Al-Quds Al-Arabi

خاشقجي: هل تطمس دافوس الصحراء جريمة القنصلية؟

-

■ تتســارع التطــورات المرتبطــة بواقعــة اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بــاده في اســطنبول، بعد أن أخــذت معطيات كثيرة تشــير إلى احتمال تعذيبــه وتصفيته هنــاك بطريقة وحشــية بــات من الصعــب علــى حلفاء الســعودية وأصدقائهــ­ا أن يتجاهلــوا تفاصيلهــا المذهلــة أو يتستروا على قرائنها الدامغة.

ففي تطوّر سياســي بارز يخص الإمــارات العربية المتحــدة، حليف المملكــة الخليجي الأبــرز، ألغى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان زيارة إلى فرنسا كان من المقرر أن تبدأ اليوم، وعُقدت عليها آمال كبيرة لجهة تجميل وجه الإمارات بوصفها الشــريك الثاني للســعودية فــي حــرب اليمــن، وإعــادة إدخالها إلى أوروبا عبر البوابة الفرنسية. ولم يكن هناك أي سبب طــارئ يحول دون قيام بن زايــد بهذه الزيارة الهامة، لــولا أنه قدّر ما ســيلاقيه من حرج شــديد أمام الرأي العام والصحافة في فرنســا بسبب وقوف أبو ظبي خلــف الريــاض وتبنيها الروايــة الســعودية بصدد قضية خاشقجي.

وفي تطور اقتصادي ومالي واستثماري، انخفض مؤشر البورصة السعودية بمعدل 7٪، وهو الهبوط الأدنى منذ كانون الأول/ ديسمبر 2014 حين اتجهت أســعار النفط نحــو انهيــار ملحوظ. كذلــك انحدرت أســعار العملة السعودية إلى أدنى مســتوى لها منذ ســنتين، وتراجعت أســعار الأســهم الســعودية في الأســواق العالمية بعــد تزايد المؤشــرات على إمكانية انحسار الاستثمارا­ت وتعليق بعض المشاريع الكبرى داخل المملكة. وكان الدليــل الأكثر وضوحاً على تأثر الأســواق بقضية خاشقجي هو سلســلة الاعتذارات عــن حضــور مؤتمــر «دافوس فــي الصحــراء» الذي تنظمه الرياض وتعتزم عقده خلال أيام قليلة برعاية شخصية من ولي العهد محمد بن سلمان.

وأما التطور الأمني والقضائي فقد تمثل في تقارير صحافية أشــارت إلى أن الأمير خالــد الفيصل، أمير منطقة مكــة ومستشــار الملك الســعودي، وصل إلى أنقرة واجتمع مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وهذا يعني أن بعض خيوط ملف خاشقجي قد تكون في طور التســليم إلى الفرع الفيصلي من آل ســعود، الأمر الذي قد يتخذ صفة سلاح ذي حدين لصالح بن سلمان وضده في آن. وفي المقابل كان وصول رئيس الاســتخبا­رات الســعودية خالد الحميدان إلى تركيا للانضمــام إلى مجموعــة العمل التركية ـ الســعودية المشتركة، ثم الإعلان عن بدء دخول السلطات التركية إلــى مبنــى القنصليــة لتفتيشــها، يؤكــد أن الرياض لم تعــد تجد مفراً مــن الرضوخ للضغوطــات الدولية المطالبة بكشف حقائق اختفاء خاشقجي.

وفــي هــذا الســياق كان البيــان المشــترك الــذي صــدر عــن وزارات الخارجيــة فــي فرنســا وألمانيــا وبريطانيــ­ا، ثــم إســبانيا فــي وقــت لاحــق، وكذلك تخبــط التصريحــا­ت الســعودية بين تهديــد بفرض إجــراءات مضادة ثــم تلطيــف التصريح إلــى درجة ســحبه من التــداول، بمثابــة عوامل ضغــط إضافية ومتلاحقة على الرياض. ولكــن هذا الرضوخ لا يعني أن الســلطات الســعودية ســوف تســلم بمســؤولية القنصلية، وبالتالي ولي العهد شــخصياً، عن تصفية خاشقجي. ولا ينفي إمكانية تدبير كبش فداء من نوع مــا، يحمل وزر الجريمة عن المجرم الفعلي والأول. ولا يلغي، أخيراً، احتمال «لفلفة» القضية بأسرها، بحيث تنجح مليــارات دافوس الصحراء فــي طمس جريمة القنصلية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom