Al-Quds Al-Arabi

أزمة تفتيش القنصلية تتصاعد... لماذا لم يمنح الوفد الأمني السعودي الضوء الآخضر للمستوى السياسي؟

شكوك كبيرة حول منزل القنصل وخبراء يؤكدون صعوبة إخفاء آثار الدماء

- إسطنبول ـ «القدس العربي» من إسماعيل جمال:

لأيــام طويلة، ســاد اعتقاد عــام بأن تفتيــش القنصليــة الســعودية من قبل الأمن التركي في إطار التحقيقات باختفاء الصحافي الســعودي جمال خاشــقجي لن يضيف شــيئاً للقضية ولن يساعد في الكشــف عن مصيره أو تثبيت أدلة تدين الجانب السعودي.

هــذا الافتــراض جــاء انطلاقــاً من أن العملية نفــذت من قبــل فريق أمني محتــرف، جــاء خصيصــاً لتنفيذ هذه المهمــة، وكان معــه أكثــر من 5أيــام ـ الفترة الممتدة ما بين منح موعد مراجعة القنصلية لخاشــقجي ويــوم وصوله إليهــا ـ من أجل وضع الخطــط الكاملة لتنفيذ هــذه العمليــة باحترافية عالية دون تــرك أي دلائل يمكن أن تســتخدم لإدانة الســعودية، إلــى جانب أنه وفي حال حدث أي خطأ خلال عملية التنفيذ، ســتكون الجهات الرســمية السعودية استطاعت تطهير الســفارة من أي دليل يمكــن أن تصل إليه الســلطات التركية طوال الأيام الماضية، مــن خلال الفريق الأمني الســعودي الذي مــا زال يتردد يومياً على مبنى القنصلية.

لكــن مماطلــة المســتوى السياســي الرســمي الســعودي فــي منــح الموافقة النهائية والرســمية للجانــب التركي من أجل تفتيــش مبنــى القنصلية وســكن القنصل المحــاذي لها، بالتزامن مع تكثيف وفد أمني سعودي زياراته لمبنى القنصلية، فتح الباب واســعاً أمــام احتمالات كانت مستبعدة في السابق.

ويســود اعتقاد عام لدى المســتويي­ن الأمنــي والسياســي التركيــن أن الوفد الأمنــي الســعودي الــذي زار القنصلية بشــكل يومي طوال الأيام الماضية لم يعط تطمينــات كافية للمســتوى السياســي الســعودي تجعله يمنح الموافقة النهائية للجانــب التركــي مــن أجل الســماح له بتفتيش القنصلية ومنــزل القنصل دون شروط تقيد هذا التفتيش.

وبعد أيــام مــن اختفاء خاشــقجي، استدعت وزارة الخارجية التركية السفير الســعودي في أنقــرة وليــد الخريجي وتقدمت له بطلب رسمي من أجل السماح بتفتيش القنصلية، وطلبت لاحقاً بتفتيش منــزل القنصــل، وذلــك التزامــاً ببنود اتفاقية فيينا التــي تمنح الحصانة وتقيد تعامل الســلطات المحلية مع الســفارات والقنصليات.

وعقب ذلــك أعلنــت وزارة الخارجية التركية، أنه «ســيتم تفتيــش» القنصلية السعودية في إسطنبول ضمن التحقيقات الحالية بخصوص اختفاء خاشقجي، بعد أن وافقت الســعودية على ذلك رســمياً، ولفتــت الــوزارة إلــى أن المملكــة أبدت انفتاحاً على التعاون في التحقيقات.

لكن وعلى العكس من هذه التصريحات الرســمية، تراجعت السلطات السعودية عن كل ذلــك، وأحبطت مســاعي تفتيش القنصليــة بعدمــا اشــترطت أن تقتصر عمليــة التفتيــش على البحــث النظري الســطحي دون اســتخدام أي تقنيــات متقدمة في العملية.

وبشــكل محــدد رفضت الســعودية استخدام السلطات التركية مواد كيميائية معينــة تســتخدم فــي عمليــات البحث الجنائي وتســاعد في الكشــف عن آثار الدماء في المــكان، وهو مــا اعتبر بمثابة خشــية ســعودية حقيقيــة مــن توصل المحققين إلى آثار دماء بالقنصلية يمكن أن تكون تعود لخاشــقجي الذي باتت جميع النظريات والتسريبات ترجح مقتله داخل القنصلية.

ونشرت الصحافة التركية مقابلات مع أطباء كبار مختصين في علوم التشــريح والطب الجنائي أكدوا أن المادة الكيميائية المقصــودة يمكنهــا إلــى درجــة كبيرة جداً كشــف آثار الدماء حتــى ولو جرت عمليــات متقدمة لمحو آثارهــا، لافتين إلى أن أجهزة التحقيق التركية تتمتع بخبرات وإمكانيات متقدمة في هذا المجال.

إلى جانب ذلك، ومع اســتبعاد نظرية تمكن الفريق الســعودي مــن اصطحاب جثمان خاشقجي إلى خارج تركيا بواسطة الطائرات التي أقلتهم من إســطنبول إلى السعودية، ومع حصر الأمن التركي ثلاثة أماكن متوقعة لوجود الجثمان اثنين منها همــا القنصلية ومنزل القنصــل، ما يعني أنه ما زال هناك، احتمال أن الجثمان ربما جــرى التخلص منه بطريقــة ما في مبنى القنصلية أو منزل القنصل.

وتتركز الشكوك بشكل أكبر حول منزل القنصــل الذي يبعــد عــن القنصلية أقل من 300 متر فقط، والذي وصلته ســيارة سوداء مظللة ودخلت مرآبه المغلق، حيث يشــتبه أنه تم نقل صناديق ســوداء من مبنى القنصلية إلى الســيارة التي وقلت بيت القنصل.

إلى جانب ذلك، مــا زال القنصل يلتزم منزلــه منــذ أيــام دون أن يغــادره على الإطلاق، وقالــت الصحافــة التركية إنه يعانــي من حالة اضطــراب وصعوبة في التعامــل مع مــا حدث، حيث غــاب طاقم القنصلية بشــكل كامل عن المشــهد الذي يتصدره منــذ أيام فريق أمني ســعودي متخصص يتواجد في إسطنبول.

والسبت، اتهم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الجانب السعودي بعــدم التعاون في التحقيقــا­ت، وقال إن بلاده لم تر تعاونًا من الجانب السعودي، وأضاف: «على الســعودية أن تتعاون مع طلب تفتيش قنصليتها في إسطنبول.»

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom