Trending Events

حسابات معقدة:

محددات إعادة تشغيل اقتصادات الدول في ظل كورونا

- إيمان طه

ينخفض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة تتراوح بين 30% و40% خال عامي 2020 و2021، وهو ما يمثل أكبر تراجع مسجل خال عقدين من الزمان) .) 3- ارتفاع معدلات البطالة: أثرت إجراءات الإغاق الكامل أو الجزئي، على ما يقرب من 3.3 مليار عامل حول العالم، بما يمثل حوالي 81% من القوى العاملة في العالم، وذلك وفقاً لتقرير أصدرته منظمة العمل الدولية بعنوان "حالة العمل وكوفيد 19" في أبريل 2020. وأوضح التقرير أن الشركات تواجه خسائر كارثية، مما يهدد حصصها وماءتها المالية، خاصة الشركات الصغيرة، كما أن المايين من العمال معرضون للتسريح وفقدان الدخل) .)

وتسببت الأزمة في انخفاض غير مسبوق في النشاط الاقتصادي وتقليص وقت العمل، حيث تشير التقديرات إلى أن ساعات العمل ستنخفض في الربع الثاني من عام 2020 بنحو 6.7%، وهو ما يعني أن العديد من العمال سيواجهون خسارة في الدخل وفقر أعمق، حتى لو أمكن العثور على أنشطة بديلة.

وبصفة عامة، سيعتمد حجم البطالة العالمية خال عام 2020 بشكل كبير على مدى سرعة تعافي الاقتصاد العالمي في النصف الثاني من العام، ومدى فاعلية التدابير الحكومية الرامية لتعزيز الطلب على العمالة.

وأوضح التقرير أن أكثر القطاعات الاقتصادية تضرراً هي خدمات الإقامة والطعام )قطاع السياحة(، والعقارات والأنشطة التجارية، والصناعات التحويلية، وتجارة الجملة والتجزئة. 4- طول فترة الإغلاق: تحيط حالة من عدم اليقين بتنبؤات النمو العالمي، حيث توجد العديد من العوامل، التي يصعب التنبؤ بها، مثل مدى استمرار هذه الجائحة، وفعالية جهود احتوائها، والاضطرابا­ت المتعلقة بالطلب والعرض.. إلخ، بالإضافة إلى الخوف من حدوث موجة ثانية من الفيروس.

ونظراً لأن القضاء على الفيروس سيحتاج إلى أشهر، أو ربما سنوات، وفقاً لأسوأ سيناريو، خاصة إذا ما تمحور، أو لم تكلل جهود تطوير لقاح أو دواء له بالنجاح، فإنه لم يعد بمقدور الدول الانتظار أكثر من ذلك لإعادة فتح الاقتصاد مرة أخرى،

وهو ما دفع العديد من الدول لتبني سياسات لإعادة تشغيل الاقتصاد على النحو الذي سيلي توضيحه في القسم التالي.

ثانياً: خيارات التعامل مع كورونا

تواجه الدول عند التعامل مع جائحة كورونا خيارات ثاثة، من واقع الممارسات الدولية، وهي استمرار الإغاق، أو التشغيل الجزئي، أو الكلي لاقتصاد، وترتبط المراحل الثاث بنسب الإصابات والوفيات، ويمكن توضيح الخيارات الثاثة على النحو التالي) :) 1- الاستمرار في الإغلاق: تقوم الدول بمواصلة إغاق أنشطتها الاقتصادية، إذا تزايدت الإصابات الجديدة بوتيرة مرتفعة، بصورة تنذر بأن يعجز القطاع الصحي عن استقبال الحالات الحرجة، ومن ثم انهياره. وفي هذه الحالة، تلجأ الدول عادة إلى استخدام الحد الأدني من العمالة، وتشغيل القطاعات الحيوية في الاقتصاد، وذلك حتى يتم إنتاج لقاح، أو الوصول إلى وضع "مناعة القطيع") ويقصد بمناعة القطيع الوضع الذي يكتسب فيه حوالي 60% - 80% من المجتمع المناعة ضد فيروس كورونا.

وياحظ أن كل التقديرات تذهب إلى أنه لن يتم تطوير لقاح آمن، قبل بداية العام الجديد، كما أن دراسة حديثة أجريت كشفت أن البشرية لا تزال بعيدة عن اكتساب مناعة القطيع، وذلك اعتماداً على نسب الإصابات حول العالم، إذ إنه في أكثر المدن إصابة بالفيروس، لم تصب الأغلبية العظمى من سكانها بالفيروس من قبل ولم تنتج مناعتهم الأجسام المضادة له) .)

ففي السويد وبريطانيا لم يصب إلا ما بين 7% إلى 17% من التعداد الكلي للسكان حتى الآن، بينما لم يصب سوى 20% من سكان مدينة نيويورك الأمريكية. وعلى الرغم من أن الإغاق قد يلعب دوراً كبيراً في الحد من انتشار الفيروس، فإن تداعياته الاقتصادية لا يمكن لأي دولة أن تتحملها، ولذلك، فإنها غالباً سوف تتجه إلى تشغيل اقتصادها) .) 2- إعادة التشغيل الجزئي: تتم في هذه الحالة، إعادة فتح أماكن العمل مع مراعاة ضوابط التباعد الاجتماعي، وتوفير أدوات التنظيف والتعقيم، مع إجراء عمليات تطهير بصورة

دورية لجميع المؤسسات العامة. واتبعت الصين هذا النهج، كما تشرع العديد من الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، في تطبيقه. وتتمثل الخيارات المتاحة في التالي: أ- العودة التدريجية للعمل: يتم الموافقة على عودة جميع العاملين من مختلف الأعمار السنية بالعودة إلى العمل في القطاعات الأقل مخاطرة. أما بالنسبة للقطاعات عالية الخطورة فيستأنف العمل بها من خال الحد الأدني من العمالة. ب- قصر العمل على الشباب: يسمح فقط للشباب، في الفئة العمرية من 20 وحتى 49 عاماً، بالنزول إلى العمل في جميع القطاعات، مع تقليص العمالة الأكبر سناً للحد الأدنى في القطاعات عالية المخاطر. ج- عمل الشباب في قطاعات محددة: يتم توجيه الشباب للعودة إلى العمل في القطاعات قليلة المخاطر. 3- التشغيل الكامل: تتجه الدول، في ظل هذا الخيار، إلى إعادة العاملين مرة أخرى إلى وظائفهم، ويرتبط تطبيق هذا الخيار بخفض معدل الإصابة إلى مستويات مقبولة، وياحظ أنه لم تقم أي دولة من الدول بعد بتحديد مستوى الإصابات والوفيات التي يمكن التعايش معها، والسماح باستئناف النشاط الاقتصادي.

وفي إطار التشغيل الكامل لاقتصاد، يتم السماح لعدد أكبر من العماء بالدخول إلى المتاجر والمطاعم في وقت واحد، والموافقة على إقامة التجمعات الاجتماعية الصغيرة وإعادة فتح بعض المرافق التعليمية والترفيهية، بما في ذلك الدوريات الرياضية. وفي كل الأحوال، تحافظ الدول على تطبيق التدابير الوقائية، مثل ارتداء الكمامات، والالتزام بمسافة التباعد الاجتماعي) .)

وقد أعلنت أغلب الدول الأوروبية اتجاهها للتشغيل الكامل لاقتصادها بدءاً من شهر يونيو، وإن كانت منظمة الصحة العالمية تحذر من التسرع في التشغيل الكامل لاقتصاد مخافة من حدوث "موجة ثانية متفاقمة" من جائحة كورونا) .)

ثالثاً: محددات ت�صغيل القت�صاد

نظراً لأن الاستمرار في الإغاق خيار غير قابل لاستمرار في الأجل الطويل، بدأت الدول حالياً تبني النهج التدريجي في تشغيل اقتصادها، ويمكن إيجاز أبرز محددات تشغيل الاقتصادات في التالي: 1- كفاءة النظام الصحي وعدد الإصابات: يسهم عامان في تحديد مدى قدرة الدولة على تشغيل اقتصادها، ويتمثل العامل الأول في عدد الاصابات الجديدة في الدولة، حيث يجب أن تشهد عدد الحالات انخفاضاً قبل إعادة فتح الاقتصاد مرة أخرى، حتى يكون النظام الصحي قادراً على إدارة الإصابات الجديدة، أما العامل الثاني، فيتمثل في مدى قوة النظام الصحي، وقدرته على اكتشاف الحالات الجديدة، وإدارتها وتحجيم ظهور إصابات جديدة.

ويشمل هذا العامل عدة عوامل فرعية، مثل مدى كفاية التجهيزات الطبية، خاصة لوحدات العناية المركزة، ومدى توفر الأطباء المدربين، وقدرة الدولة على إجراء اختبار تشخيص لفيروس كورونا، فضاً عن وجود أنظمة فاعلة لتحديد وعزل الحالات المصابة والمخالطة، بما في ذلك التطبيقات الرقمية لتبادل البيانات المهمة في الوقت الفعلي) .)

ومن خال هذين العاملين معاً، يمكن الوصول إلى أربع مراحل من الاستعداد لإعادة فتح الاقتصاد، حيث تعتبر المرحلة الرابعة هي الأقل استعداداً والمرحلة الأولى هي الأكثر استعداداً، وهو ما يوضحه الشكل رقم )3.)

وعليه، فإنه يجب على الحكومات استخدام البيانات والمعلومات المتاحة لديها في هذه المصفوفة التي توضح أي المناطق يمكن تشغيلها، وبالتالي فإن فتح الاقتصاد يمكن أن يتم لبعض المناطق وبعض القطاعات، وليست للدولة بأكملها بالضرورة. 2- أهمية القطاع المراد تشغيله: تفاضل الحكومات في هذه الحالة بين معيارين أساسيين، وهما خطر انتقال العدوى والأهمية الاقتصادية النسبية لكل قطاع. وتحدد الأهمية النسبية للقطاع باستخدام مقاييس، مثل إجمالي العاملين في هذا القطاع ونسبة مساهمة ناتج القطاع في الاقتصاد القومي للدولة.

وعندما تبدأ القطاعات في العودة إلى العمل مرة أخرى، يجب على الحكومات وضع بروتوكولات صحية وسلوكية لتقليل احتمالية انتقال المرض من خال الحفاظ على التباعد الجسدي، والمبادئ التوجيهية الموجهة للنظافة والصحة، والرصد المتكرر لدرجات حرارة الأشخاص للكشف المبكر عن الحالات الجديدة، وإباغ المعلومات ذات الصلة إلى الجهات المسؤولة في الدولة. 3- مدى الالتزام بالتدابير الوقائية: تتجه الدول إلى تبني تدابير وقائية بالتزامن مع استئناف النشاط الاقتصادي، وذلك لضمان

السيطرة على الجائحة، وعدم تفشيها بصورة تعجز النظم الصحية عن التعامل معها، وعلى سبيل المثال، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدداً من التدابير الوقائية ضمن خطته لإعادة تشغيل الاقتصاد، والتي تتمثل أهمها في توفير مواقع سريعة لفحص الأفراد، واستخدام الأقنعة في الأماكن العامة، وإلزام أصحاب العمل بقواعد التباعد الاجتماعي، وإجراء فحص درجات الحرارة في مواقع العمل، بالإضافة إلى إعادة عمل المطاعم والصالات الرياضية، مع تطبيق قاعدة التباعد الاجتماعي) .)

أما بالنسبة للتدابير التي اتخذتها الدول الأوروبية، فهي لا تختلف كثيراً عن الإجراءات الوقائية المتخذة من قبل الولايات المتحدة من حيث الحفاظ على التباعد الجسدى وارتداء الكمامات، فقد جعلت ألمانيا وفرنسا ارتداء الكمامات إلزامياً في جميع أنحاء الدولة. ولا شك أن التزام المواطنين بالتدابير الوقائية وعدم استهتارهم بها، سوف يساهم في الحد من انتشار الجائحة، أما في حالة عدم اكتراثهم، فإن هذا ينذر بتفشي موجة ثانية.

رابعاً: تحليل الفر�ض والتهديدات

يمكن توظيف تحليل "سوات" SWOT() في تحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات المترتبة على إعادة تشغيل الاقتصاد مرة أخرى، إذ إن هذا القرار تترتب عليه تداعيات سياسية كبيرة، خاصة أنه لاتزال النسبة الغالبة من المجتمعات )حوالي 67%( في كندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند واليابان والمكسيك وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، ترغب في أن تعطي حكوماتهم الأولوية لإنقاذ الأرواح على إعادة تشغيل الاقتصاد، وفقاً لمسح قامت به شركة الاتصالات الأمريكية "إيدلمان") ويمكن أن يمثل تحليل سوات أحد الأدوات التحليلية التي تساعد الحكومات عند تقديرها للعواقب المترتبة على إعادة تشغيل اقتصادها، سواء على مستوى إقليم معين، أو الدولة بأسرها.

وبناء على هذا التحليل إذا كانت نقاط القوة والفرص التي ستأتي من إعادة تشغيل الاقتصاد تفوق نقاط الضعف والتهديدات، فإن الحكومات يفضل أن تعيد تشغيل اقتصادها مرة أخرى مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية. أما في حالة إذا كانت نقاط الضعف والتهديدات أكبر من نقاط القوة والفرص فعلى الحكومات أن تتمهل قلياً في إعادة التشغيل لأن سيناريو إعادة التشغيل في هذه الحالة سيكون كارثياً.

وفي الختام، يمكن القول إن الضغوط الاقتصادية والخسائر المالية الكبيرة، والتي أدت إلى إعادة التفكير في تشغيل الاقتصاد مرة أخرى ستختلف بين الدول، وداخل الدولة الواحدة من إقليم لآخر، وذلك وفقاً لعدد الإصابات الجديدة، ومدى كفاءة النظام الصحي لدى الدولة، أو على مستوى الإقليم.

ولذا على الحكومات قبل اتخاذ قرار إعادة التشغيل أن تستخدم ما لديها من معلومات وبيانات لمقارنة التداعيات الاقتصادية لاستمرار الإغاق، بالآثار الصحية الناتجة عن تشغيل الاقتصاد، أو بمعنى آخر، تقييم الخسائر المترتبة على تراجع الناتج المحلي الإجمالي مقابل حفظ الأرواح، بالإضافة إلى توعية المواطنين لأهمية دعم الجهود الحكومية لإعادة تشغيل الاقتصاد من خال الالتزام بالتدابير الوقائية التي تعلنها الحكومات، وذلك لضمان إعادة تشغيل الاقتصاد مع تجنب تفشي موجة ثانية من الجائحة.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates