Trending Events

القطاعات الصاعدة:

اقتصادات الحجر الصحي في أزمنة الأوبئة

- إبراهيم الغيطاني

سوى تغييرات طفيفة في سلوك المستهلكين، وانحصرت في إقبال محدود على شراء المستلزمات الطبية)) .))

واقترنت المرحلة الثانية بظهور حالات وفاة نتيجة الإصابة بفيروس كورونا، وهو ما نجم عنه تصاعد المخاوف الاجتماعية من العدوى بالفيروس، ونتيجة لذلك اتجه المستهلكون لتكثيف مشترياتهم من منتجات السامة الصحية الأساسية، مثل مطهرات اليدين والأقنعة الطبية وغيرها وتخزينها، بينما ارتبطت المرحلة الثالثة بتصاعد حالات الإصابة والوفيات جراء الإصابة بالفيروس على مستوى العالم، وصاحبت ذلك إجراءات حكومية مشددة، مثل غلق الحدود وفرض حالات الطوارئ الصحية، ونتج عن ذلك اتجاه المستهلكين في العديد من البلدان لتخزين واسع للمواد الغذائية والمستلزما­ت الطبية) .)

وبدأ المستوى الرابع مع توسع الحكومات في فرض حالات الطوارئ الصحية، وإقرار قواعد مشددة للتباعد الاجتماعي، وهنا تزايد إقبال المستهلكين على التسوق عبر الإنترنت، ونتج عن ذلك ارتفاع أسعار السلع الغذائية والطبية وغيرها، خاصة مع انخفاض مخزون الشركات من بعض إمدادات السلع) .)

وفي المستوى الخامس، تم إقرار إجراءات إضافية بتقييد الحركة وإغاق المنشآت التجارية والاقتصادي­ة، ونتج عن ذلك حدوث نقص في بعض السلع بالأسواق. وحددت شركة “نيلسن” أن المستوى السادس، هي النقطة التي ربما يتم فيها احتواء الفيروس والسيطرة عليه، ويتم استئناف النشاط الاقتصادي بشكل طبيعي، غير أن فترة الطوارئ الصحية السابقة ستجعل المستهلكين أكثر حذراً، وستدفعهم على الأرجح لمواصلة التسوق عن طريق الإنترنت، وشراء السلع الطبية باستمرار)) ولو لفترة قصيرة بعد انتهاء المرض.

ثانياً: ازدهار قطاعات محددة

أدى فرض حالة الطوارئ الصحية في العالم، وما صحاب ذلك من مكوث قطاع واسع من سكان العالم في المنازل إلى خلق فوائد إيجابية لعدد من الشركات، لاسيما تلك القائم نموذج أعمالها على الإنترنت، إلى جانب الشركات المتخصصة في الرعاية الطبية وصناعة الأدوية وغيرها، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 1- حلول العمل عن بعد: بدأ قطاع واسع من الشركات على المستوى العالمي بالعمل عن بعد في ظل انتشار فيروس كورونا، حيث تم توجيه الموظفين للعمل من المنزل، ونشأت عن ذلك زيادة الطلب على حلول العمل عن بعد، ومن بينها خدمات الحوسبة السحابية ومحاكاة أنظمة التشغيل على غرار “فيه إم وير” VMware(،) و“كيتريكس” و“أمازون ويب سيرفيسز” ‪Amazon Web(‬ Services) وغيرها) .)

كما تزايد إقبال الشركات على استخدام برامج الاجتماعات الافتراضية، لغرض التواصل بين الموظفين، ومن أبرزها “تيمز” Teams() التابع لمايكروسوف­ت و“زووم” Zoom() وغيرهما. ففي الأسبوع الثالث من مارس، تزايد عدد مستخدمي برنامج مايكروسوفت تيمز إلى 44 مليون مستخدم نشط، وبزيادة تقدر بحوالي 12 مليوناً عن الأسبوع السابق عليه) .)

وحتى ديسمبر 2019، كان عدد مستخدمي برنامج زووم نحو 10 مايين، إلا أن هذا العدد تضاعف نحو 20 مرة إلى 200 مليون شخص في مارس من العام الجاري بحسب إعان الشركة، ومما ساعد على هذا القفزة الهائلة في أعداد مشتركي البرنامج وإقبال قطاع واسع من المنشآت على استخدامه، وشمل ذلك الشركات والمدارس والهيئات الحكومية وغيرها) .) 2- منصات التعليم عن بعد: لجأ كثير من بلدان العالم من أجل ضمان استمرارية العملية التعليمية في المدارس رغم فيروس كورونا، إلى تبنى آليات التعلم عن بعد، سواء عن طريق الإنترنت على غرار الصين، وإيطاليا وفرنسا، وألمانيا أو من خال البث التليفزيون­ي في فيتنام ومنغوليا، أو من خال الجمع بين الطريقتين) .)

وكانت الأنظمة التعليمية في بعض بلدان العالم بلغت من المرونة والدعم، بحيث تم تأسيس منصات إلكترونية جديدة لتيسير العملية التعليمية، وبدعم من أصحاب المصلحة كافة، بما في ذلك الحكومات والناشرون والمهنيون ومقدمو التكنولوجي­ا ومشغلو شبكات الاتصالات، وأحد الأمثلة على ذلك موقع readtogeth­er.hk(،) في هونج كونج، وهي منصة رقمية تعليمية مدعومة من أكثر من 60 مؤسسة تعليمية وناشر ووسائط إعامية، تتيح مواد تعليمية، بما في ذلك مقاطع الفيديو، والكتب وأدوات التقييم والخدمات الاستشارية التعليمية بشكل مجاني) .)

وعلى المنوال نفسه أيضاً، تحولت العديد من مؤسسات التعليم العالي في جميع أنحاء العالم إلى التكيف مع الأوضاع الراهنة من خال التدريس عبر الإنترنت من خال منصات تعليمية إلكترونية معروفة على المستوى العالمي، مثل استخدام جامعة ديوك الأمريكية ‪Duke University(‬ ) “كورسيرا” Coursera(،) أو توظيف كلية قطاع الأعمال في جامعة ميان بوليتكنيك الإيطالية منصات ذكاء اصطناعي مثل “فليكسا” Flexa(،) وذلك لتشارك المواد التعليمية بين الأساتذة والطاب، وياحظ أن منصة “فليكسا”، كان قد تم تطويرها بالأساس كمدرب مهني عبر الإنترنت للخريجين) .) 3- مواقع التجارة الإلكتروني­ة: اتجه الأفراد حول العالم، بسبب أزمة كورونا، إلى تقليص الأنشطة التي تعرضهم لخطر الإصابة بالمرض، عبر الاحتكاك بالمجتمع. ويندرج ضمن هذه الأنشطة ارتياد المطاعم ومتاجر التجزئة وغيرها، وسعى الأفراد لتعويض جانب من هذه الأنشطة، خاصة متاجر التجزئة، عبر التسوق الإلكتروني. وبحسب استطاعات أولية، زاد المستهلكون في أمريكا الشمالية من مشترياتهم من المتاجر الإلكتروني­ة، مثل أمازون، بنسبة 52% في أسبوعين فقط، وذلك في الفترة الممتدة من 22 مارس وحتى 4 أبريل 2020 مقارنة بالفترة نفسها في 2019، ونتج عن ذلك ارتفاع أرباح المتاجر الإلكتروني­ة بنسبة 30% خال فترة المقارنة نفسها) .)

وبالمثل أيضاً، فقد زاد المستهلكون في القارة الأوروبية من مشترياتهم من المتاجر الإلكتروني­ة بنسبة 44% في الأسبوعين من 22 مارس حتى 4 أبريل على أساس سنوي، وارتفعت أرباح المتاجر الإلكتروني­ة في المقابل بنسبة 39% خال الفترة المقارنة نفسها) .) 4- المستلزمات الطبية: قفز الطلب العالمي على المستلزمات والمعدات الطبية، بما في ذلك مطهرات الأيدي والأقعنة الطبية،

والقفازات، بجانب أجهزة التنفس الصناعي بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى حدوث زيادات كبيرة في أسعار هذه السلع في العديد من بلدان العالم) ويرجع ذلك إلى كون هذه المستلزمات والمعدات ضرورية كإجراء وقائي لمنع انتشار الإصابة بفيروس كورونا مثل المطهرات، والأقنعة الطبية، أو أنها تستخدم للحد من بعض تداعيات المرض، كأجهزة التنفس الصناعي.

ووفقاً لبيانات شركة أبحاث السوق “كارنتر” Kantar() البريطانية، شهدت مبيعات مطهر اليدين في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، زيادة قياسية على أساس سنوي بنسبة بلغت 255% في فبراير 2020. كما أفادت بيانات من شركة “أدوب أناليتكس” أن الطلب على مطهرات اليد في الولايات المتحدة قد ارتفع بنسبة 1400% في يناير 2020 مقارنة بشهر ديسمبر السابق عليه)) ،)) ونجم عن ذلك الارتفاع المفاجئ في الطلب على هذه المستلزمات الطبية زيادات كبيرة في أسعارها، وبلغت أسعار مطهرات اليدين لدى المتاجر الإلكتروني­ة، على سبيل المثال، 45 ضعف مستواها قبل ظهور فيروس كورونا) .)

وعاوة على السابق، قفز الطلب العالمي على الأقنعة الطبية بشكل كبير للغاية، ولاستجابة لذلك الطلب، تخطط شركة “3 إم” 3M((، أكبر منتج عالمي لقناع “إن ‪N95(،) 95”‬ لزيادة إنتاجها إلى 2 مليار قناع طبي من 400 مليون قناع في السابق، وهو ما سوف يضاعف مبيعات الشركة بقيمة 300 مليون دولار بحسب بعض التحليات) .)

وتحوّل كثير من الشركات الصناعية في الصين، والعاملة في مجالات السيارات والإلكترون­يات وغيرها، نحو تصنيع المستلزمات الطبية كالأقنعة الطبية وأجهزة التنفس الصناعي لاستفادة من الطلب العالمي المتنامي على هذه السلع) وخال شهر مارس وبداية أبريل، حققت الصين قفزة كبيرة في صادرات المستلزمات طبية، بما في ذلك الأقنعة الطبية والبدل الطبية وأجهزة التنفس الصناعي

وأجهزة كشف الإصابات بكورونا بلغت نحو 1.5 مليار دولار) .)

ولم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للولايات المتحدة، فقد اتجهت كبريات الشركات الأمريكية مثل “آبل” و“جنرال موتروز” لتلبية احتياجات السوق من المعدات والمستلزما­ت الطبية، وتعاقدت الحكومة الأمريكية، على سبيل المثال، مع “جنرال موتورز” لإنتاج ما يقرب من 30 ألف جهاز تنفس صناعي لاستخدام المحلي، وبما قيمته 489.4 مليون دولار) .) 5- ألعاب الفيديو: زاد الطلب العالمي بشكل ملموس على خدمات الترفيه، خاصة ألعاب الفيديو عند الطلب، أو عبر الإنترنت. ففي الصين، قام الأفراد في الأسبوع الثاني من فبراير بتنزيل أكثر من 222 مليون تطبيق متنوع من متجر آبل، قدر أنه نحو ثلثها من الألعاب الإلكتروني­ة) وذلك بعد أن طبقت الحكومة إجراءات العزل الصحي.

وعلى الصعيد العالمي أيضاً، زاد الإنفاق على ألعاب الفيديو بشكل كبير مع انتشار فيروس كورونا. وفي منتصف مارس، ازدادت مشتريات المستهلكين من ألعاب الفيديو بنسبة 65% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. كما يشير مراقبو صناعة ألعاب الفيديو إلى أن الألعاب عبر الإنترنت بدورها ستشهد حتماً إقبالاً كبيراً، حيث يبحث الأفراد عن طرق للتواصل مع الآخرين أثناء مكوثهم في المنزل) .) 6- منصات الترفيه: شهدت المنصات الترفيهية، مثل “يوتيوب” و“تيك توك”، بجانب وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الفيس بوك زيادة كبيرة في الاستخدام على المستوى العالمي مع تطبيق الحجر الصحي في كثير من دول العالم، كما ياحظ أيضاً تزايد الطلب العالمي على خدمات الاشتراك في الفيديو عند الطلب ‪Video on(‬ Demand) عبر منصة “نيتفليكس” على سبيل المثال) .)

وتعتبر “ديزني بلس” أيضاً لخدمة البث التليفزيون­ي من المنصات التي حققت قفزة هائلة في أعداد المشتركين مع تطبيق الحجر الصحي في كثير من دول العالم، فقد تضاعف عدد المشتركين بها إلى أكثر من 50 مليوناً حتى أبريل 2020 ومقارنة بنحو 26.5 مليون مشترك في فبراير من العام نفسه، وهذا ما يتخطى المستوى المستهدف من الشركة، والذي كان يتراوح بين 60 و90 مليون مشتركبحلول .)2024)

وبشكل عام، فطبقاً لشركة “استراتيجي أنالتيكس” Strategy( Analytics،) من المرجح أن ينمو الطلب على “خدمات الاشتراك في الفيديو عند الطلب” بشكل كبير في العام الجاري نتيجة فيروس كورونا، حيث قد ترتفع الاشتراكات العالمية بنسبة 5%، أو ما يعادل 47 مليون مشترك جديد ولتصل إلى 949 مليون اشتراك مدفوع على مستوى العالم بحلول نهاية عام 2020 .) 7- خدمات التوصيل من دون تلامس: مع بداية ظهور فيروس كورونا بالصين، طرحت العديد من المطاعم العالمية في عدد من

المدن الصينية خدمات “تسليم الطلبات من دون تامس” Con-( ‪tactless Delivery‬ ،) وهي خدمة تمكن العماء المتسوقين عبر الإنترنت من تسلم الطلبات في موقع محدد يتم تحديده بين الطرفين، وليس بالضرورة أن يكون منزل العميل) وحتى لو رغب العميل في توصيل الطلبات إلى المنزل، فستترك أمام الباب على أن يتم إخباره لاحقاً بوصول الطلب بعد مغادرة الشخص المسؤول عن التوصيل.

وتم التوسع في استخدام هذه الخدمة في بلدان أخرى حول العالم، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، والافت في هذا السياق أيضاً أن بعض المتاجر الإلكتروني­ة، مثل “علي بابا” الصينية توسعت في استخدام الروبوتات لتوصيل الغذاء إلى بعض المدن الخاضعة للعزل الصحي، وهو ما يعد أحد أشكال تسليم الطلبات من دون تامس) .)

الخاتمة

فرض الحجر الصحي تغييرات جذرية على سلوك المستهلكين حول العالم، حيث بادروا بإنفاق المزيد من الأموال على شراء السلع الغذائية والطبية وتخزينها في مقابل تخفيض نفقات ارتياد المطاعم

والصالات الرياضية وغيرها من الأنشطة التي تتطلب الوجود في أماكن مكتظة بالأفراد، كما صاحب ذلك أيضاً نمو الطلب على بعض الخدمات الإلكتروني­ة، مثل التسوق الإلكتروني وخدمات الفيديو عند الطلب وغيرها.

ومن المتوقع أن يتراجع الطلب على بعض من هذه الخدمات إذا ما تمت السيطرة على فيروس كورونا، غير أنه من الملحوظ أن تخوف الأفراد من العدوى بالفيروسات قد يمثل هاجساً نفسياً لدى بعض الأفراد، ويمتد لأشهر طويلة، حتى بعد القضاء على المرض، الأمر الذي سيدفعهم للتباعد الاجتماعي قدر الإمكان، ومواصلة بعض العادات المتصلة بذلك مثل التسوق الإلكتروني والإنفاق على السلع الطبية، بما يرجح استمرار ارتفاع الطلب على هذه الخدمات في المدى المنظور.

ومن جهة ثانية، فإن التغير في سلوكيات بعض الأفراد قد يستمر بعد الأزمة، فمثاً أقبل بعض الأفراد بسبب الأزمة لتجريب التسوق الإلكتروني لأول مرة، ومن المتصور أن يعتادوا عليه، ويستمر هذا السلوك حتى بعد الأزمة، غير أنه من المبكر معرفة حجم التغير الحادث في سلوكيات المستهلكين، وقد يتطلب الأمر بعض الوقت حتى يتم التعرف على سلوكيات المستهلكين الجديدة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates