Al-Quds Al-Arabi

خاشقجي: الجريمة المعلنة

- إبراهيم درويش الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان

تتزايــد يوماً بعد يوم المعطيات التي تؤكد تصفية الصحافي الســعودي المعــارض جمــال خاشــقجي داخــل القنصلية الســعودية في اســطنبول، وتتوالى مواقف الاستنكار العالمية خاصة في ضوء ما يرشح من معلومات حــول فظاعة التفاصيل التــي اقترنت بتنفيذ الجريمــة. وإذْ تبرهن الواقعة علــى أن ولــي العهد الســعودي محمــد بن ســلمان ينزلق أكثــر فأكثر نحو خيارات عنفية هوجاء، فإن احتمال مقتل خاشقجي يطرح سؤال المعارضة الســعودية وطبيعــة وجودها وآفــاق عملهــا وبرامجها، كما يثيــر مجدداً علامات استفهام وإلى أي هاوية تسير المملكة تحت سلطة بن سلمان.

لم يكن أحد يتوقع ما يحدث اليوم، فقبل أسبوع واحد كان ولي العهد الســعودي محمد بن ســلمان واثقا من نفسه في مقابلته مع بلومبيرغ” التي تحدث فيها عن طموحاته المقبلة والمؤتمر الكبير دافوس الصحراء” وميزاينة تريليون ريال سعودي وخطط شراء شركة البتروكيمي­ائيات سابك. ودافع فيها عن ســجل عامين من الإصلاحــا­ت الداخلية ومغامرات خارجية. ولــم يكن ولي العهد مهتما بالهجمات التي شــنها الرئيس دونالد ترامب على والده الملك سلمان وبررها بأنها كلام أصدقاء” وأنه مستعد للعمل معه.

أجرى موقع بلومبيرغ” المقابلة ليلة الأربعاء 3 تشــرين الأول )أكتوبــر( أي بعد يــوم واحد من اختفــاء الصحافي جمال خاشــقجي، الناقد المعروف لسياســات الأمير والذي يعيــش في الولايــات المتحدة منــذ عــام 2017 فيما وصفه بأنه منفى اختياري. ومنحت صحيفة واشــنطن بوســت” خاشــقجي منبرا للكتابة ونقد الوضع في الســعودية الذي وصفه بالخانــق وغير المحتمل حتى لمن يريــد توجيه النقد الهــادئ لقيــادة البلاد. وظل خاشــقجي متمســكا بموقفه الناصح” للقيادة الســعودية وليس داعيــا للثورة عليها، ففي عنقه بيعــة”. ولم يحب فكرة تغييــر النظام وتحدث لمجلة إيكونوميسـ­ـت” في تموز )يوليــو( الماضي قائلا إنها فكرة سخيفة” وعلى النظام الســعودي الاستماع للنقاد لا إسكاتهم.

وما حدث له داخل القنصلية السعودية في اسطنبول قلب كل حســابات الأمير الذي كان يحضر حملة ســحرية لجلب المستثمرين لرؤيته 2030 التي يبشر بها منذ عام 2016.

والمشــهد الآن يبدو مختلفــا عما كان قبل أســبوع نظرا لتتابع الأحداث والتسريبات من مسؤولين أتراك وأمريكيين حــول فرقة قتل أرســلت لتركيــا خصيصا لتصفيــة الناقد الســعودي. وحديث عن مســؤول في الطب الجنائي حضر لكي يشرف على عملية تقطيع الجثة بمنشار عظام. بالإضافة لتنصت أمريكي على حوارات تشير لقرار على مستوى عال، من الديوان الملكي لاختطاف خاشقجي ونقله إلى السعودية لسجنه.

ولوهلة بدا كل ما عمله بن سلمان طوال العامين الماضيين مــن أجل إصلاح صــورة بلاده فــي الغــرب وإبعادها عن الارتباط بالتشــدد والإرهاب يتبدد أمامه. فقد مضى بعيدا في جولته الأمريكية هذا الربيع وقدم تنازلات في كل شــيء خاصة القضية الفلســطين­ية من أجل الحصــول على قبول الغرب له. ولكن اختفاء خاشقجي قلب كل المعادلات وأخاف حتــى الداعمين له ووضعهم في موقف حــرج كما بدا بمقالة تومــاس فريدمان المعلــق في نيويورك تايمز” الذي بشــر بالربيع الســعودي ودافع بحماس عن الأمير المصلح. ولكنه اضطــر للكتابة عن الجانب المظلم الــذي تفوق على المضيء عند الأمير وأشــار إلى المتشددين الذي يحيطون به والذين يدفعونه لكي يتصرف مثــل الصين القوة العظمى التي تمرر ما تريد رغم النقد والشــجب الدولي. وذكر فريدمان، الأمير الشاب بأن الرياض ليست شــنغهاي، ويجب أن تكون قوة ناعمــة مثل دبي. وقال إليــوت أبرامز الــذي عمل في الأمن القومي مع إدارة جورج دبليو بوش، إن اختفاء خاشــقجي سيلاحق السعودية مثل الشبح. وقال في واشنطن بوست” (2018/10/11( إن خاشــقجي كان ابن المؤسسة السعودية ولم يكــن ثوريا ولا متطرفا أو داعية عنف وان مقتله لو ثبت ســيكون خطأ كبيرا وجريمة فادحة. وقال أن خاشقجي فقد السيطرة على مصيره عندما دخل القنصلية وكذا ولي العهد الذي عليه التحرك لاســتعادة السيطرة على مصيره وقول الحقيقة.

وحتى لو قال الحقيقة فسيترك الحادث تداعياته السلبية على الســعودية. ويبدو أن حلفاء بن سلمان حتى من تزلف له ودافع عنه اســتفاقوا فجأة لواقع سياساته التي تبناها في الداخل والخارج والتي اتسمت بقمع وإسكات معارضيه المفترضين وحتى من دافع عن رؤيته الإصلاحية في محاولة منه كما كتب خاشقجي الســيطرة على السرد”. بالإضافة لحروبه في اليمن التي خلق فيها أكبر كارثة إنســانية ونشر فيهــا الجوع والمرض والمــوت وحصار قطــر بذريعة دعمها للإرهــاب. وبدأت يده تطــال المعارضين فــي الخارج حيث كشــفت صحيفة إندبندنــت” ‪10//2018( )12‬عن محاولات اختطــاف أمير معارض يقيــم في ألمانيــا وإغرائه بالعودة إلى القاهرة لمســاعدته” ماليا. وكشــف خالد بن فرحان آل سعود، أن خمسة أمراء اختفوا عندما حاولوا مشاهدة الملك سلمان وطرح موضوع خاشــقجي، مضيفا أن هناك خمسة أمراء آخرين اختفوا مــن منافيهم ولا يزال مصيرهم مجهولا ومنهم عبد العزيز بن فهــد وخالد بن طلال وتركي بن بندر. وشــبهت مســؤولة بمنظمة حقوقية ملاحقة المعارضين في الخارج بحملات الزعيم الليبي معمر القذافي ضد من أسماهم الكلاب الضالة” في أوروبا قبل عقود. وبالتأكيد فقد كشــف اختفاء الناقد الســعودي القناع )رغم عــدم وجوده( عن وجه بن ســلمان الحقيقي وها هي مجلة إيكونوميسـ­ـت” (2018/10/13( في افتتاحيتها تقول إن ولي العهد السعودي لم يعــد مصلحا بل ديكتاتورا مارقا اعتقل آلاف الناشــطين واحتجز رئيس وزراء لبنان، ســعد الحريري لمدة أسبوعين ووصلت يــداه الطويلتان إلى الخــارج، ففي آذار )مارس( احتجزت ناشطة نسوية معروفة وهي لجين الهذلول في أبو ظبي، ونقلت بســرعة إلى الســعودية ومن ثم إلى السجن. وفي ايلول )سبتمبر( تعرض ناشــط سعودي ساخر يقيم في لندن إلى عملية ضــرب. وقالت إنه يحكم وكأنه الوحيد الذي يملك الأجوبة. وأصبح نظامه يشبه ديكتاتورية عربية قومية ليبرالية مــن الناحية الاجتماعيـ­ـة ولكن مركزية يسكنها الرهاب والذعر، وأصبحت وعوده بسعودية جديدة متسامحة تتلاشى. ويعتقد باتريك كوكبيرن كما كتب غيره أن ملاحقة بن سلمان لخاشقجي، تتناسب مع أنماط معروفة عن الأنظمــة الديكتاتور­ية العربية وهــي لا تهدف لتصفية المعارضين مهما كانوا غير معروفين، بل واستفزاز من يحاول منهم في الداخل والخارج إظهار أي ميل ولو كان خفيفا للنقد. ويرى في مقالته بصحيفة إندبندنــت” ‪10//2018( )12‬أن أفعال الديكتاتور­يين تتشــابه من ناحية اتخاذ قرارات غير متوازنة وعدم الاســتماع للنصح. فقد غــزا العراق الكويت بنتائج كارثية وحرب واســعة عام 1990 وغزت السعودية اليمن عــام 2015 حيث تورطت في مســتنقعها والآن مقتل خاشقجي حسبما يؤكد الأتراك. ويبدو أن حسابات القيادة السعودية هي أنها تســتطيع التعامل مع مقتل صحافي في داخــل قنصليتها بتركيا لأنها نجت مــن النقد على جرائمها التي ارتكبتها في اليمن.

ولكن الســؤال يظــل متعلقا بحســابات بن ســلمان في الحــادث الأخير وإن أســاء تقدير رد الفعلــي الدولي واســتعداد العالم لعزله؟ وهو ما طرحه نيك روبرتسون، المعلق في شــبكة ســي أن أن” الذي لاحــظ صمت البيت الأبيض على اختفاء خاشــقجي في البداية ثم التحول في لهجة الرئيس دونالــد ترامب والذي ربــط الرد بصفقات السلاح مع السعودية. فمنذ زيارة ترامب للرياض وإعادته ترتيب العلاقة مع المملكة وتحديد إيران كهدف لسياســته الخارجية، ظن المسؤولون الســعوديو­ن أنهم يستطيعون عمل مــا يريدون بــدون الاســتماع لأحد ســوى الرئيس المهووس ببيع السلاح ولا يهمه حقوق الإنسان. ويتساءل إن كانت صداقة بن ســلمان كافية لحمايته. ويشير إلى أن دراما خاشقجي، هي الأخيرة التي جعلت المراقبين الدوليين يتساءلون عن اســتقرار ولي العهد. ويشيرون للرد المفرط من الرياض على تغريدة من مســؤولة كندية بشأن حقوق الإنســان فــي المملكــة. وكان ردا غريبا بعــد الانقلاب في حملة العلاقات العامة عندما سمح للمرأة السعودية قيادة الســيارة. وفي الوقت الذي لن تتوقــف فيه الدول عن بيع الســعودية الســاح أو مواصلة العلاقات الدبلوماسي­ة، إلا أن حادثة خاشــقجي تثير شكوكا بشــأن مستقبل ولي العهد، ففي الوقت الحالي هو الوريث المحتمل لكن السياسة السعودية تبدو أحيانا قاسية وهناك الكثير من الأمراء في الرياض وليس غريبــا أن يجتمع عدد منهم ويخبرون الملك سلمان أن ابنه أصبح خارج السيطرة. وهل سيكتشف الملك أن تعويله علــى القيادة الجديدة والفرع الســلماني كاف لإنقاذ المملكة والعائلة. فمن ناحية يسهل التخلي عن ماركة حاول تقديمها لكن التخلي عن المملكة أمر لا يمكن التســامح معه.

والمشكلة ليست في الملك سلمان، ولكن في رهانات أمريكا على ولي العهــد. فقد بات معروفا أن جارد كوشــنر، صهر ومستشــار الرئيس هو من هندس العلاقة وأقنع الرئيس باختيار الســعودية كأول محطة له فــي زيارته الخارجية بعد توليــه الرئاســة. وكان الرهان هو صفقات أســلحة بـ 110 مليــار دولار وتوجيه الإســترات­يجية نحو إيران. وتساءلت نيويورك تايمز” ‪10//2108( )11‬عن صحة خيار كوشــنر وترامب على بن سلمان، مشــيرة إلى أن اختفاء خاشــقجي، هو امتحان للعلاقات الأمريكية - السعودية. وبل ويجد الرئيس نفســه أمام صف موحد من الكونغرس يدعو لكشــف حقيقة ما حدث لخاشــقجي. ومن هنا كشف موقع ذا إنترســيبت” ‪10//2018( )12‬عــن الضغوط التي تواجه العلاقة الأمريكية السعودية. وجاء في التقرير أن اختفاء خاشقجي يهدد بتفكيك شروط تحالف عمره عقود بين الولايات المتحدة والســعودي­ة. وعلى مدى تسعة أيام منذ دخوله قنصلية بلاده تصاعد النقد من صناع السياسة والإعلاميي­ن حتى من تزلف منهم لولي العهد الأمير محمد بن ســلمان. فقد منحت السعودية شيكا مفتوحا لأمريكا سواء سياسيا أو عسكريا حيث طالبت أصوات لإعادة التفكير في العلاقــة القديمة التي بدأت فيما بعد الحرب العالمية الثانية وأصبحت العلاقات الآن محلا للتســاؤل. وتواجه شركات العلاقات العامة التي تعمل من واشنطن وقتا صعبا خاصة، شــركة هوغان اند لافيلز وغلوف بارك غروب وبراونستين مع زيادة الضغــط عليها لقطع العلاقات مــع المملكة. وبدا التحول في الخطاب بشــأن الســعودية واضحا في مراكز البحــث. ودعا نائب مديــر الأمن بمركز التقــدم الأمريكي، وهو المركــز الليبرالي المؤثر على واشــنطن لوقف صفقات الأسلحة للسعودية. وقبل عامين كان مركز التقدم يدعو إلى الحفاظ على العلاقات الأمريكية-السعودية كما هي. وحذر المعلق اليميني والزميل في مجال العلاقات الخارجية وأحد المدافعين عن التحالف الأمريكي- الســعودي ماكس بوت، من الثمن الباهظ” الذي سيدفعه السعوديون لو ثبت أنهم قتلوا خاشقجي. وأرسل يوم الأربعاء رئيس لجنة الشؤون الخارجية بــوب كوركر، ممثل ولاية تينســي الجمهوري، رسالة إلى الرئيس ترامب بشأن اختفاء خاشقجي.

والسؤال: هل أصبح بن ســلمان مثيرا للمشاكل بدرجة لم يعد يحتملها ترامب نفســه؟ وهو ما حــاول غريغوري غــوس، الباحث في شــؤون الخليج تجليتــه بمقالته في نيويــورك تايمز” ‪10//2018( )12‬وأن اختفاء خاشــقجي هو آخر إشــارة تهور الســعودية في ظل ولي العهد، ورغم اعترافــه أن العلاقة الأمريكية- الســعودية لــم تقم أبدا على القيم المشــتركة إلا أن السياسة السعودية باتت تهدد مصالح الولايات المتحدة. ويقول إن سياســته التي هدفت لتحريك السياســة الداخليــة من ناحية الحد من ســلطة المؤسسة الدينية والســماح للمرأة بقيادة السياسة وفتح مجال الترفيه. وبالمقارنة فقد كانت سياسته الخارجية من قطر إلى اليمن فقد كانت فاشــلة وخطيرة. إلا أن ترامب لم يقم بالحد من تهور بن ســلمان. ويعتقــد أن أمريكا بحاجة لســعودية مســتقرة وهي بحاجة في الوقت لســعودية لا تهدد استقرار المنطقة. وهو ما طرحه الباحث في بروكينغز شــادي حميد بمقال بمجلة ذا أتلانتك” ‪10//2018( )11‬من أن تصرفات بن سلمان تؤثر على قرار ترامب إعادة تشكيل الإســترات­يجية الأمريكية بحيث تتمحور حول السعودية الجديدة المتغيرة. ويأمل أن يؤدي حادث اختفاء خاشقجي لصحوة الجانب من ترامب الذي عبــر فيه عن نفاد صبره من الســعودية واعتمادها العسكري على الولايات المتحدة عندما كان مرشحا ورئيســا الآن. ويرى الكاتب أن المشكلة فــي العلاقة التعاقديــ­ة نابعة من إقامــة تحالفات مع دول لا تشــترك مع أمريــكا بقيمها وبــل ولا تشــترك معها في المصالح. ويعتقد حميد ان الاستعانة بالمتعهدين الخارجيين المتهورين الذين لا يحترمون الولايــات المتحدة كان دائما خطأ وقد تحول الآن أصبح احراجــا. وحتى من لا يهتمون كثيرا في حقوق الإنســان بالشــرق الأوســط فإن اختفاء خاشــقجي يطرح أســئلة على مصداقية حليف يصر على التصرف بهذه الطريقة الصفيقة.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom