مفارقات سقوط الطائرة الروسية في سوريا
■ اجتمــع في حدث إســقاط كتيبة دفاع جوّي ســورية فــي اللاذقيــة للطائرة الروســية «إيل 20» ومقتــل الضباط والجنــود الـ15 الذين كانوا على متنهــا الكثير من المفارقات السياسية والعسكرية المثيرة للجدل.
أول هــذه المفارقات هو أن ســقوط الطائرة حصل خلال غارات جوّية إســرائيلية على مواقع عســكرية قيل إن إيران تســتخدمها لتزويــد «حزب اللــه » اللبناني بالســاح، وإذا كنــا لا نعلم إن كان انطلاق صواريخ منظومة الدفاع الجوّي السورية ضد الغارات الإسرائيلية مقصودا به صد الهجوم على المواقع المحســوبة على إيران أم لا فلا شــك أن النتيجة فاجأت الجميع.
لعلّ أول المتفاجئين كانت قيادة النظام الســوري نفسها وضباطها الذين رمــوا صواريخهم لصدّ طائرة إســرائيلية فأسقطوا طائرة تجســس ثمينة لـ«الحليف» الروسي، غير أن الضربــة علــى «أم الــرأس» تلقّاها الــروس الذين طاش صوابهــم فأخذوا يلقون تصريحــات الاتهام على عواهنها، بــدءا مــن اتهــام الفرقاطــة «أوفيــرن» الفرنســية )وهو ما أنكره الفرنســيون بشــدة(، وبعدها تم الحديث عن اختباء الطائرات الإســرائيلية خلف جسم الناقلة الروسية وإعلان موسكو عن «الاحتفاظ بحق الرد»، ليخرج الرئيس الروسي بنفســه ويقول إن السوريين هم من أســقطوا الطائرة نافيا التهمة عن إسرائيل التي «لم تسقط طائرتنا.»
«الشــيطان يكمــن فــي التفاصيــل»، كمــا يقــول المثــل الإنكليــزي، وتفضح تفاصيــل الحادثة وقائع تشــبه المثل المذكــور، فتصريــح الــروس عــن تأخــر الإســرائيليين في إعلامهــم بالغارة يعني أن قصف تل أبيــب المواقع الإيرانية )أو حتى الســورية( هو أمــر متفق عليه بــن الطرفين، لكنّ الإســرائيليين، لســبب ما، قرّروا تعديل الاتفاق الزمني لمدة إبلاغ الروس )من 15 دقيقة إلى دقيقة واحدة(، ربما لأهمية الموقع المســتهدف وضرورة مفاجأته، أو لأن الاتفاق مطّاط ومرن وأن الإسرائيليين )والروس( لم يدخل في حسبانهم وجــود طائــرة تجســس مهمــة واســتهداف الطائــرات الإســرائيلية للساحل الســوري، أو لاقتناعهم بعدم فاعلية دفاعات النظام السوري )التي هي أسلحة روسيّة!(، وبذلك يتداخل اتفاق موســكو وتل أبيب ضــد طهران مع الاحتقار المركّز ضد النظام الســوري وضباطــه ومنظومته الدفاعية )وهو ما عبّر عنه بصراحة خبير عســكري روسي بقوله إن الضباط الســوريين غير مدربين جيدا ولا يســتطيعون تبين الصديق من العدو(.
توضّح مســارعة الرئيس الروســي إلى الهبوط من على «شــجرة» تهديــد إســرائيل، وتقبّلــه «الفلســفي» للكارثــة الجوّية )مع تمييزها عن إســقاط تركيا لطائرة روســية عام 2015( أن ما يجمع بين روســيا وإســرائيل صار أكثر أهمّية مما يجمعها بحليفها السوري المفترض )ناهيك عن إيران(، وتشــير الأنباء المتداولة عن تحقيق ضبــاط روس مع قادة كتيبــة الدفاع الجــوي 44 التي أســقطت الطائرة الروســية إلى أن العلاقة بين روســيا والنظام الســوري صارت علاقة المحتلّ بســكان البلاد التي يحتلها، أمــا العلاقة مع تل أبيب فعلاقة الأقوياء الذين يقدّر الواحد قدرة الآخر على البلطجة والإيذاء ويتصرّف بناء على هذه المعادلة.
يبقــى القــول إن «سلســلة الظــروف المأســاوية» (على حد تعبير بوتين( لم تتكشــف أســرارها كلهــا بعد، فوجود هذا العــدد الكبيــر من الجنود فــي طائرة تجســس «فائقة القدرات»، حســب الوصف الروســي، ومصادفة وجودها في وقت الغارة، وصمت النظام السوري عما جرى، وسبب امتناع الإسرائيليين عن إبلاغ الروس بغارتهم، وعدم كشف معلومات بعــد عن جثث الطاقم وأنقــاض الطائرة، ووضع اللوم على منظومة الصواريخ في عدم التعرف على الطائرة الصديقة، كلّها أســئلة مفتوحة لا نعلم إن كانت ستتكشف أسرارها أم لا.