Al-Quds Al-Arabi

بن كيران يتهم بعض قيادات حزب العدالة والتنمية المغربي بالبلطجة والتمسك بالمناصب والامتيازا­ت

انتقد العلمي وعيوش وبنشماس وقال إن الفساد يخرب البلاد ويجب توقير الملك حتى ولو لم تعجبنا سياسته

- الرباط – « القدس العربي» من محمود معروف:

يصمــت عبد الإله بن كيــران مطولًا، وحين يتكلم يلقي حممه ولا يوفــر أحدًا، حتى رفاقه في الحزب، من انتقاداته القاســية، وإن كانت أحيانًا تتسم بالسخرية التي يجيدها، دون أن يخرج عن اللياقة في تعابيره.

ويقر رئيس الحكومة المغربية ) 2017-2011) والزعيم السابق لحزب العدالة والتنمية ذات المرجعية الإسلامية، أن تصريحاته تثير زوابع علــى مختلف المســتويا­ت والأصعــدة، لذلك يصمت، لكنه لا يحتمل طول الصمت، لما تتعرفه بلاده من أزمات ولما يعرفه الحزب، الذي ما زال يقود الحكومة، من ضعضعة تضعفه وتسحب منه صفة الحزب الأقوى والأكثر شــعبية، في بلد ما زالت الأحزاب مفتقدة إلى قرار مســتقل عــن صناعة القرار وقدرة علــى خلق الحدث، مهما كانت قوتها. ولذلــك يلتقط بن كيران أية مناسبة ليقول.

الأحــد، وفي لقــاء مع قادة شــبيبة حزبه، ومن غير مناســبة، إلا من الإحساس بضروة أن يتكلم ربما، قال عبــد الإله بن كيران، وقبل أن يلقــي حممه: «لقد صمتّ كي لا أربك مســار الحزب، ويظهر لي أن الســكوت قد بلغ مداه»، ولا يمكــن الاســتمرا­ر فــي الصمــت على هذا الوضع.

وبــدأت القذائــف الأولى مــن مدفعية بن كيــران باتجاه حزبه ومــن يوصفون بداخله «تيــار الاســتوزا­ر»، وتمســكهم بالمناصب، والامتيــا­زات «عجبهــم طــرف ديــال اللحم وشادينو في أفواههم وخايفين يديه ليهم شي واحد» (تعجبهم قطع من اللحم يتمسكون بها بأفواههم ويخافون مــن أن يأخذها منهم أحد آخر(، واتهم بعض قياداته بممارسة البلطجة: «فرغــم كل ما قيل عــن العدالــة والتنمية من فســاد، ثمة حالات قليلة لا يتعدى عددها سِتًّا، لكن بدأت تظهر نزعة المصالح عند مجموعة من الأشــخاص الذين هم في مواقع المسؤولية»، حيث إن «بعض قياديي الحزب بدأوا يمارسون البلطجة، وصاروا يقولون إن الأوضاع بخير، بل يدافعون عن أنفســهم وحصيلتهم»، لذلك يجب «عدم الســكوت عن الأوضــاع الحالية، ومقاومة هذه السلوكات».

وأضــاف بن كيــران، أمام أعضــاء اللجنة الوطنية لشــبيبة الحزب، عبر نقل مباشر على «فيسبوك»: «هذه التصرفات ستوصل الحزب إلى ما أصبحت عليه بعض الأحزاب المعروفة، التي تعتمد مبــدأ البلطجة. صحيح أن الحزب غير منزه عن اتباع المصالح، لكن الأساسي أننا لم نأت من أجل هذا».

ووجه بن كيران رسائل ضمنية إلى الجناح الذي يتهمه بالســعي إلى الهيمنة على المشهد السياســي الوطني: «لا يهم إذا لم نحصل على الرتبة الأولى في الانتخابات، بل ماذا سيقع إذا سقطت الحكومة؟ سنعود إلى صناديق الاقتراع وســنرى من يملك التأييد»، وقــال: «المبادئ غلبت في انتخابات 2016، ولم تنجح الســلطة والخداع والمال فــي تغيير نتائجها. نجحنا في الظفر بالانتخابـ­ـات الجزئية لأن الحزب يؤمن بالمبادئ. وبطبيعة الحال لا يريدون الأمل الذي زرعناه في المجتمع، فلتعرفوا أن الناس صوتوا لنا ليس لجلــب الثروة، إنما لأنهم اقتنعوا بأن الحكومة ســتطبق العدل وتحافظ على هوية المغاربة .»

غاضب من وزراء حزبه

وعبر عن غضبه من وزراء حزبه: «ســمعت شي وحدين فشــي وزارة دخلو باش يخدمو أقرابئهــم، انا غير ســمعت مــا عرفتش واش بصح ولا لا»، و»أنا لســت سعيدًا، وليس لدي مــا أقوله، وأظــن أن الإخوان هــم بين الخطأ والصواب»، ثم أنه اســتدرك قائــلًا: «بعبارة صريحة من أراد مساعدة سعد الدين العثماني )رئيس الحكومــة الحالي والأمين العام لحزب العدالة والتنمية( فليســاعده، ومن لم يرغب فليترك الرجل وشأنه».

ونجح عبد الإله بن كيــران في قيادة حزبه ليفــوز بالمرتبة الأولى في انتخابــات البلدية 2015 والتشــريع­ية 2016، مــا أهله لرئاســة الحكومة، إلا أن التحرك السياسي المضاد الذي قادته أطــراف مؤثرة حال دون ذلــك بعد أن بقيت البلاد في حالة انتظار أكثر من 6 أشــهر، كان خلالها بــن كيران يتعــرض لضغوطات وإساءات لكي يفشل في تشكيل حكومة، لكنه تمســك بموقفه، ليعفيه الملك محمد السادس، فيما بعد من مهمتــه كرئيس للحكومة الدكتور ســعد الدين العثماني وهو مــا خلق حالة من الارباك بالحزب وفي المشهد السياسي المغربي.

وقال لشبيبة حزبه: «انتصر الحزب بشكل قاطــع في اســتحقاقا­ت 2015، وهــو انتصار باهر، كمــا أن تحالفاتنــ­ا الانتخابية في المدن كانت أبهر، إذ شــملت حتى المدن التي لم نملك فيهــا الأغلبيــة»، وإنــه حــاول التغيير لكن «التغيير يصطــدم بالمقاومين وغير المتفقين مع سياســة الحزب، وهذا مــرده إلى رغبة بعض الأطراف في الاستفادة من المناصب الحكومية واســتغلال­ها لخدمة مصالحها الشــخصية». وأكد أن الحزب أثر بشكل إيجابي على المجتمع، بعدما أســهم في محاربة الفساد والاستبداد، واهتمــام الحكومة أكثر بالشــأن الاجتماعي، قال: «لقد أعطاني الشــعب دليلاً على نجاحي، وأرد علــى القائلــن إن الحكومــة كانت تمثل فقط 10 في المئة مــن المغاربة، بتنظيم تصويت إلزامــي، آنذاك ســيعرف الجميــع النتيجة»، ثم أضاف: «ليس من الإنصــاف أن نقارن بين مرحلتي والمرحلة الحالية، فلكل لحظة ظروفها السياسية».

وكشــف عبد الإله بن كيران عــن تفاصيل جديــدة حول فتــرة البلــوكاج الــذي عرفه تشــكيل الحكومة خلال الأشــهر الأخيرة من سنة 2016 وبداية 2017، وقال إنه احترم رغبة الملك في أن يكون هناك بعض الأشــخاص في الحكومــة، «أقولها صراحــة.. أجلت الحكومة شــهرًا وانتظرت )التجمع الوطنــي( الأحرار لأنني كنت أعــرف أن «ســيدنا» (الملك( كانت عنده رغبة فــي أن يكون معه بعض الناس في الحكومة».. «واش )هل( كنت على صواب أو لا الله أعلم .»

هجوم على حزب التجمع الوطني للأحرار

وشــن هجومًــا علــى التجمع الــذي قاد البلوكاج ضــد حكومتــه، وقــال إن التجمع )أغلبية حكومية( يمتلك بعض الكفاءات، لكن أغلب الأطر لا تنتمــي إليه، وأنهم يأتون بدافع المصلحة، مشيرًا إلى وزير المالية الجديد محمد بنشــعبون. ووجــه انتقادات لاذعــة للوزير والقيــادي بالتجمع الوطني للأحرار رشــيد الطالبي العلمــي، واصفًا بـ»قليــل الحياء»، الذي قال في وقت سابق إن حزب العدالة يمتك أجندة لتخريب المغرب، مؤكدًا أن الفساد هو ما يخرب البلاد وليس حزب العدالة.

وانتقــد بن كيــران رد قيــادة لحزبه على اتهامات رشــيد العلمي، معتبــرًا أن الرد عليه كان ضعيفًــا، حيث أكــد أنه كان على ســعد الدين العثماني توقيف الأمور بعد تصريحات الطالبي العلمي، حتى لو أدى الأمر إلى سقوط الحكومة، وقــال إن العلمي «مايحشــمش )لا يســتحي( وقليل الحياء»، وإن الرد عليه كان يجب أن يكــون أقوى ولو «تطيح» (تســقط( الحكومة.

وأوضح: «أما أن نــرد عليه ثم نتراجع فهذا أمر لم يعجبنــي، كان علينا أن لا نتراجع حتى لو ســقطت الحكومة، فماذا ســيقع لو سقطت الحكومة، فهي ليست من المقدسات، إذا ذهبت الحكومة ســنعيد انتخابات أخــرى حتى لو خســرنا فيها ولم نحصل عــل المرتبة الأولى، «ولي قال العصيدة باردة يدير فيها يديه.»

وهاجــم بــن كيران، فــي لقائه مــع قيادة شبيبة حزبه، غريمه حزب الأصالة والمعاصرة )معارضة ليبرالية مثيرة للجــدل(، وقال إنه حــزب كان يطمح إلــى الهيمنــة، وأنه يجلب الشــر للبلاد. ولاحظ أن المناطق التي يسيرها هذا الحزب عرفت أحداثًا خطيرة، في إشــارة إلى الاحتجاجات التي عرفتها الحسيمة ومدن الريف شــمال المغرب، وقــال إن التعبير الذي يصلح في حقه أنــه «تابعاهم التابعة»، وأينما كانو يحل الخراب.

الملك يجب توقيره

كما هاجم الأمين العام للأصالة والمعاصرة، حكيم بنشــماس، المرشح لولاية ثانية لرئاسة مجلــس المستشــار­ين )الغرفة التشــريعي­ة الثانية(، وقال إن بنشــماس حدث رفاقه بأنه اشترى «فيلا» بمساعدة الملك، وهذا دليل على أنه «ماكيحشمش» (لا يســتحي(، مشككًا في روايته، ومعتبرًا أنه مــن غير اللائق الحديث عنها حتى إذا صحت.

وقال إن «الملــك يجب توقيــره، لأنه ليس رئيس دولة جاءنا بالانتخابا­ت، هو ملك وأمير مؤمنين جاء بالتاريخ وعائلته تحكم منذ أربعة قرون، والرمزية أقوى من السياسة، والحفاظ على المغــرب يقتضــي الحفاظ علــى ملكيته وتوقير الملك حتــى إن لم تعجبنا سياســته، وهذا وارد لأنه إنســان وليــس نبيًا، يمكن أن يصيب ويمكن أن يخطئ، لكننا نتعامل مع الملك بالاحترام والتوقير، وحتى إن انتقدناه نفعل ذلك دون المس برمزيته.»

ولم يســلم من قذائف بن كيران، نور الدين عيوش )رجل الأعمال الــذي يقول إنه صديق للملك ودعــا لتدريــس العاميــة المغربية في المدارس(، وقال بن كيران إن «الدارجة شــكل من أشــكال اللغة العربية، التــي يتحدث بها العرب والأمازيغ على السواء، فالدارجة لا تثير أي مشكل، لكن تســتعمل العربية في الخطب والكتابة بهدف التفاهم»، وأضاف أن أحســن رد عليه هو إلقاء مســؤولة نمساوية لخطابها باللغة العربية، مسترجعًا قصة إلقاء مسؤول مغربي خطابه بالفرنســي­ة في اليابان، مقابل إلقاء مسؤول فرنسي خطابه بالإنجليزي­ة.

وقال إن هدف عيــوش بدعوته إلى اعتماد الدارجة كـ«لغة» للتدريس، ليس هو الدارجة، بل الانتقاص من دور اللغة العربية، مستغربًا من هــذه المواقف، في الوقت الــذي تدعم فيه رئيســة الوزراء النمســاوي­ة اللغــة العربية بحديثها بها في انعقــاد الجمعية العامة للأمم المتحدة لقد «صفعت الوضيع عيوش وأمثاله.»

وقال الزعيم السابق لحزب العدالة والتنمية إن عيــوش هاجم الإمــام مالــك واعتبر فقهه متخلفًا، دون أن يكون مطلعا على فقهه وعلمه، وتصريحــات عيــوش خطيرة لأنهــا تضرب الأســس التي بنيت عليها الدولة المغربية التي اتخذت من فقه مالك مذهبًا لهــا، كما انتقد بن كيران دفاع عيوش عن «اللــواط»، معتبرًا أن الإسلام لا يحجر على الحريات الفردية ولكنه يمنع «المجاهرة بالمعاصــي»، وأنه دعا المتبلين إلى الاســتتار. وقال بن كيــران: «عندما جاء شخص معروف وطعن في مذهب الإمام مالك، علمًا أنه لا يعرفه، كان على الشبيبة أن تخرج وتصدر ضده بلاغًا، وهو لا يســتحي، وفي كل مرة يقول إنه صديق الملك، فلماذا أقيم هذا الملك كله.. أليس على نسب رسول الله وعلى مذهب الإمام مالــك؟» وأضاف: «الإســام لا يتدخل في الحريات الفردية، فمــن يرد الصوم يصم، ومن لم يرد فذلك شــأنه، لكن شريطة أن لا تتم المجاهرة، لأن الإســام لا يبحث عن الناس في بيوتهم ماذا يفعلــون، والقوانين الموجودة في هذا الشأن كانت فرنسا هي التي وضعتها.»

طالب الشبيبة بعدم السكوت

وطالــب بــن كيران شــبيبة حزبــه بعدم السكوت عما يقع في الســاحة السياسية: «لا يجب عليكــم أن تســكتوا»، وزاد: «لا تقوموا بمواقف سياسية تتســبب في إرباك الحزب،» ووجه رسالة لمن يتوســطون لبعض المغاربة للولوج لــإدارة، وقال إن عــددًا كبيرا يأتون عنده قصد التدخــل لصالحهم من أجل الولوج للإدارة، مشــددًا على رفضه لذلك؛ باعتبار أن الولوج يجــب أن يكون عبــر المباريات، وأكد أن القوانــن الحالية التي وضعها المســتعمر الفرنســي هي التي تحد من الحريات الفردية، مضيفًــا أن الإســام ليس ضد تلــك الحريات باعتبار أنه لا يتبع ما يقوم به الناس في السر.

وقال إن البحث عن المصالح الشخصية أمر قديم، إلا أن السكوت عنه هو الأمر غير المقبول، مشــددًا علــى أن فكــرة الإصلاح ليســت في مصلحة «الانتهازيـ­ـن»، لذلك يقاومون الفكرة والمدافعين عنها.

وتأسف عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة السابق، لاتهامه بـ»العمالة» بسبب مواقفه من الملكية في المغرب: «قالوا إنني عميل لأنني أقول بــأن الملكية هدية من الســماء لهــذا الوطن،» وقال: «أنتم هدية من الســماء إلى هذا الوطن، والملكية هدية من السماء لهذا الوطن، فلا أحد اليوم بحاجة أن يسمع هذا الكلام، لأن الناس شاهدوا ما يقع في دول أخرى ويفهمون.»

وقال عبــد الإله بــن كيران إن اســتعمال السياســية للبحث عن المصالح أمر متجذر في المغرب منذ الاستعمار، واستمر بعد الاستقلال رغم أنه نقص بعض الشيء، مع أن الأمل نقص في المرحلة الحالية بعد أن كان هذا الأمل كبيرًا في ولايته الحكوميــة، وذلك طبيعي لأن هناك العديد ممن يعارضــون الإصلاح لرغبتهم في الاستفادة لحسابهم الشخصي.

وأكــد أن الملك محمد الســادس قــد قدم ما يكفي من الإشارات الســيئة عن فساد الإدارة والمســؤول­ين السياســيي­ن، داعيًــا إلى توقف هذا الأمر، وقال: «حتى الملــك غير قادر وحده على مواجهة هذا الوضــع. وفي العموم بلادنا ما زالت بخيــر، نحن نريد أن تتحســن أكثر، وستتحســن برجال يحملون رســالة، أقوياء وأمناء وصالحين، وعلماء حافظين.»

 ??  ?? بن كيران
بن كيران

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom