Trending Events

التكيف المرن:

كيفية تعامل الإجرام المنظم مع كوفيد 19 في أمريكا اللاتينية

- ميجيل مورينو

يجد المتابع لشؤون أمريكا اللاتينية أن كارتيلات الجريمة المنظمة سعت لاستيعاب تداعيات جائحة كورونا على أنشطتها، عبر اتخاذ إجراءات تحاكي الدول، سواء في فرض التدابير الوقائية، أو توفير الأطباء، وذلك في محاولة منها للحد من انتشار الفيروس، ومن ثم استئناف أنشطتها من جديد.

أو "إم إس – ‪MS-13() 13"‬ في السلفادور، بمعاقبة السكان غير الملتزمين بحظر التجول الذي أعلنته الحكومة، كما ياحظ أن هذه العصابة لم تكن بمفردها في تطبيق الحظر، بل تزامنت أنشطتها مع أنشطة عصابتين أخريين بهدف الامتثال لحظر التجول المفروض على المستوى المحلي) .)

وفي الدول التي تفرض فيها الحكومات إجراءات حظر صارمة، مثل السلفادور، يعمل أفراد العصابات كمسؤولين عن مراقبة الامتثال للتدابير الحكومية المعلنة للوقاية من الوباء، أما في الدول التي تراخت فيها الحكومات الوطنية عن فرض مثل هذه التدابير، مثل البرازيل ونيكاراجوا والمكسيك، فرضت العصابات المحلية حظر التجول بنفسها، لاعبة بذلك دور المشرع، وسلطة إنفاذ القانون في وقت واحد.

وتقول صحيفة "إل فارو" المحلية إنه من غير المرجح أن يتلقى أفراد عصابات الشوارع رعاية طبية رسمية من دون المخاطرة بالقبض عليهم من قبل الشرطة، ولذلك تركز هذه العصابات على الحفاظ على سامة أحيائها. 3- توزيع الوسائل الوقائية مجاناً: أعلنت بعض العصابات الاتينية التزامها بتزويد السكان بالمطهرات والأقنعة الطبية لمنع انتشار الإصابة بالفيروس في المناطق الخاضعة لها) ففي المكسيك، قامت عصابات، مثل "كارتل دي سينالوا" ‪،)Cartel de Sinaloa(‬ وتُعرف أيضاً باسم "عصابة إل تشابو غوزمان للمخدرات" ‪El Chapo Guzman’s(‬ ‪drug cartel‬ ،) بتقديم أعداد من اللوازم والأقنعة الطبية، مطبوع عليها وجه زعيمها إل تشابو، إلى سكان المناطق الفقيرة) .)

وبالمقابل، قامت عصابات المخدرات المكسيكية الأخرى مثل "خاليسكو الجيل الجديد" ‪Jalisco New Generation(‬ Cartel) و"عصابة الخليج" ‪Cartel del Golfo(‬ ) بتسليم حزم مساعدات مماثلة يحملها رجال مدججون بالساح يرتدون أقنعة للوجه وأزياء موحدة، ولقد تعمدوا تصوير المستفيدين من هذه المساعدات، وهم يشكرونهم ويعلنون دعمهم لزعماء هذه العصابات) .)

ويرى هيكتور دي موليون، المتخصص في شؤون الجريمة بالمكسيك، أن هذه الأفعال تعكس الاستراتيج­ية التي تتبعها العصابات من أجل توسيع قاعدة داعميها في الوقت الذي تضررت فيه أنشطتها غير المشروعة بانتشار الجائحة، وذلك بهدف مقاومة الجائحة بسرعة، واستئناف أنشطتها.

ثانياً: تداعيات على الن�صاط الإجرامي

أثرت جائحة كورونا على أنشطة جماعات الجريمة المنظمة، ويمكن توضيح أبرز هذه التداعيات في التالي: 1- تراجع إنتاج المخدرات والإتجار فيها: ذكر تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة

UNODC() أن القيود التي تفرضها الدول على التجارة وحركة السلع والخدمات أثرت على الجريمة المنظمة في أمريكا الاتينية) كما أشارت صحيفة "ميلينيو" اليومية المكسيكية إلى أن الأنشطة الإجرامية المتعلقة بالمخدرات قد شهدت تراجعاً في الباد.

وتعاني العصابات الاتينية نقص المواد الكيميائية الازمة لتصنيع المخدرات، والتي تأتي من الصين، كما تواجه صعوبات في تصريف منتجاتها بسبب إغاق الحدود مع الولايات المتحدة، وهي من أسواق التصدير الأساسية لتلك العصابات. لذا، توقع بعض الخبراء والمتخصصين أن تتجه التنظيمات الإجرامية إلى محاولة استبدال المواد الكيماوية الازمة لصناعة المخدرات، المستوردة من الخارج، بمواد كيميائية أخرى تُنتج محلياً) .)

وعلى الرغم من القيدين السابقين، تمكنت بعض العصابات من الحفاظ على حجم إنتاجها من المخدرات. ففي كولومبيا، احتجزت السلطات اثنتي عشرة غواصة محملة بأنواع مختلفة من المخدرات متجهة إلى أمريكا الوسطى وأوروبا، كما صادرت البحرية الكولومبية أكثر من 112 طناً من المخدرات خال الأشهر الثاثة الأولى من عام 2020، وهو دليل على عدم تضرر أنشطة بعض هذه الجماعات.

وعلى الرغم من أن استخدام غواصات تهريب المخدرات تلك ليس بالأمر الجديد، فإن الاعتماد الكبير عليها خال الأشهر القليلة الماضية يمكن اعتباره طريقة غير تقليدية لنقل المنتجات، ومؤشراً على حرص جماعات الجريمة على البحث عن طرق مبتكرة لمواصلة أنشطتها غير المشروعة. ولكن في المقابل، تمكنت السلطات الحدودية من اقتناء أجهزة تتبع وأساليب رقابة متطورة مكنتها من اعتراض الشحنات المنقولة بحراً بين الدول "المنتجة" و"المستهلكة" للمخدرات. 2- تقليص بعض الأنشطة غير المشروعة: أشارت مؤسسة "معلومات عن الجريمة" ‪InSight Crime(‬ ،) المتخصصة في متابعة شؤون الجريمة، أن عصابة "شارع 18" بجواتيمالا أوقفت أنشطتها لابتزاز البائعين المحليين، احتراماً لظروف الأزمة الحالية، والتي أثرت على مبيعاتهم. وبالمثل، قام جيش التحرير الوطني الكولومبي، مثاً بوقف إطاق النار بسبب تفشي فيروس كورونا. 3- تصاعد التناحر على الموارد المحدودة: زادت أعمال العنف والقتل في المكسيك، وبلغت مستوى غير مسبوق نتيجة للتنافس بين العصابات للسيطرة على الموارد القليلة المتاحة.

ثالثاً: �صيناريوهات ما بعد الوباء

يمكن طرح عدة سيناريوهات لمستقبل جماعات الجريمة المنظمة في ظل كوفيد 19، ويعتمد هذا السيناريو على محددين أساسيين، وهما قدرة التنظيمات الإجرامية على

التكيف، وكذلك جهود الحكومات في استغال الوضع الحالي لتحجيم أنشطتها، ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي: 1- توطيد جماعات الجريمة المنظمة نفوذها: يمكن أن تستغل الجريمة المنظمة أنشطتها الموجهة لمكافحة انتشار كوفيد 19 من أجل تعزيز شعبيتها، ونفوذها في المجتمعات، خاصة في المناطق التي تغيب فيها سلطة الدولة، وهو ما ينعكس في قدرتها على مواصلة أنشطتها غير المشروعة، من دون خوف من ماحقة أمنية، كما يديم سيطرتها على المجتمعات.

ويحذر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة من ميل عصابات المخدرات في دول أمريكا الاتينية، مثل كولومبيا وبيرو وبوليفيا، نحو تخزين المخدرات، بسبب الكساد العالمي، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى توافر كميات كبيرة من المخدرات منخفضة التكلفة لاستهاك فور رفع قيود الإغاق بسبب كورونا. وإذا لم يتم التعامل مع هذا الأمر سريعاً، فقد تواجه الحكومات خطر ارتفاع نسب الاتجار في المخدرات وتعاطيها، وما يقترن بذلك من ارتفاع معدلات العنف المجتمعي على نحو غير مسبوق. 2- تعزيز الحكومات جهودها للقضاء على العصابات: يرى بعض المحللين والخبراء أن الجريمة المنظمة ستواصل على الأرجح فقدان قوتها أثناء فرض القيود، بالنظر إلى خسارتها الكثير من مواردها المالية، وهو ما يتطلب، وفقاً لوجهة نظرهم، أن تقوم الحكومات بالعمل بسرعة على استعادة السيطرة على المناطق الواقعة في قبضة العصابات. ومن أنصار هذا الرأي أليخاندرو هوب، الخبير الأمني المكسيكي، الذي يرجح استئناف جماعات الجريمة أنشطتها بعد الوباء، وهو ما يتطلب من السلطات المحلية اتخاذ إجراءات سريعة لاستفادة من لحظات الضعف التي تمر بها العصابات الآن.

ويقترح أن يتم ذلك عن طريق زيادة الوجود العسكري والشرطي للسيطرة على المناطق التي تسيطر عليها العصابات، فضاً عن توسيع مظلة الرعاية الاجتماعية لتقليص اعتماد الأحياء الفقيرة على المنظمات الإجرامية، أي زيادة شرعية الدولة كمقدم رئيسي للخدمات. وكذلك تنفيذ خطط تنموية لتحسين الوضع الاقتصادي للمناطق الفقيرة لتقليل احتمال لجوء المواطنين في مواردهم على الأنشطة غير المشروعة.

ومع ذلك، تشكل هذه المقترحات تحدياً مالياً كبيراً بالنسبة

لحكومات أمريكا الاتينية، فوفقاً لما جاء في تقرير عن اقتصاد المنطقة، فإن انخفاض أسعار السلع والمواد الأولية، خاصة النفط، والتي تشكل الصادرات الرئيسية لدولها، إضافة إلى اعتمادها الشديد على التجارة الدولية، يجعل هذه الدول تواجه ظروفاً اقتصادية غير مواتية، ويجعلها تستغرق وقتاً طوياً للتعافي. وفي ظل انمكاش الميزانيات الحكومية، فإنه سوف يصير من العسير على الحكومات توفير مصادر تمويل إضافية لمحاربة العصابات.

ومن جهة أخرى، لا يجب إغفال التكلفة الاجتماعية المرتفعة لأي تحرك أمني، إذ إن استخدام الشرطة والجيش في المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية سوف يؤدي إلى تضرر المدنيين، والدليل على ذلك ما ذكرته "بروجيكتو مانيفيا" ‪Projeto Manivela(‬ ،) المنصة الرقمية المتخصصة في شؤون المناطق الفقيرة، أن 290 شخصاً قد لقوا مصرعهم خال غارات الشرطة في ولاية ريو دي جانيرو خال شهري مارس وأبريل 2020، أي بزيادة 13% عن عدد القتلى في مواجهات عام 2019. وهو ما يدل على أن المنظمات الإجرامية عازمة على حماية مناطق نفوذها مهما رتبه ذلك من كلفة مدنية مرتفعة. 3- استمرار الوضع على ما هو عليه: استفادت المنظمات الإجرامية في أمريكا الاتينية، على عكس المناطق الأخرى، من حالة عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في القارة. وبفضل أرباحها العالية، أثبتت الجريمة المنظمة في أمريكا الاتينية، على مدى العقد الماضي، قدرتها على تطوير أساليبها، كما في تطويرها غواصات تهريب المخدرات، وعلى تحدي شرعية الدولة من خال إضفاء الطابع المؤسسي على شبكتها الإجرامية، وإيجاد حاضنة مجتمعية لها. ولذلك من المرجح أن تواصل جماعات الجريمة المنظمة أنشطتها بالمستوى نفسه قبل انحسار كورونا، وذلك مع التخفيف التدريجي لإجراءات الإغاق العام بسبب كورونا.

وفي الختام، يمكن النظر إلى تداعيات جائحة كورونا كفرصة يمكن للحكومات في القارة أن تقرر استغالها، إما لتغيير الوضع الراهن للقضاء على المنظمات الإجرامية، أو أن تواصل هذه المنظمات تعزيز سطوتها ونفوذها على مناطق سيطرتها، أو أن يستمر الوضع الراهن كما هو، من دون أن يطرأ عليه تغيير كبير.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates