Al-Quds Al-Arabi

بيان براغماتي لـ«تحرير الشام» حول اتفاق إدلب و«المتشددون» يرابطون في «المنطقة العازلة»

مع انتهاء مهلة انسحابهم... غرفة عمليات «حرض المؤمنين» بقيادة «أبو يقظان المصري» تدعو لعرقلة اتفاق «سوتشي»

- دمشق – «القدس العربي» من هبة محمد ووكالات:

انتهت أمــس الاثنين مهلــة إخلاء الفصائــل الجهادية المنطقــة المنزوعة الســاح فــي إدلب، مــن دون رصد أي انســحابات منها حتى الآن، علماً بأن هيئة تحرير الشــام المعنية خصوصاً بالاتفاق الروســي التركي، لم تحدد موقفاً واضحاً من إخــاء المنطقــة. تزامناً أعلــن تنظيم حراس الدين»، و»جبهــة أنصار الديــن»، و«أنصــار التوحيد،» و»جماعة أنصار الإســام»، تشكيل غرفة عمليات عسكرية مشــتركة تحت مســمى «وحرّض المؤمنــن» لعرقلة اتفاق سوتشي، وتداول ناشطون بياناً لمجموعة تعهدت بمواجهة مــا وصفته «تداعيات اتفاق سوتشــي». بينما أعلنت هيئة تحرير الشــام في بيان لها موقفاً مواربــاً وبراغماتياً حول اتفاق إدلب يوحي ضمنياً بقبولها الاتفاق بحســب محللين ومراقبين سياسيين.

ويضع انقضاء المهلة الطرفين الضامنين للاتفاق، روسيا وتركيــا، أمام اختبــار مــدى جديتهما في المضــي بتنفيذ الاتفــاق، وبالتالي تجنيب المنطقة الخيار العســكري الذي لا تزال دمشــق تلوح به. وأعلن وزير الخارجية الســوري وليد المعلم الإثنين أن التأكد من تطبيق الاتفاق حول إنشاء منطقة منزوعة الســاح في إدلب ومحيطها في شمال غرب سوريا، يتطلب وقتاً. وقال خلال مؤتمر صحافي مع نظيره العراقي ابراهيم الجعفري في دمشق، «علينا الآن أن نعطي )الأمــر( وقتاً. نتــرك لأصدقائنا الروس الحكــم ما إذا كان جرى تطبيق الاتفاق أو لا.»

لم نرصد أي انسحاب

وأكد مدير المرصد الســوري لحقوق الانســان رامي عبد الرحمــن لوكالة فرانس بــرس الاثنين أنه «لــم يرصد أي انسحاب للمقاتلين الجهاديين من المنطقة المنزوعة السلاح» التي تشمل جزءاً من أطراف محافظة إدلب ومناطق في ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي الشرقي. وأكدت هيئة تحرير الشام الأحد أنها «لن تتخلى» عن ســاحها و»لن تحيد عن خيار الجهاد والقتال ســبيلاً لتحقيق أهــداف ثورتنا»، من دون أن تأتي على ذكر المنطقة المنزوعة الســاح. وأبدت الهيئة في بيانها تقديرها لمساعي تركيا من دون أن تسميها. وجاء في البيان «نقدر جهود كل من يســعى في الداخل والخارج الى حماية المنطقة المحررة ويمنع اجتياحهــا وارتكاب المجــازر فيهــا». لكنها حذرت من «مراوغة المحتل الروســي أو الثقــة بنواياه ومحاولاته الحثيثة لإضعاف الثورة .» ولــم يتضمن موقــف هيئة تحرير الشــام رفضــاً صريحاً للاتفاق. ويقول الباحث في المركز الدولي لدراســة التطرف في جامعــة كينغز في لندن حايد حايد لفرانس برس «حتى لو لم يتم تنفيذ الاتفاق بشــكل كامل اليــوم، فهذا لا يعني أنه لم يعد قائماً»، موضحاً أن هيئة تحرير الشــام «تبحث عن الســيناري­و الأفضــل لها )...( ويمكنهــا أن توافق على حل يتضمن انســحاباً جزئياً أو شكلياً». ويرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر أن «مصطلحات البيان وصياغته الفضفاضة تلمّح إلى قبول ضمني للهيئة باتفاق سوتشي ومخرجاته .»

ويعتبر هيلر أن «تاريخ 15 تشــرين الأول/أكتوبر يشكل اختباراً لقــدرة تركيا على تنفيذ الاتفــاق وفي الوقت ذاته اختبــاراً لنوايــا الطرف الروســي وجديته في اســتمرار الاتفــاق» أم «إذا كان ســيتقيد بمضمون النــص حرفياً.» ويضيف «اذا كان الروس جادين في استمراره، فسيبدون مرونة وليونة مع الطرف التركي.»

ويشــير الــى أن الجــزء المعلن مــن الاتفاق لم يســم عمليــاً المجموعــا­ت التي يتوجــب عليها الانســحاب من المنطقة المنزوعة الســاح، مكتفياً بالإشــارة إلى «المقاتلين الراديكالي­ين». كما لم يحدد آلية مراقبة لهذا البند، ما يوحي بوجود «هامش للمرونة في تطبيق الاتفاق وحتى التغاضي عن بعض النقاط .»

ويثير عدم اســتكمال تطبيق الاتفاق الروسي التركي أو انهياره مخاوف مراقبين ومنظمات إنسانية ازاء مصير نحو ثلاثة ملايين شــخص يقيمون في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة والجهادية في إدلب ومحيطها. ويرى الباحث في المعهــد الأمريكي للأمن نيكولاس هيــراس أن «هيئة تحرير الشــام تلعب بالنار»، مضيفاً أنها في الوقت ذاته «لن تكون قادرة على أن تصمد بوجه الجيش التركي.»

تحديات أمام «الهيئة»

وتبقى أهم التحديــات أمام الهيئة اللجــوء الى اتخاذ خطوات من شأنها إعادة تعريف دورها كتنظيم جهادي في سوريا بشكل يحيّد المخاطر عنها، ويساهم أيضاً في تكوين تصوّر لــدى الفاعلين الدوليــن والمحليين بشــغلها دوراً وظيفيــاً لضبط ملف بقية التنظيمــا­ت الجهادية الصغيرة الرافضة للمسار السياسي في الشمال السوري مثل حراس الدين وجبهة أنصار الدين وخلايا تنظيم الدولة.

فقد أوضحــت الهيئة في بيانها، «أنها آثرت تأجيل إبداء موقفها مــن الاتفاق لحين التشــاور والتواصــل مع باقي المكونــات الثورية في الشــمال المحرر»، وأكدت «ســعيها لتوفير الأمن والسلامة للمدنيين بكل ما تستطيع من وسائل مشروعة تتيحها السياسة الشرعية المتوازنة وضوابطها، دون إيقاع المدنيين بفخ المؤامرات من خلال جرهم إلى أمان موهوم، ودعاوى واهية أثبت الواقع زيفها أكثر من مرة.»

وقالت: إن «خيار الجهاد والقتال سبيلاً لتحقيق أهداف ثورتنا المباركة، وعلى رأسها إســقاط النظام المجرم، وفك قيد الأســرى، وتأمين عــودة المهجرين إلــى بلدهم آمنين ســالمين، والســاح هو صمام أمان لثورة الشام، وشوكة تحمي أهل الســنة وتدافع عن حقوقهم، وتحرر أرضهم، لن تتخلى عنه أو تسلمه».

الباحث السياســي عبد الوهاب عاصــي رجح في هذا الشــأن ان تطلب أنقرة من هيئة تحرير الشــام إزاحة أي مظاهــر علنية لها مــن المنطقة العازلة، لحين بحث ســبل تطبيق هــذا البند فــي خطــوات لاحقة. وأشــار عاصي لـ»القدس العربي» الى ان لجــوء تركيا للطلب من تحرير الشــام إزاحة المظاهر العلنية لها من المنطقة، يقضي «حكماً بعدم انســحاب هذه الأخيرة»، مرجحــاً ان يمثل التحدي الأهم بالنســبة للهيئة في الفترة المقبلــة، اتخاذ خطوات من شــأنها إعادة تعريف دورها كتنظيم جهادي في سوريا ترافقه إما مســاع للهيئة بتعويم نفســها أو إعــادة إنتاج نفســها أو فتح قنوات اتصال مع قــوى الثورة والمعارضة العسكرية والمدنية والسياسية لإجراء محاصصة معينة.

وأوضــح مدير وحــدة المعلومــا­ت لدى مركــز عمران للدراســات «نوار اوليفر» لـ«القدس العربي» ان الفصائل الجهاديــة تقســم الى نوعــن، الاول يتقرب من الشــارع الثــوري، والثاني فصائل أبت التقــرب كونها ضد المبادئ الثورية في القضية السورية أمثال انصار الإسلام وحراس الدين وغيرهما. اما الفصائل المتقربة من الشــارع الثوري مثل هيئة تحرير الشام، حيث توضح ذلك في بيانها الاخير الذي تغزلت من خلاله بالحراك الثوري الاخير، مؤكدة انها ســتقوم بالاجتماع مع بعض الفصائل والفعاليات الثورية لبحث قرارها النهائي حول الاتفاق.

فالهيئة على يقين بحســب المتحدث انــه لا يوجد أمامها خيار بديــل أو خطة أخرى، مــا يجبرها ان تتماشــى مع الاتفاق بشكل اســتراتيج­ي، فهي لا تستطيع اعلان قبولها بشكل مباشــر ما يؤدي الى زعزعة الهيكلية الداخلية التي تضــم كوادر جهادية عملت على ارضائهــا، وهو ما برز من خلال البيان الذي ركز علــى «اهمية الجهاد» والتحذير من مراوغة الروس بخصوص الاتفاق، وهذا ما يدل بشــكل أو بآخر على تطبيقها للاتفاق.

التشــكيل العســكري الذي يرمز له بـ «هتش» لن يعمل ضــد الاتفاق وفق المراقبــن لان ذلك ليس مــن مصلحته، علــى عكس الفصائل الجهادية الأخرى التي ســتعمل على اجهاضه ولكنها لا تملــك الأدوات اللازمــة لذلك، وهذا ما يشير الى ان المرحلة الثانية لن تواجه صعوبة داخل ادلب بشــرط ان تتقيد النصرة والتشكيلات التابعة لها بالبيان الذي ذكرته. ويبدو ان المرحلة الثانية سيشــوبها نوع من العرقلة التي وصفهــا مراقبون بالمحــدود­ة لغياب أدوات التأثير لدى التنظيمات القاعدية التي تعمل على التشويش على مســار الاتفاق. القيادي لدى المعارضة السورية فاتح حسون أوضح لـ«القدس العربي» ان «من يتزعم هذا التيار الذي شكل غرفة عمليات «حرض المؤمنين» هو «أبو يقظان المصري، وهو من أكثر الرافضين للاتفاق شــكلاً ومضموناً، وهو من يحرض على رفضه عاطفةً وليس عقلاً.»

وأضــاف، لما غلّب مجلس شــورى هيئة تحرير الشــام العقــل على العاطفة وطبــق الاتفاق، انشــق أبو اليقظان عن الهيئة ومعه العشــرات ممن يوافقونه وانضموا لغرفة عمليــات مع حراس الدين المرتبطــن بالقاعدة ومع أنصار الدين وأنصار الاســام، وهم مجتمعون لا يشكلون تهديداً حقيقياً للاتفاق.

وحســب المتحدث فقد بدأت هيئة تحرير الشــام تجنح للخطاب المعتــدل والمواقف المتوافق عليهــا ثورياً، عكس هؤلاء الذين ســيكونون عقبة في طريــق تطبيق الاتفاق بسلاســة، وقد يضطر الفصائل المعتدلة ومن ورائها تركيا لاســتخدام القوة إن قامــوا بأعمال غير مرضية لنســف الاتفاق الذي أنقذ أرواح عشرات آلاف الأبرياء.

ورأى ان المرحلة المقبلة، تتطلب من النصرة حل نفســها وإبعاد قيادتها الســابقة وانخراط مقاتليها ضمن صفوف القصائــد المعتدلة والدخــول في تطبيق المرحلــة الثانية يقتضي حسب القيادي اخراج التشكيلات المصنفة إرهابية من المنطقة العازلة واســتخدام مختلف الأساليب والطرق لتحقيقها، لا سيما مع ظهور تكتل لعدد من المقاتلين المنتمين سابقاً لفصائل مصنفة ارهابية، شكل ما يمكن اعتباره غرفة عمليات يُحاول من خلالها إعاقة تنفيذ الاتفاق لشــعورهم بأنهم مستهدفون في المراحل اللاحقة.

 ??  ?? احد مقاتلي الجبهة الوطنية في الراشدين غربي حلب أمس
احد مقاتلي الجبهة الوطنية في الراشدين غربي حلب أمس

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom