النجمةُ البريطانيةُ كييرا نايتلي تتألق في فيلمها الجديد «كوليت»
في فيلمِها الأخير، «كوليــت»، الذي تدورُ أحداثُه في أوائلِ القرنِ العشــرين، تجســدُ النجمةُ البريطانيــةُ كييرا نايتلي شخصيةَ المؤلفةِ الفرنســيةِ سيدوني غابريئلا كوليت، عندما انتقلتْ من قريتِها في الريف الفرنسي الى باريس، مرتع الأدب والفن والطرب، لتعيــشَ مع زوجِها المؤلفِ الشــهير، ويلي، الذي كثيرًا ما كان يُغرقُ نفسَه بالديونِ بسببِ إسرافِه المفرط على الحفلات والكحول وبائعات الهوى.
ويلي حقق ثورته من خلال اســتئجار كتّاب شباب لكتابة روايات، كان ينشرها في مجلاته أو يطبعها ككتب تحت اسمه. الكتّاب كانوا يوافقون على التخلي عن حقوقهم الفكرية لأنهم لم يكونوا معروفين، لهذا لم يكن في امكانهم بيع كتبهم، ولكن عندما تنشر تحت إسم ويلي الشهير، كانت تباع باعداد كبيرة وتدر الأرباح لهم. ولكن عندما لــم يدفع أجورهم، توقفوا عن الكتابة. فاقترح على كوليت أن تكتب قصص مدرســتها التي كانت تحكيها له عندما كان يزورها في قريتها لكي تنجدهم من محنتهم المادية.
وتكتــبُ كوليت سلســلةَ رواياتٍ مقتبســةٍ عــن حياتِها وهي «كلودين»، التــي تتحولُ الى أكثرِ الكتــبِ مبيعًا، ولكن ويلي ينشــرُها باســمِه ويحتكرُ الحقوقَ الفكريةَ للسلسلةِ. وعندما تطالبُه كوليت بحقِها، يرفضُ بشدةٍ ويهددُ بتدميرِها وحرمانِها من كلِ شيء.
وفي حديــث مع نايتلي كشــفت لــي أنها من قــرّاء كتب كوليت، التي تعد إحدى أهم الروائيات الفرنســيات، وقدمت رواياتها في أفلام سينمائية وعلى خشبة المسرح، كما رشحت لجائزة نوبل للآداب. ولكن النجمــة البريطانية لم تكن تعلم بالتحديات التي واجهتها كوليت في بداية ســيرتها بســبب انوثتها.
«كنت قد قرأت روايتين لها، والتي كنت أحبها وهي «شيري» و»آخر شــيري»، لكننــي لم أكن أعرف شــيئا عــن حياتها، وبالتأكيــد لم أعرف شــيئا عن زوجهــا الأول وأخذه الفضل فــي رواياتها الأربع الأولى. لهذا كنــت مفتونة بقصتها عندما قرأتها»، تقول نايتلي، الناشطة في منظمات حقوق النساء.
مــن المفارقــاتِ الغريبة، أنه رغــمَ خيانةِ ويلــي لكوليت مع نســاءٍ أخرياتٍ وحرمانِها مــن حقِها وحبسِــها في غرفةٍ واجبارِها على الكتابةِ، لم تُقدم شــخصيةُ ويلي كشــرير، بل كشخصية ساحرة وكاريزماتية وحتى رومانسية.
«صحيح هو كان اســتغلاليا وحاول أن يبقيها في الأسفل ويســكتها، ولكن نحن نتحدث عن زمن آخر، مهم جدا هو أن تفهــم لماذا كانوا معا. لا أعتقد أن النــاس في كثير من الأحيان أبيض واســود. أعتقد أنها ظلال مختلفــة من اللون الرمادي. وأعتقــد أنه مــن خلال فهــم نوع السياســة الجنســية بين الرجال والنســاء يجب أن تسمح لكل ظلال الرمادي أن تكون موجودة، أعتقد أنه شــخصية قوية جدا، وكاريزماتي ومرح، لكنه كان أيضا اســتغلاليا ومروعا. وما أحببتــه هو أنه في الواقع في نقطة معينة أنه حقا، كان سيسكتها حقا، فخرجت، لهذا لم تكن ضحية أبدا. لكنهــا اضطرت الى النضال من أجل الخروج من سطوته .»
نايتلي أجادت في أفلامِ الدراما التاريخيةِ
نايتلي معروفةٌ بأدوارِها فــي أفلامِ الدراما التاريخيةِ على غرارِ «كبرياءٌ وتحامل»، المقتبس عن رواية المؤلفة البريطانية وتدور أحداثه في القرن التاسع عشــر، ولعبت فيه دور فتاة بسيطة تقع في حب ارســتقراطي، حقق لها ترشيحا لأوسكار أفضلَ ممثلةٍ عامَ الفينِ وخمســة ، «لعبــةُ التقليد »، الذي تدور أحداثه إبــان الحرب العالميــة الثانية أدّت فيــه دور خبيرة حواســيب تشــارك في الطاقم البريطاني، الــذي ينجح في تفكيك شــيفرة «الانيغما» الألمانية، ونالها ترشــيحا لأوسكار أفضلَ ممثلةٍ مســاعدةٍ عامَ الفينِ وخمســةَ عشرَ، و»غفران»، الذي تدور أحداثه أيضا خلال الحرب العالمية الثانية، ولعبت فيه دور فتاة ارســتقراطية تقع في حب ابن خادم بيت أهلها وجلب لها ترشــيحا لجائزةِ «غولدن غلــوب» لأفضلِ ممثلة. لكن شــخصيةَ كوليت، التي تؤديها في فيلمِها الأحدث، تبدو تصرفاتهــا عصريةً أكثرَ من كونِها تاريخيــةَ، رغم أن أحداثه تدور في بداية القرن العشرين. فهي ليست الفتاة الخجولة أو الزوجة المطاوعة والمتواضعة، بل تجادل الرجال وتخاصمهم وتربط نفســها بعلاقة جنســية مع أمرأة أخرى علنا وعندما يشتمها الناس ترد عليهم بالمثل بجرأة لم تتسم بها النساء في ذك الزمــن. «صحيح، هذا كان عن قصد»، تؤكد نايتلي «عندما تحدثت مع المخرج واش ويســتمرتون، قال لــي: هذا الفيلم مثل حصان طروادة. أنت تظن أنك تعرف ما ســيكون، وبعد ذلك فجأة يتحول ويأخذك في هــذه الرحلة الأخرى بأكملها. وهذا ما أحببته. أحببت حقيقة أنني شعرت بأنه يبين الوضع الحالي وأنه عذب نوعا ما. ويتحدث عن أشياء معاصرة، مثل السياسة المتعلقة بالجنســن والسياسة الجنسية والنسوية والمشــاهير. وحقيقة أن هذا كان نوعا ما يحدث منذ مئة عام. وجدت ذلك مثيرا للاهتمام».
فعلًا، كوليت ليســتْ حالةً فريدةً. فهناك عدةُ نســاءٍ، في الماضي والحاضرِ، حُرِمْنَ من تملكِ الحقوقِ الفكريةِ لابداعاتِهم الفنيــةِ والأدبية. وهــذا الموضوع تناوله فيلمــان هذا العام، الأولُ فيلمُ المخرجة السعودية هيفاء المنصور «ماري شيلي»، الذي يروي قصةَ حرمانِ الكاتبــةِ البريطانيةِ المعروفةِ ماري شيلي من نشرِ كتابِها الشهير «فرانكشتاين» باسمِها في أواخرِ القرنِ التاسعِ عشر.
أما الفيلمُ الثاني فهو «زوجة»، من بطولة غلين كلوز، الذي تناول قصةَ كاتــبٍ يُمنحُ جائزةَ نوبل في أوائل تســعينيات القرن الماضي عن رواياتٍ كتبتْها زوجتُه.
«هذا لم يكن مفاجأ لي»، تعلق نايتلي «أنا ســعيدة جدا أنه توجــد الآن توعية وأن الناس يحصلون علــى التقدير الذي يستحقونه لقاء عملهم. لكن للأسف حتى الآن نحن لا نعيش في زمن المســاواة ونحن لسنا في وقت تكافؤ الفرص بعد. لذا ليس من المفاجىء أن يتم اســكات الأصــوات. وهذا ما أحبه حقا في هذا الفيلم، هو الشــعور بالتمكــن. فهذه امرأة تقف صامدة وتطالب بمساحتها في العالم وتطالب بسماع صوتها. وشعرت بالطول عندما كنت أقوم بآداء دورها. وآمل أن يشعر الناس بالطول عندما يشاهدونها أيضا».
آداء دورِ امــرأةٍ قويــةٍ ليس جديدًا على كيــرا. ففي بدايةِ مســيرتِها المهنيةِ لعبتْ دورَ فتاةٍ تتحدى مجتمعَها وتصرُ على لعبِ كرةِ القدمِ في فيلمِ «لفها مثل بيكهام»، الذي أذاعَ ســيطَها في عالمِ الأفلام. وتلتُه بأدوارٍ قويةٍ اخرى على غرارِ اليزابيت ســوان في سلســلةِ أفلامِ قراصنة الكاريبي، الــذي حققَ لها شــهرةً عالميةً، وحققت من خلاله في عامِ الفيِن وثمانية، لقبَ أكثرِ الممثلاتِ غيرِ الأمريكياتِ دخلًا، حيثُ بلغَ دخلُها خمســًة وثلاثينَ مليون دولار. «هذا ليس عن طريق الصدفة»، تضحك نايتلي «منــذ أن كان لدي خيار حول دور أقــوم بأدائه، كان دائما، في الواقع حتــى قبل ذلك، يكون أمــرأة قوية ومثيرة للاهتمام ومعقدة. ليس فقط نوعا من الشخصيات التي تكون هنــاك فقط لتكون داعمة للرجل فــي الفيلم، وقد خضت نوعا مــن الصراع لأداء دور البطولة وليــس دائما الدور الثانوي. ولم يكن هناك دائما العديد مــن الأدوار من هذا القبيل، ولكن جعلتها مهمتي نوعا ما لمحاولة العثور عليهم».
اتجاه هوليوود لانتاج أفلام نسائية
حتى وقتٍ قريــبٍ، كانت اســتودياهات هوليوود ترفضُ صنعَ أفلامٍ نســائيةِ بحجةِ أنها لم تكــن مربحةً وكانت أدوار النســاء تكون دائما ثانوية أو مساعدة لأدوار الرجال، ولكن بعدَ النجاحِ التجاريِ والنقديِ الذي حققتُه الأفلامُ النســائيةُ في الاعوامِ الاخيــرة، باتَ انتاجُها اســهلَ من انتــاجِ افلامٍ ذكورية.
«أنــه أمر مدهش أن هذه الفيلم تم صنعه في هذه المرحلة»، تعلــق نايتلي «المخرج حاول صنعه منذ ســبعة عشــر عاما. وحتى الآن، الناس يقولون إن هذه ليســت قصة يريد الناس رؤيتها، وإن هذه ليســت قصة مهمة لترويها. لهذا أشــعر أن انتاج هذا الفيلــم الآن يقول الكثير وأن النــاس مهتمون به. وهم مهتمون بالفعل بسماع أصوات النساء وقصص النساء، وأتمنى أن يستمر ذلك طويلا».
منذُ عرضِ كوليت الأولِ في مهرجــانِ «صندانس» للافلامِ المستقلةِ بدايةِ هذا العام، أشــادَ النقادُ بأداءِ نايتلي واعتبره البعــضُ منهم أفضل مــا قدمَتُه، متوقعينَ بروزَها في موســمِ الجوائز. لكن السؤالَ هل يصبحُ «كوليت» الفيلم مصدرَ إلهامٍ لنســاءِ هذا القرن، مثلما ألهمتْ كوليت الكاتبةُ نســاءَ القرنِ الماضي؟