Al-Quds Al-Arabi

رياء الغرب... تصدير السلاح وجني المال قبل الحق في الحياة

- ٭ كاتب من مصر

تظل حمايــة وظائف الأمريكيــ­ن العاملين في مصانع إنتاج العتاد العســكري أهم مــن الدفاع عن الحقــوق والحريات في الشــرق الأوســط، وتأخذ مواصلة توريد الســاح للمملكة العربية السعودية حتــى وإن ثبت تورط حكامها فــي اختفاء الصحافي جمال خاشــقجي مكان الصدارة على ســلم أولويات صانع القــرار في البيــت الأبيض فيمــا خص إدارة تداعيات الاختفــاء ومصير مقيم دائــم في الولايات المتحــدة. هكذا تحــدث دون مواربــة دونالد ترامب خلال الأيام الأخيرة، جاهرا بما تســتند إليه سياسة حكومتــه تجاه أوضاع حقوق الإنســان فــي بلادنا وما تستند إليه أيضا سياســة الحكومات الأوروبية ذات الثقــل الدولي على الرغم مــن إيغال الأوروبيين في إنــكار أولوية المــال على الحرية في حســاباتهم الشرق الأوســطية واجترارهم المستمر لخطاب دعم الديمقراطي­ة خارج ديارهم.

تصــدر الحكومــات الأمريكيــ­ة والفرنســي­ة والبريطاني­ة والألمانية والإيطالية الســاح لبلادنا، وتضمن لمصانع العتاد العســكري إبرام عقود سخية مع الحكومــات الســعودية والإماراتي­ــة والمصرية والبحرينية والقطرية وغيرها. ولكي يســتمر تدفق مئات المليارات من الــدولارا­ت إلى الخزائن الغربية، يصمت رؤساء ورؤســاء حكومات «العالم المتحضر» عن اســتخدام ســاحهم في حرب جائرة على اليمن تشــنها الســعودية والإمارات وتغــض الطرف عن تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر والبحرين ولا تمانع في توظيف قطر لعقود السلاح كوسيلة لشراء تأييد الغرب.

وفــي مواقع شــرق أوســطية أخــرى، تتجاهل الحكومــات الغربية اســتخدام ســاحهم إمــا لقتل وقمع وترويع شــعب يطالب بحقه فــي تقرير المصير والانعتاق من الاستعمار الاستيطاني كما في فلسطين أو للضغط العســكري على مجموعات عرقية تنشــد اعترافا بهويتها وشيئا من الحكم الذاتي كما هو حال الأكراد في شــرق تركيا. لا يتجاهل الغربيون حروب إســرائيل المتتالية على الفلســطين­يين ولا الحملات العســكرية المتكررة للجيش التركي في الشرق طمعا في المــال، بل تغلب هنــا التحالفات الاســترات­يجية والمصالح الأمنية على الادعــاء الأمريكي والأوروبي الزائف المتعلق بالاهتمام بحقوق الإنسان والحريات. والحصيلة الدامية هي آلاف القتلى من الفلســطين­يين ومئــات القتلى مــن الأكــراد في حــروب وحملات عسكرية، وإفلات إسرائيلي وتركي دائم من العقاب.

في التحليل الأخير، لا تختلف سياسات الحكومات الغربية فيما خص تصدير الســاح لبلدان الشــرق الأوسط )وكذلك تصدير تكنولوجيات التعقب الأمني للمعارضين ولأصحاب الآراء التي لا تروق لحكومات بلادنــا( عن السياســات الروســية والصينية التي تغرق الأسواق بعتاد عسكري أرخص سعرا ولا ترتفع حفنة من الأصــوات داخل برلماناتها مطالبة بالامتناع عن إعطاء الســاح لمنتهكي حقوق الإنسان وقامعي الحريــات. فحكومتا روســيا والصــن ترتكبان من انتهاكات الحقوق والحريات )مــن إخفاء المعارضين والصحافيين المشاكســن في روســيا إلــى التعقب والتوقيف الجماعيين لمســلمي الايغور في الصين( ما لا يقل كمــا ولا يتفاوت كيفا عن انتهــاكات حكومات الشــرق الأوســط، ولم يحدث أن اعتبرت السياسة الخارجية الروسية والصينية بقضايا حقوق الإنسان أو أن ادعت زيفا بحرصهــا على حريات المواطنين في بلادنا. حكام قمعيون يصدرون السلاح إلى أشباههم بين ظهرانينــا دون تحايل أو إنــكار أو ضجيج فارغ المضمون في الأروقة البرلمانية.

مثل ذلــك الضجيج يظــل حاضرا فــي البرلمانات الأمريكية والأوروبية، حيث ترتفع بين الحين والآخر أصــوات تطالب هنا بإلغــاء عقود الســاح وهناك بفــرض عقوبات علــى من يســتخدمون­ه في حروب عدوانيــة أو يوظفونه بقوة مفرطة ضــد المدنيين. لا أتقصد أبدا الاســتخفا­ف بالنوايــا الطيبة والمواقف المبدئية لأصحاب تلك الأصوات )وهم في الأغلب الأعم برلمانيون ينتمون للأحزاب ذات الميل اليساري(، غير أن فعاليتهم السياســية تتســم بالمحدودية الشديدة نظرا للنفوذ الكاســح للبرلمانيي­ن المرتبطين بجماعات المصالــح المؤيدة لتصدير الســاح الغربي وعادة ما تخبو جــذوة معارضتهم لصفقات وعقود الســاح إن بعد تمريرها أو ما أن تقتــرب مواعيد الانتخابات الجديــدة وتســيطر علــى الفضاء العــام هواجس الحفاظ على وظائف العاملين في مصانع إنتاج العتاد العسكري.

تســتطيع الحكومــات الأوروبية ذات الثقــل الدولي أن تواصل إنكار أولوية المال على الحرية في حســاباتها الشــرق أوســطية، وقطعــا لــن يتوقف إصــدار لندن وباريــس وبرلين وروما لبيانــات فارغة من المضمــون تدين الاختفاء القسري للصحافيين وتندد بالحروب العدوانية على اليمن وكذلك ضد الفلســطين­يين في غزة والأكراد في شــرق تركيا. غير أن عدم اكتــراث الرئيس الأمريكي بمقتضيــات «المقبــول قوله» فــي الدوائــر الدولية وتفكيكــه للمتــوارث غربيا من ادعــاءات الدفاع عن حقوق الإنســان والحريات عبر الجهر بعدم اهتمامه بها مقارنة بتدفق الأموال إلى خزائن مصانع الســاح وضرورات الحفاظ على وظائف مواطنيه ومســاعدة حلفائه الاســترات­يجيين، عــدم الاكتــراث والتفكيك هــذان يفضحان ريــاء الأوروبيين ويظهــران بجلاء تناقــض سياســاتهم وأفعالهم مع بياناتهــم العلنية وتصريحاتهم الدبلوماسـ­ـية التي سأمنا جميعا زيفها وتهافتها. لا قيمة لدماء ســكان بلادنا المنكوبة بتسلط المســتبدي­ن عنــد الغربيــن، ولا وزن لحــق العرب والأكراد وغيرهم من أهل الشــرق الأوسط في الحياة الآمنة وطلب الحرية وصون الكرامة الإنســاني­ة إذا ما تعارض مع مقتضيات جني الأمــوال وحماية مصالح الحكومات الغربية وحلفائها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom