع الأخير من العام الحالي، بما يحد من قدرة طهران على تمويل ميليشياتها المسلحة، وهو ما يجعلهم بالتبعية يترددون في تنفيذ أوامر طهران، خاصة إذا ما ضمنت قدراً كبيراً من المجازفة.

ثالثاً: تقييم التداعيات على ال�صيا�صة الإيرانية

انعكست التطورات السابقة سلباً على النفوذ الإيراني في الإقليم، ولكن في المقابل حرصت طهران على مواصلة التصعيد مع واشنطن، ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي: 1- تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة: تعرضت سياسات إيران تجاه المنطقة إلى هزة عنيفة نتيجة خسارتها مهندس عملياتها الإقليمية قاسم سليماني، والذي تشير التقديرات إلى أنه كان يدير ملفات إيران في المنطقة بشكل شخصي، عن طريق عاقات شخصية تجمعه مع المسؤولين وقادة المجموعات المسلحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مما يعني أنه من الصعوبة تعويض هذا الفراغ الكبير الذي خلفه مقتل سليماني.

وياحظ أن النفوذ الإيراني كان يعاني بالفعل قبل مقتله، فقد شكلت الاحتجاجات التي اندلعت في الربع الأخير من العام الماضي، في كل من العراق ولبنان، ضربة “شعبية” ربما للمرة الأولى ضد طهران، ونفوذها في هاتين الدولتين، خاصة أن هذه الاحتجاجات، التي اندلعت لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية، نادت بتقليص النفوذ الإيراني، وإنهاء وصاية إيران على شعوبها وحكوماتها. وكانت التظاهرات العراقية هي الأشد وطأة على النفوذ الإيراني باعتبارها اندلعت في المحافظات العراقية ذات الغالبية الشيعية، كما أنها أحرقت القنصلية الإيرانية في النجف وكرباء.

وياحظ أن استهداف الولايات المتحدة للميليشيات العراقية ساهم في بروز الانقسامات فيما بينها، خاصة بعدما أحجمت بعض الميليشيات العراقية عن التضامن مع كتائب حزب اله العراقي، عقب تعرضها لضربات أمريكية، كما أن طهران وحلفاءها داخل العراق، وافقوا على ترشيح مصطفي الكاظمي، لمنصب رئيس وزراء العراق، وذلك بعد أن اتهمته طهران ووكاؤها في العراق في السابق بالتواطؤ مع واشنطن في تصفية قاسم سليماني)14 .)

ومن جهة ثانية، أسفر تفشي وباء كورونا في إيران عن انشغال طهران بالداخل، ولو لفترة محدودة، بالتصدي للوباء المستشري في الباد، خاصة مع لعب الحرس الثوري الإيراني والباسيج دوراً في إجراءات مكافحته. 2- الحفاظ على التصعيد المنضبط مع واشنطن: مثّل مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، قائد الحشد الشعبي العراقي الموالي لإيران، تصعيداً غير مسبوق للتوتر بين واشنطن وطهران، إذ وضع الدولتين على مسار تصادمي. فقد استندت حسابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول اغتيال سليماني إلى إدراكه وتصوره لعدد من المتغيرات المرتبطة بتاريخ العاقات مع إيران.

فقد جسد مشهد حصار السفارة الأمريكية في بغداد نهاية العام الماضي، استدعاءً لحصار السفارة الأمريكية في أعقاب الثورة الإيرانية واحتجاز 52 دبلوماسياً أمريكياً، لعام ونصف)15(، والذي أسفر حينها عن عدم انتخاب الرئيس جيمي كارتر لفترة ثانية، ويستعد ترامب لانتخابات رئاسية نهاية العام الجاري، ويسعى إلى تجنب تجربة كارتر)16(، وهو ما مثّل عامل ضغط داخلياً عليه، ترجم باتخاذه قراراً بقطع الذراع الإيرانية التي رأى أنها تهدد مصالح باده في المنطقة، وترسل رسالة لطهران بأن تصعيدها لن يكون من دون عقاب.

وفي المقابل، تدرك طهران أن عدم الرد على مقتل سليماني سوف ينعكس سلباً على نفوذها الإقليمي، كما أنه سيهدد شرعية النظام القائمة على مواجهة ما اصطلح على تسميته “قوى الاستكبار”، ولذلك ردت إيران على تصفية سليماني من خال شن هجمات صاروخية على قاعدتي عين الأسد وهيت في الأنبار وقاعدة حرير في أربيل في الثامن من يناير الماضي)17.)

وتجنبت طهران الدخول في مواجهة مفتوحة مع واشنطن، وذلك عبر إباغ الجانب العراقي بالهجمات، وفقاً لما صرح به رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي)18(، والذي بدوره أبلغ الجانب الأمريكي، وذلك لتفادي وقوع خسائر بشرية بين القوات الأمريكية نتيجة للهجوم الإيراني، ومن ثم تجنب الدخول في جولة جديدة من التصعيد، غير أن مقارنة حجم هذه الهجمات بسقف التهديدات المرتفع للمسؤولين الإيرانيين يكشف عن برجماتية السياسة الإيرانية،

واتجاهها للرد بشكل متوازن، يحفظ لها ماء الوجه، ويضمن احتواء التصعيد مع واشنطن)19.)

وفي المقابل، فإن انتشار وباء كورونا في إيران أدى إلى تصعيد طهران رسائلها ضد واشنطن، ودفعها للتشدد حتى لا يبدو أن وضعها قد تضرر جراء تفشي الوباء، وفي دلالة على إصرار طهران على التصعيد ضد واشنطن، ما قاله وزير الدفاع أحمد حاتمي، في 26 مارس 2020، إذ أكد أن المجال الصاروخي، في إشارة إلى الصواريخ البالستية، سيشهد في العام الجديد تطوراً ملحوظاً، بما في ذلك زيادة تأثير الرؤوس الحربية مع زيادة قوتها التفجيرية، وكذلك زيادة السرعة والقدرة على المناورة، فضاً عن تحقيق قابلية إطاق صواريخ كروز أثناء الحركة.

وفي الختام، يمكن القول إن طهران تسعى إلى مواصلة التصعيد ضد واشنطن، حتى لا تبدو وكأنها تضررت سلباً جراء تصفية قاسم سليماني، أو تفشي كورونا، وما تركه ذلك من تداعيات اقتصادية عليها، وذلك لكي تتجنب تقديم تنازلات في الملف النووي لواشنطن، غير أنه في المقابل، تعرض نفوذ طهران الإقليمي إلى تراجع ملحوظ في العراق، كما أن نفوذها في سوريا ولبنان يتعرض لتحديات مماثلة ارتباطاً بتراجع قدرة طهران على تمويل وكائها المسلحين في البلدين، إلى جانب عوامل أخرى. وسوف تسعى طهران إلى محاولة استيعاب هذه التحديات لنفوذها الإقليمي، وإن كانت فرص نجاحها في هذا الإطار قد تبدو محدودة.

رابعاً: هل تتجرع ايران ال�صم؟

تواصل طهران مساعيها للتصعيد ضد واشنطن، حتى لا تبدو وكأنها تضررت سلباً جراء تصفية قاسم سليماني، أو تفشي كورونا، غير أن المتابع للسياسات الإقليمية الإيرانية يلحظ تراجعاً كبيراً في مستوى سياساتها العدائية، فلقد توقفت عن محاولة تهديد الماحة في الخليج العربي بالوتيرة السابقة نفسها، كما أنها لم تعد تحرك ميليشيات الحشد الشعبي في العراق، لتهديد الوجود الأمريكي، كما كانت تقدم على ذلك سابقاً، وباتت تعتمد في تصعيدها على الكشف عن أسلحة جديدة، مثل

إطاقها في 22 أبريل الماضي، أول قمر صناعي عسكري “نور” في المدار على ارتفاع 425 كم، وفي المقابل، تتضح مؤشرات على وجود مفاوضات مع واشنطن، والتي يمكن توضيحها في التالي: 1- إبداء المرشد استعداده للتفاوض: كتب المرشد الأعلى في مايو 2020 في تغريدة: “أعتقد أن الإمام الحسن هو أشجع شخصية في تاريخ الإسام، حيث قام بالتضحية بنفسه وباسمه بين أصحابه المقربين منه، في سبيل المصلحة الحقيقية، فخضع للصلح، حتى يتمكن من صون الإسام وحماية القرآن وتوجيه الأجيال القادمة”، وهي التغريدة التي اعتبرها المتخصصون رسالة من خامنئي يبدي خالها استعداده للتفاوض مع الولايات المتحدة، خاصة أنه استخدم الخطاب نفسه عندما توصل إلى الاتفاق النووي عام 20( 2015.) 2- تبادل السجناء مع واشنطن: قامت إيران في أعقاب تصفية قاسم سليماني بالتفاوض مع الولايات المتحدة على إطاق سجناء بشكل تبادلي في يونيو، وأفرجت إيران عن الأمريكي مايكل وايت المحتجز في إيران منذ 2018، مقابل إفراج واشنطن عن الطبيب الأمريكي من أصل إيراني مجيد طاهري كما أبدت استعدادها لمواصلة تبادل السجناء مع الولايات المتحدة، كما أشارت إيران إلى أنها لم تترك طاولة المفاوضات إطاقاً، وأن الأمريكيين هم من انسحبوا من الاتفاق النووي ورفضوا التفاوض)21(، وهي كلها مؤشرات على التهدئة مع واشنطن، وتفتح الباب أمام التفاوض حول البرنامج النووي.

وفي الختام، يمكن القول إن أي مفاوضات أمريكية – إيرانية سوف تستغرق وقتاً، كما أنها مرشحة لانتكاسة، غير أنه من المؤكد أن كا الطرفين سوف يحرص على تعزيز أوراقه التفاوضية، حتى لا يقدم تنازلات كبيرة للطرف الآخر، غير أن قدرة إيران على ذلك سوف تكون محدودة، فقد تعرض نفوذ طهران الإقليمي إلى تراجع ملحوظ في العراق، كما أن نفوذها في سوريا ولبنان يتعرض لتحديات مماثلة ارتباطاً بتراجع قدرة طهران على تمويل وكائها المسلحين في البلدين، إلى جانب عوامل أخرى. وسوف تسعى طهران إلى محاولة استيعاب هذه التحديات لنفوذها الإقليمي، وإن كانت فرص نجاحها في هذا الإطار قد تبدو محدودة.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates