Al-Quds Al-Arabi

لماذا لا تستطيع السعودية قطع النفط عن الغرب؟

- *كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»

تعيــش المملكــة العربية الســعودية أصعب أزمة في مواجهــة المنتظم الدولي وبانعكاســ­ات داخليــة كبيرة بســبب تطورات ملف القتل المفترض للصحافي جمال خاشــقجي في القنصلية الســعودية في إسطنبول منذ أســبوعين، وإضافة إلى معالجة الموضوع من مختلــف الزوايا، هناك واحدة حتى الآن لم تأخذ المســاحة الكافية من التحليل وهي: هل للعربية السعودية قوة الرد على تهديدات الغرب بفرض عقوبات قوية ضدها؟ وكيف سيكون رد الغرب؟

فقد أرسلت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تنبيهات قويــة إلى النظــام الحاكم في العربية الســعودية مفادهــا: إذا ثبتــت جريمة مقتل خاشــقجي فــي القنصلية الســعودية في إســطنبول فلن تمر مر الكــرام. ويثير موقف الغرب الكثير من التساؤلات، هل هو جاد في الدفاع عن حقوق الإنســان، نظرا لارتكاب النظام السعودي جرائم متعددة؟ أم يرمي إلى تحقيق أهداف سياسية في السعودية؟

وعمليا، الأجوبــة متعددة، لقد صمت الغــرب على جرائم بشــعة ارتكبهــا النظام الســعودي فوق أراضيــه وفي حق مواطنيه، نظام لم يتعامل بحلم مع أبســط منتقديه، وتصرف بوحشــية خارقا القوانين الوضعية والشــرائع الســماوية، لكن هذه المــرة يتعلق الأمر بجريمة وقعــت أمام أعين المنتظم الدولي، وفي دولة ثالثة ووسط تمثيلية دبلوماسية وبطريقة بشــعة، وأصبح الرأي العام الدولي ولاسيما الغربي يطالب بالقصاص. والرد الغربي الحازم حقق نتيجة أساســية حتى الآن وهــي: بهدلة ولي العهد محمد بن ســلمان أمام مواطنيه والعالم، حيث أصبح الجميع يرى فيه مجرما وليس سياســيا سيتولى عرش دولة مهمة بفضل مخزونها من النفط، ووجود أماكن العبادة لأكثر من مليار مسلم، ثم إيصال رسالة واضحة إليه وإلــى محيطه بوجود حــدود في اســتعمال العنف في معالجة القضايا السياســية. في معالجة هذا الملف في الزاوية نفسها، كتبنا مقالا بعنوان «خاشقجي: جريمة تحت الأضواء الكاشــفة بانعكاسات اســتراتيج­ية» تطرق الى الانعكاسات وأبرزها تحول جريمة اختطاف خاشقجي إلى سيف دومقليس للغرب على رأس العربية الســعودية. وبالفعــل بدأ يتحول الى ســيف بتار، فقد صــدرت عن الرئيــس الأمريكي دونالد ترامب طيلــة الأيام الماضية تهديدات بالــرد الحازم في حالة التأكيد الرســمي لتورط الســعودية في الجريمة. ولم تتأخر الدول الأوروبية الكبرى وهي، فرنســا وألمانيا وبريطانيا عن ركــب التهديدات، قد أصــدرت بيانا يوم الأحــد الماضي حادا في مضمونه ولبقا في شــكله، تطالب فيــه بالحقيقة الكاملة لوقائع الجريمــة ومتوعدة بإجراءات. واســتبقت بريطانيا نوعيــة العقوبات بإعلانها إعداد لائحة بأســماء مســؤولين سعوديين ستشملهم العقوبات، وستضم بدون شك ولي العهد السعودي محمد بن ســلمان، في حالة تأكيد التورط الرسمي في الجريمة. وتجد المملكة العربية السعودية نفسها أمام مأزق رئيسي، فقد تحولت في ظرف أيام معدودة الى دولة مارقة في أعين الرأي العام العالمي، ومعرضــة لعقوبات قوية من طرف الدول الغربية. والأخطر هو نوعية الأســباب، لا يتعلق الأمر بطموح سعودي بتحقيق مشــروع نووي مثل إيران أو كوريا الشــمالية، يعطي للبلاد مكانة وسط الأمم، بل بسبب جريمة بشعة وهي مقتل صحافي ســاحه الوحيد هو القلم وتحرير مقالات لا تعارض النظام الملكي بقدر ما توجهه وتنصحه.

وفــي مواجهــة الضغــط الدولي، صــدرت عــن العربية الســعودية بعض التهديــدا­ت بالرد القوي، علــى كل إجراء يســتهدفها مثل العقوبات، والتلويح بتغيير المعسكر الغربي بالرهان على روســيا والصــن، ومنها منح موســكو قاعدة عســكرية حســب ما جاء في مقال لمدير قناة «العربية» تركي الدخيل أحد مستشاري محمد بن ســلمان في الإعلام، علاوة على قطــع النفط، كمــا فعل الملــك فيصل بعد حــرب 1973. ونتســاءل: هل الســعودية قادرة على قطع إمــدادات النفط لاســيما على الغرب؟ لقد ســبق للرياض اتخاذ هــذا القرار بعد حرب أكتوبر/تشــرين الأول ســنة 1973، وجاء لســبب مصيري للأمة العربية والإســامي­ة، هــو معاقبة الغرب على مواقفه الداعمة لإســرائيل، ويختلف الأمر هذ المرة، لا يتعلق بملف سياســي، بل ببلطجة نظام نفذ عمليــة اغتيال مرعبة. والتساؤل: هل تستطيع السعودية تطبيق حظر على صادرات نفطها؟ ولنفترض أنها قامت بتنفيذ الوعيد، كيف ســيكون رد المنتظم الدولي وأساسا الغرب؟

*أولا، لا يمكن للدولة الســعودية قطع النفط، وهو يشكل العمــود الفقري من عائداتها المالية، بســبب اعتماد الاقتصاد الوطني علــى تصدير الطاقــة، فهذا ســيترجم بأزمة خانقة داخليا قد تؤدي إلى انتفاضة اجتماعية.

*ثانيــا، لا تمتلك الســعودية فــي الوقت الراهــن طبقة إنتلجنســي­ا قادرة على صياغة ســيناريو مماثــل، فقد أقبر ولي العهد محمد بن ســلمان كل السياســيي­ن والدبلوماس­يين والعســكري­ين المخضرمــن، وعوضهم بطبقة من المســاعدي­ن يعملون وفق منطق «الشــيخ والمريــد»، أي الانصياع الأعمى لطموحاته، وقد كتب تركي الدخيل مقــالا يتوعد الغرب، وما هي إلا ساعات حتى جرى التراجع عنه.

*ثالثا، لا تمتلك السعودية القوة العسكرية لتنفيذ القرار، وهي التــي تدين في دفاعهــا للولايات المتحــدة وبريطانيا. وسيكون الرد الغربي قاسيا قد يترجم بحصار على الصادرات النفطية، وتجميد الأموال، وقد يتطور إلى الأسوأ، وهو احتلال منابع النفط. ويرى الغرب في السعودية صنيعته، فتاريخيا هو الذي ســاعد على اكتساب آل سعود كيانا سياسيا وترابيا خاصا بهم، بعــد تفكيك الإمبراطور­يــة العثمانية، وهو الذي طور استغلال النفط وبنى معظم المرافق الحيوية الاقتصادية والاجتماعي­ــة، وبالتالي تهديد الغــرب بالارتماء في أحضان الصين وروسيا ستكون له عواقب وخيمة منها زوال آل سعود.

*رابعا، لا تســتطيع العربية الســعودية تحريك تعاطف العالم العربي والإســامي، لأنه يرى فيهــا مصدر الكثير من الشــرور، ويكفي دورها فــي تمويل الثورة المضــادة للربيع العربــي، وســوء تعاملها مع الجاليــات العربية والمســلمة الموجودة في الأراضي السعودية.

*خامسا، لا تستطيع الســعودية بين ليلة وضحاها تغيير البوصلة من الغرب إلى الشرق، روسيا والصين، لن تقبل بكين وموسكو بها حليفا جديدا تفاديا لأزمة عالمية خطيرة.

فــي غضون ذلــك، لقد اكتشــفت الســعودية مــع قضية خاشقجي أنها كانت تعتمد على وزنها الاستراتيج­ي، فتحولت إلى دولة مارقة محاصرة من كل جانب، إنه وهم الحكام العرب بعظمة لا توجد سوى في مخيلتهم حتى يصطدمون بالحائط.

تحولت السعودية إلى دولة محاصرة من كل جانب، إنه وهم الحكام العرب بعظمة لا توجد سوى في مخيلتهم

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom