Al-Quds Al-Arabi

لماذا يُقتل النساء والمثليون في العراق؟

- *كاتب سوري من أسرة «القدس العربي»

أغفــل النقد الــذي تناول دولــة ما بعد صدام حســن في العراق البعد الاجتماعي للتحــولات التــي حصلــت، خصوصــاً تلــك المتعلقة بالنســاء والمثليــن. طغيان السياسي في تحليل ما يجري، والاستغراق في مهاجمة الطبقة الحاكمة وصراع الأطراف على السلطة، حرباً وسلماً، ساعد في طمس الاجتماعــ­ي وتحديداً الفئات الضعيفة، التي يتراوح وجودها السيســيول­وجي بين عدم الاعتــراف والاعتراف المقنن، لتعيش بالتالي بين خيارات التخفي وخلق حيوات ســرية تخشــى الافتضاح كما حال المثليين، أو ضمن أدوار رســمتها القوى المســيطرة، كما حال النساء.

فالأحزاب الدينية، لاسيما الشيعية منها، تمكنت من استيعاب النساء ضمن منظومتها ومنعتهن من إنتاج أي ســياق يســعين عبره لتحصيل حقوقهن، فبتنا نشــاهد نائبات يستبســلن دفاعاً عن حزب الدعوة، الذي لا يقبلهن إلا ضمن شــروطه وليس كما يردن، أما المثليون فبقوا خارج هذه التكتيــك، باعتبار أن جميع الأحزاب تنفيهم عقائدياً وتنكر وجودهم اجتماعياً ما يحوّل هؤلاء إلى بشــر غير مرئيين، ظهورهم يعادل موتهم. مفهوم الأقليات نفســه جرى حصره بالطوائف والمكونات القليلة العدد، ولم يشمل المختلف في هويته الجنسية، فطغى الكلام عن الإيزيديين والمسيحيين بأسلوب أغفل عن قصد شمول فئات أخرى لا ترتبط بانتماءات محددة. هكذا أسقط مفهوم الضحية عن الأفراد المختلفين بأنماط عيشهم وخياراتهم الســلوكية، وبات حصرياً بالجماعات، فإذا قتل عراقي جرى التدقيق فوراً في هوية طائفته لجعله امتداداً لها ومنعه من أن يكون ذاتا مســتقلة. إنكار فردية الضحية، قد يفســر جزئياً، الســياق الذي قتل به المراهــق حمودي الطيري طعناً بالســكاكي­ن في أحد شــوارع بغداد متلفظاً وهو يطلق حشــرجاته الأخيرة جملة «بدي شوف أمي»، وجريمة «ملك الانســتغر­ام» كما كان يُلقب «الاشتباه» بميوله المثلية. وقبل ذلك بعام قتل بالطريقة ذاتها كرار نوشي الملقب بـ»ملك جمال العراق» للسبب نفسه.

وســبق جريمة ذبح الطيري سلسلة عمليات قتل اســتهدفت خبيرات تجميل ونساء آخرهن تارة فارس التي اعترض مسلحون سيارتها في بغداد وامطروها بالنيران.

يسهل التقاط المشــترك بين هؤلاء الضحايا، خصوصاً أنهم اختطوا لأنفسهم مسارات شــخصية لا تناســب النماذج التي حددتها الســلطة القائمة، حيث ألغت هذه الأخيرة حضور النســاء الخارجات عن منظومتها، وكرست إنكار المثليين عبر دعم أدبيات في هذا الاتجاه، ما جعل التصفية الجســدية طعناً بالسكاكين مجرد فعل تقني، سبقه إمحاء على كافة المستويات.

والسلطة هنا ليســت حزبا أو مجموعة أحزاب، وليســت طائفة أو مجموعة طوائف وليست مليشيا أو مجموعة مليشيات، هي مركب من كل ذلك، معطوفاً عليه اجتماع منهك بفعل استبداد مديد وحصار خانق وتدخل خارجي غير مدروس، ما خلق بيئة من الفراغ الاجتماعي تستوعب كل المساوئ التي تنتجها السلطة.

قد تختلف مكونات السلطة في العراق على كل شيء، وتتناحر في ما بينها على وزارة من هنا أو منصب محافظ من هنا، وتخوض حروب أهلية لأجل ذلك، لكنها في النهاية تتفق ضد حمودي وكرار وتارة، فهؤلاء وحدهم من يشــكل خطرا عليها لأنهم خارج منظومتها ويدافعون عــن عادية الحياة، عادية تكرهها الســلطة طمعاً في أوضاع اســتثنائي­ة من حروب وصراعات وتطرف، تجعل العراقيين وقودا، وتمد من هم على كراسيهم بمناصب جديدة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom