سياسة الاغتيال والبلطجة الإسرائيلية
الاغتيــالات سياســة إسرائيلية واســتراتيجية مدروســة وليســت ردود فعل، وهذا ما تؤكده الوقائع طــوال العقــود الســبعة الماضيــة، إذ أن إســرائيل تحــدد قوائــم المطلوبــن للاغتيــال والاعتقال، بناء على دراســة عميقة، وليس رد فعــل أو عقوبة، وآخــر الأدلة على ذلــك جريمة اغتيــال العالم والباحث والأكاديمي الفلسطيني فادي البطش، الذي لم يكــن له أي علاقة بالجهاز العســكري، ولم يكن مسؤولاً عن تنفيذ عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي.
اغتيال الأكاديمي والباحث في مجال الهندسة الكهربائيــة فــادي البطش، يؤكد أن إســرائيل تستهدف العقل الفلســطيني، وتسعى لتحويل الفلســطينيين إلى أقلية ليســت ذات قيمة، في الوقــت الذي تضــم فيه إســرائيل الشــركات الأكثــر تطــوراً فــي مجــال التكنولوجيا على مســتوى العالم، بما يعني أن ثمة اســتراتيجية ممنهجــة لعرقلة أي تطــور تقنــي أو بحثي أو صناعي فلســطيني أو عربي لضمان اســتمرار التفــوق الإســرائيلي على محيطه مــن العرب والفلسطينيين.
اســتراتيجية اســتهداف العقل الفلسطيني واصطياد العلماء العرب، تنفذها إســرائيل منذ عقود، فقد ســبق أن اغتال الموســاد العديد من العلماء كان من بينهم المهندس التونســي محمد الزواري الذي لم يكن في حقيقته ســوى باحث تقني وصاحــب ابتكار، ويأتــي البطش لينضم إلى القائمة، علــى الرغم من كونه بكل وضوح لا ينتمي للجهاز العســكري لحركة حماس، وإنما هو أكاديمي وباحث ينشــغل فــي تعليم طلبته في ماليزيا مــا توصل له العلم الحديث في مجال الطاقة والهندسة الكهربائية.
الاغتيال والاعتقال هي أدوات تقوم إسرائيل باســتخدامها ضمــن اســتراتيجية مدروســة لتحقيق الأهداف المطلوبة والمحددة ســلفاً، وهي ليســت ردود أفعال عابرة، كمــا يحاول البعض أن يتخيــل، فليس شــرطاً أن من يتــم اغتياله أو اعتقالــه كان ضالعاً في هجوم مــا أو عملية أودت بحياة اسرائيليين، وإنما المهم أنه مطلوب تحييده بما يضمن المصلحة الإسرائيلية.
المثال الأكثر وضوحاً لاســتخدام سياســات الاغتيال من أجل تحقيق المصلحة الاســرائيلية، هو قرار اغتيال كل من أحمد ياسين وياسر عرفات في 2004، وبفــارق ثمانية شــهور فقط بينهما، واغتيالهمــا كان بــكل تأكيد قــراراً تم اتخاذه من أعلى مســتوى سياســي وأمني وعســكري في إســرائيل ونتيجة لمصلحة مدروســة بشكل واضح. كان كل من ياســر عرفات وأحمد ياسين رموزا عليا تحظى بالتفاف جماهيري فلسطيني، وتمثل رموزاً للإجماع الوطني، ولم يكن يقبل أي فلسطيني بالخروج عنهما، أما القرار الإسرائيلي باغتيالهما فظهر لنــا واضحاً جلياً، إذ في مارس 2004 تم اغتيال ياسين في غزة، وفي نوفمبر من العام ذاته )بعد 8 شهور فقط( تم اغتيال عرفات في رام الله، وبعد عامين فقط كان الفلسطينيون قد انزلقوا نحو الانقسام والاقتتال الداخلي، في ظل غياب القيــادة التي كانت تحظــى باحترام الجميع.. باختصار كانت إسرائيل باغتيالهما قد اتخذت قراراً بشق الصف الفلسطيني.
بالعــودة إلــى مسلســل اغتيــال العلمــاء والباحثــن والمخترعــن، فــإن يــد الموســاد الإسرائيلي لم تتوقف على العلماء الفلسطينيين، وإنما امتدت إلى العرب والإيرانيين أيضاً، حيث تمت تصفية أعــداد كبيرة في ظــروف غامضة، وهو ما يؤكد أن هذه القوائم يتم إعدادها بعناية فائقة وبعد دراسة مستفيضة، من أجل تحقيق ما يريده الإسرائيليون.
اللافــت للانتباه أن إســرائيل تنفــذ جرائم الاغتيــال في أي مــكان من العالم مــن دون أي احترام ولا اعتبــار لهذه الــدول، أجنبية كانت أم عربيــة، ما يعني أنها تخــوض حرباً مفتوحة ضد الفلســطينيين أينما كانوا، وذلك على الرغم من أن المقاومــة الفلســطينية )خاصة حماس( لــم تطلق رصاصــة واحدة ضد أي اســرائيلي خارج الأراضي الفلســطينية، بــل حتى عملية ميونخ الشــهيرة أكد مدبروها أكثــر من مرة أن الاستخبارات الإسرائيلية هي التي حولتها إلى كارثــة، وأن الخطة التي كانــت موضوعة كانت تقتصر فقط علــى «احتجاز رهائن» من دون قتل أي منهم.
وخلاصة القــول، هو أن إســرائيل تخوض حرباً مفتوحة على العقل العربي والفلســطيني، مــن أجــل أن تضمن أن نظــل في مؤخــرة أمم العالم، وتســتخدم كافة الوســائل والأساليب غير الشــرعية من أجل تحقيق هذا الهدف وبقية أهدافها، في ما يتوجب علــى العالم أن يجد حلاً لــ»البلطجة» الإســرائيلية التي بــدأت داخل الأراضي الفلســطينية وتوســعت وتتوسع إلى مختلف أنحاء العالم.
استراتيجية استهداف العقل الفلسطيني واصطياد العلماء العرب، تنفذها إسرائيل منذ عقود