Al-Quds Al-Arabi

خلافه مع حلفائه السابقين مرتبط بدعمه القضية الفلسطينية

غييوم بيرييه في «رجب طيب اردوغان، طموح وسلطة»:

- سمير ناصيف غييوم بيرييه: « رجب طيب اردوغان، طمو وسلطة» المترجم: أنطوان الهاشم دار عويدات، لبنان 2018 243 صفحة.

يصعب عـلـى بـعـض المحـلـلـن السياسيين العالميين والإقليميي­ن فهم أسباب خلاف الرئيس التركي رجــب طيب اردوغــــا­ن، فـي السنوات الأخـيـرة مع بعض حلفائه الغربيين )أمريكا وبعض دول أوروبـــا( ومـع بعض رفــاق دربه السياسيين الأتراك. هؤلاء الكتّاب قد لا يدركون ان أحد أسباب الخلافات الأساسية ربما يعود لتعاطفه مع القضية الفلسطينية والتزامه القيم الإنسانية والإسلامية في هذا المجال، حتى إذا كان هذا الأمر سيدفعه إلى التضحية بعلاقته مع أمريكا وإسرائيل وتوجهه نحو المحور الروسي، الإيراني، كما يفعل حالياً.

كتاب رجب طيب اردوغـان، طموح وسلطة” للصحافي الفرنسي غييوم بيرييه يتناول هذه الحقيقة.

في الفصل السابع، الصفحة (152) يقول الكاتب الـذي أمضى فترات طويلة من حياته في تركيا، ان أول تصدّع خطير في تحالف اردوغـــان مع الإسلامي ـ السياسي فتح الله غولن سببه حــادث الباخرة التركية مافي ـ مرمرة، المتوجهة إلى غزة لتحدي الحصار الذي فرضته إسرائيل على القطاع. ففي 2010 وبدعم من اردوغـــان ووزيــر خارجيته السابق أحمد داود أوغـلـو، ذهبت السفينة في اتجــاه غزة فاعترضها الكوماندوز الإسرائيلي في عرض البحر وقتل عشرة ناشطين أتراك على متنها، ما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسي­ة بين تركيا وإسرائيل. وبـدلاً من ان يسكت غولن، حليف اردوغان المفترض والمقيم في الولايات المتحدة والمتعاون مع أجهزتها الأمنية، أو يعبّر عن حزنه على الضحايا الأتــراك الشهداء الذين سقطوا في العملية، قرر ان ينشر في صحيفة وول ستريت جورنال” الأمريكية مقالاً أشار فيه إلى ان منظمي هذه الرحلة كان يجب ان ينسّقوا مـع إسرائيل ويحصلوا على موافقتها قبل الانطلاق في رحلتهم! وبعكس اردوغــان الذي اعتمد الدبلوماسي­ة الفاعلة في علاقته بالقضية الفلسطينية وبإسرائيل وحاول ان يشرف على مفاوضات بين الجانبين، فقد ركز على ضرورة التحالف القوي مع إسرائيل والاستخبار­ات الأمريكية المؤيدة لها ووضع اردوغان في موقع محرج.

وهذا الأمـر، ظهر جلياً في خلفيات محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عـام 2016 حيث يقول المؤلف، انه بعد إسقاط الجيش التركي طائرة حربية روسية في 2015 بسبعة أشهر حاول اردوغان ان يدفن فأس الحرب بين تركيا وروسيا، وقدم أسفه لإسقاط الطائرة الروسية وعبّر عن رغبته في استئناف التعاون التركي مع روسيا في شؤون الطاقة والاقتصاد وفي تجاوز التناقضات العميقة بين الدولتين عموماً وحول الحرب السورية واغتيال السفير الروسي في أنقرة، في مبادرة تمت عام 2016. ولكن بعد ذلك بشهر واحد فقط جرت محاولة الانقلاب العسكري ضد اردوغــان المدعومة من جماعة غولن والجهات التي تخشى التقارب التركي ـ الروسي.

الكاتب ربما أراد الإشــارة أيضاً إلى ان هذا الانقلاب فشل ليس فقط بسبب التأييد الشعبي الداخلي لاردوغـان بل لإدراك روسيا أن المحور الأمريكي، الإسرائيلي الداعم لغولن كان يسعى لإفشال الانفتاح التركي ـ الروسي. وقد طُرحت أسئلة حول هوية السلاح الجوي الذي اعترض الطائرات الانقلابية التي كانت تقصف البرلمان التركي في أنقرة وأفشل الانقلاب.

كما أن الرئيس الـروسـي فلاديمير بوتين واردوغان ظهرا نهاية عام 2016 كمنتصرين في معركة حلب ضد جهات جهادية ثائرة مدعومة من الخارج، وأشرفا آنذاك على وقف إطلاق النار بين المحاربين مثلما يجري السعي لإنجازه حالياً في المناطق السورية التي لم يتم إقرار السلام الميداني فيها بشكل كامل وخصوصا في إدلب.

وفي الكتاب إشارات مهمة إلى العلاقة التركية بسوريا وإيـران والاتحـاد الأوروبــي والإخـوان المسلمين وأمور أخرى.

يقول الكاتب ان علاقة تركيا بسوريا مرت بمـراحـل إيجابية فـي 2011. ففي مطلع تلك السنة، اجتمع الرئيسان اردوغـان والأسد في الاسكندرون )مقاطعة هـاتـاي( لتدشين سد نهر العاصي، وتمت بعد هذا الاجتماع زيارات وديــة قيادية بين البلدين، ولكن، وبعد ذلك بستة أشهر، أعلن اردوغان موافقته على تغيير النظام في دمشق وقــرر احتضان المعارضة والجيش السوري الحر وبدأ باستقبال المحاربين الراديكالي­ين وتسهيل دخولهم إلى سوريا.

بطريقة غير مباشرة يوضح الكاتب ان دوافع اردوغان للقيام بهذا الانعطاف في سياسته نحو سوريا لم تقتصر فقط على الأسباب السياسة الاقتصادية، بل لطبيعة شخصيته ولنشوئه في بيئة إسلامية محافظة ومتواضعة اجتماعياً ترفض كل ما يسيء إلى الطبقات المسلمة الفقيرة والمسحوقة.

ففي مواجهة بينه وبين سكان مدينة إسطنبول التي كان رئيساً لبلديتها قبل ان يصبح رئيسا للحكومة، أصر على إنشاء مسجد في منطقة تقسيم، السياحية. كما أصر على مبادرات مماثلة في زياراته إلى الدول الأوروبية التي تتواجد فيها أقليات مسلمة تركية فاعلة. وحسب المؤلف، ربما يعود هذا التوجه إلى محبته لجده )مثله الأعلى( الذي استشهد في مسجد كانت تحاول الدولة التركية العلمانية في مطلع القرن الماضي إزالته من الوجود.

اردوغان، حسب المؤلف، لم يكن عنصرياً تجاه إسرائيل، وحاول التوسط لإجراء مفاوضات بـن رئـيـس وزرائــهــ­ا ايـهـود أولمـــرت وسـوريـا وفلسطين في 2008 لكن الجهات المتصلبة في إسرائيل أفشلت الوساطة وأسقطت أولمرت من منصبه. وشعر اردوغان بالإهانة في كبريائه، والكبرياء أمر هام سياسياً وشخصياً للرئيس التركي كما ظهر في تحديه الكلامي وإهانته للمسؤول الإسرائيلي شمعون بيريز في مؤتمر دافوس متهما قيادات إسرائيل بالعنصرية أمام قادة العالم.

اردوغـــان، في رأي المؤلف، قائد لا يرضى بالفشل ولا يتورع عن تبديل مواقفه إذا كان ذلك في مصلحة بلاده وقيادته للبلد. ورأسماله السياسي دعم الطبقة المظلومة والفقيرة في تركيا. ويسميها الكاتب طبقة الأتراك السود” الأناضوليي­ن المحافظين دينياً مثله والذين يحتقرهم الأتـــراك البيض” مـن الأوروبـيـ­ن والغربيين في توجههم. فـالأتـراك المهمشون وأمثالهم في العالمين الإسلامي والعربي يفضلون قادة على شاكلة اردوغان بدلا من زعماء وصلوا إلى قيادتهم بطرق أخرى.

وبالنسبة للاختلاف في مواقفه مع غولن حـول القضية الفلسطينية والتبعية لأمريكا وإسرائيل، فهو يشير إلى نقطة خلاف أساسية في التعامل التركي مع إيران.

فتح الله غولن ومؤيدوه من السنّة المتشددين يعارضون بقوة التعامل مع إيران ويعتقدون ان أي تقارب من شأنه ان يهدد الاتفاقات الأساسية التركية مع واشنطن )ص156.)

أمـا اردوغـــان، ففي الوقت الـذي ابتعد فيه عن إسرائيل وأمريكا، تقرّب من إيران وسعى لتنمية الشراكة الاقتصادية والتجارية التركية ـ الإيرانية. وآنذاك شنت صحيفة زمان” التركية المؤيدة لغولن حملة عنيفة ضد هذا التوجه، علماً أنها فعلت ذلك منذ عام 2012 كما شنت هجوما قويا ضد مدير الاستخبارا­ت التركية هاكان فيدان، الـذي يُعتبر من المقربين من اردوغــان واتهمته ووزراء في الحكومة وأقرباء لاردوغان بالفساد.

وجــرت مـبـادرات قضائية استدعت ثلاثة وزراء وشخصيات سعت للتقارب الاقتصادي بين أنقرة وطهران للتحقيق. واستهدف القضاء التركي نهاية عـام 2013 أحـد أبناء اردوغــان وأربعين شخصية تركية واستدعاهم للتحقيق.

وهنا وضع اردوغــان حداً للأمر مشيراً إلى نشوء دولة موازية” لتركيا وسماها عصابة متسترة وراء الدين لا تفكر إلا في مصالحها”. وبــدأ حملة تطهير للمنتمين إلـى حركة غولن منذ بداية عـام 2014 تصاعدت بعد الانقلاب العسكري عام 2016 حيث اعتُبرت حركة غولن إرهابية واتهم السفير الأمريكي في أنقرة بأنه الموجه الرئيسي لها )ص 161.)

وتطالب تركيا بقيادة اردوغـــان الولايات المتحدة بتسليم غولن لمحاكمته ولكن واشنطن ترفض، ما ساهم في المزيد من التقارب التركي الروسي وصَعّدَ الإجراءات الأمريكية السياسية والعقوبات ضد تركيا.

قد يظن البعض ان سبب هـذه الإجـــراء­ات تصلّب اردوغان ومزاجيته ضد الغرب، والتقلب المتكرر في مواقفه إزاء زعماء العالم، ولكن النظر إلى علاقته بالاتحاد الأوروبــي، يثبت العكس. فقد قام الرئيس التركي )حسب المؤلف( بشتى المــبــاد­رات لإرضـــاء الاتحـــاد الأوروبـــ­ـي ونفّذَ شروطه ساعياً لقبول تركيا في الاتحاد، ولكن ولاعـتـبـا­رات فرنسية وألمانية ربمـا دوافعها طائفية ـ عنصرية تمت عرقلة الأمر.

الـدخـول التركي إلـى أوروبـــا كـان في نظر اردوغان )حسب المؤلف( أفضل وسيلة للتخلص من هيمنة الجيش السياسية على الدولة )ص (68 ولكن الأزمـــة القبرصية تم استخدامها لإقصاء تركيا وقبرص التركية عن أوروبا بدلاً من حــدوث عكس ذلــك. فبعد تصويت أتـراك قبرص في شمال الجزيرة بنسبة )65( في المئة لوحدة الجزيرة ومعارضة يونانيي الجزيرة بنسبة )70( في المئة، أُدخــلَ القسم اليوناني في الاتحــاد الأوروبـــ­ي ورُفــض القسم التركي وعُـرقـل دخــول تركيا. وهــذا الأمــر ساهم في ازدياد غضب اردوغان ضد أوروبا وتوجهه نحو القومية الإسلامية وتشجيع الحركات الجهادية الإسلامية بــدلاً من الخـيـارات السلمية وفي انفتاحه على دول وقوى أخرى، في رأي الكاتب.

إلا ان تعاون تركيا مع روسيا في هذه المرحلة وتأكيد اردوغان ان أوروبا في حاجة إلى تركيا وخصوصا بالنسبة للخوف من الهجرة واللجوء إلى أوروبا، ربما غيرت المعطيات، فقد أصبحت تركيا في وضع لا يمكن الاستغناء عنه وتجاهله وصارت في يد الرئيس اردوغـان ورقة جديدة فاعلة سياسياً.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom