Al-Quds Al-Arabi

بن سلمان خيب أمل الغرب

اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي جعل السعودية «الولد الشرير» للشرق الأوسط

- ايال زيسر

قبــل بضعة أســابيع فقــط، كان يخيل أن علاقــات تركيا والولايات المتحدة توشــك علــى الانهيار فــي أعقــاب العقوبــات التي فرضهــا الرئيــس ترامــب رداً علــى اعتقال القــس الأمريكي. وفي المقابــل، كان يخيل أن السعودية تصبح دولة المحور الذي تقيم إدارة ترامب على أساسه سياستها الإقليمية. ولكن حتى بضعة الأسابيع في الشرق الأوسط تعدّ هي الأبد.

ففــي الأيام الأخيرة يتبــن أن تركيا تعود إلى حضن الولايــات المتحــدة، بينما تصعد الســعودية إلى مســار الصدام مــع الرئيس ترامب. والسبب: السعوديون قتلوا في مبنى قنصليتهم في اســطنبول جمال خاشــقجي، الصحافــي المعروف بانتقاده للأســرة المالكة الســعودية، ثم أخفوا جثته. أما الآن فتطالب الأســرة الدوليــة، وعلــى رأســها أمريــكا، بالشروحات.

صحيح أن الرئيــس اردوغان قادر على أن يتهجم على نظرائــه وأن يخلق التوتر، ولكن لديه أيضاً خطــوط حمراء. هكذا حررت تركيا في نهاية الأســبوع القس الأمريكي، موضوع الخلاف مــع الولايــات المتحــدة، ويبدو أن خصامها الموسمي مع إسرائيل هو الآخر يوشك على الانتهاء.

من فاجأ الكثيرين فــي الغرب كان هو ولي العهــد الســعودي، محمد بن ســلمان، الذي تورط حتى الرقبة في قتل الصحافي في تركيا. فقد حطمت القضية دفعة واحدة صورة الزعيم التقدمي والمتنور التي طورها لنفسه، وطرحت علامات استفهام ثقيلة حول تفكر ومدى تطور هذا الشخص الذي يتصدر السعودية اليوم.

منذ حزيــران 2017، حين عينــه أبوه الملك ولياً للعهــد، أصبح ابن ســلمان الأمل الأكبر للســعودية، وحدده الغرب كمن يقود المملكة من العصــور الوســطى إلى القــرن الحادي والعشــرين. كانت البداية واعدة؛ فقد عرض ابن ســلمان رؤيا وخطة عمل لتحويل المملكة إلى مملكة حديثة، انتهج سلســلة طويلة من الإصلاحات، بل وأزاح قيــوداً عديدة فرضت على النســاء الســعوديا­ت. إضافة إلى ذلك، وقف كزعيم حازم في مواجهــة إيران وأبدى اعتدالاً مفاجئاً بالنسبة لإسرائيل.

ولكــن النضــج والتجربة لا يكتســبان إلا بالآلام، وغير مــرة تبين ولــي العهد كعجول وعديم التفكر. فقد خرج في صراع ضد التواجد الإيراني في اليمن؛ هدف مبــرر ظاهراً، ولكن مــن أجله غرقت الســعودية في حــرب أليمة وباهظــة الثمن لا يرى أحــد نهايتها. ومذكور للجميع أيضاً «اختطاف» رئيس وزراء لبنان، ســعد الحريري، الذي حرر في النهاية وأعيد إلى بيروت.

والآن ظهــرت قضيــة تصفيــة الصحافي السعودي في إســطنبول. ظاهراً، فإن عملية كهذه هي أمر عادي في دول عديدة في المنطقة، بل وخارجها، يختفي فيها أو يموت في ظروف غريبــة صحافيــون وباقي منتقــدي النظام. وعلــى الأرض الأوروبية أيضــاً كانت عملية تصفية المعارضــن غير شــاذة، مثلما أثبتت محــاولات الإيرانيين المــس بمعارضيهم في فرنســا أو تصفية فارين روس على الأراضي البريطانية.

ومع ذلــك، هذا لعــب بالنار؛ فمــن يدعي الانتماء إلى العالم المتنور، يجب أن يأخذ على نفســه جزءاً من قواعد اللعب ومن عالم القيم الغربيــة. والأهم من ذلك، عليه أن يبدي حذراً زائــداً بل وتطوراً في الســلوك. مثل هذا الأمر لم يحصل في القنصلية في إســطنبول، والآن نجد أن السعوديين مطالبون بأن يدفعوا كامل الثمن لقاء جرائمهم.

في نهاية المطاف، من معقول أن يكون هناك حل وسط يسمح بإزالة هذه القضية عن جدول الأعمال. وســيعترف الســعوديو­ن بتصفية الصحافي، ولكن ســيدعون بأن هذه مبادرة من المســتويا­ت الصغرى، التي ســيلتزمون بمعاقبتها بكامل شدة القانون. ومع ذلك، فإن حلفاء الســعودية ومحبي خيرها، بمن فيهم واشــنطن والقدس، ممن توقعوا من محمد بن سلمان أكثر من ذلك، خاب أملهم هذا الأسبوع.

 ??  ?? جمال خاشقجي
جمال خاشقجي

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom