Al-Quds Al-Arabi

نديم قطيش بين خاشقجي وبن سلمان… بسام كوسا خائف من العودة إلى البيت... و«بي بي سي» تقدم الحرب من وجهة نظر مسيحية

- ٭ كاتب فلسطيني سوري

راشد عيسى ٭

أدرك الســوريون على مرّ الســنين الصعبــة الأخيرة أن ليس كل مــن وقف إلــى جانب ثورتهــم كان فعلاً يريــد مثلهم العدل والكرامــة والحرية. لقد أثبت ذلك مراراً، ومن بين أكثر المثابرين علــى الإثبات المذيع اللبناني نديم قطيــش، فقد كان صادماً في مقابلــة له على شاشــة لبنانية حين قــدم المبــررات لانتهاكات ارتكبها الجيــش اللبناني بحق اللاجئين الســوريين في لبنان، وصلت إلــى حد الموت تحــت التعذيب في ســجونه، تماماً كما يحــدث في معتقلات النظام الســوري. قطيش ســوّغ الإهانات وعنــف الجيش، واســتخف بالناشــطي­ن كما لا يمكــن أن يفعل إعلامي وناشط في سبيل العدل وحرية التعبير.

وفي مسلســله الأخير عــن اختفاء خاشــقجي يثابر قطيش على «تفكيــك» مزاعم كل صحف وقنوات العالــم التي تتحدث عــن جريمة الإخفــاء والقتل، بالســخرية و»التقفيــل» والكلام الفارغ والانطباعا­ت المكرورة والســمجة. مع ذلك ليس بالوسع إلا أن نقــول إن مــن حقــه تمامــاً أن يفكك، أن يحلّــل ويدحض، ويذهب في الســماجة إلى أي حــد يريد. لكن، ليحاول مرة فقط التضامن مــع زميل صحافــي تعرض للإخفاء القســري )على الأقل(. هل بإمكانه أن يحض على السؤال والبحث؟ هل يجرؤ؟

لن نتعب أنفســنا فــي البحث عــن أجوبة، لا شــيء يزحزح قطيــش عن مثابرته تلك. لقد أثبت فــي الحلقة الأخيرة من «دي ان اي»، الــذي يبث على قنــاة «العربية»، أنه حســم خياره إلى جانب الطاغية. بدا كما لو أنه يهتف «الأسد، أو نحرق البلد».

حــاول قطيش أن يختــم الحلقة، التي حملــت عنوان «قضية خاشقجي..التســريبا­ت تُســابق التحقيق»، بعبــارة ألمعية هي الخلاصة: «الاستمرار بالتسريبات يعني شيئاً واحداً: العنوان جمال خاشــقجي، الهــدف محمد بــن ســلمان». بعدها وضعَ مسافة صمت، ثم تابع يهتف: «كان وسيظل».

أراد المذيــع أن يقول إن الهدف )هدف المؤامرة العالمية طبعاً( كان محمــد بن ســلمان. لكنه أيضــاً أراد أن يبقى لختام خطابه صدى يذهب إلى الأبد عندما قال: «وسيظل».

من دون شــك -وهذه على التضاد من «ربمــا»- أن القتل لم يكــن ممكناً في هذه الجهة من الأرض، وفي كل جهة، لو لم يكن هنالك صحافيــون وإعلاميون منافقــون متواطئون وممهدون للقتلة.

«داعش الوطن»

في مقابلة إذاعية معه لم يترك الفنان الســوري بسام كوسا فساداً في البلاد إلا وأتى على ذكره، من فساد «نقابة الفنانين، إلى «المؤسســة العامة للســينما»، وصولاً إلى أفلامها، التي «لا بــد من رفع القبعــة لها في كل الأحوال، لأنهــا تنتج في ظروف الحــرب»، كما يقــول، ذلك رغــم إقــراره أن الفســاد ليس وليد الحرب فقط.

يتســاءل الفنان من أين يأتــي كل هذا الفســاد إذا كان الكل يتحــدث عنــه وينكره. ثم يصــل للحديث عن «داعــش الوطن»، ذاك الــذي يرمــي بوجهك «كلمــة هالقد عن الوطن ويســكتك»، «ماذا نقول له، هو الذي يسرق قوتك وقوت أهلك وبلدك وبيتك وشوارعك وناسك ومدرستك باسم الوطن».

يقول كوسا عبارته الأخيرة ثم يستدرك ضاحكاً: «ما بعرف إذا راح نرجع عالبيت هلــق». ولعله يقصد أن هؤلاء اللصوص، مــن «دواعــش الوطن»، الــذي ســرقوا كل تلك الأشــياء، قد لا يســمحون له بالعودة إلى البيــت، والعبارة غالباً مــا تلمح إلى أجهــزة الأمن الســورية التي تترصد الســوريين علــى كلمة. لا يمكــن أن يقصد كوســا أحــداً غيرهم ما دام يعيــش في مناطق ســيطرة النظام، هناك حيث لا ســيطرة لتاجر أو مســلح خارج عن القانون.

حديــث كوســا يبــدو مطابقاً لعــدد لا يحصى من نقاشــات الممانعــن ومؤيــدي النظــام، الــذي يدافعــون بــا هــوادة عن النظــام، باعتباره الوطن، وباعتباره دولة المؤسســات، ومن ثم لا يترددون في إعلان خوفهم من أجهزة أمنه!

أي نظام ذاك الذي تدافع عنه إذاً، حين تخشــى أن لا يســمح لــك بالعودة إلــى البيت بســبب كلمتين عن الفســاد! هل نغامر بالاستنتاج إن دفاعك عنه ما هو إلا بسبب ذلك الخوف بالذات؟

مقاتلون مسيحيون على تخوم إدلب

فيديو لـ «بي بي ســي» يحمل عنوان «لماذا أقاتل في صفوف القــوات الســورية» يفرد مســاحة لمقاتــل يصفه بـ «مســيحي ســوري من بلدة ســقيلبية يقاتل ضمن صفوف قــوات الدفاع الوطنــي»، ســنرى فيــه شــموعاً وفضــاء كنســياً وملصقات لمقاتلين بأسماء مسيحية قضوا في «الدفاع الوطني».

الفيديــو يقول إن المقاتــل يقود مجموعة مــن المتطوعين على تخوم إدلب ضد مقاتلي «النصرة التي تنتهج فكر القاعدة».

سيبدو للمشــاهد أن الجهة الأخرى، بملايينها الأربعة، كلها «تنتهــج فكر القاعدة»، فيما هذه الجهة ليس فيها ســوى ضوء الشموع الخافت )شموع المحبة والسلام على ما يقول المقاتل(، ووجــه المقاتل النحيــل، الذي يبدو أن صورتــه اختيرت بعناية ليلعب دور المســيح لا دور مقاتل، وهــو فوق ذلك يروح يتحدث كيف «زرعوا الشر في بلد الخير، بلد الأنبياء».

بالمناســب­ة، مــاذا لو أظهــر فيديو مقاتــاً مســلماً )من دون أن يكــون متحزبــاً لفصيــل إســامي( يصلــي صلاتــه بــورع الشــموع ذاتــه، وكرر عبــارة المقاتل المســيحي نفســها حرفياً «هــم زرعوا )يقصد حكومــات الغرب كجزء مــن مؤامرة تدمير ســوريا، أوروبا، بريطانيــا،..( في بلد الخير، فــي بلد الأنبياء، وسيحصدون ما زرعوا عن قريب في دولهم»! هل كانت «بي بي سي» ســتترك الفيديو يمرّ على هذا النحو؟ أم سيصبح الفيديو حينها ترويجاً لـ «فكر القاعدة»!

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom