Al-Quds Al-Arabi

«نيويورك تايمز»: جمال خاشقجي بنى علاقة متشابكة من التعاطف مع الإسلاميين والدفاع عن الديمقراطي­ة والعمل مع الأمراء

-

كانت حياة جمــال خاشــقجي، الصحافي الســعودي الذي اختفى داخــل قنصلية بلاده في إســطنبول التركية بداية هذا الشــهر هي مزيجاً من العمل مــع العائلة المالكة والتعاطف مع الإســاميي­ن ودعم الديمقراطي­ة حتى وصل محمد بن سلمان إلى السلطة فقام بتكسيرها.

وفي مقــال في صحيفة «نيويــورك تايمز» جــاء فيه أن خاشــقجي وصل إلى واشــنطن الخريف الماضي تاركاً وراءه قائمة من الأخبار السيئة. وبعد عمله كناطق غير رسمي للعائلة الســعودية الحاكمة منع من الكتابة حتى على «تويتر» من قبل ولي العهد الجديد.

وألغيت مقالته في صحيفة «الحياة» وانهار زواجه ومنع أقاربه من السفر للضغط عليه كي يتوقف عن نقد حكام الســعودية. وعندما كان في الولايات المتحدة تعرض عدد من أصدقائه للاعتقال واتخذ قراره الصعب أنه من الصعب العودة الآن في وقت قريــب وربما للأبد. وقام بإعادة تقديم نفســه كناقد للنظام وساهم في صحيفة «واشنطن بوســت» واعتقد أنه وجد الأمن في الغرب.

وكما اتضــح فإن الحمايــة الغربية امتدت لمســتوى ما. وكانت آخر مرة شــوهد فيها بعد دخــول قنصليــة بلاده فــي 2 تشــرين الأول )أكتوبر( لتســلم أوراق تتعلــق بطلاقه وقتل على ما قيل على يد فرقة موت حضرت خصيصاً من الســعودية لاختطافه. وينفي المسؤولون السعوديون أنهم تســببوا بضرر لخاشقجي، لكن وبعد اســبوعين تقريباً فشــلوا في تقديم أدلة أنه خــرج من القنصليــة ولا ما حدث له. وأدى اختفــاؤه إلى فجوة فــي العلاقات بين الولايات المتحدة وحليفتها السعودية. وأثرت بشكل كبير على سمعة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي ربما مضى بعيداً في تصرفاته بطريقة أبعد ممــا تحتمله الولايــات المتحدة الحليف الأشد له.

وتضيــف الصحيفة أن إمكانيــة أمر الأمير الشاب بالعملية ضد المعارض السعودي تمثل تحدياً للرئيــس ترامب وقد تحــول العلاقات الدافئــة بــن البلدين إلى ســامة. وقــد تقنع الحكومــات التي تجاهلــت حمــات اعتقاله واحتجــازه رئيــس الــوزراء اللبناني وردة فعله المبالغــة ضد كندا وحملاتــه ضد الدعاة والناشــطي­ن وحربــه في اليمن أنه مســتبد لا يرحم والــذي لا يمتنع عن عمل أي شــيء من أجل ملاحقة أعدائه.

وفي الوقت الذي كشــف فيه حادث اختفاء الصحافي ضــوءاً جديداً على ولــي العهد إلا أنه قدم عن التشــابكا­ت داخل حياة خاشقجي الــذي وازن بــن تعاطفه الإســامي ودعمه للديمقراطي­ة وخدمتــه الطويلة للعائلة المالكة. فتعاطفه مع الإســام السياســي ساعده على عقد صداقة مــع الرئيس التركــي رجب طيب أردوغان الذي يطالب الســعوديي­ن بالكشــف عن مصير صديقه الآن. كما أن المنفى الإجباري كان ضربة لخاشــقجي الذي عمل معلقاً وكاتباً ومحــرراً ليصبح من أشــهر الشــخصيات في الســعودية. ولفــت الإنتبــاه أولًا عندما قابل أســامة بن لادن، زعيم القاعدة ثم أصبح مقرباً وموثوقاً من الأمراء الســعوديي­ن. وأصبح على علاقة قوية وشــخصية مهمة لمن يريد التعرف على المملكة خلال العقود الثلاثة الماضية. ولكن أمريــكا أعطتــه الحرية «لأننــي أصبحت حراً وأكتب بحرية .»

وحســب مقابلات مــع عدد مــن أصدقائه قالــوا إن رغبته في الكتابــة والدعم للإصلاح من الخارج وضعه على تصــادم مع ولي العهد الســعودي. ولأن محمد بن سلمان قام بتفكيك نظام الحكم الإجماعي الــذي أديرت به المملكة وأصبح الحاكــم المطلق فإن أي قــرار لتصفية معارض لن يتخذه غيره.

وكانت أول معرفة لخاشــقجي بالشهرة هي علاقته ببن لادن، فهو مثله عاش في جدة. وكان جد جمــال طبيباً عالج الملك الســعودي الأول للمملكة. وكان عمه عدنان خاشــقجي المعروف في عالم صفقات الأسلحة مع أن جمال لم ينتفع من ثروتــه. ودرس في جامعة ولايــة إنديانا حيث عاد إلى الســعودية للعمل في «سعودي غازيت .»

وقال عدد من أصدقائه إنه انضم في شبابه لجماعة الإخوان المســلمين. ومع أنه توقف عن حضــور اجتماعاتها إلا أنه حافــظ على البعد المحافظ المعادي للغرب وكان يبرزه عندما كان يريد ذلك.

ويتذكــر اصدقاء خاشــقجي «الملتزم الذي كان يؤم الصلاة في غــرف الأخبار» كما يقول المحرر شــهيد رضا بيرني، الهنــدي الذي عمل معه. ومثل بقية الســعوديي­ن شارك في الجهاد الأفغاني حيث ســافر بناء على دعوة لمشاهدة ساحات المعركة. وفي أفغانســتا­ن لبس الزي الأفغانــي وحمل البندقية لكنه لم يشــارك في المعارك كما يبدو.

«لم يكن متطرفاً»

وقال تومــاس هيغهامر، الباحث النرويجي «كان هناك كصحافي أولاً وكشــخص متعاطف مع الجهاد وكان هذا حال كل الصحافيين العرب وبعض الغربيــن». وقال بيرنــي الذي يعمل محرراً في صحيفة في الهنــد «القول إن جمال كان متطرفاً هو كــذب» إلا أن الحرب الأفغانية كانت خيبة لاحقته كمــا أحد أصدقائه «أصيب بالخيبــة بعد كل القتــال وأن الأفغــان ظلوا متفرقين.» وكانت رحلات خاشقجي مع الأمير تركــي الفيصل، مديــر المخابرات الســعودية بشــكل جعلت بعض أصدقائه يشكون إن كان يتجسس لصالح الســعوديي­ن. وبعد سنوات من قتل فريــق من القــوات الأمريكية الخاصة صديقه بن لادن حزن خاشــقجي على المصير الــذي أصابه «انهرت باكياً قبــل فترة ومحطم القلب لما حصل لأبو عبدالله» و«كنت شــجاعاً وجميلاً في تلك الأيام قبل أن تستسلم للكراهية والعاطفة .»

لكن عمله الصحافــي تواصل حيث كتب من الجزائر وسافر إلى الكويت أثناء حرب الخليج وصعد في ســلم الصحافة في السعودية حيث عمــل في صحف يملكها الأمــراء وبعد هجمات إيلول )ســبتمبر( 2001 هاجم الذين نشــروا نظريات المؤامــرة وقــال إن المنفذين هاجموا الإسلام كدين تســامح وتعايش. وعين رئيساً لتحريــر صحيفة «الوطن» عــام 2003 ليعزل منها بعد شــهرين لمقال هاجم فيه علماء الدين وعين مــرة ثانية عــام 2007 وظــل حتى عام 2010 وســافر مع الملك عبداللــه وأصبح قريباً من الملياردير الوليد بــن طلال وتركي الفيصل الذي عينه مستشــاراً له عندما كان سفيراً في كل من لندن وواشــنطن. وخلال هــذه الفترة اشترى خاشــقجي بيتاً في ماكلين في فرجينيا حيث هــرب إليــه بعــد خروجه مــن البلاد. ويقــول معظم أصدقائه إنه عمــل على المقاربة بين حبــه للديمقراطي­ة وتعاطفــه مع الإخوان وخدمته للعائلــة المالكة. وفي عام 1992 عندما سيطر العســكر على الحكم في الجزائر وألغوا الإنتخابات تعاون مع صديق له وشكلا منظمة «أصدقــاء الديمقراطي­ة في الجزائــر». ويقول عزام التميمي إن الجمعية نشــرت إعلانات في الصحف وجاء فيها «عندما ســتدلي بصوتك، تذكر أن هذه نعمة محروم منها الكثيرون حول العالم، بمن فيهم الجزائريون». وعندما وصل إلى سن الخمسين أصبحت علاقته مع الإخوان غامضة حيــث يعتقد الكثير مــن الإخوان أنه معهم لكن أصدقاءه العلمانيين لا يعتقدون بهذا. ولكنه لم يطالب أبعد من إصلاح العائلة المالكة ودعم لاحقاً التدخل العســكري السعودي في البحرين واليمن لمنع التأثيــر الإيراني. ولكنه تحمــس للربيع العربي مثلمــا تحمس للجهاد الأفغاني وشــعر بالخيبة لتدخل الســعودية وغيرها لقمع حركات الربيع العربي.

تدمير صورته

وقال سيغورد نيبور المحلل لشؤون الشرق الأوســط في واشــنطن «لم يحب اســتخدام الســعودية سياســاتها للتصعيــد والقمع في المنطقــة». وتراجع تســامح الدولــة للنقد مع صعــود الملك ســلمان عــام 2015 وتعيين ابنه ولياً للعهد حيــث تقدم بخطة لتنويع الاقتصاد والتحلــل مــن النفط. وقــد دعم خاشــقجي الإصلاحــا­ت ولكنه بــات يضيق صــدره من سياسات الأمير.

وعندما انتقد خاشــقجي انتخــاب ترامب حظر عليه الســعوديو­ن الحديث حيث خافوا من الإضرار بعلاقاتهم مع الإدارة. وعندما غادر الدولة وبدأ الكتابة في «واشــنطن بوســت» حيث قــارن في واحــد من مقالاتــه محمد بن ســلمان بفلاديمير بوتين مما جعــل أصدقاءه يعتقدون أنه أصبح على القائمة السوداء.

وقال عــزام التميمي، صديق خاشــقجي، «دفع محمد بن ســلمان الملايــن لخلق صورة له وكان جمال خاشــقجي يقوم بتدمير كل هذا بكلمات قليلة .»

إلا أن خاشقجي لم يتوقف عند هذا الحد فقد كان يخطط لإنشــاء موقع ينشر فيه ترجمات للتقارير الإقتصادية عن الفســاد فــي العالم العربي بما في ذلك السعودية.

ومــن مشــاريعه الأخــرى كان منظمــة للديمقراطي­ة في العالم العربي. عندما اســتلم في نيســان )إبريل( من مركز دراسة الإسلام والديمقراط­يــة قــال إن الديمقراطي­ة تتعرض لهجــوم في العالــم العربي مــن الراديكالي­ين الإســاميي­ن والأنظمة الديكتاتور­ية والنخب التي تخشى من المشاركة الشعبية.

وقــال إن ولي العهد محمد «يســتثمر مئات المليــارا­ت في برامج المســتقبل ويقــوم بعمل معتمــداً على قدرتــه للحكم وقــدرة مجموعة صغيرة من المستشارين» وتســاءل :«هل هذا يكفي لا، غير كاف.»

ويقال إن ولي العهــد اتصل به أكثر من مرة منذ وصوله إلى واشــنطن طالباً منه تخفيف لهجته ودعاه للعودة ولكنه رفض.

 ??  ?? آن رايت دبلوماسية أمريكية سابقة: اعتقد ان خاشقجي قُتل
آن رايت دبلوماسية أمريكية سابقة: اعتقد ان خاشقجي قُتل

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom