Trending Events

الوقاية المستحيلة:

هل القارة الأفريقية مستعدة لمواجهة جائحة كورونا؟

- د. أحمد ولد حبيبي

تقدم القارة الأفريقية مفارقة حقيقية، فهي تعاني تدني الأوضاع الصحية في دولها، ومع ذلك، فإنها تعد أقل قارات العالم تضرراً من انتشار فيروس كورونا، حتى الآن، وذلك في الوقت الذي لاتزال فيه منظمة الصحة العالمية تحذر من إمكانية ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كوفيد .

والأمراض المرتبطة بفيروس نقص المناعة البشرية في عام 2015. وعلى الرغم من أنه يمكن الوقاية من هذه الأمراض، أو عاجها من خال الحصول على الأدوية واللقاحات المناسبة منخفضة التكاليف، فإن أقل من 2% من الأدوية المستهلكة في أفريقيا يتم إنتاجها محلياً، وهو ما يعني أن العديد من المرضى لن يكون بمقدورهم شراء الأدوية المستوردة، بما يفسر ارتفاع الإصابات جراء الأوبئة التقليدية، ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءاً في حالة تفشي الوباء بوتيرة متزايدة بين دول القارة، خاصة أنه لم يتم تطوير دواء أو لقاح في مواجهته) .)

واعترف العديد من القادة الأفارقة بخطورة الوضع، فقد أكد الرئيس السنغالي ماكي صال، وهو يعلن حالة الطوارئ وحظر التجوال في الباد "إنني أقولها عانية إن الوضع خطير جداً، ونحن لسنا مستعدين"، وهو أمر بدهي كون دول القارة كانت تواجه صعوبات كبيرة في تلبية المطالب العادية والضرورية لشعوبها في ساعة الرخاء، ولذلك، فمن المتوقع أن يكون الوضع أشد سوءاً في مواجهة هذه الأزمة الصحية الطارئة.

ومع ذلك يشير البعض إلى أن القطاع الصحي ليس منهاراً تماماً، فقد حصلت الدول الأفريقية التي عانت الأمراض الوبائية السابقة، مثل الماريا والإيدز والسل والإيبولا على دعم لأنظمتها الصحية من الدول الغربية، وهي الموارد التي يمكن الاستعانة بها في مواجهة جائحة كورونا الحالية) .) 2- تدني المؤشرات الاقتصادية والاجتماعي­ة: ترزح معظم الدول الأفريقية جنوب الصحراء تحت ظروف اقتصادية واجتماعية وبيئية وصحية ضاغطة، وهي عوامل تساهم في تفشي فيروس كورونا، إذ تعاني العديد من الدول الأفريقية فوضي الصراعات المسلحة، وغياب سلطة الدولة في مناطق واسعة، وهو الأمر الذي أثر سلباً على قدراتها في امتاكها بنية تحتية متطورة. 3- قيود الأوضاع الاجتماعية: يساعد عدد من الظروف الاجتماعية على انتشار المرض، أبرزها الفقر والجهل بالمعلومات الأساسية حول جائحة كورونا، فضاً عن الممارسات والعادات الاجتماعية السلبية، والتي تجافي تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي. وترتفع مخاطر انتشار كورونا إذا وصل المرض إلى المناطق الأشد فقراً والأكثر ازدحاماً في القارة، مثل تجمعات الاجئين. 4- الانعكاسات البيئية على الصحة العامة: تعاني أفريقيا تدهور الأوضاع البيئية في بعض مناطقها، مثل التصحر، وما ترتب عليه من نقص المواد الغذائية الضرورية، وإمدادات المياه الصالحة للشرب، وتلوث الهواء بسبب استخدام الوقود والخشب في الطهي حتى في المناطق الحضرية، وهو ما يسبب انتشار الأمراض الصدرية وأمراض الجهاز التنفسي، بما يعنيه ذلك من أن مضاعفات كورونا لدى المرضى المصابين بهذه الأمراض سوف تكون أشد قسوة، كما أن سوء التغذية أثر

سلباً على مناعة الأفراد، ووفق منظمة الصحة العالمية يعاني 40% من سكان القارة ضعف الإمدادات الغذائية، نصفهم من كبار السن. 5- سيادة الخرافات: يسود تفاؤل لدى سكان البلدان الأفريقية تغذيه العادات الاجتماعية، والمعتقدات الروحية، وتتبناه أحياناً بعض الحكومات الأفريقية، وتقوم على أن دول القارة محمية من هذا الوباء، وأن سكانها تشكلت لديهم "مناعة" راسخة ضد تفشي الفيروسات المستجدة والقاتلة بفضل الإيمان أولاً، فضاً عن حصول السكان في أوقات سابقة على أدوية الماريا، والحمى النزفية، وحمي الوادي المتصدع، والإيبولا، وكلها تشترك في الأعراض نفسها تقريباً مع كورونا، ومن بينها الحمى والالتهاب والسعال والإرهاق. وبطبيعة الحال، فإن هذا الاعتقاد لا تدعمه أية أدلة طبية. 6- استحالة تطبيق الإجراءات الوقائية: تعتمد الوقاية من وباء كورونا، حتى الآن، على إجراءات احترازية بسيطة، والتي يتقدمها التباعد الاجتماعي. ولكنها تعتبر ترفاً في العديد من المجتمعات الأفريقية، التي تعاني ويات الحروب الأهلية، حيث يتكدس الناس في مخيمات اللجوء الممتدة من مالي في غرب أفريقيا إلى الصومال في منطقة القرن الأفريقي.

ومن جهة ثانية، تعتبر مطالبة الناس بالعزل الذاتي في المنزل عملية مستحيلة في كثير من المجتمعات، حيث تعيش عائات كبيرة مكدسة في غرفة واحدة، وتتشارك مع كل سكان الحي في المراحيض العمومية. كما أن حث الناس الذين لا يستطيعون شراء الصابون، وليست لديهم مياه نظيفة جارية على غسل اليدين عدة مرات في اليوم يعتبر ضرباً من الترف لا يمتلكه الكثيرون منهم.

ثالثاً: اجراءات الدول الأفريقية

اتبعت الدول الأفريقية عدداً من السياسات في مواجهة وباء كورونا، ويمكن توضيح أبرز هذه التدابير في التالي:

1- فرض الحظر العام: اتخذت حكومات الدول الأفريقية إجراءات تقليدية سبقتها لها كل الدول التي مر بها الوباء كغلق الحدود، وتعليق الرحات الجوية، باستثناء طائرات الشحن والرحات الطبية، فضاً عن غلق المدارس والجامعات وأماكن العبادة، وإلغاء الأنشطة الرياضية، والتظاهرات الثقافية وفرض حظر التجول.

ومع ذلك، يمكن ماحظة وجود اختافات في التطبيق بين الدول الأفريقية، ففي حين قامت رواندا بفرض حظر التجوال العام وإغاق الحدود في 8 مارس 2020، فور تسجيل أول حالة إصابة، قامت إثيوبيا بإعان حالة الطوارئ وتأجيل الانتخابات، وإغاق الحدود، غير أنها لم تعلن حظر التجوال في الباد.

وياحظ أن العديد من الدول الأفريقية المكتظة بالسكان، لا تملك رفاهية تطبيق الحظر العام، خاصة أن هذه المناطق

تنتشر بها أنماط العمل غير الرسمي، مثل الباعة الجائلين وغيرهم، والذين سوف يتضررون اقتصادياً في حالة فرض الإغاق العام، خاصة أنهم سوف يفقدون مصدر دخلهم. 2- الحصول على الدعم الخارجي: لا تستطيع الدول الأفريقية امتاك الموارد الكافية من أجل الحصول على الإمدادات الطبية الازمة لمواجهة كوفيد – 19، ناهيك عن عدم قدرتها على الدخول في منافسة مع الدول الكبرى على شراء المستلزمات الطبية، كما حدث في الصراع بين الولايات المتحدة وفرنسا على شراء كمامات من الصين في أبريل 2020، وقيام واشنطن بدفع ثاثة أضعاف ثمن الشحنة، من أجل أن تأخذها من باريس.

وفي ضوء هذا الوضع، تنتظر أفريقيا الدعم من القوى الكبرى، ففي مواجهة إيبولا في عام 2014، حصلت دول غرب أفريقيا على دعم من عدة دول أبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا. أما في مواجهة كوفيد – 19، فقد بدأت الدول في تقديم مساعدات طبية للدول الأفريقية، حيث أعلن رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوسا أن الصين تعهدت بتوفير 30 مليون أداة اختبار كوفيد – 19 شهرياً للدول الأفريقية التي تواجه نقصاً في المواد الازمة لاختبار الفيروس) .)

3- الجهود الأفريقية الجماعية: سبق أن اتفق رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي في مؤتمر قمة أبوجا المنعقد في نيجيريا في يوليو 2017، على تدابير مشتركة لمواجهة هذه الأمراض، وتم إنشاء مؤسسة متخصصة لدعم الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي في جهودها الرامية إلى تعزيز النظم الصحية، وتحسين المراقبة والاستجابة لحالات الطوارئ والوقاية من الأمراض المعدية.

وبناء على ذلك، أنشئ مركز مكافحة الأمراض في أفريقيا رسمياً في 31 يناير 2017 في أديس أبابا بإثيوبيا، وتم تبني خطة خماسية للوقاية من الأوبئة والأمراض المتنقلة، ولكن فاعلية هذا المركز كانت محدودة بسبب عدم تعاطي الدول وتجاوبها مع المشاريع التي يقدمها، وبسبب اعتماده على التمويل الخارجي الذي لا يكون متوفراً دائماً.

4- تراجع الربط بين دول القارة: تعاني بعض دول القارة الأفريقية تراجع وسائل المواصات التي تربط بين مختلف المناطق داخل الدولة الواحدة، أو حتى بين الدول الأفريقية وبعضها البعض، وهو الأمر الذي ساهم في الحد من انتشار جائحة كورونا بين دول القارة) ولعل ما يضفي مصداقية على مثل هذا التحليل هو أن أكثر الدول الأفريقية تقدماً، مثل

جنوب أفريقيا، هي أكثر دول القارة ارتفاعاً في عدد الإصابات.

رابعاً: تداعيات ممتدة

تتمثل أبرز التداعيات التي قد تشهدها القارة الأفريقية جراء جائحة كورونا في التالي: 1- انكماش الاقتصادات الأفريقية: عانت كل الاقتصادات العالمية تداعيات سلبية، حيث قدرت المؤسسات الدولية أن يشهد العالم كساداً يفوق الكساد الكبير في الثاثينيات من القرن العشرين، ولذلك يتوقع أن تعاني الدول الأفريقية تداعيات سلبية هي الأخرى. ووفق أكثر السيناريوه­ات تفاؤلاً، وهو سيناريو لم يعد واقعياً، يتوقع أن ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا إلى 0.4% فقط في عام 2020. أما في السيناريوه­ات الأخرى، يتوقع أن تشهد أفريقيا انكماشاً اقتصادياً في عام 2020، وينخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين خمس وثماني نقاط مئوية) .) 2- انهيار النظم الصحية: قد تشهد أفريقيا تراجعاً في قدرة النظم الصحية في التعامل مع وباء كورونا، خاصة في حالة ارتفاع الإصابات، في ظل ما تمت الإشارة إليه من تدهور وضع القطاعات الصحية فيها، ووجود تصورات سلبية بإمكانية تسببه في مقتل حوالي عشرة مايين شخص. 3- تداعيات محدودة على النظم السياسية: اعتمدت مقاربة الدول الأفريقية في التعامل مع جائحة كورونا على التدابير غير العاجية، إذ ركزت على إغاق الحدود، وفرض حظر التجوال، وتعليق المدارس والجامعات، ومنع التجمعات وإغاق المساجد والكنائس، غير أنه في حالة تفاقم انتشار الجائحة بين المجتمعات الأفريقية، فقد تضطر إلى اتباع إجراءات غير تقليدية، مثل أنظمة الرصد، والوقاية والإنذار المبكر، ونظم الذكاء الاصطناعي. ولكن حتى في حالة عجز النظم الأفريقية عن توفير هذه الإجراءات، فإن هذا لن يؤثر على شرعية النظم السياسية، نظراً لأن الجائحة انتشرت في الدول كافة با استثناء، سواء كانت متقدمة، أو متخلفة، ولم تنجح أي تدابير في إيقافها تماماً.

وفي الختام، ياحظ أن جائحة كورونا فرضت تحديات على جميع دول العالم با استثناء، فهي تهدد الأمن الإنساني في كل مكان، ولذلك، فإن أحد أهم وسائل مكافحة المرض تتمثل في التعاون الدولي لضمان عدم تحوّل دولة أو قارة إلى بؤرة جديدة من الوباء، ينتشر منها إلى الدول التي بدأت تشهد تعافياً تدريجياً منه، ولعل إمداد الدول الكبرى للقارة الأفريقية بالمعدات الطبية لعاج كورونا يساهم في هذا الأمر.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates